الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم التوافقية سلاح في خاصرة السيادة العراقية

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2023 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


المواد الدستورية من الدستور العراقي الدائم ومنها 106 و112، هي الغام في سبيل تسهيل مهام الشركات التي دخلت العراق بعد عام 2003 تحت المظلة الامريكية، وجاءت لسحب بساط الغطاء النقدي من العراق لتأمين موارد تلك الشركات.. كيف؟ لنحلل العلة.
يعتمد توزيع كافة الموارد المالية النفطية على الجهات الحكومية وفق خمس أولويات مرتبة كالتالي:
• النفقات "السيادية" للحكومة الاتحادية، "المشاريع الإستراتيجية":
تشير النفقات "السيادية" على ما يبدو إلى مجالات السلطة المحددة في المادة 110 من الدستور (وهي نفقات غير محددة ويفترض تحديدها)، وبصورة خاصة في مجالات السياسة الخارجية والدفاع والبنك المركزي وإدارة العملة، وهي مجالات تفيد كافة الأقاليم والمحافظات في العراق. وأما "المشاريع الاستراتيجية" فهو مفهوم جديد يشير إلى مشاريع الاستثمار أو البنية الأساسية التي تقوم الحكومة الاتحادية بتنفيذها، والتي يفترض أن تعود بالفائدة على كافة العراقيين، وأيضا يفترض نظريا أن تكون خارج الموازنة التشغيلية والاستثمارية الدورية للحكومة الاتحادية.
• مخصصات "صندوق المستقبل":
"صندوق المستقبل" هو أيضا مفهوم جديد، ومن المفترض أن يكون صندوقا تقوم بإدارته الحكومة الاتحادية للتعامل بصورة مسؤولة مع الفائض من الموارد المالية، على وفق مفاهيم أفضل الممارسات المقرّة دوليا حول صناديق تثبيت أسعار النفط أو صناديق الثروة السيادية (مثل "صندوق الأجيال القادمة" في النرويج). وهي حبر على ورق، يراد منها تضليل عقول الناس عن الهدف المدفون في ثنايا الصياغة العامة لتوزيع الموارد.
• حصة 17% لحكومة إقليم كردستان العراق:
وهي حصة الموازنة التشغيلية لإقليم كردستان، ومن المفترض أن يطبق هذا المستوى الثالث من التوزيع على أي أقاليم اتحادية أخرى يتم الإعلان عنها داخل العراق بموجب المادة 119 من الدستور.
• الموازنة الاتحادية "غير السيادية" (التشغيلية ورأس المال) والاستثمارية:
ينطبق النفقات التشغيلية والرأسمالية التشغيلية في هذا البند على كافة المجالات الأخرى للإنفاق الحكومي من غير النفقات "السيادية"، وتشمل هذه المجالات الصحة والتعليم والخدمات العامة وغيرها. والكثير من تلك المجالات (وليس جميعها) مدرجة في المادة 114 من الدستور كمسؤوليات "تشارك فيها السلطات الاتحادية والسلطات الإقليمية". ولكن بما أن هذا التوزيع يعطي أولوية للأقاليم في الحصول على الموارد المالية، فان ذلك أعطى للإقليم مسؤولية تدبير الخدمات الخاصة به في هذا المجالات من حصته من الموارد المالية، وانه لن يحصل من الحكومة الاتحادية إلا على الخدمات "السيادية" المحدد في النفقات "السيادية"، إضافة إلى "المشاريع الاستراتيجية". اما النفقات الاستثمارية فهي مجمدة في كافة الموازنات المالية او تحدد بنسبة ضئيلة تخصص لها مالاً مع وقف إطلاق الصرف!
• المحافظات غير المنتظمة في إقليم:
بما أن هذا التوزيع يتم فقط بعد استيفاء احتياجات كافة الحكومات الاتحادية والأقاليم، فمن المهم التفرقة ما بين الموارد المالية الوطنية والموازنة الاتحادية بحيث تضمن توزيعا مناسبا للموارد المالية على المحافظات غير المنتظمة في إقليم. فإذا لم تحصل المحافظات غير المنتظمة في إقليم على حصة عادلة من الموارد الحكومية الاتحادية، ربما يصبح لديها دافعا للإعلان في وقت سابق لأوانه عن إنشاء إقليم اتحادي لتحقيق موقعا أفضل في أولويات توزيع الموارد المالية الوطنية (متطلبات البصرة وغيرها من المحافظات، مثل صلاح الدين وديالى والانبار وكركوك وميسان، في الحصول على دولار أمريكي واحد عن كل برميل نفط يتم إنتاجه أو تصفيته أو نقله، كما انه لن يكون ضروريا إذا تم التوزيع بعدالة لكافة المحافظات بما يتناسب مع تعدادها السكاني وبحسب ما هو محدد في الدستور، مع الأخذ بعين الاعتبار كلفة البيئة المصاحبة لعمليات صناعة النفط في المحافظات المنتجة له).
ودارت العديد من المفاوضات المكثفة ما بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق حول توزيع الموارد المالية، وتم التوصل إلى ما يشبه الاتفاق في عام 2007. في البداية كانت هناك العديد من نقاط الاختلاف حول المفاهيم الأساسية للتوزيع الأمثل للموارد النفطية وإنشاء حساب متحصلات باسم البنك المركزي العراقي يخضع للتدقيق من جهة خارجية مستقلة. كما تم الاتفاق أيضا على إنشاء هيئة عامة (وفقا لأحكام المادة 106 من الدستور) وآلية تحويل الموارد المالية ومراقبتها.
سأل نابليون أحد قادته عن أسباب خسارته المعركة، أجاب بان هناك عشرات الأسباب، وطلب منه سردها فأجاب القائد أولا: لقد نفذت الذخائر ثم، وهنا قاطعه نابليون قائلا: احتفظ بباقي الأسباب لنفسك، فهذا سبب كاف للخسارة..
سيقت هذه الحكاية هنا، لان توزيع الموارد المالية النفطية، التي تعتبر العمود الفقري للريع في العراق، على الجهات الحكومية بموجب الدستور تستنفذها المشاريع الاستراتيجية (التي اتفق ان تكون 10% من الموازنة على الورق الرسمي، ولكن واقعه المدفون تشفط أكثر من نصف احتياطيات النفط العراقي ان لم نقل اغلبها)، تلك المشاريع التي تقوم بها الشركات الأجنبية وتهيمن على نسبة كبيرة من مصادر الاحتياط النفطي أيضا. واحتفظوا لأنفسكم بالجهات الأخرى التي تتلقى التخصيص مع وقف التنفيذ (أي بلا إطلاق صرف) فيما عدا التشغيلية وعمادها الرواتب والأجور التي تبتلع حاليا اغلب الواردات! ويأتي ذكاء المشرع الاستعماري في وضع الية التوافق بين جهات عديدة متنفذة للحفاظ على حقوق شركاتها المساهمة، تتلقى تلك الجهات الدعم المالي لرؤوسها وتصان بقائها، وبدون التوافقية يمكن ان يتهدد سيادة العراق.. هذه الجهات تدخل حالة السكينة باللين والمطرقة أي بدبلوماسية المستعمر ورشاويه وسطوة قوته العسكرية، وتدار الازمة لكسب المصالح، في الوقت الذي تدور ما تسمى بالدولة بالشكلية الإعلامية في حلقة مفرغة عبر الزمن لحين انتهاء مفعولها، أي حين لا تتمكن من تدبير المال للموازنة التشغيلية مستقبلا بمجرد انتهاء عقود المشاريع الاستراتيجية واخرها (وليست الأخيرة) جولة التراخيص الخامسة، ودخول تلك المشاريع في المرحلة التجارية. والى ان يحين الوقت، تتركز دور الحكومات المتعاقبة في توزيع الرواتب على العاملين في مرافق الدولة من الموازنة التشغيلية الممولة بنسبة 95% من الإيرادات النفطية. وتقوم هيئة رقابة الأرصدة الامريكية بتدقيق العائدات النفطية وتوجيه انفاقها لوجهة السياسة المرسومة لها، داعما قوتها الدبلوماسية بالمثالب الدستورية، ومشهرة سطوتها بأنيابها على ارض الواقع المتناشز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح