الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الليبرالية الجديدة والاحتجاجات في الغرب

حسن الشامي

2023 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


تصاعد الاهتمام العالمي بالتداعيات السياسية لانتشار عدم المساواة في ظل الاختلال في توزيع العوائد الاقتصادية، وتركّيز الثروة في مجموعة محدودة العدد، بالتوازي مع الارتباط بين النخب السياسية والاقتصادية وتبادل المنافع بينهم، مما أدى إلى تفجر الاحتجاجات الرافضة لعدم المساواة والتي تدعو لتحقيق العدالة في توزيع عوائد التنمية، ووضع خطط ومقترحات سياسات للتصدي لها، وهو ما ركز عليه تقرير التنمية البشرية لسنة 2019 والمعنون "أوجه عدم المساواة في القرن الحادي والعشرين : ما وراء الدخل، والمتوسط، والحاضر".

الاحتجاجات في الدول الغربية الغنية :
وشهد العالم اندلاع موجة من الحركات الاحتجاجية الشعبية، والتي خرجت للتنديد بالقرارات الاقتصادية التقشفية، مثل : رفع أسعار المحروقات، أو فرض نوع جديد من الضرائب. وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال شغب وعنف، أدت إلى تعطيل الحياة، وزعزعت الاستقرار في أماكن متفرقة من العالم، مثل : (تشيلي) في أكتوبر 2019، و(إيران) في نوفمبر 2019.
ورفعت تلك التظاهرات عددًا من المطالب المرتبطة بتحقيق العدالة الاجتماعية، مثل : فرض الضرائب على الثروات، وإعفاء الفقراء ومحدودي الدخل من الضرائب على السلع والخدمات الأساسية، وتبني سياسات حماية اجتماعية أكثر شمولًا للفئات المتضررة من سياسات التقشف.
ولم تقتصر هذه المطالب على البلدان النامية والأقل نموًّا، والبلدان التي تعيش شعوبها تحت وطأة نظم استبدادية، بل امتدت إلى عددٍ من البلدان التي تحتل موقعًا متقدمًا في مؤشرات النمو الاقتصادي والتنمية البشرية، مثل : اليونان، وإسبانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وهي البلدان التي من المفترض أن يتمتع فيها المواطنون بقدرة على التأثير في عملية صنع القرار بما يضمن تحقيق مصالحهم؛ إلا أنّ هذه البلدان شهدت تناميًا في ظاهرة المال السياسي على حساب الديمقراطية التمثيلية، فلم يجد المواطنون من سبيل سوى الخروج إلى الساحات والميادين العامة من أجل التعبير عن مطالبهم ومصالحهم.

تغير أجندة المؤسسات الليبرالية الجديدة :
وأصبحت قضية عدم المساواة إحدى القضايا المحورية على أجندة صانعي السياسات على المستويين المحلي والدولي منذ مطلع العقد الثاني من الألفية. ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية إثر الأزمة المالية العالمية في عام 2008 وما نتج عنها من آثار اقتصادية واجتماعية سواء في البلدان المتقدمة أو النامية، وأدرك المجتمع الدولي خطورة هذه الظاهرة على النمو الاقتصادي على المدى المتوسط والبعيد، كما اتضح أيضًا آثارها الاجتماعية والسياسية لما خلقته من تفاوت بين قلة تمتلك الثروة والنفوذ، وكثرة لا تمتلك شيئًا على الإطلاق.
وظهر اهتمام المجتمع الدولي بخطورة هذه الظاهرة في التغير الملحوظ في خطاب بعض المؤسسات الدولية المعروفة بعقيدتها الليبرالية الجديدة الراسخة، مثل (الصندوق الدولي، والبنك الدولي)، حيث أصبحت قضية عدالة توزيع عوائد النمو الاقتصادي ضمن أولوياتها.
وتُعد أجندة التنمية المستدامة أبرز تجليات اهتمام المجتمع الدولي بقضية عدم المساواة والحرص على وضعها (بكافة أبعادها) ضمن أهداف التنمية المستدامة 2030؛ إذ تضمنت هذه الأهداف أكثر من هدف، وعددًا كبير من الغايات التي تؤكد ضرورة مكافحة عدم المساواة بشتى صورها، سواء كانت عدم مساواة في النوع الاجتماعي، أو في الدخل والثروة بين الأفراد داخل البلدان وفيما بينها. من هذا المنطلق لم تعد قضية عدم المساواة ذات أبعاد وتداعيات اقتصادية بحتة، بل أضحت من التحديات الكبرى التي وجب على المجتمع الدولي مواجهتها.

عدم المساواة
وأُشار تقرير التنمية البشرية لسنة 2019 المعنون "أوجه عدم المساواة في القرن الحادي والعشرين : ما وراء الدخل، والمتوسط، والحاضر"، إلى تنامي قناعة لدى الأفراد على مستوى العالم بضرورة تقليل عدم المساواة في الدخل والثروة. وتضاءلت فرص الحراك الاجتماعي أمام الكثيرين ممن يعيشون على هامش المجتمعات، بينما استطاع أقرانهم الحصول على فرص أفضل لتحقيق الازدهار والنمو، وهي الظاهرة التي لم تعد تقتصر على البلدان النامية أو الأقل نموًّا، كما سبقت الإشارة.
وعلى الرغم من نجاح المجتمع الدولي في خفض نسبة من يعيشون في فقر مُدقع إذا حقق العالم طفرة كبيرة منذ عام 1990 حتى عام 2015، بحيث انخفض عدد مَن يعيشون على 1.9 دولار يوميًّا من 1.9 مليار شخصا على مستوى العالم إلى 736 مليون شخص.. وهناك 600 مليون شخص على مستوى العالم ما زالوا يعيشون في فقر مُدقع، في مقابل مليار و300 ألف شخصا يعيشون تحت وطأة الفقر متعدد الأبعاد وهناك 262 مليون طفلا على مستوى العالم لم يلتحقوا بالتعليم الأساسي.
وهناك تزايد في حالات التمييز على أساس النوع الاجتماعي، أو الانتماء العرقي، أو الثروة، وجميعها عوامل لا دخل للأفراد في تحديدها، فجميعها موروثة من الآباء والأجداد، وهو ما يجعل الكثير من المجتمعات تعيش في شرك عدم المساواة .. وهذا يعني تكالب أكثر من نمط من أنماط عدم المساواة على جماعة من البشر بما يحول دون تحقيقهم التنمية المنشودة، كحالة النساء في القبائل الهندية، إذ يتكالب عليهن أكثر من نمط من أنماط عدم المساواة (العرقية، والنوعية، والاقتصادية، والاجتماعية، والجغرافية) بما يجعل فرصهن في الخروج من براثن الفقر شبه منعدمة، حتى مع تَحسن مؤشر الفقر في مجتمعهن.

ويطرح تقرير التنمية البشرية تفسيرًا منطقيًّا لحالة السخط في بعض البلدان التي تحظى بمكانة متقدمة في مؤشر التنمية البشرية، وبعض مؤشرات النمو الاقتصادي. ويَعزو التقرير هذا السخط إلى عجز الكثير من البلدان عن إحراز التقدم المطلوب فيما يتعلق بمؤشرات التنمية البشرية المرتبطة بالقدرات المعززة.. ومنها : الحصول على الخدمات الصحية الجيدة جدًّا، والحصول على الخدمات التعليمية الجيدة جدًّا في كافة المراحل، والقدرة على النفاذ إلى وسائل التكنولوجيا الحديثة، والقدرة على الصمود أمام الأنواع الجديدة من الصدمات كالناتجة عن التغير المناخي. وترتبط هذه القدرات بالحصول على فرص عمل ملائمة، وقدرة الأفراد والجماعات على التعبير عن الذات، والوصول إلى الفرص المتاحة.
ويتضح من هذا أن عدم المساواة العالمية قضية هامة يزداد تأثيرها يومًا بعد يوم، ومن المرجح أن تتفاقم خلال العقد الحالي بما يؤثر على قدرة المجتمع الدولي على إنجاز بعض أهداف التنمية المستدامة، مثل : الهدف الخاص بالقضاء على انعدام المساواة في النوع الاجتماعي، أو القضاء على الفقر المُدقع، أو القضاء على الجوع.

هل من سبيل لمواجهة هذه الظاهرة ؟
على عكس ما يفترضه الكثير من مفكري الليبرالية الجديدة، فعدم المساواة - بمختلف صورها - ليست ظاهرة حتمية، ولكنها ظاهرة يمكن مواجهتها من خلال تبني سياسات عامة كلية تركز على الأبعاد المختلفة لانعدام المساواة.. مع الأخذ في الاعتبار ظهور أنماط جديدة من عدم المساواة تتجاوز عدم المساواة في الدخل والثروة.. وهذا يتطلب سياسات تتجاوز الإصلاح الضريبي أو سياسات الحماية..
وعلى الرغم من أهمية تلك السياسات، إلا أن واقع الكثير من البلدان يشهد تعقد وتشابك أنماط مختلفة من عدم المساواة، بما يفرض ضرورة النظر فيما هو أبعد من الأرقام والإحصائيات من خلال النظر إلى الأبعاد الأخرى المرتبطة بموروث عدم المساواة على مستوى الأفراد والجماعات، والذي يشكل عقبة كبيرة أمام المضيّ قدمًا في الاستفادة من عوائد التنمية، والنمو الاقتصادي.
إن قضية عدم المساواة هي من القضايا الهامة والمُلحّة على المستويين المحلي والدولي؛ وذلك لما لها من تأثير على الاستقرار السياسي. فكلما زاد التفاوت وغياب المساواة، واتسعت الهوة بين القلة التي تملك كل شيء، والكثرة التي لا تملك شيئًا على الإطلاق بات استقرار الدول والشعوب على المحك. ويحتاج الأمر إلى تبني سياسات اقتصادية واجتماعية تعالج آثار هذا التفاوت، وسواء كانت سياسات إصلاح ضريبي، أو سياسات حماية اجتماعية، أو دعم نقدي؛ لا بد أن تراعي خصوصية الدول والشعوب، فما يصلح في مجتمع، لا يؤتي نفس النتائج في مجتمعات أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة