الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل عودة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض تعني عودة الثقة؟

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2023 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


بعيدا عن لغة العواطف والانفعالات، فعودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، لا تعني أن الثقة ستعود بينهما بهذه البساطة.. فالمسألة أبعد بكثيرٍ من ذلك.. وحينما كانت العلاقات تسير نحو التوتر والجفاء، كانت العلاقات الدبلوماسية قائمة بينهما، ولم تمنع من ذاك التوتر والقطيعة..
هناك حربا اليوم بالوكالة في أوكرانيا، بين روسيا من طرف ودول حلف الناتو، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، من طرف آخر، ورغم ذلك لم تُقطَع العلاقات الدبلوماسية، وإنْ تمّ طرد دبلوماسيين من هنا أو هناك، ولكن العلاقات الدبلوماسية بقيت قائمة.. بل في عزِّ الحرب عيّنت الولايات المتحدة سفيرة لها في روسيا مؤخّرا..
العلاقات الدبلوماسية تكون ضرورية أكثر في أوقات الشدّة والتوتر والحروب بالوكالة بين الدول، كي تُبقي على قناة تواصُل مفتوحة..
لا نستطيع أن نتجاهل أن هناك حربا ساخنة بالوكالة في اليمن بين السعودية وإيران، وطالت أهدافا داخل السعودية.. وحروبا أقلُّ سخونة في أماكن أخرى على ساحات عربية..
**
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران وتبادُل السفراء، منذ عام 1930 .. ثم انقطعت عدّة مرات، وعادت..
فهذه ليست المرّة الأولى التي تُقطَعُ فيها العلاقات الدبلوماسية ثم تعود.. وحتى حينما كان كِلاهما ينامُ على الوِسادة الأمريكية، قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ، كانت العلاقات تتوتر، وتنقطع العلاقات الدبلوماسية..
فقد انقطعت هذه العلاقات عام 1943 بعد إعدام السعودية لأحد الحُجاج الإيرانيين، ثم عادت عام 1946 .. وتوترت العلاقات عام 1950 إثرَ اعتراف إيران بإسرائيل، وإقامة أوثَق العلاقات الأمنية والمخابراتية سِرّا بين طهران وتل أبيب..
وكما كتب موشيه شاريت (ثاني رئيس وزراء في إسرائيل في مذكراته) ولدى سؤالهِ، لماذا تخفُون هذا الحجم من العلاقات مع طهران، ولا تُعلِنونهُ، فأجاب : العِشقُ أحلى من الزواج..
فالعِشقُ يكون سريا.. بينما الزواج مشهورٌ للعلن..
وفي عام 1955، زار الملك سعود طهران، والتقى الشاه محمد رضا بهلوي، وبعد الزيارة صرّح الشاه لصحيفة أمريكية، أن الملك سعود كان يُعامِل حُرّاسَهُ ومُرافقيهِ كالعبيد.. الأمر الذي أغضبَ الملِك وأمرَ بِمنعِ دخول أي إيراني، أو بحريني من أصل إيراني للسعودية..
ولكنّ بعد صعود الرئيس جمال عبد الناصر في مصر، وتوجهاتهِ العروبية والقومية، فقد رأت فيه الأنظمة المَلكية تهديدا لها، وهذا ما دفع طهران والرياض للتقارُب.. فزارَ الشاه السعودية عام 1957 ، وذهب إلى مكّة والمدينة..
وفي عام 1962 وبداية الصراع في اليمن بين الجمهوريين بقيادة تنظيم الضبّاط الأحرار، وعلى رأسهم عبد الله السلّال، والمَلَكيين بقيادة الإمام البدر، أرسلَ الرئيس جمال عبد الناصر 70 ألف جندي مصري لمساندةِ الجمهوريين..
كما ساندتهُم سورية عسكريا أيضا، وكان عمِّي والدُ زوجتي(اللواء المرحوم ياسين محمد أحمد) هو قائد مجموعة الطيارين السوريين الذين فكُّوا الحصار عن صنعاء الذي استغرق 70 يوما، وعُرِف بِحصارِ السبعين، بين أواخر 1967 وبداية 1968 .. وبعدها انتصرَ الجمهوريون وأُعلِنَت اليمن جمهورية.. (وما زلنا نحتفظ بصورة للرئيس علي عبد الله صالح وهو يُقلِّدُ المرحوم اللواء ياسين وِساما في الذكرى 25 لانتصار الثورة اليمنية)..
**
بالمقابل، فقد ساندَ الشاه السعودية عسكريا، خلال حرب اليمن تلك.. كما ساندت السعودية وإيران، الإمام البدر وأنصارهِ بالمال والسلاح.. والحوثيون الذين تُحاربهم السعودية اليوم ومنذ عام 2015 ، هُم أحفادُ الإمام البدر، الذين دعمتهم في الحرب بين الجمهوريين والملَكيين في الستينيات..
وهكذا تتقلَبُ المواقف حسبما تقتضيه المصالح السياسية.. وليس الدينية، وإنما الدِّين يُستخدَمُ دوما كغطاء لِخدمة المصالح السياسية.. فالزيديون الذين دعمتهم السعودية بقوة خلال الحرب بين الجمهوريين والملكيين، هُم أنفسُهم الزيديون الذين تتحارب معهم اليوم..
**
ثم عادت الأمور وتوترت بين السعودية وإيران بعد أن أعلنت بريطانيا عن نيتها الانسحاب من الإمارات الخليجية عام 1968 ، ومن بينها البحرين، وسُرعان ما طالبت إيران بضمِّ البحرين إلى أراضيها.. ولكن السعودية دعمت استقلال البحرين، وتمّ ذلك إثْر استفتاء أجرتهُ الأمم المتحدة عام 1970 وتمّ الإعلان عن استقلال البحرين عام 1971، في عهدِ الملك فيصل..
وتقولُ بعض الروايات أن "الصفقة" من الخَلف كانت بأن تتخلى إيران عن المُطالبَة بالبحرين، مُقابل أن تأخذ جزُر الطُنب الكُبرى والطُنب الصغرى وأبو موسى، في الخليج العربي، والتي تُطالبُ بها دولة الإمارات العربية المتحدة..
وحينما خرجت الاحتجاجات في البحرين عام 2011 ساندت السعودية ملك البحرين، وأرسلت قوات عسكرية، وهذا ما استنكرتهُ إيران حينها..
**
حينما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران، عام 1979، صرّح ولي العهد السعودي حينها، الأمير فهد، بأن السعودية تقفُ إلى جانب الشرعية، أي إلى جانب الشاه..
وحينما نشبَت الحرب بين العراق وإيران(حرب الخليج الأولى) ساندت السعودية، وكافة دول الخليج العِراق برئاسة صدّام حسين، بقوّة، ضد إيران.. ثمَ دارت الأيام وتحاربوا مع صدّام، ووقفوا إلى جانب الولايات المتحدة للإطاحة به..
وخلال تلك الحرب قامت أربع طائرات إيرانية عام 1984 باختراق المجال الجوي السعودي، فأسقطت السعودية طائرتين منها، ونجحت إحداها بقصفِ خزّان المياه في الدمّام..
وبالتوازي مع الحرب على الجبهة العراقية الإيرانية، كانت هناك حربا بين إيران والسعودية، عبْر وسائل وأدوات مُختلِفة.. واستضافت إيران المُعارضين السعوديين من أهلِ الشيعة، على أراضيها.. وقدّمت لهم الدّعم.. إلى أن تمّ إعدام الشيخ نمر باقر النمر مع 47 شخصا آخرين في 2 كانون ثاني / يناير 2016، بتهمة الإرهاب.. وفي اليوم التالي اقتحم إيرانيون سفارة المملكة في طهران، وقنصليتها في مشهَد، وتسبّبَ ذلك بقطع العلاقات الدبلوماسية مباشرة بين البلدين..
وقد استنكرت طهران هذا الإعدام، واعتبرتهُ شبيها بإعدامات "داعش".. وهدّد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بأن السعودية ستدفع الثمن..
**
اليوم يتمُّ الإعلان من بكِّين عن عودة العلاقات وأن الاتفاق بهذا الشأن( قائمٌ على أساس الاحترام المُتبادل بين البلدين والالتزام بِحسنِ الجوار، واحترام السيادة الوطنية، وعدم التدخُّل بالشؤون الداخلية، أو التأثير عليها).. فهل ذلك يعني أن الثقة ستحلُّ بين البلدين؟.
الخلافات عميقة، ويختلط فيها التاريخ والجغرافية والقومية والدِّين، والسياسة، والمصالح الاقتصادية والنفطية.. ولا ننسى أن إيران تطالب بحقها في بئر غاز في الخليج تستغلهُ السعودية والكويت.. فضلا عن التحالفات العسكرية، والقواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج، التي تعتبرها إيران تهديدا لها.. فهل سيتمُّ إزالة هذه القواعد؟.
بالتأكيد لن يتم..
وعودةُ العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض، لن يكون لهُ أي انعكاس على علاقات السعودية مع الولايات المتحدة، ومع إسرائيل، على أي صعيد..
والعلاقات الإستراتيجية العسكرية والأمنية والمُخابراتية والدفاعية، والاقتصادية ، وغيرها، بين السعودية والولايات المتحدة، لا يُمكن أن تؤثِّر بها عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران.. فتلك العلاقات ماضية في طريقها، وتتعزّز باستمرار، ويحرصُ كبار القادة السعوديين على التأكيد دوما على أهميتها وحيويتها وتعميقها واستمرارها..
وفي إطار هذه العلاقات الإستراتيجية، وتأكيدا عليها، وعلى سيرِ السعودية في الخط الذي يُرضي الحليف الأمريكي، قام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بزيارةٍ إلى كييف أواخر شباط/فبراير 2023 ، والتقى الرئيس الأوكراني، وأعلن عن تبرعات بقيمة 410 مليون دولار لأوكرانيا..
ولا ننسى أنه ما بين 13 و 16 شباط /فبراير 2023 ، أي قبل فترة قصيرة، اجتمعت مجموعة العمل المشتركة بين الولايات المتحدة، ودول الخليج في الرياض، وعلى مستويات عالية جدا، وناقشوا كافة القضايا العسكرية والأمنية والدفاعية، والملف الإيراني.. والوضع في منطقة الخليج خصوصا، والمنطقة عموما.. وهُم متّفقون إزاء كافة هذه الملفات.. والاجتماعات والتنسيق لا ينقطع..
ومؤخّرا فتحت السعودية مجالها الجوي أمام حركة الطيران المدني الإسرائيلي، ولاقتْ هذه الخطوة تقديرا كبيرا في إسرائيل..
والمحادثات في بكِّين حول عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، كانت الرياض قد أعلَمت بها واشنطن مُسبَقا، ولم تُعارِضها.. وصرّح "جون كيربي" مُنسِّق شؤون مجلس الأمن القومي الأمريكي، أن السعودية أبقتهُم على إطِّلاع على كل مُجريات هذه المحادثات.. أي هناك ضوء أخضر أمريكي..
**
كما لن تؤثِّر على مسار العلاقات السعودية الإسرائيلية، والتي تحدثت عنها صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية، في 10 آذار /مارس 2023 ، أي قبل وقتٍ قصيرٍ، وقالت أن السعودية كثّفت في السنوات الأخيرة علاقاتها الأمنية مع تل أبيب بهدف مواجهة إيران..
وأنّ وفدين أمريكي، وإسرائيلي، زارا الرياض أواخر العام الماضي 2022 .. وقالا أن السعوديين لا يرون أن القضية الفلسطينية ذات أهمية قصوى.. وأنهُ يتمُّ حاليا مناقشة فكرة تسمية السعودية حليفا رئيسيا من خارج حلف الناتو.. على غِرار دولة قطَر والبحرين والكويت والأردن وتونس والمغرب، وإسرائيل ..
وأكدت الصحيفة أن مزيدا من الإسرائيليين يحصلون على تأشيرات دخول إلى المملكة، وفي تشرين الأول / أكتوبر 2022 تحدّث كبار رجال الأعمال الإسرائيليين في مؤتمر اقتصادي في السعودية..
ويقول الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات "مارك دوبويتز" الذي سافر للمملكة عدة مرات مؤخّرا، أنّ الرياض مُلتزِمة بالتطبيع مع إسرائيل، وأنّ طلباتها، وإن كانت صعبة، إلّا أنها ليست سوى تعبيرا عن مخاوف أمنية سعودية، وليست وسيلة لرفض التطبيع..
**
بقي أن أُشير أن هذا العرض، ليس انتقادا أو هجوما على السياسة السعودية، فالسعودية دولة مُستقلّة ذات سيادة، وحقها أن ترسم علاقاتها حسبما تقتضي مصالحها كما كل دول العالم، وربما نختلف معها، ومع غيرها، في وجهات نظر عديدة، ولكن هذا حقها كما حق دولة الإمارات التي سُرعان ما تستنكر أي عملية استشهادية فلسطينية داخل "إسرائيل" وتصفها بالإرهاب، وآخرها، العملية الاستشهادية في تل أبيب، التي أدّت لإصابة خمسة إسرائيليين..
المُهم أن لا ننظُر للأحداث والتطورات بعواطف وانفعالات مُتسرِّعة.. فالدول مصالح، وكلٍّ يعرف أين مصلحتهُ ويسيرُ باتجاهها.. ولا أحدا يعملُ إكراما لعيون الآخرين.. وإنما إكراما لمصالحهِ.. وفي السياسة هناك براغماتية، وقد تتغيّر الأساليب والمُقاربات، ولكن تبقى الأهداف والمصالح ثابتة..
ولا يسعنا أخير إلا أن نتمنى أن تكون هذه الخطوة بين الرياض وطهران، فاتحةُ خيرٍ على المنطقة، وليست فقط انعكاسا لحالةٍ من الإعياء تعيشها طهران والرياض..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أثار مخاوف في إسرائيل.. حماس تعيد لملمة صفوفها العسكرية في م


.. ساعة الصفر اقتربت.. حرب لبنان الثالثة بين عقيدة الضاحية و سي




.. هل انتهى نتنياهو؟ | #التاسعة


.. مدرب منتخب البرتغال ينتقد اقتحام الجماهير لأرض الملعب لالتقا




.. قصف روسي يخلف قتلى ودمارا كبيرا بالبنية التحتية شمال شرقي أو