الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنصار الثقافة - ألكسندر دوغين

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


أنصار الثقافة - ألكسندر دوغين

Alexander Dugin
ألكسندر دوغين

ترجمة: نورالدين علاك الأسفي. [1]
[email protected]
لقد لاحظت أن بعض سجلات التفاهم تختفي بسرعة في المجتمع. يبدو الأمر كما لو أن طيف الموجات التي يتواصل عليها الناس– من إحالات، واقتباسات، وأمثلة، والحد الأدنى من مجموعة واضحة من المراجع، بما في ذلك الصور البيانية، والإشارات إلى شلالات المعرفة التي تبدو جلية (في التاريخ، والثقافة، والفن، والعلوم، والفلسفة، والسياسة) –بدأ يتقلص باستمرار؛ و بلا رجعة. و ما يظل شائعا؛ تلك المراكز الضعيفة المشكلة لمجتمعات فردية معينة- سكان روبليوفكا/ Rublyovka(= منطقة سكنية مرموقة في الضواحي الغربية لموسكو)، و الأوليغارشية، و المسؤولون (من وزارة معينة، أو حتى قسم)، و عمال المكاتب، و كذلك الصحفيين والخبراء والمتطوعين والمراسلين الحربين والوطنيين والمشاركين في غرف الدردشة المدرسية. هذه البقع الدلالية، مثل أرخبيل يتحرك ببطء عبر الضباب، لا يمكن التنبؤ بها تماما: أين سيذهب بياننا، وكيف سيتم تفسيره وإدراكه، مستحيل معرفة ذلك مسبقا.
سيتم قطع جزء من المعنى أو محوه ببساطة، والباقي سيكون له أبعاد مشوهة، فالغموض والتشويش في الخلفية الثقافية للجميع سيعيقان التواصل (أي البيدوما حاليا /[2] Paideuma). و بعد كل هذا، لا يوجد اليوم حد أدنى من الكتب أو المؤلفين أو التعاليم أو الأعمال الفنية أو الأحداث التاريخية؛ و التي على الجميع معرفتها. كل شيء اعتباطي، مما يعني أنه، لا شيء؛ بالإمكان أن يغدو بدقيق المعنى معلوما، لا يمكن معرفة أي شيء، وهذا يكفي.
في بعض الأحيان يحصل للمرء انطباع بأن بعض القوى أو السلط تفكك عمداً هياكل الوعي الجماعي، وتقسيمها إلى شظايا مبتورة عن الكل؛ ثم توجيه كل دفق في اتجاه أضيق (ومعتدل!). فالشبكات، بما فيها الشبكات العصبية، وكذلك وسائل الإعلام وغيرها من وسائل الاتصال الخاضعة للرقابة الصارمة بشكل متزايد، تجعل كل مجتمع شيئا ميكانيكيا يندمج في مجموعة قطاعية معينة، كشريحة. في هذا القفص، لم يعد هناك أي مجال للفردية أو الحرية أو رأي المرء. ومن هنا تأتي الأهمية المتزايدة للروبوتات: فتحل الروبوتات محل الأشخاص؛ ويصبح الناس روبوتات.
هذه هي الطريقة التي تسرق بها الهوية من الناس، و يتشتت المجتمع إلى وحدات ذرية متلألئة، وفي النهاية تنهار الدولة.
يبقى السؤال: ما هي طرق التدهور العقلي الطبيعي أو إستراتيجية حرب الشبكة? على أي حال، إن الوضع يزداد سوءا، و ينذر بالخطر. ليس من الصعب تمديد هذا الاتجاه قليلا نحو المستقبل؛ ونحن نرى أننا نقترب من نقطة لن نفهم بعدها بعضنا البعض. إنها أزمة عميقة في اللغة، و انهيار للثقافة.
واحدة من الاستراتيجيات التي تبقى في هذه الحالة هي اختيار مناصر للثقافة . من الضروري متابعة الخطاب الفلسفي و السياسي و التاريخي و الثقافي و الديني و التاريخ الفني و العلمي في جميع المجالات، وليس لإنشاء مجموعة أخرى، ولكن لإنقاذ الكل، لإنقاذ الأمة، لأن الأمة موجودة عندما يكون لها جوهر مشترك، وهذا هو الهوية. الهوية تتوافق مع الثقافة، و هذا ما يسري مع بيدوما Paideuma. فأن تغدو ‘مناصرا للثقافة ، لا يحتاج المرء إلى شغل أي منصب. يكفي أن تكون (تصبح!) روسيا على كافة الأوجه: الأب، الأم، الزوج، الزوجة، الأخت، الأخ، الصديق، العامل، المراقب، الممثل، الخبير. الرجل الكامل مكتمل في ذاته، وكماله قد تم تقديره ودعمه. الأمة ككل، قارة، وليست أرخبيلا. هذه هي قارة روسيا التي يجب أن نحميها، وهذا يعني أنه يجب علينا أن نفهم بعضنا البعض بالمعنى الأوسع: الاستماع والرد والاعتراض والتحقق والمتابعة والتفنيد. فتعبير أنصار الثقافة يؤسس لمحاور جديدة على أدنى حد من الرقابة الثقافية للشعب الروسي؛ في الأسرة، و العمل، و الحرب، في وسائل الإعلام أو في الشبكات. عندها فقط ستتغير الدولة نفسها. و طالما أن السلطة جزيرة أو سلسلة من الشظايا المعزولة عن الشعب والفصائل المتنافسة، فإن دولتنا ستكون في خطر. و أنصار الثقافة مدعوون لحمايتها.[3]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] في البال: المقال مناط الترجمة رهن بالإحاطة علما؛ لا بقصد تبني فحواه جملة أو تفصيلا. المترجم.
[2] في دراسة Paideuma الخطوط العريضة لعقيدة الروح والثقافة (1921)، يفترض عالم الأنثروبولوجيا الثقافية الالماني ليو فروبينيوس(1873- 1938)/: Leo Frobenius أن كل ثقافة بشرية تمثل نوعا من الكائنات الحية وأن هذا يؤدي إلى أن الثقافة ليست مجرد مجموعة من الظواهر (مثل الأعمال الفنية والتقنيات)، ولكن مظهر من مظاهر الموقف من الحياة التي شكلتها وشكلتها بيئتها وتعليمها (الذاتي). لذلك، لكل منها أسلوب ثقافي فريد معين. يتميز هذا بعقلية معينة (حالة ذهنية)، ويشير مصطلحه Paideuma إلى هذا. فروبينيوس هو واحد من أوائل علماء الإثنولوجيا الذين شككوا في الأسس الأيديولوجية للاستعمار، ولا سيما تحدي فكرة أن الأوروبيين كانوا سيجدون شعوبا متوحشة حقا في إفريقيا، والذين كانوا سيأتون بالحضارة إليهم.

و " Paideuma" كذلك اسم لمجلة. أنشأها عام 1938 ليو فروبينيوس ذاته، وتم تحريرها بدعم من Frobenius-Gesellschaft، وقد نشرت Paideuma مقالات عن المجتمعات الأفريقية والتاريخ، وكذلك عن مناطق ومواضيع أخرى ذات أهمية نظرية عامة. في السنوات الأخيرة، وسعت بيدوما نطاقها للتركيز أيضا على شرق إندونيسيا و أوقيانوسيا.

[3]المصدر على الرابط:
https://www.geopolitika.ru/en/article/partisans-culture








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف