الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرازيل بعد محاولة الانقلاب

سعيد مضيه

2023 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


ترمب وبولسونارو يزدريان الديمقراطية ويرفضان قيمها

كتب الصحفي البرازيلي غابرييل لياوفي 6آذار الجاري "انتشرت صور الهجوم العنيف ضد المباني الحكومية في البرازيل عبر الميديا الأممية ومازالت أصداؤها تتردد حتى اليوم.اقتحم جمهور مؤيد للرئيس البرازيلي السابق، جير بولسونارو ، يرتدي ألوان العلم البرازيلي وفريق كرة القدم المحبوب في البرازيل ، وراحوا يدمرون مؤسسات مباني المحكمة العليا الفيدرالية والكونغرس الوطني والقصر الرئاسي ، تلك التي تشكل قوى السلطة الثلاث. كان هدفهم رفض انتخاب لولا رئيسا". نقل عن اثنين من الخبراء المطلعين على شئون البرازيل: المؤرخ والصحفي البرازيلي، لوكاس دي سوزا مارتينز في مقابلة أجراها مؤخرا مع برنامج أميركي، والدكتور في حقوق الإنسان ، رافائيل تسافكّو غارشيا، صحفي برازيلي. هناك شبه إجماع على ان "الهجوم بالبرازيل يناظر اقتحام الكابيتول بالولايات المتحدة قبل عامين" وان ترمب وبولسونارو، الرئيسين السابقين بالولايات المتحدة والبرازيل يمينيان متطرفان تربطهما اواصر تعاون وتآزر.
قال مارتينز ان "خبراء السياسة في البرازيل توقعوا ان يحدث هذا منذ العام الفائت. يظهر المشهد كيف ان جماعة صغيرة من انصار بولسونارو لا تحترم القيم الديمقراطية للبلاد". استذكر مارتينز، طالب الدكتوراة بجامعة تيمبل في فيلادلفيا حول العلاقات اميركا اللاتينية –الولايات المتحدة الأميركية، انه "في العام 2018، حين هزم المرشح فرناندو حداد امام بولسونارو لم يتشجع فرد واحد من حزب العمال على الإقدام على أي شيء مثيل لما قام به أولئك الذين خسروا في انتخابات 2022. وبطريقة ما منح الرئيس بولسونارو الصوت للنشطاء الذين ظلوا حاضرين في المشهد السياسي البرازيلي ؛ لم يصدقوا انهم سوف يواصلون اجندتهم الى ان يصبح الكابتن السابق بالجيش رئيسا".
وأكد الصحفي البرازيلي رافائيل تسافكّو غارشيا ، "ان اليمين المتطرف قد اظهر قوته بالشارع ، خارج صناديق الاقتراع وعلى شبكة الإنترنت. كشف النقاب عن التغلغل العميق لقوى الأمن والسياسيين في صفوف الفاشيين في مواقع عدة. تصرفت المؤسسات بسرعة ردا على الهجوم؛ لكنها ظهرت مخترقة."
يرى غارشيا في هذا الحدث الفرصة لتوجيه رسالة واضحة الى كل من يتطلع لمهاجمة الديمقراطية البرازيلية . لاحظ ان الحاجة ماسة " للسعي من اجل إنزال عقوبات عاجلة وقاسية بالمسئولين"، باعتبار ذلك رادعا لهجمات قادمة على المؤسسات الديمقراطية وضد حكم القانون. اضاف ان الملاحقة يجب ان تشمل الممولين والقادة العسكرينن القابعين خلف المحاولة الانقلابية ، ولا تقتصر على من اقتحم المبنى . وأضاف غارشيا، " هذه يمكن ان تكون فرصة لإصلاح القوات المسلحة ، ووضع حد للعدالة العسكرية التي فات اوانها ، لكنني اشك في أن تمسك الحكومة بالفرصة وتستثمرها".
على كل حال، لا توجد عقبات : لم يسبق أن أقرت حكومة البرازيل أو نفذت محاكمات تحمّل العسكريين مسئولية أعمالهم خلال حكم الديكتاتوريات العسكرية (1964-1985) مثلما فعلت الأرجنتين او غيرها من بلدان أميركا اللاتينية . يشك غارشيا في احتمال المزيد من العمل لملاحقة جريمة الثامن من يناير ، حين ايد علنا انصار بولسونارو انقلابا لإرجاع الديكتاتورية العسكرية.
كما لاحظ غارشيا التماثل بين الهجمات على الكابيتول (الكونغرس الأميركي) والمباني الحكومية في برازيليا. " العلاقة مباشرة؛ توجد صلات مستمرة بين اليمين المتطرف بالولايات المتحدة والبرازيل ليس فقط بين قادة من خلال ستيف[ مسئول سابق في إدارة ترامب ، كان أشد تطرفا من ترامب وداعية مكشوف للفاشية في الولايات المتحدة]، إنما بين متطرفين من مختلف هياكل حركة بولسونارو . ما يحدث بالولايات المتحدة يستنسخ بالبرازيل ، وغزو الكابيتول حظي بتمجيد اليمين في البرازيل . وبدون شك انهم تعلموا وطبقوا بطريقتهم".
ويرى مارتينز تماثلات اخرى لدى المقارنة بين محاولة انقلاب اليمين المتطرف في الدوليتين. كلاهما ضم مجموعة أقلية لا تقبل نتائج انتخابات الرئاسة وشنوا اتهامات بحدوث تلاعب في الانتخابات تستند الى روايات ملفقة عبر منابر السوشيال ميديا.
يضيف غارشيا أن "بانون [ ستيف بانون عمل مع إدارة ترمب ثم استقال وراح يدعو للفاشية الدينية وما زال تأثيره يتسع بين اليمين المتطرف بالولايات المتحدة]هو الذي نصح بولسونارو بتحدي نتيجة الانتخاب وشجع البولسوناريين على اقتحام مقار السلطات الثلاث في 8يناير(كانون ثاني) 2023، لعب دورا كبيرا في دمج تحالف بولسونارو مع ترمب وتبادل تكتيكات عتاة الميديا الدمويين . هناك من يسعي للتقليل من دوره، واضعا إياه مجرد شخصية إعلامية يعرف كيفية اقتناص اللحظة، لكنني أراه جزءا اساسيا في جسر الفجوة بين الرئيسين السابقين بالولايات المتحدة والبرازيل ."
أشار مارتينز الى تماثل آخر بين حكومتي ترمب وبوسونارو- الفساد وتقريب الموالين، ظاهرتان بارزتان من مشاركة اعضاء الأسرتين بصورة مباشرة في الحكم ، فيقول" لم نشهد او نسمع ان ابنة (رئيسة البرازيل السابقة) ديلما روسيف او ابناء الرئيس الأسبق فرناندو هنريك كاردوسو تعاملوا مباشرة مع قضايا مجلس الوزراء. ونفس الأمر في الولايات المتحدة ، حتى اعضاء أسرة بوش لم يدخلوا في أعمالهم السياسية بالضرورة أقارب آخرين ".
انتهى الهجوم البرازيلي بتدمير ثلاث مباني مؤسسات واعتقل 1406 أشخاص على الأٌقل. رد مارتينز على سؤال هل ان فشل محاولة الانقلاب في 8 يناير، والرد السريع من قبل الحكومة سوف يردع في المستقبل أحداث عنف بالبرازيل ، اجاب بالإشارة الى أن تكاليف متمردي اليمين المتطرف لم تقتصر على فترة الاعتقال ، بل كبدتهم خسارة فادحة في نفوذهم وقوتهم السياسيين . " يعرف اولئك الذين يشرفون على تلك الهجمات انهم لا يملكلون ما يكفي من مؤسسات الدعم أو الجماهير المساندة كي يضعوا في الحكم ديكتاتورية عسكرية بالقوة. ولهذا السبب ، من جديد يهيء الرئيس السابق دونالد ترمب لرئاسة أخرى في انتخابات عام 2024، بينما حزب الرئيس السابق جير بولسونارو يهيء مرشحه لانتخابات 2026. اعتقد انهما تعلما الدرس : من الضروري كسب الأصوات كي تعود الى البيت الأبيض او قصر البلانالتو" .
اما غارشيا فهو أقل يقينا , " من المستحيل التنبؤ ان مظاهرات عنف جديدة سوف لن تحدث "[ سبق محاولة الانقلاب مظاهرات رفضت نتيجة الانتخابات استمرت منذ إعلان النتائج]، ملمحا الى ضرورة مراقبة اليمين المتطرف، فقد يخطط لمؤامرات فوضى جديدة ، حتى لو لم تكن من نفس حجم هجوم برازيليا. ولدى سؤاله كيف تراقب البرازيل المتطرفين وتصرفاتهم اوضح غارشيا،" هناك طرق عدة يمكن عملها ، لكن معظمها بواسطة الاستخبارات ، وربما توضع مجموعة بعينها تحت المراقبة ، أنشطة ترتبط بالحكومة وبالعدالة، ولكن أيضا بمساعدة عمالقة التكنولوجيا. في الحقيقة عقدت المحكمة العليا اتفاقات تعاون مع التكنولوجيا المتقدمة ، وعلى الأخص أثناء فترات الانتخابات ، كي تتصدى للأنباء المختلقة من خلال الشبكات الاجتماعية المعتدلة ، تلتقط مشاهد وصور.الخ".

تحول في السياسة الخارجية بالبرازيل

كشف الهجوم على الأبنية الحكومية محدودية اليمين المتطرف في البرازيل الديمقراطية ؛ و انتهى بصمت الحفل الختامي لحكومة بولسونارو، التي سيتذكرها الناس بايديولوجيتها اليمينية المتطرفة ونهجها العنيف. كما أن رئاسة بولسونارو أجرت تحولا عميقا في السياسة الخارجية ؛ ابتعدت البرازيل عن " كل شيء دافعت عنه تاريخيا"، حسب قول غارشيا. في ظل رئاسة لولا التي سبقت شاركت البرازيل بنشاط في الاندماج الإقليمي ، وتوسطت في قضايا ذات أهمية إقليمية ودولية. ومن كونها قائدة لدول أميركا اللاتينية انكمشت الى نقطة غدت ’سمّية‘ خلال حكومة بولسونارو.
طبق بولسونارو " دبلوماسية إيديولوجية ابتعدت بالبرازيل عن كل شيء أيدته البرازيل تاريخيا . جعلت من البرازيل تفقد دورها البارز في أمور عظيمة الأهمية لتغدو حكومة مارقة. ومن بلد مَثار إعجاب يُسعى اليه للتوسط بقضايا ذات علاقة اممية استحالت دولة "سامة".
ان ازدراء بوسونارو لحقوق الإنسان والمساواة الاجتماعية والاستخفاف بالحفاظ على الغابات الممطرة في الأمازون قد أبعد الكثير من الدول عن البرازيل . لاحظ مارتينز ان البرازيل غدت تحت إدارته آخر ديمقراطية في العالم تعترف بانتصار جو بايدن الرئيس الأميركي على ترمب عام 2020. عقد بولسونارو تحالفات مع إيديلوجيي اليمين المتطرف ، أمثال ديكتاتور هنغاريا فيكتور اوربان والديكتاتور الأرجنتيني ماوريكو ماكري، بينما الغى اللقاء عام 2019 مع المستشار الفرنسي جين – ييفسلي دريان دو، نظرا "لموعد مع محل حلاق"، فقوض بذلك اتفاقا مفيدا للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي وشركة ميركوسور. وبالنسبة لمؤرخ ترمز هذه الأحداث للإرث البائس للسياسة الخارجية أيام حكومة بولسونارو.
فهل سيقود لولا سياسة البرازيل الخارجية من جديد للانفتاح على العالم الى العهد الذي كان لها القول في المنابر الأممية ذات العلاقة؟
حسب نبوءة غارشيا،" على أقل تقدير فالعودة الى الفترة حين كانت البرازيل تقود وتشارك في مناقشات دولية هامة ، بلا شك بات العالم أكثر تركيبا ، والتحالفات أكثر تعقيدا كي يتم الحفاظ عليها ؛ غير ان لولا يستطيع ويجب عليه ان يلعب دورا هاما في النقاشات حول البيئة والارتفاع الحراري للكرة الأرضية".
أضاف ما رتينز ان العلاقات بين الولايات المتحدة والبرازيل يحتمل ان تتحسن." ستكون بصورة مطلقة أفضل مما سبق . ومع تسلم لولا السلطة يشارك الرئيسان لولا وبايدن قيما متماثلة فيما يتعلق بأهمية المؤسسات الديمقراطية والدفاع عنها. كان الرئيس الأميركي اول من هنأ لولا بعد الانتخابات . وهذا يعني الكثير بصدد الاهتمام الأميركي تجاه البرازيل.
إذاما تحسنت العلاقات مع الولايات المتحدة فيمكن ان تفضي الى تقدم في بعض المجالات الهامة. " على الجانب البرازيلي يتوجب على البرازيل ان تواصل إظهار التزامها في الحفاظ على غابات الأمازون وتطوير استراتيجيات الطاقة الخضراء.علاوة على ما تقدم تحتاج البرازيل الى القيام باعبائها المحلية المتعلقة بتحديث الاقتصاد واستقرار النظام الاقتصادي. ينحو الاستثمار الأجنبي للبحث عن دول ثابتة ذات بيئة تيسرأعمال البيزنيس" كما يقول مارتينز.
يضيف مارتينز: " فيما يتعلق بدور واشنطون عليها العمل طبقا للاعتراف بقيادة البرازيل لمنطقة جنوب اميركا وتحترم (الى جانب اتباع سياسات غير إكراهية تجاه ) إدارة لولا ومواقفها على المشهد الدولي، مثل وجهات نظر لولا بصدد النزاع الروسي- الأكراني ، والأزمة السياسية في فنزويلا ، والعلاقة مع الصين".
خلفت حكومة بولسونارو وراءها العداء – داخل البلاد وفي العلاقات الخارجية . وفي سنوات تالية ستظل البرازيل تحت المراقبة وهي تدشن توجها جديدا ، بهدف ان تغدو اكثر احتراما في الخارج ، وسيطا في العلاقات الدولية وصانعة سلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات| فيديو يظهر شجاعة مقاومين فلسطينيين في مواجهة جيش الاح


.. شبكات| مغاربة يدعون لمقاطعة مهرجان موازين بسبب غزة




.. عمليات البحث عن الرئيس الإيراني والوفد المرافق له


.. خبيرة بالشأن الإيراني: الدستور الإيراني وضع حلولا لاحتواء أي




.. كتائب القسام: استهداف قوات الاحتلال المتموضعة في محور -نتسار