الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلتَّقاعُدُ آلأَخيرُ لمالك بن حريم الهمداني

عبد الله خطوري

2023 / 3 / 7
الادب والفن


خاطرة بخصوص عينية مختارة من(الأصمعيات)للشاعر مالك بن حريم الهمدانـــي
●أولا/النص:قال مالك بن حريم الهمداني (من بحر الطويل):

جَزِعْتَ ولمْ تَجْزَعْ مِنَ آلشَيْبِ مَجْزَعا
وقدْ فاتَ رِبْعيُّ آلشَبابِ فودعا
وَلاحَ بَياضٌ في سَوادٍ كَأَنَّهُ
صِوارٌ بِجَوٍّ كانَ جَدباً فَأَمرَعا
وَأَقبَلَ إِخوانُ الصَفاءِ فَأَوضَعوا
إِلى كُلِّ أَحوى في المَقامَةِ أَفرَعا

تَذَكَّرتُ سَلمى وَالرِكابُ كَأَنَّها
قَطًا وارِدٌ بَينَ اللِفاظِ وَلَعلَعا
فَحَدَّثتُ نَفسي أَنَّها أَو خَيالها
أَتانا عَشاء حينَ قُمنا لِنَهجَعا
فَقُلتُ لَها بيتي لَدَينا وَعَرِّسي
وَما طَرَقَت بِعدَ الرقادِ لِتَنفَعا
مُنَعَّمَةٌ لَم تَلقَ في العَيشِ تَرحَةً
وَلَو تَلقَ بؤسًا عَندَ ذاكَ فَتَجدَعا
أَهيمُ بِها لَم أَقضَ مِنها لُبانَةً
وَكُنتُ بَها في سالِفِ الدَهرِ موزِعا
كَأَنَّ جَنى الكافورِ وَالمِسكِ خالِصاً
وَبَردَ النَدى وَالأُقحُوانَ المُنَزَّعا
وَقَلتاً قرت فيهِ السَحابَةُ ماءَها
بِأَنيابِها وَالفارِسِيَّ المُشَعشَعا

وَإِنّي لَأَستَحيي مِن المَشيِ أَبتَغي
إِلى غَيرِ ذي المَجدِ المُؤَثَّلِ مَطَمعا
وَأُكرِمُ نَفسي عَن أُمورٍ كَثيرَةٍ
حِفاظاً وَأَنهى شُحَّها أَن تَطَلَّعا
وَآخُذُ لِلمولى إِذا ضيمَ حَقَّهُ
مِنَ الأَعيَطِ الآبي إِذا ما تَمَنَّعا
فَإِن يَكُ شابَ الرَأسُ مِنّي فَإِنَّني
أَبيتُ عَلى نَفسي مَناقِبَ أَربَعا
فَواحِدَةٌ أَن لا أَبيتَ بِغِرَّةٍ
إِذا ما سَوامُ الحَيِّ حَولي تَضَوَّعا
وَثانِيَةٌ أَن لا أُصَمِّتُ كَلبَنا
إِذا نَزَلَ الأَضيافُ حِرصاً لِنودَعا
وَثالِثَةٌ أَن تُقَذَّعَ جارَتي
إِذا كانَ جارُ القَومِ فيهِم مُقَذَعا
وَرابِعَةٌ أَن لا أُحَجِّلَ قِدرَنا
عَلى لَحمِها حنَ الشِتاءَ لِنَشبَعا
وَإِنّي لَأُعدي الخَيلَ تُقدَعُ بِالقَنا
حَفاظاً عَلى المَلاى الحَريدِ لِيُمنَعا

وَنَحنُ جَلَبنا الخَيلَ مِن سَروِ حِميَرٍ
إِلى أَن وَطَئنا أَرضَ خَثعَمَ أَجمَعا
فَمَن يِأتِنا أَو يَعتَرِض بِسَبيلِنا
يَجِد أَثَراً دَعساً وَسَخلاً مُوَضَّعا
وَيَلقَ سَقيطا مِن نِعالٍ كَثيرَةٍ
إِذا خَدَمُ الأَرساغِ يَوماً أَلحَموهُ مُقَطَّعا
إِذا ما بَعيرٌ قامَ عُلِّقَ رَحلُهُ
وَإِن هُوَ أَنقى أَلحَموهُ مُقَطَّعا
نُريدُ بَني الخَيفانِ إِنَّ دِماءَهُم
شِفاءٌ وَما والى زُبَيدٌ وَجَمَّعا
يَقودُ بِأَرسان الجِيادِ سَراتُنا
لِيَنقِمنَ وِترًا أَو لِيَدفَعنَ مَدفَعا
تَرى المُهرَةَ الرَوعاءَ تَنفُضُ رَأسَها
كَلالاً وَأَيناً وَالكُمَيتَ المُقَزَّعا
وَنَخلَعُ نَعلَ العَبدِ مِن سوءِ قَودِهِ
لِكَيما يَكونَ العَبدُ لِلسَهلِ أَضرَعا
وَقَد وَعَدوهُ عُقبة فَمَشى لَها
فَما نالَها حَتّى رَأى الصُبحَ أَدرَعا
وَأَوسَعنَ عقبيه دِماء فَأَصبَحَت
أَصابِعُ رِجلَيهِ رَواعِفَ دُمَّعا
طَلَعنَ هِضاباً ثُمَّ عالَينَ قَنَّةً
وَجاوَزنَ خَيفاً ثُمَّ أَسهَلنَ بَلقَعا
وَتَهدي بِيَ الخَيلَ المُغيرَةَ نَهدَةٌ
إِذا ضَبَرَت صابَت قَوائِمُها مَعا
إِذا وَقَعَت إِحدى يَدَيها بِثَبرَةٍ
تَجاوَبَ أَثناءُ الثَلاثِ بِدَعدَعا
قُوَيرِحُ سَبعٍ أَو ثَمانٍ تَرى لَها
إِذا اِعرَورَتِ البَيداءُ مَشياً هَمَلَّعا
فَأَصبَحنَ لَم يَترُكنَ وِتراً عَلِمتُهُ
لِهَمدانَ في سَعدٍ وَأَصبَحنَ طُلَّعا
مُقَرَّبَةٌ أَدنَيتُها وَاِفتَلَيتُها
لِتَشهَدَ غُنماً أَو لِتَدفَعَ مَدفَعا
تَشَكّينَ مِن أَعضادِها حينَ مَشيِها
أَمِ القَضُّ مِن تَحتِ الدَوابِرِ أَوجَعا

وَمِنّا رَئيسُ يُستَضاءُ بِرَأيِهِ
سَناءً وَحُلماً فيهِ فَاِجتَمَعا مَعا
وَسارع أَقوامٌ لِمَجدٍ فَقَصَّروا
وَقارَبَها زَيدُ بنُ قَيسٍ فَأَسرَعا
وَلا يَسأَلَ الضَعيفُ الغَريبُ إِذا شَتا
بِما زَخَرَتِ قِدري لَهُ حينَ وَدَّعا
فَإِن يَكُ غَثّاً أَو سَميناً فَإِنَّني
سَأَجعَلُ عَينَيهِ لِنَفسِهِ مَقنَعا
إِذا حَلَّ قَومي كُنتُ أَوسَطَ دارِهِمِ
وَلا أَبتَغي عِندَ الثَنَيَّةِ مَطلَعا


●الشاعر :
هو مالك بن حريم الهمداني شاعر فحل في العصر"الجاهلي".حياته كانت تشبه حياة(الصعاليك)الذين كانوا يغيرون على قوافل الأغنياء فيسرقونها ويتقاسموها مع المفقرين في ذاك العصر..

●مقاربة:
تبدو القصيدة خماسية آلمقاطع ببناء قديم متعدد آلأغراض يسير على عادة شعراء العصر بآستهلال ذاتي، ونسيب شفيف، وآعتزاز بالذات، وهجوم على آلأغيار وخاتمة مديح آنتماء للقبيلة...
إن الشاعر،هنا، يستحضر ذاته المفردة في البداية والنهاية مما يعكس آحتفاء كبيرا بها(على غرار شعر جماعة صعاليك تلك الفترة)..الذات هي المبتدأ هي المنتهى إلا أنها في بداية القصيدة كانت عاجزة نظرا لعوامل الشيخوخة وكبر السن وعدم القدرة على الوصال مع الأنثى المرأة مما جعلها تستعين بالذاكرة..ذاكرة الأيام الخوالي إذِ الشباب والفتوة والقوة والبأس في ذروة جأشها.. وإذْ لم يكف الشاعر ذلك ولم يشف غليله، استعان بصفات المروءة والجود والفروسية والشهامة والإباء والنبالة التي كان يتصف بها ومازال، وقد جمع ذلك في مناقب أربعة على غرار(ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى..طرفة بن العبد):

فإن يك شاب الرأس مني فإنني
أتيت على نفسي مناقبَ أربعا
فواحدةٌ ألا أبيت بغِرَّة
إذا ما سَوام الحي حولي تَضَوَّعَا
وثانيةٌ ألا أصَمِّتَ كلبنا
إذا نزل الاضياف حرصا لنودعا
وثالثةٌ ألا تُقذع جارتي
إذا كان جار القوم فيهم مقذَّعا
ورابعةٌ ألا أحجلَ قِدْرنا
على لحمِها حين الشتاء لنَشْبَعا

بيد أنه ظل وحيدا رغم ذلك متشظيا بين ذوات متعددة في ذات واحدة، ولعل ذلك ما يفسر ذاك التراوح في آستعمال آلضمائر بين:أنتَ يخاطب بها الشاعر نفسه على سبيل أسلوب التجريد، وأنا المفردة المتكلمة المتيمة، ونحن الذات الذائبة في جماعة القبيلة في مواجهة ضمير الغائب الجمع(هم)الذي يحيل على آلأغيار من الخصوم والقبائل الأخرى المعاندة..بينما تظل(هي/الأنثى)ذاك الطيف آلشفيف لكينونة غائبةٍ مثال في الشباب والجمال والحسن والفتوة،(سلمى)اسم على مسمى سليمة من أسباب الهرم والعطب وآحتمال آلعثرات..إنها جزيرة معزولة لوحدها تُستحضر بصفات ما يجب أن يكون في الموصوف النموذج تماما كتماثيل آلإغريق وآلرومان وآلهندوس..إنها الأنثى النموذج التي لا تعتريها ألوان التحول وصروف آلآفات.. أما هو فضئيل أمام جلالها، متغير أمام تباتها، متيم إزاء لا مبالاتها، معذب محرق قريب بعيد يقتات آلخيالَ وتزدرده اللواعج التي لا تكل ولا تهدأ(أَهيمُ بِها لَم أَقضَ مِنها لُبانَةً)إنها آمرأة متعالية على قماءة البيولوجيا وصلافة الفيزياء التي تغرق فيها آدميته الترابية آلمنهارة..ومثل ذا آلسمت في القول الشعري، نلفيه عند كثيرين سواء لدى المتقدمين أو آلمتأخرين، فهذا جميل بن معمر يقول فيما يشبه التعجب والحسرة والاستنكار والرفض لهذه الثنائية غير العادلة:

تَقولُ بُثَينَةُ لَمّا رَأَت
فُنوناً مِنَ الشَعَرِ الأَحمَرِ
كَبِرتَ جَميلُ وَأَودى الشَبابُ
فَقُلتُ بُثَينَ أَلا فَاقصُري
أَتَنسينَ أَيّامَنا بِاللِوى
وَأَيّامَنا بِذَوي الأَجفَرِ
أَما كُنتِ أَبصَرتِني مَرَّةً
لَيالِيَ نَحنُ بِذي جَهوَرِ
لَيالِيَ أَنتُم لَنا جيرَةٌ
أَلا تَذكُرينَ بَلى فَاِذكُري
وَإِذ أَنا أَغيَدُ غَضُّ الشَبابِ
أَجُرُّ الرِداءَ مَعَ المِئزَرِ
وَإِذ لِمَّتي كَجَناحِ الغُرابِ
تُرَجَّلُ بِالمِسكِ وَالعَنبَرِ
فَغَيَّرَ ذَلِكَ ما تَعلَمينَ
تَغَيُّرَ ذا الزَمَنِ المُنكَرِ
وَأَنتِ كَلُؤلُؤَةِ المَرزُبانِ
بِماءِ شَبابِكِ لَم تُعصِري
قَريبانِ مَربَعُنا واحِدٌ
فَكَيفَ كَبِرتُ وَلَم تَكبَري

إنه يلجأ الى جماعة القبيلة ينصهر فيها لتجاوز عجزه الذي آستهل به القصيدة ليغدو واسطة عقدها يعينها بفصاحته وتعينه في آستعادة الزمن المفقود على حد تعبير الأديب الفرنسي"مارسيل بروست"(وهنا يجمع الشاعر آنتكاستيْن:نفسية وآجتماعية..لا مناص من النكوص الى الماضي ولا مهرب من سلطة القبيلة إلا بآلانغماس فيها)، فآنغمس مهادنا مرغما مستسلما لبؤرة جماعة القبيلة التي تمرد عليها سابقا، متغنيا ببطولاتها وقوتها وحكمتها وشهامة ساداتها وفرسانها ليصل في النهاية إلى خاتمة آرتاحت لها نفسه، حيث نلفيه في البيت الأخير واسطةَ عقد قبيلته(تذوب أنا/الشاعر في نحن/القبيلة)، لينهي لواعجه الثكلى بآستراحة محارب يترقب معركة حياة جديدة قبل أن يعلن آلموتُ تقاعدَه آلأخير...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو اكثر شيء يزعج نوال الزغبي ؟??


.. -احذر من صعود المتطرفين-.. الفنان فضيل يتحدث عن الانتخابات ا




.. الفنان فضيل يغني في صباح العربية مقطعا من أحدث أغانيه -مونيك


.. مشروع فني قريب بين الفنان فضيل وديانا حداد وجيبسي كينغ




.. أغنية -عبد القادر- بصوت الفنان فضيل في صباح العربية