الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية العم عبد عنيد مطرود

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 3 / 8
الادب والفن


في ليلة شتائية باردة جدا ولدت خاجية اول وأخر مواليدها بعد أن نام الجميع في كوخها الي يجمعها وزوجها عنيد أل مطرود وأمه وأثنين من أخواته، في الزاوية البعيدة حيث ما زالت رائحة الدخان تعبق في المكان وصوت أهاتها يسمعه الجميع دون أن يستطيع أحد أن يقدم المساعدة سوى العجوز التي من خبرتها القليلة تحاول أن تصبرها على الصمود حتى الصباح، خاجية التي أرهقها الحمل الأول والعمل طول النهار بين جمع الحطب والخبز ورعاية البقرة الوحيدة التي تشكل كل رأس مال العائلة، بينما الكبيرة من شقيقات زوجها تسرح بها في الجوار تقوم الشقيقة الثانية بالحش كما هي العادة يوميا من أطراف الأرض المجاورة، أم عنيد كانت تحلم برؤية حفيدها الأول وكأنه المنقذ الذي سيحمل سلال البركات لها ويرفع لعنة الفقر والمرض عن هذه العائلة التي تسكن في هذا الكوخ، وكوخ أخر أسكنوا فيه ثروتهم التي لا تقدر بثمن مع بضع دجاجات وأحيانا يشاركهم الكلاب عندما يهطل المطر...
في هذا العالم الرمادي ولد عبد أو كما تسميه جدته "إعبيد" في حين أن أمه لم تستطيع أن تناديه بأي اسم قد رحلت عن عالم عبد عصر اليوم التالي لولادته، هكذا ولد أعبيد الذي لم يختلف تماما عن أبيه فقد خلق وولد ووجد ليخدم سيده صاحب الأرض التي يملكها ويملك من عليها، هذا لا يهم ما دام الأمر يتعلق بالمعيشة وأن تمضي كما يريد الله لك، في موسم الأحزان وما أكثرها في قريته التي عاش بعد أن ولد فيها يتيما من أم، سمع رجلا وقرا صالحا أعتاد أن يراه كل عام في نفس الموعد يقول، أنه في أخر الزمان سيولد الغيب مولودا غائبا من زمان لكنه حاضر بيننا، والعيب أن أبصارنا لا ترى نوره السماوي لذلك نعده غائبا وهو الحاضر في كل زمان ومكان، ومن أراد أن يراه ويسعد بالجنة عليه أن ينزع حب الدنيا من قلبه وأن يكون هذا الحاضر الغائب أحب إليه من أمه وأبيه...
من تلك الدقيقة التي لم ينم فيها أعبيد ليلته وهو الذي ما كان يشغل قلبه سوى حبه لأمه التي ضحت من أجل أن يولد لتودع الحياة له، هذه الليلة الصعبة التي أختار فيها أن يرى الغيب والغائب والمغيب مقايضا حب أمه بها....
من الصباح قرر أن يذهب للمضيف ويعلن للرجل الوقور الذي يأت كل عام ليبلغهم رسالات ربه أن نزع من قلبه كل شيء، وعازم على أن يرى ما لا يراه غيره، قبل تلك اليد الناعمة الطرية التي لا تشبه حتى أيدي أترف نساء القرية من رقة ملمسها، أنه سيكون ذلك الذي سيبيع كل شيء من أجل جنة الغائب،..
_ فقط يا مولاي الكبير علمني حتى لا أفشل في رؤية حلمي.
_ وهل تستطيع؟.
_نعم يا مولاي فليس عندي شيء أخسره يساوي لحظة واحدة من رؤية ذلك النور الذي يشع في الكون منذ مئات ألاف السنين.
_ إذا عليك أن تعرف دينك أولا.
_ وها أنا بين يديك مولاي...
من تلك اللحظة طلق أعبيد أل أعنيد أل مطرود الدنيا باحثا عن حلم منذ خمسين عاما، يعيش يومه بليلة بين مقام ومقام ومسجد و مسجد، لا يعرف عملا غير أن يحمل أمتعة الناس في سوق المدينة الصغيرة طيلة الأسبوع حتى يتسنى له أن يذهب للزيارة، لا يملك شيء أو يتذكر غير ما سكن ذاكرته التي لم يعد فيها ما في ذاكرة الأخرين سوى حلم النظرة الواحدة...
الأن هو مستلقي على سرير المرض ينظر لكل غريب يقدم للردهة أن يكون هو ذلك الغيب الغائب لكن دون جدوى، الطبيب يسأل عن أي شخص يمكن أن يكون قريبا أو يعرف أعبيد الذي لا يعرف أحدا عنه شيئا سوى أسمه أعبيد أل أعنيد أل مطرود، فقد أوشك الرجل على أن ينفق وبالكاد يفتح عينه ليرى...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل


.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت




.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو


.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??




.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده