الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقابات ودورها في التوازن النقابي والوطني

إبراهيم الذويب

2023 / 3 / 13
ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي2023: دور وأهمية التضامن والتحالف الأممي للطبقة العاملة


تشكل النقابات في جميع دول العالم مصدراً للتوازن في المجتمعات، فهي تمثل شرائح متعددة ومختلفة، سواء كانت تمثلها نقابات مهنية منظمة بقوانين خاصة كنقابات المحامين والمهندسين والأطباء والمعلمين والصحفيين وسائر المهن. أو كانت نقابات عمالية، فجميع هذه النقابات تلعب أدوارا مهمة، وهي طرف رئيسي من أطراف العملية الإنتاجية في كافة المجتمعات التي تسهم بدورها في تأمين الاستقرار المجتمعي، عبر دوران عملية الإقتصاد، ومن خلال أعضائها بطريقة آمنة، في ظل عمل لائق وكريم يكفل الحياة والاستقرار المعيشي في المجتمعات للعاملين، وكل ذلك ينعكس على الاستقرار المجتمعي والسلم الأهلي بشكل عام عبر نتائج العملية الاقتصادية في المجتمعات، من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.
في فلسطين شكلت النقابات نموذجاً متميزاً عن العديد من النقابات على المستوى العالمي، حيث تشكلت النقابات الفلسطينية منذ عشرينيات القرن الماضي، ونتيجة ما تعرضت له فلسطين من احتلالات وظروف غير طبيعية، استطاعت النقابات أن تمازج بفاعلية وبراعة ما بين دورها النضالي الوطني في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي الذي ما زال جاثماً على صدورنا، وما بين نضالها المطلبي والنقابي من أجل تحسين ظروف العاملين وشروط عملهم، وتأطير وتنظيم أعضاء القطاعات المهنية في نقابات قوية حرة ومستقلة.
دافعت النقابات عن حقوق العاملين واستطاعت حتى قبل قيام السلطة الفلسطينية، ( أي قبل اكتمال الضلع الثالث من أضلاع الإنتاج) بتعاونها وبمفاوضات متزنة ما بين النقابات العمالية وممثلي أصحاب العمال خلق توازنات في المجتمع الفلسطيني حتى تحت الإحتلال، مما ساهم في تعزيز دور ومكانة هذه النقابات والتي قاعدة أساسية لمنظمة التحرير الفلسطينية ولدورها في الأراضي المحتلة.
بعد قيام السلطه، نلحظ تراجع دور النقابات، نتيجة غياب المنافسة والتعددية الحقيقية، ودمج العديد من الاتحادات من جهة، وبسبب سياسات السلطة لاحتواء النقابات والسيطرة عليها، عبر انتخابات شكلية وائتلافات محاصصة فوقية، بعيدة في غالبيتها عن جمهور العاملين وأصحاب المهن من جهة أخرى، مما أضعف دور النقابات، وأصبح ولاؤها مرتبطا بمصالح فئات القيادات النقابية، ما شكل فجوة راحت تتسع بين أعضاء هذه النقابات وقياداتها وأدى إلى إضعاف الثقة بالنقابات القائمة.
عموما تتألف تشكيلات النقابات العمالية من ائتلافات وطنية، حتى أن الاتحادات كاتحاد المعلمين، هي ائتلافات مشكلة ضمن توافقات فوقية بين الكتل النقابية دون الرجوع إلى قواعد المعلمين وغيرهم من القطاعات المهنية. قد يكون ذلك برؤية السلطة وحزبها الحاكم لتعزيز سطوتها، مع أن ذلك يقود في النتيجة إلى إضعاف هذا الدور والإخلال بالعلاقات الثلاثية في المجتمعات التي تحفظ الاتزان الأجتماعي، وبما يمكن من مواجهة التحديات والسياسات الاحتلالية التي تسعى إلى إفشال مشروعنا الوطني بشكل عام.
وفي الآونة الأخيرة تشهد الأراضي الفلسطينية أزمات متتالية تتراكم دون حلول جذرية، حيث تتصاعد الأضرابات في قطاعات الأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين وغيرها، وهذه الإضرابات ناجمة عن غياب سياسات اقتصادية واجتماعية وطنية عامة، وغياب الانتخابات التشريعية، والانتخابات النقابية. كل ذلك يؤدي إلى الإضرار بالحكومة ومكانتها أولاً، وبالشعب والقطاعات المهنية ثانياً، وقد تكون له إنعكاسات خطيرة على تشظي الحالة الفلسطينية.
اختلال هذه الأدوار، ينجم أيضاً عن ضعف الأحزاب السياسية والتي هي في الأصل يسارية، ويفترض أن يكون لها دور اجتماعي بالغ الأهمية في المجتمع، ونتيجة ضعف هذا الدور تلجأ لاصطناع تمثيل شكلي دون خوض الانتخابات، مما يجعلها تدور في نفس الفلك التي تدور فيه السلطة التنفيذية بشكل عام والحكومة الفلسطينية بشكل خاص، وبعض أطراف الحزب الحاكم المنتفعين من هذه الظروف السائدة.
ينعكس ذلك في عدم تجاوب السلطة مع الحركات الفعلية والمرتبطة بجمهورها، بالمقابل التعاطي إيجابياً مع نقابات شكلية وضعيفة، محاولة إبراز إنجازات شكلية لاتحادات لا تحظى بتمثيل عريض. لذا نجد محاولات إجهاض هذه الحراكات النقابية والمطلبية، وكان أولى بالحكومة التعاطي معها بشكل مباشر دون تركها تتأزم، لان انعكاساتها هي على أبنائنا الطلبة وعلى قطاعات المجتمع المختلفة الذين يتلقون خدمات صحية أو تربوية، وفي قطاع العدالة الذي يبدو شبه معطل منذ ثلاث سنوات نتيجة الإضرابات، وإقرار قوانين إجرائية تمس قطاع العدالة وتقوض حقوق المتقاضين.
كما تبرز هذه السياسات من بعض الإتحادات التي تدور في فلك الحكومة وكأنها لا فرق بينها وبين الحكومة في أدوارها التي تتعاكس مع مصالح القطاعات التي يفترض أنها تمثلها، مثل دعوات إتحاد المعلمين إلى الإضراب الشامل دون التوجه إلى أماكن العمل وهذه دعوات تخالف أصول العمل النقابي الصحيح والقوانين حيث أن العمل النقابي يملي على المضربين ورافعي العرائض المطلبية التواجد على رأس عملهم وأن يقوموا بالاحتجاج في أثناء وجودهم في أماكن عملهم، والأصل أن الإضرابات تقع في أماكن العمل. للخروج من هذه الأزمات التي تتوالى، على الحكومة أن تستبعد من تفكيرها التعامل مع نقابات رسمية فالنقابات هي بالأساس نقابات مستقلة وديمقراطية وحرة ومنتخبة بشكل ديمقراطي من بين أعضائها وغير مُسيسة، وهي بالأساس تهدف لتحسين الاوضاع الاجتماعية فالنقابات الرسمية إن لم تكن تمثل مجموع أعضائها فلا تشكل عنصر قوة بل تؤدي الى إضعافها، لأنها لا تستطيع أن تمثل الجمهور. والنقابات القوية تكون قادرة على اتخاذ القرارات وتنظيم أعضائها وحشدهم والحديث باسمهم والمفاوضة مع الجهات ذات العلاقة سواء حكومة أو أصحاب الأعمال من أجل صيانة حقوقهم وتحقيق مطالبهم العادلة، هذا يخلق توازنا يقود إلى إبرام الاتفاقيات الثابتة التي تسهم في استقرار المجتمع، وتحسين ظروف العاملين، وكذلك في استقرار العمل الحكومي. فالأساس في كل هذا التعددية النقابية والنقابات الحرة حيث أن التعددية لا تلغي الوحدة، بل إن الإصرار على نقابات رسمية محددة، فهذا ضار بالحكومة وبدورها ولا يبني اتفاقيات جماعية تسهم في تأمين السلم المجتمعي. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستشرق إسرائيلي يرفع الكوفية: أنا فلسطيني والقدس لنا | #السؤ


.. رئيسة جامعة كولومبيا.. أكاديمية أميركية من أصول مصرية في عين




.. فخ أميركي جديد لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟ | #التاسعة


.. أين مقر حماس الجديد؟ الحركة ورحلة العواصم الثلاث.. القصة الك




.. مستشفى الأمل يعيد تشغيل قسم الطوارئ والولادة وأقسام العمليات