الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية الفلسطينية في عهدة الأجيال مابعد الثالث

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2023 / 3 / 11
القضية الفلسطينية


يقول مؤرخون و باحثون في علم الإجتماع أن حضور الوطن الأصلي ينحسر تدريجيا في و جدان المهاجر إلى حد الإقتصار اعتبارا من الجيل الثالث ،على مسألة ثقافية ثانوية جدا محصورة في علم الإنتساب أو " شجرة النسب " ، أو بكلام أكثر تبسيطا ، يصير المرء بمرور الزمن ، ابن البيئة التي يولد فيها و يتشرب ثقافتها و يعمل فيها و يدفن فيها.
نكتفي بهذه التوطئة المختصرة حيث لا نعتقد أنها بحاجة إلى توسع كونها مثبتة بدلائل بيّنة ، لننتقل من بعد إلى مداورة القضية الفلسطينية في الذهن من زاويتها ، حيث يبدو المشهد أمامنا بكل وضوح بما هو صراع جبار ،يتواجه فيه مجتمعان وطنيان ، متساويان عدديا ، يهيمن أحدهما على الآخر مستخدما جميع وسائل و أساليب القمع والإرهاب و التهريب و القتل ، مبررا ذلك بفوقية عرقية تستند لسردية تطبع تعسفا ، أساطير قديمة أنتجها و عي إنساني بدائي في حقبات ما قبل الميلاد ، بطابع العلم التاريخي ، تتجسد بمارسة سياسة تمييز عنصري مشبعة بالكراهية ، هادفة إلى تصفية هذا الآخر الأصلي المقهور عرقيا ، بشكل من الأشكال .
من البديهي أن هيمنة المجتمع الإسرائيلي على المحتمع الفلسطيني الأصلي ، هي محصلة سيرورة مستمرة منذ القرن التاسع عشر ، انطلاقا من اوروبا ، توازيا مع مخاضات المتغيرات الإجتماعية التي أشعلت كما ما هو معروف الثورات و الحروب الإستعمارية بالإضافة إلى حربين كبيرتين بين دول أوروبا نفسها شملت العالم بأكمله . لا يتسع المجال هنا للدخول في تفاصيل هذه المسألة ، و لكن نستطيع القول أنه لولا الإستعمار البريطاني ، بالتعاون مع الإستعمار الفرنسي ، لما نشأت دولة أسرائيلية و لما تحولت إلى قوة عسكرية عظمى .
في الواقع إن المحفز الرئيس على تناول القضية الفلسطينية في هذا البحث من زاوية تاريخيتها ، هي فرضية تفيد بأن سيرورة إقامة دولة اسرائيل على أرض فلسطين ، بماهي سيرورة إستعمارية إستيطانية تتضمن أخلاءها من سكانها الأصليين ، دخلت في مأزق أعاق أستمراريتها ، بل أوقفها .
هكذا تبدو الصورة في ظاهر الأمر . يوجد على ارض فلسطين 7 ملايين اسرائيلي يهود إلى جانب 7 ملايين فلسطيني غير يهود . تحسن الإشارة هنا إلى أن نسبة كبيرة من اليهود ، قد يتجاوزون 2 مليون نسمة هم من أصل مشرقي و شمال إفريقي . ينبني عليه أن المجتمع الفلسطيني اليهودي كأي مجتمع وطني ، ليس متجانسا طبقيا ، مثله مثل المجتمع الفلسطين الوطني ، و بالتالي فإن للطبقات والفئات الإجتماعية المختلفة في كل منهما ، دور في الصراع الوجودي الدائر بينهما ، إستنادا إلى سرديتين تاريخيتين ، إحداهما تعود إلى ما " قبل التاريخ " و الثانية إلى الحقبة الإستعمارية الغربية في بلاد مابين النهرين ، و تلاشي الأمراطورية العثمانية .
لا نجازف بالكلام أن السلطة الإسرائيلية تضع حاليا ، في حسابها إخلاء فلسطين من 7 ملايين فلسطيني ، و في المقابل يدعي بعض أطراف المقاومة ، لا سيما ذوو الخلفية الدينية و القومية ، أحقية إخلاء فلسطين من الإسرائيليين اليهود ، و إعادتهم من حيث أتى أجدادهم ، على افتراض أن طريق عودتهم مرسومة في " شجرة النسب " .
لا نزعم هنا أن جميع الإسرائيليين يؤيدون السياسة التي تسير على نهجها السلطة الصهيونية التي تقود دولة أسرائيل ، أو أنهم ليسوا محرجين حيال التمييز العنصري ضد الفلسطينيين و قانون الغيتو المفروض على سكان قطاع غزة ، بوجه خاص . كما اننا لا نغفل أيضا نكسات و هزائم الحركة الوطنية الفسطينية في سنوات 1970 و صولا إلى اتفاقية أوسلو التي قزمتها على شكل سلطة متعاونة مع السلطة الإسرائيلية ، أمنيا وسياسيا ، و هذه كلها عوامل ساعدت التيارات الإسلامية على ملء الفراغ في الساحة الوطنية ، مما شكل بالقطع تراجعا كبيرا نظرا للعلاقات التي تربط عادة هذه التيارات بالدول القريبة و البعيدة التي ترسم سياساتها بحسب مصالحها ، لا سيما أن العديد منها يقيم علاقات مع أسرائيل و مع دول هي ملتحمة بها .
مجمل القول استناد عليه أننا حيال أزمة كبيرة ، سقطت فيها جميع الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية ، و لكن ما يهم على وجه الخصوص هي الأزمة الاسرائيلية التي تتمثل :
ـ أولا بإنكشاف سياسة التمييز العنصري بصورة فاضحة ، وانعكاس ذلك تدريجيا على المعسكر الغربي المؤسس و الضامن للدولة الإسرائيلية .
ـ ثانيا الفشل في توظيف مساوئ و هزائم نظام الحكم العربي المتتالية ، وخضوعه للإملاءات الأميركية ـ الإسرائيلية ، بقبول تسويات تصب في صالح المشروع الصهيوني , فشل " الثورات الملونة " التي جرت في بعض البلدان العربية الرئيسة .
ـ ثالثا ، لا مفر من الإعتراف بأن قدرات ردعية ، تكونت و تنامت بحيث صارت أبواب التوسع الأسرائيلي شبه موصدة لجهة الشمال و الجنوب .
نصل في ختام هذه المراجعة إلى خلاصة فحواها أن السلطة الإسرائيلية تقف أمام حائط مسدود و أنها تتبع سياسة عبثية ، فلن يكون باستطاعتها ترحيل جميع الفلسطينيي أو التخلص منهم بشكل من الأشكال . فهؤلاء لا مكان لهم إلاّ في فلسطين ، و بالتالي فإن الهجرة الممكنة و المحتملة ، اليهودية و الفلسطينية من فلسطين ، لن تكون جماعية وأنما فردية و إرادية و بالتالي لا يمكن التعويل عليها . ينجم عنه أنه إذا توفرت الشروط و الظروف الملائمة لانضاج حل جاد و حقيقي ، تجسد ذلك بزوال الإستعمار عن المنطقة و بدولة فلسطية واحدة يتساوى فيها جميع سكانها دون تمييز على اساس المعتقد و الأصل
.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه