الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول تطور البنية الاجتماعية

أحمد صديقي

2006 / 10 / 19
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تمهـيد:

ليس للتحالف الطبقي المسيطر إلا أن يحافظ على سيطرته هذه، ولا بديل للتحالف الطبقي الثوري غير تكسير هذه السيطرة، تكسير من حيث هو هدم لعلاقات الإنتاج القائمة، هي بدورها نفي لنظام آخر هالك.

انه دائما التناقض، تناقض مادي دياليكتيكي. تناقض في الوضع، الوعي والممارسة الطبقية، أي بمعنى آخر: إنه الصراع الطبقي، القوة المحركة للتاريخ« فمعلوم أنه في كل مجتمع تتصادم مطامح البعض مع مطامح البعض الآخر، وأن الحياة مليئة بالتناقضات»1 .ليس في هذا القول من جديد، فهذا ما تقول به الماركسية من حيث هي علم بقوانين التاريخ وتطوره.

مقدمــــــــــة:

عندما نقول بتطور البنية الاجتماعية، فهذا لايعني أنها تتطور نتيجة رغبة ذاتية، انعكاسا لإرادة ذاتية، حتى وان كانت إرادة الأغلبية، بل تتطور وفقا للشروط "الموضوعية" الخاصة بتطورها، بمعنى، تخضع للضرورة التاريخية.«فالبشر يصنعون تاريخهم بأيديهم، ولكنهم لايصنعونه على هواهم... في ظروف يختارونها هم أنفسهم، بل في ظروف يواجهون بها مباشرة، ظروف معطاة ومنقولة لهم من الماضي»2. غير أن «فكرة الضرورة التاريخية لاتقلل على الاطلاق من دور الفرد في التاريخ... فالتاريخ كله مكون من أفعال أفراد هم بلا شك كائنات فعالة. والسؤال الحقيقي الذي يبرز حين تقيم النشاط الاجتماعي لفرد ما هو: ماهي الشروط التي تضمن نجاح أعماله، ما الذي يضمن أن لاتظل أعماله فعلا معزولا لايضيع في خضم أفعال معاكسة؟»3.

من أهم الاسئلة المحورية التي من الواجب طرحها في موضوع تطور البنية الاجتماعية هو هذا السؤال، ففهمه يقتضي معرفة الشروط "الموضوعية" و "الذاتية" المتحكمة في تطور البنية الاجتماعية، والوقت المناسب4 لأي نشاط ثوري من شأنه أن يحقق التغير النوعي على علاقات الانتاج القائمة، أي بمعنى آخر: أنه يفرض علينا ضرورة التمييز داخل حركة التاريخ الاجتماعي بين بنيات زمانية مختلفة5 ولا يمكن فهم حركة البنية الاجتماعية في أفق تحويلها بالذات، الا بتمييز أزمنتها المختلفة6.

أولا: في إطار التطور البنيوي

« ان تاريخ كل مجتمع الى يومنا هذا7 لم يكن سوى تاريخ صراع بين الطبقات، فالحر والعبد، النبيل والعامي، السيد الإقطاعي والقن، المعلم والصانع، أي باختصار المضطهدين والمضطهدون. كانوا في تعارض دائم وكانت بينهم حرب مستمرة، تارة ظاهرة وأخرى مستترة. حرب كانت تنتهي دائما اما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره وإما بانهيار الطبقتين معا...»8.

إضافة الى تماثل النقيضين الذي نسجله عند التناقض الهيغيلي، يفتقر كذلك الدياليكتيك الهيغلي الى عنصر وحدة الأضداد. فالعبد من وجهة نظر هيغل ليس نتيجة للعلاقات التي أقامها الحر (المجتمع العبودي)، وكذلك النبيل والعامي، الإقطاعي والقن... أي بمعنى أن نفي النفي ليس نتيجة للنفي الاول، وبمعنى أبسط نقيض الاطروحة ليس نتاج الاطروحة، ومن ثمة فالتناقض الهيغيلي ليس في معظمه سوى مجموعة تقابلات. وهذا ما يميز كل دياليكتيك مثالي، بعكس التناقض الماركسي، فاذا كان يؤكد على عدم تماثا النقيضين9 فهو من حيث كونه دياليكتيك مادي، يؤكد على وحدة الاضداد وبالدينامية الذاتية.10

«...أما المجتمع البرجوازي الحديث الذي خرج من رحم/ أحشاء المجتمع الاقطاعي الهالك، فانه لم يقض على التناقضات بين الطبقات، بل أقام طبقات جديدة محل القديمة وأوجد ظروفا جديدة للاضطهاد وأشكالا جديدة للنضال... وخلافا للمجتمعات السالفة التي ارتكزت في بنائها على تركيبة قائمة على طبقات وفئات معقدة فان المجتمع الراسمالي العصري أقام انقساما طبقيا شفافا للغاية، لقد انتظم المجتمع المعاصر بالرغم من التنوع الواسع للمهن والتقسيم للعمل بصورة شاملة في معسكرين كبيرين متعارضين، يقفان وجها لوجه: البروليتاريا والبورجوازية»11.

ان طبقة البروليتاريا لم تخلق نفسها بنفسها، وأنزلت من السماء.. بل هي نتاج طبيعي للبورجوازية، لعلاقات الانتاج التي اقامها النظام الرأسمالي (كل شيء يولد ضده)، وهذا ما نفهمه من مقولة كارل ماركس الشهيرة« أن الرأسمالية تخلق قبل كل شيء حفاري قبرها» وبذلك فانعتاقها لايمكن أن يتم الا على يدها أو لايتم على حد تعبير ماركس أيضا.12

انتاج واعادة إنتاج نفس علاقات الانتاج الرأسمالية- بما فيها اتساع حجم الطبقات العاملة- هو مايميز الزمان البنيوي، فهو زمان التطور في البنية الاجتماعية، الزمان الذي تبدو –وهي كذلك- حركة التطور فيه وكأنها حركة طبيعية مستمرة. انه الزمان الدائري التكراري على حد تعبير مهدي عامل.

لامبالغة في القول أن زمن التطور هذا هو أزهى مرحلة للتحالف الطبقي المسيطر من مراحل تطور البنية الاجتماعية بعد زمان التكون. فاذا كان هذا الأخير زمن اقامة اسس نظام الانتاج الراسمالي على حساب اضمحلال نمط الانتاج الاقطاعي فان زمن التطور هو زمان انتاج واعادة نتاج نفس علاقات الإنتاج بكل مل يميز ذلك من فقدان العامل السياسي لهيمنته. فلايظهر بمظهر التناقض المسيطر كتناقض رئيسي.وهذا دائما في خدمة الطبقة المسيطرة، فاذا كان قد لعب دوره في زمان التكون كونه كان مسؤولا عن اقامة علاقات الانتاج الرأسمالية، فانه أشد ما يمكن رفضه في زمان التطور لأن ظهوره بمظهر حقيقي كتناقض رئيسي مسيطر ليس سوى في مصلحة التحالف الطبقي الثوري (الطبقة النقيض= البروليتاريا) كما كان في مصلحة الطبقة المسيطرة المستغلة (بكسر الغين) خلال زمان التكون من العهد الإقطاعي.

ان ظهور الصراع السياسي على غير حقيقته كصراع طبقي بمظهر صراع ايديولوجي أو اقتصادي، هو ما يدفع للقول بغياب الصراع الطبقي. بينما وجب التأكيد على أن غيابه (الصراع الطبقي) كصراع سياسي ليس غيابا له بمعنى الغياب المطلق. بمعنى انتفاء الوجود، بل هو غياب له على مستواه البنيوي وحضور له في المستويات الأخرى.13 وهذا ما يجب أن يفهم من القول"...حرب تارة ظاهرة، وأخرى مستمرة"فالاستتار لايعني العدم. اذن خطورة أن يظهر المظهر الرئيسي للتناقض الرئيسي في مظهر رئيسي يحجب حقيقته السياسية الطبقية. هي اظهار التاريخ على غير حقيقته، وكأنه مجرد نتاج لعلاقات انتاج ليست الجماهير الا سندا لها على حد تعبير مهدي عامل دائما.

وبذلك فحركة النبذ هذه أو الابتعاد عن مركز الحركة المحورية للصراع الطبقي من حيث هو صراع سياسي لاتخدم فقط الا الممارسة السياسية للتحالف الطبقي المسيطر. معناه أن هذه الحركة الانتهازية تحرم الطبقية العاملة خلال الزمانالبنيوي من تسييس مختلف التناقضات الاجتماعية وهذا ما يتحقق لها في زمان القطع كلحظة ثورية حاسمة.15

كما سبق أعلاه، أن تطور البنية الاجتماعية تتحكم فيها شروطا "موضوعية" (الضرورة التاريخية) بالضرورة دون أن تلغي أثر ما هو "ذاتي". وضرورة التمييز بين الموضوعي والذاتي لايعني انفصالهما المطلق بعضهما عن بعض، بل الترابط والتفاعل بينهما هو الحاصل. وتدخل ما هو ذاتي لايكون الا بعد معرفة علمية بما هو موضوعي حتى يتبين ماذا يتوجب عن هذا الذاتي ان لم نقل أن الموضوعي شرطا أساسيا للذاتي هذا لأنه يمكننا من معرفة ما يتوجب علينا فعله. ليصير الذاتي محددا والموضوعي مساعدا. أي، بمعنى أنه يحدده بشكل نوعي فالذاتي كان ويكون استجابة للموضوعي أولا يقدر على تحقيق مسعاه الا أن يخسر الكثير. ومن بين ما هو ذاتي نرى انطلاقا من قناعاتنا الماركسية اللينينية أنه يكتسي أهمية كبرى في مسيرة النضال من أجل تحقيق الهدف الأسمى (التغيير الجدري) هو التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة.

ثانيا: تطور البنية الاجتماعية واهمية التنظية السياسي

ان الدرس المركزي الذي أبرزته الماركسية كنظرية للثورة البروليتارية منذ البداية هو ضرورة بناء حزب شيوعي، كنواة قائدة لهذه الثورة، وليس من قبيل الصدف أن كان أول نص يشكل اندماج هذه النظرية الثورية بالحركة الثورية البروليتارية يسمى بــ "البيان الشيوعي".16

يدعي المتحدثون باسم البورجوازية أن الدولة مؤسسة ضرورية، نشأت للارادة الجماعية للناس وتحقق السلطة المشتركة لأعضاء المجتمع، يقال أن القوانين السائدة هي مجموعة من المبادىء البديهية والطبيعية والتي اتفق بشأنها أفراد المجتمع، وأن الدولة ضامنة لتلك القوانين ومنفذة لها. ان تصوير الدولة بوصفها مؤسسة مستقلة تقع خارج المصالح الطبقية المتناقضة داخل المجتمع هو أحد الاركان الأساسية لاديلوجية البورجوازية.17 فالدولة على حد تعبير "لينين" جهاز قمعي ، فهي وسيلة الطبقة الحاكمة الأهم للابقاء على اخضاع الجماهير المستغلة (بفتح الغين)18.

« اذا كانت أحزاب البورجوازية الصغيرة، كما أحزاب الطبقة المسيطرة تنتهي دوما بالتحنط في أجهزة تابعة لجهاز الدولة، حين تصل البورجوازية الصغيرة الى السيطرة الطبقية19. فالحزب الوحيد الذي يجد في تكوينه الطبقي بالذات القوة الثورية على نقد جهازالدولة ، أي على تكونه كنقيض ثوري لجهاز الدولة، هو الحزب الشيوعي . حزب الطبقة العاملة لأن الطبقة العاملة أكثر الطبقات الاجتماعية ثورية على الاطلاق».20

نحن الآن أمام تناقض جديد استدعاه الوضع الطبقي لكل من البورجوازية البروليتارية كما استدعته الممارسة السياسية من حيث هي مارسة للصراع الطبقي لكل من الطبقتين المتناقضتين. انه تناقض على مستوى الأداة السياسية . فاذا كان للبورجوازية جهاز الدولة كأداة للممارسة السياسية21 فان "الحزب الشيوعي" هو التنظيم السياسي الذي من خلاله تمارس الطبقة العاملة ممارتها السياسية.

لقد أصبح واضحا ، وضرورة أن الحزب الشيوعي هو التنظيم الذي من خلاله تمارس الطبقة العاملة ديكتاتوريتها الطبقية. بل من أجل التحرر من هذه السيطرة تحرير البنية الاجتماعية لكل منها (السيطرة الطبقية). هذا الحزب الشيوعي وفي سعيه لاقامة ديكتاتورة البروليتاريا واضمحلال جهاز الدولة (النقيض) لابد وأن يكون حزبا بروليتاريا بالفعل .خاضعا لارادة وتسيير الطبقة العاملة من أجل أن تكون هي قادرة على ادارة الثورة. وهذا هو المطروح على عاتق الشيوعيين الحقيقيين 22. انه التنظيم والتأطير السياسيين .أي بمعنى تسليح الطبقة العاملة باديولوجيتها على تعبير "فريدرك انجلز" . نظرية الثورة أي الشيوعية العلمية23. بناء الحزب الثوري المستقل للطبقة العاملة هو ما يجب أن يسعى اليه كل القوى المناضلة الحقيقية في الحقل التقدمي، فتحرير الطبقة العاملة من السيطرة الطبقية لايتم الا على يدها أو لايتم، لا أن تقوده (التحرير=الثورة) الأقلية الواعية النشيطة كما ترى البلانكية.24 الأساس النظري للثورة البروليتارية اذن يوجد في الشيوعية العلمية. فلاحركة ثورية بدون نظرية ثورية على حد تعبير لينين . وثورية الحركة تأتيها من فعاليتها بمعنى نجاحها في تحقيق التحول الجذري للبنية الاجتماعية واقامة ديكتاتورية البروليتاريا. أما ثورية النظرية، فلا تأتيها من كونها ترى في الثورة الحل للتغير الجذري الحقيقي فحسب، بل تأتيها أساسا من علميتها، معناه المعرفة العلمية بقوانين التاريخ وتطوره، وبذلك فثورة البروليتاريا هي ثورة قائمة على المعرفة العلمية. ومنه فهي كما قال مهدي عامل: الثورة الوحيدة في المجتمعات الطبقية التي تعتمد العلم أساسا في مسارها التاريخي.

ثالثا: أثر الفكر الاشتراكي في حركة البنية الاجتماعية وضرورة النضال الديموقراطي الجماهيري الحق.

اذا كانت النظرية الماركسية أقصى ما يمكن أن يتوصل اليه العقل البشري في العصر الحالي كما عبر عن ذلك "سارتر" أحد أعلام المذهب الوجودي25، واذا كانت المقولة: لاحركة ثورية بدون نظرية ثورية، فان النظرية الثورية ذاتها بحاجة الى اكتشاف واعادة الاكتشاف باستمرار، وبحاجة ماسة أيضا الى الإغناء والتطور باستمرار وبحاجة ماسة أيضا للابداع خاصة في الجوانب المتجددة والمعقدة التي تبرز في الحياة، أو تمليها الأسئلة والتحديات التي لاتتوقف يوما واحدا.26

علاقة الفكر بالواقع علاقة تفاعل بالضرورة، هذه مقولة أساسية في الفكر الماركسي. غير أن علاقة التفاعل هذه لاتتم بشكل بسيط، بل أشد تعقدا مما نتصور فالعلاقة علاقة بنيوية تتم بين بنية فكر وبنية واقع.27 واذا كان من السهل علينا معرفة أثر الواقع الاجتماعي في البنية الفكرية، فان الأمر يستعصي عندقلب المسألة أي معرفة كيف يؤثر الفكر في تطور البنية الاجتماعية، أي بمعنىأثره في التاريخ. لكن الأمر قد يسهل بعد معرفة الشروط التي من الواجب أن يتوافر عليها هذا الفكر. فهل كل فكر قادر على التأثير في البنية الاجتماعية وتطورها؟

بالتأكيد لا .قال مهدي عامل:"ان منطق الفكر الثوري أن يمارس فعله في حركة الواقع الاجتماعي الا تجسد في ممارسة سياسية واعية لمسارها الثوري."28 ان في هذا القول لمناضل ومفكر متميز في الفكر الماركسي "مهدي عامل" يعكس أهمية التجربة التي وعاها من خلال نضاله في الحزب الشيوعي اللبناني. وهي ترجمة لمسألة شديدة الأهمية بخصوص أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحررالوطني.كيف لا. وهو صاحب المرجع الشهير "مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكيفي حركة التحرر الوطني".

المسألة تتعلق بالشروط الواجب توفرها في الفكر حتى يكون له أثر في تطور البنية الاجتماعية. في حركة التاريخ وتطوره. ان الأمر لايتعلق بعملية الفكر فحسب، وان كان ذلك مهما،29 بل يتعلق الأمر بانصهاره في الممارسة السياسية من حيث هي صراع طبقي للجماهير البروليتارية وعموم الكادحين أي بمعنى أن يصير قوة مادية في التاريخ. العلمية وحدها لاتكفي لاجراءأي تغير نوعي فالفكر لايحمل في ذاته أداة التغيير وهو مستقل عن الممارسة بل أهميته لا تأتي الا من خلال صيرورته وعي الجماهير التي تصنع التاريخ وصيرورة الفكر هذه ليست صيرورة الممارسة السياسية للجماهير الكادحة. أي تجسيده في الممارسة العملية هو الذي يضمن ظهور أثر له في تطور البنية الاجتماعية، في ممارسات التاريخ وحركة تطوره30.

ان رفضنا للطرح البلانكي، والتأكيد على تسليح الجماهير الشعبية والطبقة العاملة وعموم الكادحين بالفكر الحر من حيث هو سلاحه النظري الحامل للمشروع المجتمعي البديل يدفعنا للتأكيد مرة أخرى على ضرورة "النضال الديمقراطي الجماهيري "31. كشرط أساسي في المسيرة النضالية لكل القوى الحية المناضلة. ان النضال الديمقراطي الجماهيري سيساعد على ضرب الفهم المثالي الأسطوري للثورة لدى الجماهير.32 فهو أداتها ووسيلتها تدافع بها عن مصالحها وأهدافها السياسية والاقتصادية الآنية، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار الشروط الموضوعية والذاتية لهاته الجماهير وكذا المتطلبات الملموسة للصراع الطبقي33. وان نشر وتوطيد ثقافة نضالية هادفة لايتم إلا عن طريق هذا النضال. الذي لايعد بديلا للعمل الثوري، بل يفتح الباب أما هذا الأخير ويرفع من وتيرة النضالات الجماهيرية واستعداداتها الكفاحية، وهكذا فان العمل هو الذي يعطي للبرنامج الثوري مضمونه الحقيقي والفعلي.34

غير أن النضال الديموقراطي الجماهيري هو ذو طبيعة اصلاحية، حيث لايطرح مهمة اسقاط النظام، غير أنه من وجهة نضر القوى الثورية يندرج في صيورة عملها الجذري، الذي يعني انضاج الشروط الموضوعية والذاتية لاحداث التحول المجتمعي المنشود. وهذا مايميز هذه القوى المناضلة الثورية عن القوى الاصلاحية التي ترى في هذا العمل الديموقراطي مجالها الوحيد. وأكثر من ذلك فغالبا ما يتم لديها بالموسمية والمناسباتية تماشيا مع الهامش الذي سمح به النظام. 35

خلافا للفوضويين، يعترف الماركسيون بالنضال من أجل الاصلاحات من أجل تحسينات في أوضاع الكادحين لكنهم يخوضون في الوقت نفسه نضالا في منتهى الحزم ضد الاصلاحيين الذين يحدون بواسطة الاصلاحات مباشرة أوبصورة غير مباشرة. من تطلعات الطبقة العاملة ونشاطها.36 ان الثورة العمالية ليست ثورة ناجمة عن الفقر والعجز واضطراب أوضاع العمال فالجوع ان لم يؤدي الى الموت يؤدي الى التخلف. ان الثورة العمالية هي عملية مبنية على الوعي والاستعداد المادي والمعنوي للطبقة العاملة، كلما تمتعت الجماهير بقسط أوفر من الحريات السياسية، كلما ترسخت شخصية وكرامة الناس بصورة عامة والطبقة العاملة بصورة خاصة في المجتمع بدرجة أكبر37، وكلما استطاعت الطبقة العاملة التمتع بقسط أوفر من الرفاه الإقتصادي، كلما زادت انخراطاتها في النضالات وزاد اقبالها على الوعي بحقها النضالي وهدفها المجتمعي. وتزداد ايمانا بأن تحقيق المساواة الكاملة والحرية لايتم عن طريق الاصلاحات. بل عن طريق الثورة فالاصلاحات هي تحولات كمية، بينما الثورة تحويل كيفي أي بمعنى نوعي.

خاتمة:

لايلومنا القارىء اذا عدنا به الى مسألة التطور البنيوي. لأن في هذه العودة ضرورة أكيدة فنحن لم ننتهي بعد ذلك اذا كان زمن التطور زمن انتاج واعادة علاقات الانتاج وكأنه زمن دائري تكراري. في زمن القطع واللحظة الحاسمة التي يعود فيها للعامل السياسي أهمية ويظهر بمظهره الحقيقي أي مظهره السياسي بشكل مباشر. تكون الحركة المحورية في البنية الاجتماعية حركة انجذابية،أي حركة تجذب بقوة الى مركز التناقض السياسي. كتناقض رئيسي كبقية التناقضات الاجتماعية كلها38. بشكل يصير فيه حل التناقض السياسي شرطا ومطلقا لحل مختلف تلك التناقضات.

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------

1- فلادمير لنين: كارل ماركس سيرة مختصرة وعرض للماركسية الجزء الأول.

2- كارل ماركس : "الثامن عشر من برومير لويس بونابارت" عن كتاب "الامبريالية والثورة" لدافيد هورويتر .ترجمة خليل سليم. دار الطليعة للطباعة والنشر. بيروت. الطبعة الأولى يونيو1973 ص18.

3- لنين: "من هم أصدقاء الشعب ، وكيف يحاربون الاشتراكيين الديموقراطيين" عن كتاب "الامبريالية والثورة " مرجع سابق ص19.

4 ليس من السهل تحديد، " الوقت المناسب" هذا فهو لايخضع لتحديد ذاتي بمعنى أن الارادة الذاتية ليست هي المحدد. بل المحدد هو معرفة آليات الثورة، ميكانيزماتها المتميزة، معرفتنا هذه هي ما يجعلنا نتفادى المغامرة بالثورة كعملي جد معقدة.

5- مهدي عامل: مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني. الطبعة السادسة1990. دار الفرابي. بيروت- لبنان ص38.

6- راجع في هذا الصدد: الفصل الثاني من مقدمات نظرية (مرجع سابق) فصل "أزمة البنية الاجتماعية"

7- يضيف فريدريك انجلز فيما بعد: "ماعدا المشاعي البدائي"

8- البيان الشيوعي: كارل ماركس- فريدريك انجلز

9- لأن في تماثل النقيضين زوال للتناقض على حد تعبير مهدي عامل .

10- راجع كتاب: "مبادىء أولية في الفلسفة" جورج بوليتزر. نقله الى العربية وقدمت له فهمية شرف الدين.

11- البيان الشيوعي (مرجع سابق)

12- التفسير الماركسي لمفهوم صراع الطبقات-انيان بالبيار ترجمة هادي تيمومي، مجلة الأفق الديموقراطي عدد9 ماي 2005 ص 42

13- مهدي عامل: مقدمات نظرية (مرجع سابق)

14- البيان الشيوعي (مرجع سابق).

15- سنعود للحديث عن هذه اللحظة لاحقا.

16- منظمة الى الأمام:"منظمة الى الأمام" النشأة .. التطور.. الامتداد" لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو. منشورات الأفق الديموقراطي ط. الثانية يناير 2003 الدار البيضاء ص51.

17- راجع لينين: الدولة والثورة.

18- نصوص الشيوعية العمالية

19- لقد ميز مهدي عامل بين الهيمنة الطبقية والسيطرة الطبقية، فالبورجوازية الصغيرة مثلا قد تحقق السيطرة الطبقية دون أن تجعل نفسها طبقة مهيمنة فوضعها الطبقي يجعلها من المستحيل أن تحقق الهيمنة الطبقية. فالهيمنة الطبقية تكون فقط للبورجوازية أو البروليتاريا لأنهما تقدران على تقديم البديل النقيض. (للمزيد أنظر مقدمات نظرية .فصل الهيمنة الطبقية والسيطرة الطبقية)

20- مهدي عامل : مقدمات نظرية (مرجع سابق) ص 73.

22- فصل الشيوعيون والبروليتاريون من البيان الشيوعي (مرجع سابق).

23- انجلز: مبادىء الشيوعية.

24- البلانكية: تيار نشأ في بداية الحركة العمالية يرى أن الثورة هي من عمل أقلية نشيطة وواعية تنوب عن الجماهير في الاستعلاء على السلطة.

25- سارتر: نقد العقل الجدلي.

26- عبد الرحمان منيف: النهج : دفاتر الماركسية اللينينية في العالم العربي. صدر عن مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي. السنة الخامسة. العدد18 .1988.ص 227.

27- راجع في هذا الصدد الفصل الأول من" مقدمات نظرية" (مرجع سابق) فصل علاقة الفكر بالواقع.

28- مقدمات نظرية (مرجع سابق) ص34.

29- فلا تفاعل مثلا بين الواقع والفكر الأفلاطوني "أو الديني" أو أي فكر مثالي. لأنه ليس مقياس لدراسة ومعرفة الواقع.

30- مهدي عامل: (مقدمات نظرية) مرجع سابق.

31- يشير العمل الديموقراطي الجماهيري الى نضالنا اليومي الملموس بجانب الجماهير ومعها مع مراعاة شروطها الذاتية والموضوعية، كما أنه يستهدف الرفع من مستوى وعي الجماهير ونضالها لتنخرط بشكل أكبر في المسلسل النضالي وتنصهر فيه وذلك من أجل تحقيق مصالحها الآنية والدفاع عن مكتسباتها.

32- منظمة الى الأمام.. (مرجع سابق)

33- نفسه.

34- نفسه.

35- نفسه.

- 36لنين الماركسية و الإصلاحية

37- نصوص الشيوعية العمالية.

38- مهدي عامل: مقدمات نظرية.. (مرجع سابق) ص40








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حشود غفيرة من الطلبة المتظاهرين في حرم جماعة كاليفورنيا


.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس




.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب


.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا




.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في