الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفاعلية العربية في الأندلس وما جاورها: مقاربة نصية حضارية

صبري فوزي أبوحسين

2023 / 3 / 7
الادب والفن


يلاحظ أن مقولات الصراع أو الصدام بين الحضارات تهيمن في آننا هذا، وتسيطر على رؤى القائمين على هذا الكون والمفكرين في حاله والمستشرفين مستقبله، ولا أدل على ذلك من كتاب "صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي"، المنشور سنة 1996م، للكاتب صامويل فيليبس هنتنجتون، ذلك المفكر السياسي الأمريكي الذي يدعو إلى نظرية صراع الحضارات، والتي تقول بأن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، حيث كان النزاع أيديولوجيًّا بين الرأسمالية والشيوعية، بل ستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنين القادمة؛ حيث سيتخذ النزاع القادم شكلاً مختلفًا وسيكون بين حضارات محتملة، وهي:الحضارة الغربية، والحضارة اللاتينية، والحضارة اليابانية، والحضارة الصينية، والحضارة الهندية، والحضارة الإسلامية، والحضارة الأرثوذكسية، والحضارة الأفريقية، والحضارة البوذية، وهذه المنظمة الثقافية تناقض مفهوم الدولة القومية في العالم المعاصر، كما أن هذا المفكر الأمريكي اتهم العالم الإسلامي بأن حدوده ومناطقه الداخلية دموية! وما أقساه من اتهام، وما أخبثه من تشويه، ومن رؤية عدائية للإسلام والمسلمين!
فما أحوجنا -نحن العرب والمسلمين-في آننا هذا إلى أن نعيش مع كل ما يغرس في نفوسنا الثقة بذواتنا، والإيمان بمنجزاتنا ماضيًا، وبقدراتنا حاضرًا، وباستعداداتنا على الفعل والتأثير في قادم أيامنا، إن شاء الله! وهذا ما يسمى بالفاعلية التي تقابل مفردة (Efficancy) في المعاجم الغربية، وهي تتحدد عند الغربيين بكونها وصفًا لكلِّ شيء فعّال، وقد جاء في كتاب (البحث التحليلي لأوروبا) أنّ الروح – ويقصد بها الفاعلية – هي ذلك الشعور القوي في الإنسان الذي تصدر عنه مخترعاته وتصوراته، وتبليغه لرسالته، وقدرته الخفية على إدراك الأشياء. وقد عرّف المفكر الجزائري مالك بن نبي(1905-1973م) الفاعلية بأنها: قوة كافية داخلية تبعث في النفس القدرة على العمل والحركة: حركة الإنسان في صناعة التاريخ، حيث يقرر أنه إذا تحرّك الإنسان تحرّك المجتمع والتاريخ، وإذا سَكَنَ سكن المجتمع والتاريخ. فما أحوج الإنسان العربي إلى هذه القوة الداخلية التي تحركه! وهي مفتاح من مفاتيح التقدم والحداثة، لمن يريد!
ومن ثم كانت ورقتي هذه (الفاعلية العربية في الأندلس: مقاربة نصية حضارية) التي أشرف بتقديمها إلى المؤتمر الدولي السابع لكلية اللغة العربية بالزقازيق بجامعة الأزهر، والمعنون بـ(معالم الحركة الأدبية في الأندلس ودورها في النهضة الأوربية)، والمنعقد في7-9/مارس سنة 2023م، وهي -في نظري- محاولة علمية أولى لتقديم أدلة نصية على الفاعلية العربية الإيجابية الهادفة والبنّاءة والخيِّرة والمعمِّرة في غير العرب، وغير المسلمين، عبر مثاقفة واعية نصية وحضارية لهذا التراث العربي الإنساني الذاخر في الأندلس من خلال التلاقح العقلي بين الأدب العربي والإسباني الذي وصل أثره إلى مدن في جنوب فرنسا، وفي صقلية وإيطاليا،... وغير ذلك من البقاع الأوربية التي شهدت احتكاكًا واتصالاً بين العرب وغيرهم. إنها مثاقفة ترد على هذا الاتهام وهذا التشويه المُدبَّر والمضخَّم والمُفتَعل كل وقت وحين! إنها مثاقفة تدل على الوجه الجميل الراقي النبيل للعقل العربي المسلم، ولأثر الإبداع العربي الباني في غيرنا من وندال، وقوط، ورومان، وإسبان وقشتاليين وغيرهم من أهل الأندلس قبل الفتح العربي الإسلامي لها! إنها محاولة للدفاع والحماية من الهيمنة الغربية أو الشرقية، ومحاولة للحماية من التذويب أو التغريب أو التشريق، ومحاولة لبناء الذات العربية الأصيلة المستقلة والمقاومة والفاتحة والغازية بإذن الله تعالى... مثاقفة في جماليّات النصّ الأدبيّ العربيّ في الأندلس، تحلل المفردات والتراكيب الحضاريّة العربيّة الفاعلة في الآخر؛ فقد بلغ من صدق الأدب العربي في الأندلس الباهر أن تأثيره لم يقف عند الحدود السياسية لدولة الإسلام في الأندلس، ولهذا لم يقتصر على المسلمين وحدهم! بل كان له أثر بعيد عند النصارى واليهود المستعربين، كما كان له أثر على الممالك النصرانية وعلى أوروبا كلها ...ولست أول من عرض هذه الفاعلية العربية في الأندلس؛ فقد سبقتني فيها دراسات كثيرة؛ إذ لا يكاد يذكر التاريخ العربي في الأندلس في أي كتاب مؤلف أو بحث علمي إلا يذكر معه الأثر الأدبي العربي في الأندلس وأروربا قديمًا وحديثًا!
ولكن حسبي هنا أنني أعرضها عرضًا تعليميًّا دعويًّا ميسرًا ومكثفًا، من خلال منهج النقد الأدبي الحضاري الذي ما يزال يهيمن على الخطاب الراهن منذ نهاية الألفية الثانية عند مجموعة من كبار المفكرين الثقافيين الكونيين أمثال: بورديو، ودريدا، وإدوارد سعيد، ونعوم تشومسكي، وفوكوياما، وهونتغنتون، وغيرهم، وهذا المنهج يهتم بإنشاء علاقة سياسية بين النص الأدبي والواقع محليًّا وقوميًّا وعالميًّا، ويرتبط بالوعي الإنساني وما يتطلّبه من تأمّل الكون، وتأمّل إنجازات البشريّة، و يرتبط -كذلك-بمضامين الحضارة الإنسانية ارتباطًا وثيقًا، وهي مضامين تحمل قِيَمًا كونيّة مشتركة، ترتقي بسلوك الإنسان، كما يعنى هذا المنهج بالموقف من الآخر سلبًا وإيجابًا، فعلا وانفعالا، ويهتم في مجال الأدب بالبعدين: الإنساني الإيجابي، والأيدلوجي السلبي للحضارة.
وأقترح أن تنجز هذه الورقة عبر المحاور الآتية:
المحور الأول: مسيرة الفاعلية العربية في الأندلس
المحور الثاني: دلائل نصية على الفاعلية العربية في الأندلس
المحور الثالث: آثار حضارية للفاعلية العربية في الأندلس
المحور الرابع:استثمار عصري للفاعلية العربية في الأندلس
وإلى الله يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصيحة من دهب من الفنان محمد التاجى لبناته عند زواجهم


.. شاهد: كيف يعمل جيل جديد من الفنانين على إضافة لمسات عصرية عل




.. مراجعة ليلة الامتحان في اللغة الفرنسية - ثانوية عامة 2023


.. كذبة كبيرة فيلم لبناني جديد في الصالات السينمائية.. اليكم تف




.. حكايتي على العربية | موهبة عجيبة .. تخفي عيوب السيارات بالرس