الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة وكذبة ثورة البعث

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2023 / 3 / 8
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني



تمر اليوم ذكرى أليمة سوداء مريرة على سوريا والشعب السوري، وهي الذكرى الستون لانقلاب 8 آذار العسكري، الذي أطاح بانقلاب سابق، وأطلق عليه البعثيون اسم ثورة الثامن من آذار "المجيدة" (هكذا)، ويحتفلون بها في مهرجانات خطابية لاهبة وحماسية حيث تلقى الخطب الرنانة تمجيداً بهذا اليوم "التاريخي".
وعادت مما تؤسس الثورات بمفهومها المعروف لمنظومة قيم "ثورية" تغييرية جديدة، وتحدث عملية تغيير ودفع هائل ونوعي، إن لم يكن أسطوريا، نحو الأمام، والأهم التغيير في منظومة القيم والأعراف التقليدية السائدة، واستبدالها بمنظومة قيم حداثية عصرية جديدة، تقطع مع الماضي وتراثه الرجعي المتخلف، وبغض النظر عن زمان ومكان وطبيعة هذا الماضي وإيديولوجياتها.
لكن، عملياً، لم يحدث ثورة "بعث" قومية ولا بطيخ في 8 آذار/مارس 1963، التي كانت نظرياً عملية تكريس ونبش و"نبش" لكل أشكال العصبيات والنزعات القومية والعرقية والدينية والطائفية والدينية والمذهبية والعقائدية بكل أرثها الأسود وإحيائها من جديد وضخها في شرايين المجتمع الوليد القائم من رماد 1400 سنة من النزاع العقائدي المرير، وأما ميدانياً، وبنيوياً، ومن الناحية التوصيفية، كانت عملية عدوان عسكري مسلح على الدولة ومؤسساتها واستباحتها وإلغائها نهائيا والسطو على مقدرات وبقايا شبة الدولة التي كانت قائمة، وقتذاك، من مخلفات الحقبة الفاشية البوليسية الناصرية السوداء، فألغت، ثورة البعث (رجاء عدم الضحك)، على الفور، الدستور وعطـّلت القوانين وأعلنت حالة الطوارىء رسمياً، وصادرت الممتلكات وفتحت السجون والمعتقلات وزجـّت بخيرة الكوادر والتكنوقراط خلف القضبان دون محاكمات لعقود طوال وعسكرت البلد وقضت على منظمات المجتمع المدني وحظرتها وجرّمتها ومنعت الأحزاب وحاربت الصحافة وقوننت الإعلام وطاردت الوطنيين والشرفاء والمثقفين والمفكرين والأحرار، ما مهد وأسس عملياً لظهور جمهورية الخوف وولادة دولة المخابرات التي يئن اليوم تحت وطأتها 23 مليون سوري، وكله بإيحاء واستلهام ومحاكاة للتقليد والإرث الناصري الفاشي العروبي الإجرامي الإرهابي المخابراتي الأسود، حيث كانت ما تسمى الدولة تمارس إرهاب الدولة المنظم ضد مواطنين عزل، الذي كان يعمد على تصفية الخصوم والمعارضين السياسيين والمفكرين جسدياً والذي كان بدأ حملته العدوانية على الشعب والمجتمع السوري فيما سمي يومها بمسرحية ومهزلة "الوحدة بين سوريا ومصر" الكاريكاتورية في شباط 1963 حيث نـُصـّب ناصر طاغية ومحتلا وحاكما أجنبيا وديكتاتورا شرعيا مطلق الصلاحية على سوريا ورقاب السوريين، وأما ثقافيا، وعلى عجالة، فقد قامت "ثورة البعث" بواحدة من أكبر عمليات التغيير الثقافي وغسل الدماغ والتضليل الجماعي وطمس وإلغاء ثقافات ولغات سورية قديمة فيما عرف بجريمة "التعريب"(أسلمة ظاهرية والبعثيون مفتون برموز قريش) للثقافات السورية التعددية وقامت بتغيير أسماء آلاف القرى والمدن والجغرافيا السورية القديمة المعروفة بالتاريخ وكانت هذه أهم وأخطر جائم البعث الثقافية والفكرية بحق سوريا والسوريين، وأطلقت أسماء القبائل العربية المحتلة كالعباسيين والأموين على أهم الميادين والساحات بدمشق التي أصبح اسمها قلب العروبة النابض وأطلقت أسماء السفاحين والمحتلين الغزاة (أسامة، خالد، مصعب، قتية، الجراح ووو)، على المدارس والشوارع والأحياء، وشرعت في أكبر عملية بناء وإنشاء للمساجد ودور العبادة ومعاهد تحفيظ القرآن في تاريخ هذا البلد المعروف...
وكان الانقلاب العسكري الآذاري الشهير، وكسائر الانقلابات عبر التاريخ، بالبداية، وحقيقة امتدادا لسلسلة انقلابات عسكرية (اعتداءات) عرفتها سوريا من عهد ما يسمى بالاستقلال الزائف والكاذب، هي مجرد عدوان مسلح وسطو على الدولة واستباحتها من قبل شوية عسكر جهلة شبه أمنيين غارقين بالظلامية والشوفيينية ومحقونين بالإيديولوجيات الرخوة والهشة المتزمتة والظلامية المهترئة ولا عهد ولا ذمة ولا أمان لأحدهم (كانوا يفتكون ببعضهم البعض ويفترس أحدهم الآخر كما تفترس الوحوش والضواري بعضها ومتى ما سنحت الفرصة لأحدهم ليفعل ذلك برفيق سلاحه ودربه)، ولا يعترفون بقيم العصر ولا بالحداثة ولا بالقانون الدولي وبينهم وبين القانون والعدالة والإدارة والبشرية عموماً عداوة مطلقة، ومن هنا، وبالتقييم القانوني، أيضا كان عدوان الثامن من آذار على سوريا عبارة عن عملية اغتصاب غير شرعي وغير قانوني واحتلال للسلطة بالقوة العسكرية المسلحة لا يختلف عن أي احتلال (البقاء للأقوى وصاحب المدفع الأطول كما قال نابليون)، وإخضاع الشعب الأعزل بالحديد والنار من قبل طغمة عسكرية انقلابية فاشية فاجرة خارجة عن القانون إمبراطورية الهوى والأهم أنها كانت ما بعد وطنية أي أنها لا تعترف بسوريا كوطن وكيان سياسي قائم ومستقل، ولا بالسورية كهوية جامعة لسكان هذا الكيان الهش، بل هي -سوريا- مجرد "قِطر" ( أي قسم مهمل من دائرة كبيرة أهم) تابع وجزء (وكما ترد حرفياً بالدساتير البعثية التقليدية)، من كيان سياسي خرافي طوباوي متخيل أطلقت عليه الطغمة الفاشية العسكرية البوليسية الانقلابية اسم الوطن العربي (رجاء ممنوع الضحك) وما تسمى بخرافة " الأمة العربية"، أي تقديم الوطني المادي الملموس على القومي الخرافي الموهوم، حيث بات الحديث عن الهوية الوطنية السورية جريمة امام الهوية القومية العربية المقدسة التي رفع البعث من شانها وعظمها حد القداسة، ما أسس لاحقاً لنشوء وتنمية وتغذية الهويات والتيارات الفرعية والدينية والمذهبية والطائفية وتعدد وتنوع الولاءات للداخل والخارج ما ساهم إلى حد كبير في تفتيت الكيان السوري، إذ كان البعث عمليا هو اول حزب بالتاريخ يمجـّد ويتفاخر بقبيلة غزاة سباة ولصوص حضارات غزت سوريا واحتلتها وفرضت ثقافتها عليها وأخذ على عاتقه مهمة تبرير ذلك العدوان والاختلال القبلي البدوي والتفاخر بالانتماء له وشرعنته وتقديسه واعتباره منارة يجب الاقتداء بها ومرجعية روحية مقدسة وكيان إمبراطوري عظيم يجب الرجوع إليه، ومحاكاته، وبعثه من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مهروجة الضباط الأحرار
عامر سليم ( 2023 / 3 / 10 - 02:52 )
( مسرحية تراجيديه عبثيه سرياليه وكوميديا سوداء بائسة من فصل ومشهد و منظر واحد كئيب)
ترك الضباط ثكناتهم العسكرية وحدود الوطن ليلاً وتسللوا خلسة الى مدن البلاد بدباباتهم و أسلحتهم وقاموا بأنقلاب سمّوه ثورة وسموا أنفسهم أحرار.
أختلف بعض الأحرارعن الأحرار فتم محاكمتهم وإعدامهم لأنهم منحرفين ومنشقين و ما عادوا أحرار.
قام بعض ممن تبقى من الأحرار بأنقلاب آخر قتلوا الأحرار الذين سبقوا وأعدموا المنشقين الأحرار.
ضباط أحراريقومون ( بثورة) على ضباط أحرار!.
هؤلاء الأحرار يلعبون بالوطن طوبه بكل حرية لأنهم أحرار , والشعب يتفرج وهو ينتظر الحرية من الأحرار!
اما ماذا فعلوا حقيقةً بالوطن والشعب هؤلاء الأحرار وألاحرار المنشقين والأحرار الذين انقلبوا ليبقوا أحرار ويعاقبوا من تخلوا عن الأحرار ؟ هذا ما كتبه لنا الأستاذ نعيسة بالتفصيل أطال الله عمره .

اخر الافلام

.. مقترح الهدنة.. إسرائيل تمهل حماس حتى مساء الأربعاء للرد


.. إسرائيل تهدد بمحاربة حزب الله في كل لبنان




.. جون كيربي: ننتظر رد حماس على مقترح الاتفاق وينبغي أن يكون نع


.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار




.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ