الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد.. غول يتهدد الأخضر واليابس

إكرام يوسف

2006 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


الرشاوى في العالم العربي تكفي تشغيل20 مليون عاطل سنويا


مع بداية شهر رمضان الكريم شاهدنا إعلانا في التليفزيون يطلب تبرعات لما يسمى "بنك الطعام" الذي يهدف "لمكافحة الجوع في مصر" ورغم قسوة التعبير الصادم إلا أنه يلقي الضوء على حقيقة أصبح لا مهرب من مواجهتها؛ وهي أن الجوع بات خطرا داهما في بلد كانت تتردد فيه منذ أزمان مقولة "ماحدش بيموت من الجوع".. ومنذ أيام قرأنا عن قصة طلاب الجامعة الثلاثة الذين ألقي القبض عليهم متلبسين بتهمة التسول لأنهم لم يجدوا ما يسد رمق عوائلهم أونفقات دراستهم؛ وأمثلة كثيرة سببها الجوع تراوحت بين اللجوء للتطرف أو الجريمة ..وبلغت حالات الانتحار. ولا مفر من أن تستدعي هذه الأمثلة للذهن أمثلة أخرى على الطرف الثاني من المعادلة؛ تتعلق بقضايا الفساد ونهب المال العام بالملايين التي تكشفت، وتلك التي تتردد عنها الأقاويل ولم يكشف عنها الستار ؛ وغيرها مما لازال في طي الكتمان ولم تفح روائحه بعد.. الأمر الذي دفع بأحد كبار المسؤولين المصريين لإطلاق صيحته الشهيرة "الفساد أصبح للركب".

ظاهرة عالمية.. ولكن

ولا يمكن لمنصف أن يشكك في أن الفساد ظاهرة عالمية بالفعل لا يخلو منها مجتمع.. بل أن معظم بلدان العالم المتقدمة تعلن بين حين وآخر عن فضائح هائلة تتعلق بذمم مسئولين أو مصداقية مؤسسات عملاقة. ولم يقل أحد أن فساد الذمم لم يظهر إلا في عصرنا مثلا دليلا على اقتراب يوم القيامة؛ فالتاريخ حافل بأنواع الفساد منذ بداية ظهور المجتمعات. لكن مستويات الفساد تتفاوت ؛ سواء من حيث الحجم أو من حيث تداعياته التي تصل إلى حد وقوع نسبة غالبة من المواطنين في قبضة الجوع.. ولاشك أن قضية استشراء الفساد في العالم باتت تؤرق المسؤولين والمحللين والمنظمات الدولية أيضا؛ على النحو الذي دعا إلى إنشاء عدد من المنظمات المعنية بمكافحة الفساد؛ ومن بين هذه المنظمات "منظمة الشفافية الدولية" التي أنشئت عام 1995 ترفع شعار "الاتحاد العالمي ضد الفساد" ؛ وهي منظمة غير حكومية مقرها برلين ، تهدف بحسب بيان تأسيسها إلى مساعدة الدول والأفراد الراغبين في الحياة النزيهة؛ بعد انتشار الفساد المالي والإداري ـ سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي ـ وعجز المؤسسات القطرية عن مواجهته، بعدما تحول إلى غول يلتهم ليس فقط جهود التنمية المحلية؛ بل أيضا الجهود الدولية المتمثلة في المنح والمعونات والقروض. وقد دأبت المنظمة على إصدار تقرير سنوي بعنوان "مؤشر مدركات الفساد "عن تصنيف نسب "تفشي الفساد" أو "الشفافية" في نحو 159 دولة . ورغم أن اسم المؤشر يدل على كون ما يقدمه ليس أرقاما دقيقة عن حجم الظاهرة؛ وإنما مجرد الانطباعات العالمية إزاء الفساد، مبنية على دراسات أكاديمية وأرقام وخبرات ميدانية، إلا أنه يظل له قيمته من حيث كونه دلالة لها قيمتها. حيث يبنى المؤشر على رأي جملة من المختصين ومن لديهم تجارب عملية في الدول المعنية، التي شملتها دراسات من 10 مؤسسات، وذلك بعد تحليل ردود أكثر من 50 ألف من رجال الأعمال والأكاديميين والإعلاميين والمختصين. كما أنه ليس هناك حتى الآن ما يمكن أن يكون مصدرا دقيقا لحجم الفساد المالي والإداري في مختلف بلدان العالم الذي يزيد بلا شك كثيرا عن المستويات التي سجلها التقرير .
وفي تقرير مؤشر مدركات الفساد لعام 2005 الذي أعلنته المنظمة مؤخرا؛ اتضح أن الفساد أصبح سائدا في 70 دولة من 159 دولة شملتها الدراسة. وحسب قول بيتر آيجن عميد منظمة الشفافية الدولية؛ فالفساد "عائق مهدد للتنمية والاستثمارات الأجنبية ومسبب أساسي للفقر وعائق أمام تجاوزه. ولم يظهر من بين الدول العربية في خانة الدول ذات النسب الأعلى في الشفافية سوى عمان ثم الإمارات فقطر والبحرين؛ بينما جاءت مصر في المركز 72 على مؤشر الشفافية!.
أضف إلى ذلك رقما موجعا آخر؛ هو حجم الرشى السنوية في العالم العربي الذي بلغ 300 مليار دولار سنويا؛ وفقا لبيانات معهد البنك الدولي ـ ما يقترب من نصف حجم الناتج المحلي الإجمالي للعالم العربي (770 مليارا) ـ بل أن ما يدخل جيوب المرتشين في بلداننا يمكن أن يوفر ـ كما قال الدكتور إبراهيم قويدر المدير العام لمنظمة العمل العربية في حديث له مع قناة الجزيرة ـ 20 مليون فرصة عمل للشباب العربي، كما كان من الممكن لهذا المبلغ أن يرفع مستوى دخل افرد العربي إلى ثمانية آلاف دولار في السنة. فإذا كان حجم البطالة في العالم العربي وفق ما توقع الدكتور قويدر نفسه في المنتدى الاقتصادي الأخير مائة مليون عاطل عربي؛ بما ينذر بأن تصل نسبة البطالة في عالمنا إلى 40 في المائة؛ ألا يشير هذا إلى حجم الخطر الذي يمثله الفساد على مجتمعاتنا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا؟.

دور الدولة والشفافية

الملفت للنظر أن المراكز الأولى في قائمة الشفافية في العالم تتربع عليها عادة الدول الاسكندنافية؛ وفي التقرير الأخير لمدركات الفساد جاءت إيسلاند وفنلندا في المرتبتين الأولى والثانية كأكثر الدول نزاهة وشفافية، بينما تربعت سويسرا على قائمة الدول الأقل ارتشاء في العالم؛ وهي الدول التي تتميز بتنامي دور الدولة، وضخامة حجم القطاع العام؛ كما تتبنى نظام الضرائب التصاعدية؛ الأمر الذي ينعكس على تميز الرفاهة الاجتماعية للمواطنين الذي يجعل الدولة مسئولة عن رفاهة المواطن من المهد إلى اللحد. وهو الأمر الذي يدحض ما يردده المطالبين بتقليص دور الدولة ويهاجمون القطاع العام.ألا يدعونا ذلك للتريث قليلا وإعادة النظر في سياسات اندفعنا إليها دون روية؛ لم نكسب منها إلا ازدياد حالات الفساد وما يتبعها من تدهور المستوى الاقتصادي للمواطنين وضياع الشباب وسط بطالة وجرائم وإرهاب وانتحار؟ خاصة إذا علمنا أن هناك أكثر من 70 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر.
ولا شك استشراء ظاهرة الفساد بما تمثله من تهديد لاستقرار مختلف المجتمعات كان دافعا لجهود المنظمات الدولية والإقليمية لكبح هذه الظاهرة، بما في ذلك مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومنظمة الدول الأمريكية ومجلس التعاون الجمركي (المعروف أيضا باسم المنظمة العالمية للجمارك) وجامعة الدول العربية. ونجم عن هذه الجهود توقيع العديد من الاتفاقيات متعددة الأطراف لمنع الفساد ومكافحته، بما فيها اتفاقية البلدان الأمريكية لمكافحة الفساد، التي اعتمدتها منظمة الدول الأمريكية في 29 مارس 1996، واتفاقية مكافحة الفساد بين موظفي الجماعات الأوروبية أو موظفي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبـي، التي اعتمدها مجلس الاتحاد الأوروبـي في 26 مايـو 1997، واتفاقية مكافحة رشو الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية، التي اعتمدتها منظمــة التعــاون والتنميـــة في الميدان الاقتصـــادي في 21 نوفمــبر 1997، واتفاقية القانون الجنائي بشأن الفساد، التي اعتمدتها اللجنة الوزارية لمجلس أوروبا في 27 يناير 1999، واتفاقية القانون المدني بشأن الفساد، التي اعتمدتـها اللجنـــة الوزارية لمجلس أوروبـــا في 4 نوفمبر 1999، واتفاقية الاتحاد الأفريقي لمنع الفساد ومحاربته، التي اعتمدها رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في 12 يوليه 2003. ثم توج ذلك كله باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقع عليها حتى الآن 137 دولة. وقد اتفقت هذه الاتفاقيات جميعا؛ وإن بصيغ مختلفة على أن أهم سبل مكافحة الفساد في العالم؛ تعزيز التشريعات التي تجرم التربح غير المشروع من المال العام أو الوظيفة العامة؛والحزم في تطبيقها؛ و"تجسيد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشئون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة" كما جاء في بنود اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفسادـ التي لم تطالب بالتخلص من القطاع العام مثلما ينادي البعض عندنا ـ رغم أن تقارير الشفافية أوضحت أن أكثر البلدان بعدا عن الفساد والرشوة كانت هي البلدان الاسكندنافية صاحبة أكبر نظم القطاع العام كما أسلفنا ـ وإنما؛ أوصت الاتفاقية فيما يتعلق بالقطاع العام بما يلي:
تسعى كل دولة طرف، حيثما اقتضى الأمر ووفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، إلى اعتماد وترسيخ وتدعيم نظم لتوظيف المستخدمين المدنيين، وغيرهم من الموظفين العموميين غير المنتخبين عند الاقتضاء، واستخدامهم واستبقائهم وترقيتهم وإحالتهم على التقاعد تتسم بأنها:
(أ) تقوم على مبادئ الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية، مثل الجدارة والإنصاف والأهلية؛
(ب) تشتمل على إجراءات مناسبة لاختيار وتدريب أفراد لتولي المناصب العمومية التي تعتبر عرضة للفساد بصفة خاصة وضمان تناوبهم على المناصب عند الاقتضاء؛
(ج) تشجع على تقديم أجور كافية ووضع جداول أجور منصفة، مع مراعاة مستوى النمو الاقتصادي للدولة الطرف المعنية؛
(د) تشجع على وضع برامج تعليمية وتدريبية لتمكين أولئك الموظفين من الوفاء بمتطلبات الأداء الصحيح والمشرّف والسليم للوظائف العمومية، وتوفر لهم التدريب المتخصص والمناسب من أجل إذكاء وعيهم بمخاطر الفساد الملازمة لأداء وظائفهم. ويجوز أن تشير هذه البرامج إلى مدونات أو معايير سلوكية في المجالات التي تنطبق عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كا?س العالم للرياضات الا?لكترونية مع تركي وعلاء ???? | 1v1 ب


.. فـرنـسـا: أي اسـتـراتـيـجـيـة أمـام الـتـجـمـع الـوطـنـي؟ •




.. إصابة عشرات الركاب بطائرة تعرضت لمطبات هوائية شديدة


.. حزب الله يحرّم الشمال على إسرائيل.. وتوقيت الحرب تحدّد! | #ا




.. أنقرة ودمشق .. أحداث -قيصري- تخلط أوراق التقارب.|#غرفة_الأخب