الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


08 مارس العيد العالمي للمرأة/ ألف تحيّة لبلابل الحرّيّة

الطايع الهراغي

2023 / 3 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


المرأة، قهرها الزّمن، تحالفت عليها تعاليم السّماء وجنيسها من تعاليم الأرض، وضعيّتها الدّونيّة استحالت لعنة تلاحقها وتلاحق الإنسانيّة.لن تتجاوز البشريّة مرحلة ما قبل التّاريخ ولن تقبر ماضيها البائس ما لم يحصل القطع نهائيّا مع عقدة تفوّق آدم واضطرار حوّاء إلى استرضائه.عنها يقول "مجنون إلـزا"- الشّاعر والرّوائيّ الفرنسيّ لويس أراغون- "المرأة هي مستقبل الرّجل"، وفيها يقول الأديب المهجريّ ميخائيل نعيمة "الرّجل والمرأة جناحا طائر واحد هو البشريّة"، وعنها يقول شيخ الثّوريّين كارل ماركس" التّغيّرات الاجتماعيّة العظيمة مستحيلة دون ثورة نسائيّة، وتقدّم أيّ مجتمع يقاس من خلال وضع المرأة فيه" .
نضالات المرأة(إفرادا وجمعا) فصل من مسيرة الإنسانيّة الطّامحة إلى تجاوز ظلمات ليلها الطّويل وجزء من تاريخ الطبقات الثوريّة في رحلة مقاومتها لعذاباتها وبحثها عن تحرّرها وتحرّر المجتمع للقطع مع ماضي البؤس ونحت موجبات زوال استغلال الإنسان للإنسان. بعض من سير النّساء ومساهماتهنّ في ثورات الشّعوب تستحقّ فعلا أن تُعدّ معلّقات. دونكم هذه العيّنات من مسيرة أيقونات كتبن أسماءهنّ بأحرف تاجيّة وطبعن التّاريخ بنضالات كانت وستظلّ منارة للثّوريّين شرقا وغربا.

++نوّال السّعداوي/ المروق على طاحونة الشّيء المعتاد
"أنا أقول الحقيقة والحقيقة متوحّشة وخطيرة"(نوّال السّعداوي).
ما اختارت أن تكون أنثى ولا "امرأتان في امرأة"[عنوان إحدى رواياتها] .عاشت حالمة ورحلت حالمة.كان هاجسها أن لا تكون- هي وبنات جنسها- رقما في قطيع .وإذا كان لا بدّ من خضوع لقانون جبريّ تسلّطيّ في مجتمع دولته غول ابتلع الجميع، يحتكم إلى عقليّة رجاليّة تقهر أكثريّة من الرّجال وتدوس فيه على عالم النساء. إذا كان لابدّ من ذلك فلتكن جزءا من القطيع الغاضب .كانت واعيّة بأنّها "امرأة في زمن لا يريدون فيه إلاّ الجواري والعبيد.وُلِدت بعقل يفكّر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل".في هذا الإطار تتنزّل عذاباتها وملاحقاتها من سلطة عسكرتاريّة بيروقراطيّة ميزتها استعداء الفكر وتعليبه ومن إكليروس يستمدّ سلطته وسطوته من عراقة مؤسّسة دينيّة رسميّة هي الأزهر.
في سنّ الثّمانين تسامت على أناها كدأبها دوما وذابت في الأنا الجماعيّة. اختارت أن تكون موّالا من مواويل ثورة يناير 2011 في ميدان التّحرير، وهي تدرك أنّها تحتفل رغما عنها بعرس –إذا كُتِب له النّجاح- سينعم به غيرها.عالم موضوعيّا ليس لها، ولكنّه عالم جيل عانت الويلات لتساهم في نحت معالمه. سألتها مذيعة سنة2018 عن إمكانيّة تخفيف حدّة كتاباتها.فكان جوابها "كلاّ، يجب أن أكون أكثر صراحة. يجب أن أكون أكثر عدوانيّة لأنّ العالم بات أكثر عدوانيّة".سجنها بطل السّلام الأعرج السّادات في إطار حملات طالت جلّ معارضيه،وتلكّأ خلفه حسني مبارك في إطلاق سراحها.ولم يفرج عنها إلاّ بعد شهر من اغتيال سلفه (06 أكتوبر1981) .رحل الرّئيس "المؤمن" وتقيّأه التّاريخ فكأن لم يكن، وكنست الثّورة مبارك. وسيظلّ إسم نوّال السّعداوي صنوا للمرأة الحديديّة التي لا سلاح لها غير علمها وعنادها ومثابرتها في إعلاء ما ارتأت أنّه الحقّ،المرأة التي ثارت على أنوثتها، انتصرت لبنات جنسها وعانقت أحلام الثّوريّن نساء ورجالا.و سيبقى نضالها منارة للأجيال اللاّحقة.
من مهازل تاريخنا الحافل بالأعاجيب(ولا زال) أن تُكرّم نوّال السّعداوي من جهات أكاديميّة وبحثيّة أمريكيّة وأوروبيّة وآسويّة، وتُمكّن من التّدريس وإلقاء المحاضرات في جامعاتها وتظلّ غريبة حيث يجب أن تُكرّم: بين بني جلدتها من المصريّين والأعراب. فيا أمّة ضحكت من جبروت حكّامها الأمم .

++ آنّي هوفا كنفاني/ المرأة الاستثنائيّة
يصحّ فيها قول شاعر الثّورة محمود درويش:"فلسطينيّة كانت ولم تزل". وستظــلّ . دانماركيّة المولد والتّنشئة والثّقافة، فلسطينيّة الهوى والانتماء والانغراس. جسّدت بحقّ وبكامل الوعي والالتزام البعد الأمميّ والإنسانيّ للقضيّة الفلسطينيّة. استثنائيّة هذه المرأة في وفائها لأطفال فلسطين ولـ"أرض البرتقال الحزين"وللقضيّة التي استشهد من أجلها زوجها غسّان كنفاني صحبة ابنة أخته لميس حسين نجم(فتاة السّابعة عشرة سنة) صبيحة السّبت 08جويلية 1972في بيروت.جاءت لبنان مطلع السّتينات في زيارة استكشاف لحيثيّات موضوع سمعت عنه وهالها أن تجهل حقيقته.جاءت ضيفة فاستطابت البقاء وباتت أكثرعروبة من كثير من العرب العاربة. لما اغتال الموساد زوجها كانت لا تزال بعدُ شابّة يافعة (32سنة).آثرت دون تردّد، بوعي وبمسؤوليّة البقاء في بيروت -عاصمة بلد الحروب والزّوابع بلا منازع- لتنقطع إلى رعاية الأطفال من مخيّمات فلسطينيّة من خلال "مؤسّسة غسّان كنفاني الثّقافيّة" على العودة إلى بلدها الذي جرى تصنيفه في أكثر من مرّة كــ"أسعد مكان في العالم".لقد أدركت أنّ غسّان سيعيش من خلال كتبه ومن خلال الأطفال. فظلّت لإرثه وفيّة ولحلمه أكثر وفاء. في كلّ لقاءاتها لدوريّات وتلفزات عربيّة لا مكان للتّذمّر في ما تقول .بعد 50سنة على رحيله تؤكّد بشكل جزميّ أنّ غسّان ظلّ بغيابه- وربّما بسبب غيابه- أكثر حضورا، "إنّهم يقتلون الأجساد ولكنّ الفكرة والرّوح لا تُقتل ... أحيانا أتخيّله جالسا معنا.". عنه تكتب رسالة في مجلّة الآداب البيروتيّة عشرين سنة بعد اغتياله عنوانها "إلى غسّان زوجي وأستاذي"، رسالة سيكون كلّ تعليق عليها استنقاصا من قيمتها وخدشا في نبل مشاعر كاتبتها التي وهبت نفسها لفلسطين ولطفليها فايز وليلى بدون كبير ضجيج :"لقد أعطيتني ما يقرب من إحدى عشر سنة هي أجمل ما في حياتي وأشدّها أهميّة.وهي سنوات أعبّ منها العزيمة من أجل مواصلة السّنوات الصّعبة القادمة... يوما ما ستصبح فلسطين ذلك العالم الذي أردت أن تهديه إلى لميس وفايز وليلى وجميع الأطفال الذين لا عالم لهم".

++ فيروز/إعصار الغضب السّاطع
"لولا فيروز لكنت يتيم الأمّ...صوت فيروز وطني" (مارسيل خليفة)
عندما تتلو "جارة القمر"،"العمود السّابع لبعلبك" بصوت ملائكيّ قرآنها تتلاشى المذاهب وتندحر الأديان، تطرب ملائكة السّماء وتصطفّ لتغادر علياءها وتنضمّ إلى عالم التّغريد والإنشاد، تطرب بانتشاء صلوات في هيكل الحبّ المنساب من حنجرة بلبل قُـدّت فقط لتغرّد. ينتصب لبنان واحدا أوحد موحّدا، راية خفّاقة لغضب ساطع، تردّد الكنائس والمعابد والمساجد والأزقّة والخنادق والشّوارع "سنرجع يوما إلى حيّنا..سنرجع خبّرني العندليب". .فيروز لا تشدو وإنّما ترتّل، تترنّم لا أحد يحقّ له اختزال فسيفساء لبنان غير فيروز بإجماع لم تبحث عنه يوما وقلّدها إيّاه اللّبنانيّون والعرب والأصوات الحرّة في أرجاء المعمورة.فيروز هي الشّدو لمّا ينساب ترتيلا، لبنان وقد تحرّر من سطوة الأديان. سحر الشّرق وفتنة الغرب .الثروة الوحيدة التي أفلتت من الاحتكار واستحالت ثروة الجميع. الحنجرة وقد أكسبت الكلمة مذاقا هو على البشاعة احتجاج.

++ألكسندرا كولونتاي/ الشّيوعيّة الثوريّة
البورجوازيّة التي انسلخت عن طبقتها واعتنقت المبادئ الماركسيّة وأخلصت لها كتابة وممارسة. انخرطت في كلّ المعارك التي خاضتها الاشتراكيّة الديمقراطيّة الرّوسيّة لتحرير روسيا من ربق القيصريّة وإقامة المجتمع الاشتراكيّ.ناصرت القضايا النّسائيّة في كلّ مكان،حاضرت وأقامت النّدوات في أكثر من عاصمة، ولكنّها اعتبرت أنّ تحرّر المرأة لن يكون إلاّ بتحرّر المجتمع وأنّ التّغيير لن يحدث إلاّ بتغيير النّظام الاقتصاديّ والاجتماعيّ.
شاركت كولنتاي في الثورات الرّوسيّة الثلاثة:ثورة 1905وثورتيْ فيفري وأكتوبر1917 . .
عنها يقول مارتوف زعيم المناشفة والخصم العنيد للبلاشفة وزعيمهم لينين"يوجد في روسيا شيوعيّان فقط، لينين ومدام كولونتاي".خلال الحرب الأهلية (1918)التي هزّت روسيا ووضعت الثّورة على كفّ عفريت وهدّدت بصفة جدّيّة دولة البلاشفة كان لها شرف النّضال في جبهة القتال. يُحسب لها الدّور الرّياديّ في تشكيل كتلة حزبيّة في ما عرف بالمعارضة العمّاليةّ ضدّا لتوجّه زعيميْ الحزب البلشفي: تروتسكي الدّاعي إلى عسكرة العمل وإخضاع النّقابات لسلطة الحزب ولينين الذي تعمّد تمرير الموقف بتلطيف طرح تروتسكي بالدّعوة إلى تمكين النّقابات من هامش من الاستقلاليّة.

++روزا لوكسمبورغ/ الثّوريّة الحالمة
"إمّا الاشتراكيّة وإمّا البربريّة".تلك هي روزا، الحمراء بحقّ والأمميّة بصدق .استشهادها في سبيل الثّورة الألمانيّة (وهي البولنديّة) يشهد بأمميّتها،و تسلّلها إلى روسيا للالتحاق بالثّورة الرّوسية الأولى 1905 يكشف مدى رومنسيّة هذه الثوريّة الحالمة.
طيلة مسيرتها النّضاليّة اعتبرت رزوا نفسها وصيّة على نقاوة الإرث الماركسيّ كنظريّة ثوريّة لتخليص الطّبقة العاملة من الاستعباد الطبقيّ .في سبيل الوفاء لنظريّة ماركس تمرّدت على رفيقها كارل كاوتسكي الذي يعترف له الجميع بالأبوّة النّظريّة ويقرّ له كلّ تلامذة ماركس بكونه بابا الماركسيّة بعد وفاة واضعيْ أسسها ماركس وأنجلز. لم تخجل من رجمه بالارتداد حالما اصطفّ مع بورجوازية بلاده في حربها الامبرياليّة ناعتة إيّاه ب"قائد المستنقع".
عندما نشر ادوارد برنشتاين الذي لا يرى أحدا سواه وريثا شرعيّا لأنجلز (1886) سلسلسلة مقالات حول مراجعة نظريّة ماركس في مفصلها الأساسيّ المتعلّق بحتميّة انهيار الرّأسماليّة وشدّد على أنّ الرّأسماليّة أثبتت قدرتها على تجاوز أزماتها الدّوريّة، وعليه تظلّ الحركة هي كلّ شيء والهدف لا شيء.المطلوب من الاشتراكيّين الاكتفاء بتحسين وضع العمّال وليس الرّهان على الثورة الاشتراكيّة بما هي إنهاء مع النّظام الرّأسماليّ. ردت روزا بعقليّة المؤتمن قولا وفعلا على تراث ماركس خصوصا والماركسيّة عموما بشكل ساخر كثفته في معادلة مفادها إذا كان برنشتاين على حقّ فإنّ الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة ذاتها(المقصود حزب الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة ونضالاته كما بات ينظّر لها برنشتاين) ليست ضروريّة.أزمة الرّأسماليّة في مرجعيّات روزا هيكليّة وليس دوريّة.الهدف النّهائيّ للثوريّين الثورة وليس الإصلاح، الاشتراكيّة أو السّير قدما إلى البربريّة.
في خضم الثورة الألمايّة (1918/ 1919 )واستفحال الثورة المضادّة كانت كلّ الدّلائل تحيل بالتّصريح إلى أنّ رأس روزا زعيمة رابطة سبارتكوس -ورفيق دربها كارل ليبنيخت- مطلوب.ومع ذلك فضّلت أن لا تهجر السّاحة، ولم تفكّر حتّى في الاخنباء.خيّرت أن تقاسم الطّبقة العاملة أفراحها وأتراحها،هزائمها وانتصاراتها، إذ لا يليق بالثوريّ أن ينسحب من المعركة ساعة الجدّ. اعتبرها لينين نسرا .وما أخطأ. واعتبرها خصومها ومجادلوها العقل الثاني بعد ماركس. وما أخطؤوا .

++ جميلة بو باشا/إحدى أيقونات الثورة الجزائريّة
المرأة في الثورة الجزائريّة، شموخها،عزّها، فخرها وكبرياؤها."الجزائر أمّنا" وليس فرنسا.ذلك هو نشيد جميلات الجزائر: جميلة بوحيرد /جميلة بوعزة/ جميلة بوباشا .
ألقي القبض عليها سنة 1960 في سنّ الثانية والعشرين بتهمة وضع قنابل في مناطق تجمع الفرنسيّين.محاكمتها شكّلت منبرا لتفضح ما تعرّضت إليه من تعذيب وحشيّ .تحوّلت محاكمتها إلى فضيحة في الجزائر وفرنسا. أجبرت العالم على أن يتعاطف معها: لويس أراغون/ جون بول سارتر/ سيمون دي بوفوار/ الرّسّام العالميّ بيكاسو الذي رسمها في لوحة باتت مرجعا. حُكم عليها بالإعدام كما هو منتظر. ولم بقع الإفراج عنها إلاّ بموجب اتّفاقيّات إيفان 1962 .
هذه التي كان نصيبها من التّعذيب ما أفقدها الوعي مرارا وأفلتت من الإعدام بما يشبه ضربة الحظّ، النّضال عندها وسام يُعتزّ به دوما ولا يُتفاخر به أبدا - شأنها شأن جميلة بوحيرد لمّا عرض عليها الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة عضوية مجلس الأمّة - .تاريخها النّضاليّ تاج يزيّن مسيرتها وليس مطيّة وبوّابة لاعتلاء المناصب.ذلك ما ترجمته عمليّا عقب إعلان التّلفزيون الجزائريّ لقائمة الثّلث الرّئاسيّ لمجلس الأمّة في عهد الرّيس عبد المجيد تبّون. كان ردّها في رسالة رسميّة إلى الرّأي العامّ الجزائريّ:"لقد خدمت بلادي كمجاهدة .. وعدت بعدها إلى حياتي كمواطنة وأريد أن أبقى كذلك".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر


.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي




.. ”شكرا للمتظاهرين في أمريكا“.. هكذا كانت رسائل أطفال غزة للجا


.. شعارات المتظاهرين الداعمين لغزة في جامعة كاليفورنيا




.. بدر عريش الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في تصر