الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعبة الموت

دلور ميقري

2023 / 3 / 9
الادب والفن


المكانُ، كان مألوفاً لعينيّ. إنه قطعةٌ من الفردوس الدمشقيّ، ويقعُ تحديداً في وادي بردى. قريةٌ ساحرة، مستلقية في كنف الجبل، قضيتُ فيها معظم عطلاتي الصيفية، وذلك في أوان الطفولة والمراهقة. قبل شروعي في قص حكاية عودتي لذاك المكان، يتعيّن عليّ ذكرُ حادثة مرتبطة به.
كنتُ قد انتقلتُ للتو إلى السنة الأخيرة من المرحلة الإعدادية، والصيفُ في مفتتحه، لما ركبتُ ذات صباح سيارةَ الخال في الطريق إلى تلك القرية. شقيقتي الكبيرة، كانت إذاك برفقتي، وكان من المفترض أن نمضي هناك أسبوعاً على الأقل. قبيل الغداء، فوجئتُ بمقدم حبيبة الصبا مع شقيقها وجدّتها. هذا الشقيق، كان زميلاً لي في نفس الفصل الدراسيّ، وربطتنا أيضاً صداقة وطيدة فضلاً عن قرابتنا من ناحية الأب. وكم أسعدني، موافقة جدتهما على البقاء في ضيافة الأقارب إلى نهاية الأسبوع عقبَ إلحاحهم عليها بذلك. ما لبثنا أن تناولنا معاً الغداءَ على ضفة النهر، وكان هديرُ مياهه يطغى على أحاديثنا. في اليوم التالي، إذا بشقيقتي تعلن رغبتها العودة إلى الشام لأمر طارئ. كون الخال في عمله نهاراً، فإنها طلبت مني مرافقتها في طريق العودة. ألححتُ عليها أن تنتظرَ الخال كي يوصلها بسيارته، إلا أنها أصرت على المغادرة في الحال. عند ذلك، أظهرتُ إذعاني للأمر: " سأمضي للسلام على صديقي ثم أعود بعد خمس دقائق "، قلتُ لها. لكنني لم أعُد إلا بعد ساعةٍ من ذهابها بسيارة الخال، وهكذا تسنى لي البقاء في القرية لنهاية الأسبوع والاستمتاع بصحبة من أحب.
وها أنا ذا، غبَّ مضيّ عقودٍ عديدة، أجدني في نفس المكان. الحربُ، كانت قد مرت من هنا، وكنتُ أتهيأ لمرأى آثار الدمار والموت. لكنني رأيتني في غمرة كرنفال حقيقيّ، يتهادى فيه المحتفلون وسط أمواج من الزهور، وكان أغلبهم من الأقارب. كان بعضهم يحييني، وكما لو أنني لم أغب دهراً عن الوطن. رحتُ أهيم بوجهي، علّني أعثر على حبيبة الصبا. إلى أن وقعت عيني عليها، وكانت تلعب الكرة الطائرة مع أحدهم. وعليّ كان أن أصدم بقوة هذه المرة، وأنا أرى ذلك اللاعب: لقد كان شقيقها، المفترض أنه رحل عن الدنيا منذ فترة طويلة على أثر مرض عضال!
أظهر كلاهما سعادته برؤيتي، لكنهما تابعا اللعبَ دونَ أن يتحدثا معي. بدَوري، تابعتُ لعبهما وقد استبد فيّ القلق هذه المرة. إذ كانت الحبيبة على مبعدة خطوة واحدة من الضفة العالية للنهر، وكان قلبي يخفق مع كل ضربة للكرة. لم أعُد أحتمل المشهد، فتحركتُ مبتعداً عن المكان. وإذا بالصراخ يندلع من تلك الجهة، ولما التفتّ كانت الفتاة قد اختفت. سرعان ما حل الهرجُ، ليتحول الكرنفال إلى ما يشبه المأتم. عدتُ مترنحاً من الحزن، أدور بعينيّ بحثاً عن شقيق الحبيبة. كان ثمة على ضفة النهر، فاقتربت منه قائلاً بصوت مرتجف ينم عن العتاب والألم: " كم فرحتُ عندما التقيتك مجدداً، وكنتُ أظنني فقدتك إلى الأبد. لكنك أخيراً كسرتَ قلبي، كسرت قلبي ".
وكما لو أنه انقلبَ تمثالاً، رد عليّ بوجهٍ جامد، مومئاً إلى ناحية النهر: " سنبقى ننتظرها معاً، لحين أن تخرج ومعها الكرة. وعندئذٍ ألعبُ معك هذه المرة ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر