الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انقسام آخر للمثقفين العرب

عادل سمارة

2003 / 6 / 2
الادارة و الاقتصاد



                           

كل التحية لشجاعة جمال الغيطاني

رام الله المحتلة

 قلما حاولنا نحن العرب تفسير اتفاقات سايكس- بيكو، بأبعد من بُعدها السياسي التجزيئي. أي لم نسحب جوهر هذ الاتفاقيات على المستوى الاقتصادي وبشكل خاص على المستوى الثقافي، وهذا قلل من التعبئة ضدها. وبالمقابل، فإن امتداد عمر وباء هذه الاتفاقات لقرن من الزمان، وبقاء الانظمة التي خلقت بموجبها في سدة الحكم، قد سمح بفرز أعراض ثقافية لهذا الوباء هم مثقفو الدولة القطرية الداعين لهوية قطرية وثقافة قطرية وحتى "لقومية" لكل قطر. وإذا ما تتبعنا المسار السياسي للدولة القطرية نجد انها بالضرورة دولة مناهضة للوحدة العربية، مناهضة بالفعل، وبالتالي فهي دولة في خدمة المشروع الراسمالي-الامبريالي الصهيوني.

 لم يكن بوسع الصراع العربي- الصهيوني كشف المثقفين العرب الذين أفرزتهم بنية سايكس- بيكو. ربما لأن الكيان الصهيوني كان ولا يزال عدوانا مباشرا على الارض وتحديداً طرداً للشعب الفلسطيني خارج وطنه، وبالتالي، فإن إعلان تاييده، او الاعتراف به، اي ممارسة التصهين كان أمراً صعباً ومكشوفاً. أما عندما بدأت الدولة القطرية العربية في الاعتراف بالكيان الصهيوني، فقد عجزت الحزبية العربية  والمثقفون الثوريون الوحدويون العرب عن محاصرة هذه الدولة شعبياً بما يقود الى إسقاطها لاحقاً.

 وعليه، كان العجز عن كشف أوراق الدولة القطرية للطبقات الشعبية دورا  في تسهيل مهمتها التطبيعية مع الكيان الصهيوني من جهة، وكان هذا الدور نفسه تسهيلا لمهمتها في الانتقال من الموقف السلبي من الوحدة العربية بالتنكر لهذا الهدف المصيري، الى الانتقال الى موقف عدواني من الوحدة وهو المشاركة في اعادة استعمار اقطار عربية من جديد.

 هذا حقيقة ما جرى عامي 1991 و 2003 ضد العراق. وهذا كان اساس الهجوم على الروائي المصري جمال الغيطاني الذي تعرض لهجوم من المثقفين العرب المتغربنين لأنه وقف ضد إعادة احتلال العراق. ولعل هذا من أخطر ما تم في تاريخ الامة العربية أن تتحول الدولة القطرية الى اداة للحيلولة دون الوحدة. وهذا بالطبع معاكس لزعم الكثير من الكتاب العرب الذين زعموا ان الدولة القطرية خطوة او مرحلة ضرورية باتجاه الوصول الى دولة الوحدة العربية.

 هنا تتضح العلاقة بين الثقافي والسياسي بأكثر ما يكون الوضوح. فقد أدى غياب الديمقراطية والقدرة على نقد الحاكم القُطري في كافة معاصيه وكذلك غياب الفرصة لنقد المسألة القطرية من اساسها الى خلق مناخ لبروز مثقفين قطريين يؤيدون الحاكم القطري رغم ان الدولة التي انتجها او ورثها تعاني من التخلف وانعدام الحريات واضطهاد المرأة، والتذلل للمركز الراسمالي الغربي، والعجز الانتاجي، وزرع مشاعرالدونية لدى العربي وانعدام السيادة على الارض كنتيجة لانعدام القدرة على السيادة او التحكم بالسوق القومي...الخ. بكلمة موجزة، فإن الدولة القطرية كتلة عار بكل المعاني. وهذا يثير اسئلة عدة حول مثقفيها! فإذا كانت الدولة القطرية في خدمة الاجنبي بكل هذا الوضوح، ففي خدمة من يقف المثقف الذي يؤيدها ويروج لها!

 هذا التراث الاسود، سمح لمثقفين عرب بالترحيب بالاحتلال الاميركي للعراق أوسع ترحيب، وعلى رأسهم عرًّابون من طراز كنعان مكية الذي كلما انتقل من إيديولوجيا الى أخرى ومن الارتباط بنظام غربي او قطري عربي الى آخر استخدم اسماً جديدا مثل (سمير الخليل ومحمد جعفر...الخ). وليس عجيباً ان جعفر الذي استدعاه جورج بوش قبل شهر من غزوه للعراق قال هو لبوش: "انا ضد بقاء العراق عربياً".

 ان تبرير احتلال العراق بذريعة ان نظام حزب البعث في العراق لم يكن ديمقراطياً، يفتح باباً رحباً لرقص الشياطين، نورد فيما يخصه ثلاث مسائل فقط:

المسألة الاولى: وهي الاطروحة الراسمالية الكولونيالية والامبريالية ايضا، التي تقول ان بلدان المستعمرات سابقاً، والعالم الثالث او المحيط حالياً، عاجزة عن تجاوز نمط/انماط الانتاج ما قبل الراسمالية وأنها كي تتجاوز هذا الحال الراكد الساكن الكتيم المغلق على نفسه، تحتاج بالضرورة الى "نعمة" المستعمر الاوروبي الغربي الراسمالي يلقحها بنمط الانتاج الراسمالي فينقلها الى "الحضارة والمعاصرة".

 ولا يخفى بناء على هذا الزعم، ان المثقفين العرب الذين ايدوا عدوان 1991، وقصرنا نحن في نقدهم وتعريتهم، استمروا في موقفهم الدوني بقبول التفسير الراسمالي الاستعماري المزعوم، وأيدوا احتلال العراق.

والمسألة الثانية: وهي ان كافة الانظمة العربية لا تختلف عن النظام العراقي فيما يخص الديمقراطية. واذا كان هذا النظام قد قمع المعارضة، فإن بقية الانظمة العربية قد فعلت نفس الشيىء، بل وقمعت الامة. وإذا كان المركز الراسمالي الغربي قد سجل خروقات النظام العراقي للحريات، فإنه لم يسجل خروقات السعودية ومغرب الحسن الثاني وحافظ الاسد...الخ، كما لم يسجل جرائم الارهاب الصهيوني.  وإذا صح ان القمع في هذا القطر العربي أو ذاك اقل من العراق، فربما لأن المعارضة لا تجرؤ على التحدث فما بالك بالترك، فهل هذا ينعيا ن النظام في بلد كهذا ديمقراطي؟ تتشابه الانظمة العربية مع نظام الرئيس صدام حسن فيما يخص القمع، بينما تختلف عنه فيما يخص التنمية والتبعية وتسليح التنمية. وإذا كان الاحتلال الاميركي للعراق هو بهدف "دمقرطة" العراق، فإن هذا يعني وجوب ان تقوم اميركا باحتلال الوطن العربي بأكمله لأنه ليس ديمقراطياً. ولا بد لنا ان نستدرك ان الكثير من الاقطار العربية هي محتلة حقاً من الولايات المتحدة ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي. ولكنها، ايها المثقفون العرب/الاميركان لم تتحول الى ديمقراطيات!
 
وإنصافاً للطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، فإنها قد حاولت مراراً وتكراراً إسقاط النظام العراقي عبر عملائها من "المعارضة" ولكنها/ لكنهم فشلوا، بعكس نجاحهم ضد حكومة الليندي في تشيلي.

والمسألة الثالثة: وهي ان ما يقوم به مثقفوا اميركا بتاييدهم للاحتلال الاميركي للعراق، إنما يعرضون للعالم صورة في منتهى الوضاعة عن الامة العربية. وبدون رتوش، فإن هؤلاء المثقفين، لهاثا منهم وراء عمولات، تماماً كما هو حال الانظمة الحاكمة في بلدانهم، إنما يقلبون معايير الكرامة القومية التي اصطلحت عليها البشرية جمعاء. فليس هناك من يؤيد استعمار بلاده سوى الخونة!

 ولعل ما يكشف تهافت هؤلاء المثقفين وتلك الانظمة هو السؤال التالي:

إذا كان هدف العدوان الاميركي ومن جاء في اذياله هو إسقاط النظام العراقي، فها قد سقط، فما الذي تفعله جيوش العدو في العراق الآن؟ هل يحتاج المرء الى عبقرية فذة لادراك ان قوى الاحتلال باقية كي تنهب العراق؟ ألا تثير مواقف هؤلاء المثقفين سخرية ما بعدها سخرية، وهم يرون ما تقوم به قوات الاحتلال في العراق؟
 
 وعودة الى بداية هذه المقالة، فإن عجز اي مثقف عربي عن التقاط التساوي والوحدة بين الراسمالية الغربية والصهيونية، يشكل أحد أسس تورط هذا المثقف في تاييد استعمار العراق وغير العراق من الاقطار العربية.

 واخيراُ، فإن علينا تخليص مسألة احتلال العراق من النقاش في الاوساط الثقافية ونقلها الى الشارع العربي. فما هو موقف الشارع العربي من احتلال العراق، ناهيك حتى عن الشارع العالمي؟ إذا كان هؤلاء المثقفون متعلقين بالديمقراطية والحريات الى هذا الحد، فلينظروا الى إرادة الشعب الذي يتحدثون باسمه؟ أم تراهم يقيسون على ما تختاره اجهزة ووسائل الاعلام العربية التي تنتقي بضعة أفراد في العراق او بعض قادة المعارضة المرتبطين بالمحتل ليأخذوا ذلك اساساً لتاييدهم للاحتلال!

 كلنا يعرف ان حرية الكلمة النظيفة محدودة بل ممنوعة في الوطن العربي. ولكن، رغم ذلك علينا الى جانب تعرية الانظمة العربية ان نعري هؤلاء المثقفين للشارع. وعندها، ليكن للشارع خيار ان يؤيدهم أو يرجمهم. لا بد من مقاطعة مجتمعية لهم. ولعل هذا من افضل الاسلحة ضدهم. اثبت هذا السلاح نجاعتة في سجون الاحتلال، عندما كنا نقاطع العملاء. لقد ثبت ان مقاطعتم أنجع من قتلهم.

 

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الأحد 05 مايو 2024


.. رئيس مجلس النواب الأميركي: سنطرح إلغاء الإعفاءات الضريبية عن




.. ملايين السياح في الشوارع ومحطات القطار .. هكذا بدا -الأسبوع


.. لماذا امتدت الأزمة الاقتصادية من الاقتصاد الكلي الإسرائيلي ب




.. تقرير خطير.. جولدمان ساكس يتوقع ارتفاع أسعار الذهب لـ3 آلاف