الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة الإسلامية ... الشعار والهوية

ناصر السيد النور

2023 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


ظلَّ سؤال الدولة من أكثر التحديات التي واجهت الفكر الإسلامي السياسي أو ما بات يعرف بالإسلام السياسي مؤخراً وهو مفهوم المشروع السياسي للجماعات والأحزاب ذات التوجه الإسلامي التي حاولت - ولا تزال- تحاول طرح بديلاً إسلامياً لما هو سائد من دساتير ونظم ومؤسسات ونظم حكم وانماط حياة وعلاقات اقتصاد وسياسة ونظم إدارية التي تشكل بنية الدولة الحديثة وكيفية ممارسة السلطة فيها. والأمر الثاني أن طرح مفهوم الدولة الإسلامية قد تداخلت معه إشكاليات فقهية وتاريخية خلافية لا تقل حدة من صراعها مع أنظمة الحكم القائمة التي تتبنى وفق تصور جماعات الإسلام السياسي نهجاً يخالف الشرع الإسلامي في إدارة الدولة بتطبيقها للنظم والقوانين الغربية وغيرها من قواعد بنيوية تشكل كيان الدولة التي تعود إلى جذور إلى أسس علمانية في طرح يضاد التصور الذي تتبناه الجماعات لمشروع الدولة الإسلامية.
والدولة الحديثة ونظمها التي واجهت طرح جماعات الإسلام السياسي إلى حد الإحراج دولة ما بعد الاستعمار أي الدولة الغربية في صيغة الدولة القومية، وهي بطبيعة الحال ليست نموذج دولة طالبان الإسلامية في أفغانستان أو دولة الشام والعراق داعش، أو دولة ولاية الفقيه في إيران. ثمة صيغة مثالية تبحث عن هويتها الجماعات الإسلامية والتي أفضت إلى اجتهادات من بينها أن الوصول الى سدة الحكم هو ما سيمكنها من استعادة هوية الدولة الإسلامية، وهذا الطرح لا تخفى دلالته السياسية عوضاً عن مساجلات كثيفة عما ما تكون عليه الدولة الإسلامية ومن ثَّم يحدد لاحقًا الشكل الذي ستتخذه الدولة من حيث تعريفها الدستوري ووجودها الطبيعي وتفسيرها السياسي في السياق الاسلامي من أن تكون خلافة أم جمهورية أم حكومة إسلامية بطرح الخميني ودولة رسالية بحسب حسن الترابي التي تتخطى حدودها الدولة القومية بنسختها الأوربية لتشمل كل بلدان العالم الإسلامي.
وتطبيقياً على الواقع عندما حانت الفرصة في اختبار الشعارات واخطرها " الإسلام دنيا ودولة" والإسلام هو الحل غيرها من شعارات رددتها الجماعات الإسلامية كبرامج للتحشيد أكثر منها رؤي أو خطط في الدول التي وصلت فيها إلى الحكم باستثناء تونس في ائتلاف النهضة ومصر مرسي عقب ثورة يناير، يكون السودان البلد الوحيد الذي طبقت فيه ونموذجاً فبعد ثلاثة عقود لم تلفح الطرح أو الخروج من تقاليد الدولة التقليدية وفرض رؤاها إذ اصطدمت بالواقع وليس الشعار أو النظرية. وهو الواقع الذي ظل دائماً مثار غموض حول علاقة الدولة بالديمقراطية والمرأة والأقليات وحقوق الإنسان التي حاولت الطروحات الإسلامية أيجاد صيغة توافقية وذلك بإضفاء صفة إسلامية تطوعياً لاصطلاحات في مدار الفقه الإسلامي وإن لم تفلح في تعريفها موقعها في الدولة الحديثة كممارسة الشورى بديلاً عن الديمقراطية والتعددية ومصدر السلطات وغيرها مما ظل في حدود النصوص والشعارات دون التطبيق المقنع.
إن معضلة سؤال الدولة في التصور السياسي الإسلامي لم يكن طرحاً جديداً فمنذ أن أصدر علي عبد الرازق كتابه الإسلام واصول الحكم في الإسلام لم يتوقف الجدل عما إذا كان للدولة الإسلامية وجود مبرر أصلاً ومدى مشروعيتها الدينية والعلاقة بينها وبين رعاياها غيرها من تفاصيل لم يتم البت فيها. فالجماعات التي تبنت الخط الديني (الإسلامي) وهي التي اعتمدت منذ بداياتها التأسيسية على أراء مؤسسيها مسترشدة بتنظيراتهم كرسائل حسن البنا وسيد قطب (معالم على الطريق) وأبو الأعلى المودودي في مفهوم (حاكمية) في مصدر السلطات والميراث الفقهي المتشدد للخطاب السلفي السني لابن تيمية وغيرها من نصوص وكتابات حاولت وضع تصوراً لدولة إسلامية. وقد رأت من خلال هذا البناء النظري غير المتماسك والمختلف عليه اكتمالاً لمشروع تنقصه السلطة التنفيذية؛ إلا إنها قد أدركت استحالة تنفيذ مشروعاتها المتصورة عن الدولة في العالم المعاصر دون تبني وسائل الدولة State Apparatus القائمة نفسها من انتخابات ومشاركة سياسية بدخول البرلمان والتبني المرحلي لنظم الدولة. وفي الدول التي تمكنت فيها هذه الجماعات الإسلامية من الوصول إلى سدة الحكم فيها (السودان، مصر، تونس، تركيا) تفاوتت درجة تطبيقها لمشروع الدولة الاسلامية فتعد تجربة الحركة الاسلامية السودانية أطول نموذج في سدة الإسلامي تقدمه حركات الاسلام السياسي لم تسطع الخروج من إطار الدولة المعياري بل أن بعض الحركات الإسلامية كالحالة التونسية تبنت مراجعات بارزة لأصول برامجها السياسية ودعواها للدولة الدينية. ومع أن بعض جماعات الاسلام السياسي أظهرت مواربة تجديد خطابها الدينية لإيجاد دولة مدنية ذات مرجعية دينية، الأمر الذي عدّ من قبل خصومها استخدام الدين وصولاً إلى غاية السلطة. وأدت بعض من هذه الممارسات إلى تداخل في الوظائف بين الدور التقليدي للدولة القائمة وما يتبناها التنظيم السياسي من سياسيات تخصه جماعته لا الدولة. ولكن وجود دولة يتطلب المساواة أمام القانون يتطلب بالضرورة وجود دولة ومن غير الحصافة وصف ممارسات الجماعات الاسلامية الحاكمة بنموذج الدولة على نحو منظم يراعي مبدأ فصل السلطات، وما برهنت عليه من ممارسات ينافي مسلكها مع مبدأ الحرية الذي لا بقبل بالمشاركة السياسي من خارج نسقها الأيديولوجي كما في نماذجها المعاصرة.
ولكن هل أدت تجارب الإسلاميين في الحكم إلى الكشف عن سلطوية كهنوتية لا تختلف عن النظم الديكتاتورية التي تتصارع معها على السلطة منذ عقود؟ فإذا كانت الحجة التي تستند إليها الجماعات الإسلامية تطبيق الشريعة الإسلامية بدلاً عن القوانين الوضعية في نمط الدولة الحديثة التي تفصل الدين عن الدولة إلا أن ممارسة السياسية أتثبت ضعفاً يعتري نظرية الدولة الإسلامية بل أن النموذج المبتغى نفسه لم يستقر على تعريف مانع جامع على مستوى الفلسفة السياسية قبل المرحلة التطبيقية. فكأنما ما ينقص فكرة الدولة الإسلامية هو هوية الدولة الإسلامية أو بتعبير الباحث وائل حلاق بأن الحكم الإسلامي بأسسه وتصوراته الأخلاقية والميتافيزيقية يختلف جذرياً عن مفهوم الدولة الحديثة. وعلى الجماعات الإسلامية أن ترسخ لشعاراتها والبحث عن هوية لدولة تتسع لكل ما تعنيه وتقوم به الدولة. فالمسافة بين الشعار والهوية تترجمه فعلياً التجربة الواقعية التي لم تفلح معظم الايدولوجيات السياسية على تجاوز شروط الواقع فيها ومن بينها الدولة. فالجماعات الإسلامية واجهت مثلها مثل الأيدولوجيات الأخرى التي انطلقت من نظريات يوتوبية كالماركسية في الاتحاد السوفييتي سابقاً والصين التي استمرت بعد أن طوعت أو فارقت أصولها الايدولوجية. ومع تراجع تيار الحركات الإسلام السياسي لم يعد التعارض المفاهيمي في بنية الدولة السياسية والتشريعية بين علمانية قائمة واسلامية تبحث عن هوية دولة مفقودة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر