الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفتاح الفردوس

دلور ميقري

2023 / 3 / 11
الادب والفن


رجلٌ مجذوب، حلّ في المدينة وسرعانَ ما أضحى الحديثَ المفضّل لساكنيها. لقد عُرف بلقب " بائع مفاتيح الفردوس "، وذلك لأنه امتهن بالفعل هذه التجارة؛ وكان يبيع المفتاح بعشرين ديناراً. في مبتدأ الأمر، أخذ الناسُ الأمرَ على سبيل التفكّه والتندّر. لكن القلّة، الذين اشتروا المفاتيح، أقسمَ معظمهم على الملأ أنه رأى نفسه في الجنة حين استغرق في النوم بنفس الليلة.
وصل الخبرُ للملك، فتنكّر نهاراً على هيئة التجار ومضى إلى السوق كي يقابل ذلك المجذوب. قال لهذا الأخير، وهوَ يُخرج صرّة من جيبه: " أنت تبيع المفتاح بعشرين ديناراً، أليسَ صحيحاً؟ وأنا سأمنحك ألفي دينار لو أنك أعلمتني من أين تأتي بهذه المفاتيح؟ "
" حسنٌ، إتبعني إذاً "، ردّ المجذوبُ ثم نهضَ واقفاً. بعد نحو ساعة من المشي في أرباض المدينة، أشارَ المجذوب إلى نبع ماء يسيل من مكان عال بين الصخور: " أغفو هنا بعيد صلاة الظهر، وعندما أستيقظ أجدُ المفاتيحَ إلى جانبي ". أخذ صرّة المال، وقفل راجعاً باتجاه العمران. لكنه ما أن ابتعد قليلاً، إلا وأخفى نفسه خلف إحدى الصخور.
عندما أفاقَ الملك، وجد مفتاحاً بالقرب من رأسه. طوال الطريق إلى القصر، فكّرَ بوظيفة مناسبة للرجل المبارك. في اليوم التالي، أمر الحراسَ بجلبه إلى حضرته. لما مثلَ المجذوبُ بين يديّ الملك، قال له هذا: " من الآن وصاعداً، ستصبح مساعداً لمنجّم القصر ". المنجّم، كان رجلاً عجوزاً ويعاني من عدة أمراض. على ذلك، كان من الطبيعي أن يستبشر مساعده بأنه سيخلفه سريعاً في وظيفته المرموقة.
ذات يوم، استأذن أحدهم بالدخول على مساعد المنجّم. وإذا هوَ الحداد، الذي كان يصنع مفاتيح الفردوس، المزعومة. قال للمحتال مباشرةً وبدون تمهيد: " إنك غرقتَ في الفردوس الدنيويّ، وعليك مقاسمتي نعمته ". المحتال، أدرك عندئذٍ أنه سيفقد رأسه لو لم يرضِ الحداد. منذ ذلك اليوم، صار يمنحه قسماً كبيراً من دخله.
بعد نحو العام، حينَ توفيَ المنجّمُ، فإن فكرة سعيدة طرأت لرأس مساعده وخليفته: " سأقنع الملك بجعل الحداد في وظيفتي الحالية، وبذلك أخلّص مالي من ابتزازه وجشعه ". غبّ انتهاء مراسيم الجنازة، وتعيينه المنجّم الرسميّ للقصر، فإنه فاتحَ الملك بأمر الحداد.
" عجباً، أحدادٌ ويفهم بأمور التنجيم والفلك؟ "، تساءل الملك وكأنه يحدث نفسه. عندما بدأ المنجّم بالتنحنح، تمهيداً للكلام، فإن الملك بادره آمراً إياه أن يأتي بالرجل حالاً. عقبَ ذهاب المنجّم، قال الملك لوزيره وكان هذا حاضراً المجلس: " سأجعلُ ذينك المحتالين عبرةً لمن يَعتبر! ". الوزير، كان يعرف منذ البداية بحكاية مليكه مع الرجل المجذوب. قال على أثر وهلة تفكير: " يا مولاي، إن كشف حيلة مفاتيح الفردوس قد تضر بسمعتك وهيبتك "
" كيف ذلك، أيها الوزير؟ "
" العوام والخواص، سيقولون أن الملك وقعَ ضحيةً لرجل محتال وجعله منجّم القصر "، أجاب الوزير. بقيَ الملك يفكّر بما سمعه، وما لبث أن رفع رأسه وقال بفم مرتجفٍ غيظاً وحنقاً: " أجل، أوافقك الرأي. لكنني سأتدبر أمرهما فيما بعد ".
مرت الأعوام، ومنجّم القصر يتقدم بالعُمر إلى أن أضحى على أبواب الشيخوخة. ذات يوم عندما كان الوزير منفرداً بمليكه، تساءل عن سبب العفو عن الرجل المحتال وشريكه. حكّ الملك عثنونه، المغشّى بالشيب، وقال بنبرة ساخرة: " أكنتَ تعتقد، حقاً، أن سلفه كان أقل احتيالاً منه؟ ". ثم أردفَ، يُجيب بنفسه على السؤال: " إننا بحاجةٍ لأمثال هؤلاء المحتالين، الذين يبيعون الوهمَ للرعية ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم