الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف خلقت -قرارات اعفاء الابنية -التركية قنبلة موقوتة

دلير زنكنة

2023 / 3 / 7
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


كيت هارينجتون
ترجمة دلير زنگنة

في عام 2018 ، تفاخر الرئيس التركي أردوغان بأن "عفوًا" يسمح للبنائين بتجاهل قوانين السلامة قد "حل مشاكل الإسكان لـ 144556 شخصًا". في الزلزال الذي وقع الشهر الماضي ، قُتل عشرات الآلاف من هؤلاء.
……………………
أمام مبنى سكني منهار في مدينة اصلاحية Islahiye بشرق تركيا ، كومة من الأنقاض تكبر يومًا بعد يوم. يقوم عمال الإنقاذ - معظمهم من المتطوعين ، وكثير منهم أجانب -بحفظ أجزاء وقطع من حياة الناس يجب إزالتها للوصول إلى الجثث. كتب ، فساتين ، كراسي ، لعب دراجات. انهار مبنى سكني و وقع على الشارع واختلط مع كومة الحطام. المخلفات واسعة النطاق - السلالم والجدران والأعمدة والسقوف والأرضيات - تختلط بالمخلفات العادية. صور الزفاف ، دمى الدببة.

يأخذني رجل يدعى محمد علي. إنه مضطرب بشدة - يلبس سترة مموهة خضراء ، تنتفخ عيناه من تحت حافة قبعة سميكة. يحاول أن يخبرني بشيء ، لكن كلماته مختلطة. يقول "الأعمدة"، "معدن" عندما تفشل الكلمات ، يشير إلى كومة الأنقاض أمامنا ثم يسحبني نحوها. يشير إلي أن أجلس القرفصاء وأنظر إلى المخلفات.

كل عمود ، يزيد عرضه عن متر ، مدعوم بقطع قليلة من حديد التسليح - بمعدل ستة قطع لكل متر مربع. يمد محمد علي جسمه لأسفل ويسحب قطعة من اسمنت العمود بأصابعه، و يحملها في يده، و عندما يقبض ، تنهار في يده.

يقول: "أطفالي هناك": ابنه وزوجته وابنتهما الصغيرة التي كانت تبلغ من العمر أربع سنوات فقط. فوق كومة الأنقاض الهائلة ، يعمل فريق بحث إيراني على انتشال أسرة مكونة من ثمانية أفراد ، سحقهم وزن منزلهم. إنه اليوم السابع بعد الزلزال ، ولم يتمكن عمال الإنقاذ من الوصول إليه إلا من الطابق السادس إلى الطابق الرابع من المبنى. خلال الساعتين التي نقفها أمام المبنى ، تمكنوا من انتشال جثة واحدة ، وهي جثة رجل في منتصف العمر ، بقميص أزرق وبنطلون رياضي رمادي. زوجته وأطفاله الستة - كما تقول الشرطة - ما زالوا مدفونين. عندما أخرجوه ، كان شقيقه ينتظر في الشارع يصرخ.

يقول محمد علي إن ابنه وعائلته كانوا في الشقة التابعة لهذه العائلة الكبيرة. يقول إنه كان في الموقع كل يوم لمدة أسبوع ، مصدوم في شبه خرس و عدم تصديق. من الواضح أن صدمته بدأت تتحول إلى غضب. يومًا بعد يوم ، ينتظر أطفاله ، ويحدق في قطع المبنى الذي تم تشييده بشكل رديء والذي قتلهم.

"فقط هذا ، هذا كل ما وضعوه" ، تمكن من القول ، مشيرًا إلى درج رخامي به قطعة معدنية واحدة في كل درجة ، "هذا كل ما كان يمسكها." ضابط شرطة يضع يده على كتفه. يقول: "هذا يكفي يا عمي" ويوجهه بعيدًا.

تعرضت الحكومة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية المحافظ التابع له لانتقادات واسعة في أعقاب زلزالين بقوة 7.8 و 7.6 درجة ضربا جنوب شرق تركيا في 6 فبراير. مات الناس وتشرد الملايين ، على الرغم من أن الخبراء يقدرون أن عدد القتلى أعلى من ذلك بكثير ، أقرب إلى مائتي ألف. يقولون إن حجم الدمار وعدد القتلى مرتبطان ارتباطًا مباشرًا بسياسات الحكومة التي سمحت للمطورين بالالتفاف على قوانين البناء ، فضلاً عن الرد الحكومي المتأخر.

تأخرت فرق البحث والإنقاذ والمساعدات في الوصول ، ولم يقم الرئيس برد منسق إلا بعد ثلاثة أيام من وقوع الزلزال. قال العديد من الضحايا ، بمن فيهم أولئك الموجودون في مدينة إصلاحية، إنهم سمعوا أشخاصًا محاصرين تحت الأنقاض في الأيام الأولى بعد الزلزال. بحلول الوقت الذي وصلت فيه المعدات الثقيلة ، بعد أسبوع تقريبًا ، ساد الصمت. في الإصلاحية ، انتظرت عائلات الضحايا ستة أيام للحصول على رافعة قوية بما يكفي لرفع الخرسانة الثقيلة التي تحاصر أقاربهم.

وألقت الحكومة باللوم في الاستجابة المتأخرة على الحجم الهائل للكارثة - حيث يقولون إن أي دولة كانت ستكافح من أجل الاستجابة. لكن الخبراء يقولون إن الحكومة نفسها مسؤولة بشكل مباشر عن عدد المباني المنهارة وعدد القتلى في منازلهم المدمرة. على مدار الأربعين عامًا الماضية ، وخاصة منذ صعود حزب العدالة والتنمية في عام 2002 ، أيدت الحكومة سياسة تسمى imar affi أو imar barisi - عفو البناء - التي تسمح للبناة بتسجيل الهياكل غير المبنية رسميًا مقابل رسوم. غالبًا ما يتم "فتح" البرنامج الشبيه باليانصيب لفترة معينة في لحظات حساسة سياسيًا ، مثل ما قبل الانتخابات. آخر مرة تم فتح المجال لعفو البناء imar barisi لتقديم الطلبات كان قبل الانتخابات المحلية عام 2018.

في ذلك الوقت ، تفاخر الرئيس أردوغان بنجاح البرنامج في مدينة كهرمان مرعش ، إحدى أكثر المناطق تضررًا من الزلزال.
قال أردوغان في اجتماع عُقد في تلك المدينة في عام 2018: "من خلال العفو عن البناء ، حللنا مشاكل [الإسكان] لـ 144556 شخصًا في مرعش".

عشرات الآلاف من هؤلاء ماتوا الآن.

العفو القاتل

تم تقديم عفو البناء رسمياً في عام 1984 في ظل حكومة كنعان إيفرين ، الذي وصل إلى السلطة في انقلاب عسكري في عام 1980. ومع ذلك ، تعود هذه الممارسة بشكل غير رسمي إلى أواخر الأربعينيات. كانت حكومة إيفرين عبارة عن طغمة عسكرية قومية محافظة ركزت بشكل أساسي على أمرين - "إعادة النظام" إلى تركيا من خلال القضاء على العناصر اليسارية والماركسية (كما قال إيفرين في خطاب عسكري بعد وصوله إلى السلطة) ، وخصخصة الاقتصاد التركي .

روجت حكومة إيفرين للحلول "القائمة على السوق" على عكس النظام الكينزي الذي سيطر على تركيا منذ تأسيسها. مثل العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم في الثمانينيات - بما في ذلك في الولايات المتحدة في عهد رونالد ريغان - كان هدف السلطات التركية بقيادة إيفرين تقليل دور الدولة في الاقتصاد. واشنطن ، من جانبها ، كانت داعمًا ضمنيًا لحكومة إيفرين على الرغم من الانتهاكات على نطاق واسع لحقوق الإنسان.

كان العفو عن البناء أحد البرامج التي تم تقديمها لتحقيق هذه الغاية. لقد سمح للحكومة بالتمتع بالرضا والربح - أصبح أصحاب المباني غير القانونية ملاكًا قانونيًا للأراضي ، في حين جمعت الحكومة مبلغًا كبيرًا من مؤيديها الجدد.

استمرت هذه الممارسة حتى نهاية حكومة إيفرين وحتى التسعينيات ، عندما كانت الحكومة تسيطر عليها حكومة أكثر ديمقراطية بقيادة حزب الطريق الصحيح (DYP) والحزب الاشتراكي الديمقراطي الشعبوي (SHP). إجمالاً ، منذ الخمسينيات وحتى صعود حزب العدالة والتنمية في عام 2002 ، تم تنفيذ العفو عن البناء بما يقدر بثماني مرات.

ثم جاء زلزال عام 1999. في 17 أغسطس 1999 ، ضرب زلزال بقوة 7.6 درجة مقاطعة إزميت التركية شرقي اسطنبول على بحر مرمرة. و كما حدث في هاتاي وكهرمان مرعش وغازي عنتاب في فبراير ، تحطمت المباني ، وسقطت على نفسها وقتلت أكثر من ثمانية عشر ألف شخص. تم إرسال الجيش ووصلت فرق البحث والإنقاذ التركية والأجنبية إلى المنطقة في غضون 48 ساعة. لكن هذا الرد ، أيضًا ، تم إدانته على نطاق واسع باعتباره غير كافٍ.

كان رئيس بلدية اسطنبول الإسلامي الشاب ، رجب طيب أردوغان ، منتقدًا بشكل خاص لرد الحكومة. عندما زار منطقة الزلزال ، سأل "أين الدولة" وأخبر المراسلين أنه وجد استجابة الدولة "ضعيفة للغاية". وقال إن على البلاد أن "تتكاتف" في أعقاب مثل هذه المأساة. كانت الرؤية والدعم اللذين اكتسبهما من هذا الرد عاملين أساسيين في صعود حزبه ، حزب العدالة والتنمية ، في عام 2001 ، وفي النهاية أصبح رئيسًا للوزراء في عام 2003.

وصل الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى السلطة وسط أزمة اقتصادية مع وعود بالإصلاح الاقتصادي. نتيجة لحزمة صندوق النقد الدولي التي حصلت عليها حكومة حزب العدالة والتنمية بقيمة عشرات المليارات من الدولارات ، دفعت الحكومة من أجل الخصخصة وتوسيع الاقتصاد التركي ، لا سيما في مجال البناء. قامت الشركات القابضة الكبيرة ، بما في ذلك مجموعة شركات جنكيز Cengiz Holding و مجموعة شركات ليماك Limak Holding ، المرتبطتان بالحكومة ، بمشاريع بناء واسعة النطاق بموجب نظام المناقصات الذي سيطر على جزء كبير من الاقتصاد التركي. أنشأت حكومة حزب العدالة والتنمية ، باسم التوسع الاقتصادي والتنمية ، اقتصادًا ودولة أعطت الأولوية لمصالح البناة على حقوق المستأجرين وحياتهم.

أدخلت الحكومة التركية قوانين بناء صارمة في أعقاب زلزال عام 1999 ، ولكن بسبب طفرة البناء وبسبب الممارسة المستمرة للعفو عن البناء ، لم تستوف العديد من المباني المعايير. بين عام 2002 (عندما تولى حزب العدالة والتنمية السلطة) والزلزال هذا العام ، تم تقديم عفو عن البناء للجمهور تسع مرات.

غالبًا ما تم تقديم هذه البرامج قبل فترة وجيزة من الانتخابات ، كما هو الحال في 2018 ، قبل الانتخابات المحلية المتنافسة بشدة. في المجموع ، جمعت الحكومة ما يقدر بـ (19 مليار و300 مليون ليرة تركية) من رسوم العفو.

في 15 مايو 2018 ، تمت إضافة بند إلى قانون العفو عن البناء الذي تم اصداره في ثمانينيات القرن الماضي ، والذي جاء فيه أن أكثر من 50 في المائة من المباني في تركيا لم تكن مطابقة للقانون. لذلك ، ستقبل الحكومة ، حتى نهاية ذلك العام ، مدفوعات العفو من البنائين التي يبلغ مجموعها 3 في المائة من قيمة الممتلكات للمساكن و 5 في المائة للمباني التجارية. أدى هذا إلى زيادة في التسجيل الرسمي للمباني غير القانونية.

كما دعمت المعارضة الرئيسية البرنامج - فقد حظي بشعبية كبيرة. ومع ذلك ، حذر سياسيون من أحزاب المعارضة الصغيرة وعلماء الزلازل ومهندسي البناء من مخاطر البرنامج.

قال جارو بايلان ، عضو حزب الشعوب الديمقراطي HDPالمعارض ، في خطاب ألقاه في عام 2018 ، "لم يحدث من قبل عفو مشين كهذا" ، واصفًا القانون بـ "الطاعون". وقال إن القانون سيؤثر على خمسين مليون شخص في 13 مليون مبنى. وقال إنه مقابل كل مبنى رديء من عشرة طوابق انهار في زلزال ، سيُحاصر ما لا يقل عن مائة شخص تحته. "من سيتحمل المسؤولية عن هذا؟" سأل.

بعد تطبيق هذا القانون ، زار الرئيس أردوغان كهرمان مرعش وتفاخر بإعطاء منازل لمئات الآلاف من المواطنين. وفقًا لبلدية إسطنبول التي تقودها المعارضة حاليًا ، تم إصدار 294166 شهادة عفو في عام 2018 للمباني في المحافظات العشر المتضررة من الزلزال.

"كان مواطنونا يعيشون في قنبلة موقوتة" ، قال نائب الأمين العام لبلدية إسطنبول بوغرا جوكتشي. ولفت إلى أنه تم إصدار 59 ألفًا من شهادات تسجيل المباني في أضنة ، وستة وخمسون ألفًا في هاتاي ، وأربعين ألفًا في غازي عنتاب ، وتسعة وثلاثين ألفًا في كهرمان مرعش.
تحول العديد من تلك المباني غير القانونية الان، إلى مقابر جماعية.

العويل يتحول الى هدوء

على الطريق من شقة ابنة محمد علي ، انهار مبنى آخر. تسلقه المتطوعون وعمال المناجم وعمال الإنقاذ. بدا وكأنه عش النمل ، يحاول العمال المتطوعون يائسًا الوصول إلى قلبه. تنتشر رائحة الموت في الهواء .

في كل شارع ، أسفل كل زاوية ، كانت هناك مأساة جديدة كبيرة الى درجة من المستحيل فهمها . كان هذا المبنى يبلغ ارتفاعه سبعة طوابق ، طابق أطول من الارتفاع المسموح به بموجب قوانين الزلزال ، وقبل بضع سنوات ، تم بناء سوق جديد في الطابق الأرضي. لإفساح المجال لخزن الطعام ، تخلص المقاولون من الأعمدة وعوارض الدعم. وفقًا للمارة والأشخاص الذين تم إنقاذهم من تحت الأنقاض ، فقد انهار المبنى بأكمله في الثواني القليلة الأولى من الزلزال ، بشكل شبه فوري.

تم بناء المبنى ، وفقًا لأفراد الأسرة هناك ، في عام 1998 من قبل شركة تدعى تكين للانشاءات Tekin Insaat ، قبل معايير تنظيم الزلازل الجديدة. تم منحه الوضع القانوني من خلال العفو عن البناء. قامت الشركة ببناء العديد من المباني في الحي على مدار العقدين الماضيين ، بما في ذلك مبنى شبه جديد بجوار المجمع تحول الآن إلى كومة من الأنقاض. لافتات على جانبها تعلن عن شقق جديدة وحديثة وفاخرة. كانت الشقوق تتخلل جدران المبنى ، التي لم يتجاوز عمرها بضع سنوات ، بينما سقطت أجزاء كاملة من واجهته على الشارع. كانت لافتة تكين للانشاءات "Tekin Insaat" مزينة بفخر أعلى المبنى ، بينما كانت محتويات منزل ، مثل جرح في جسد ،معلقة من جانبها .

انتحب الناس. تفوح رائحة اللحم المتعفن في الهواء وتغمره ضجة المتطوعين الذين كانوا يحاولون الحفر في الأنقاض. ولكن بعد أسبوع من الزلزال ، لم يعد هناك صوت من داخل أنقاض المبنى. لقد مات الجميع هناك ، وسحقوا تحت جدران ضعيفة للغاية أصبحت قانونية بضربة قلم الرئيس.

* كيت هارينجتون Kate Harington كاتبة مقيمة في تركيا.

المصدر صفحة مجلة جاكوبن jacobin.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -