الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد حداثة عند العرب؟

حسن بوجات
كاتب وشاعر من المغرب

(Hassan Boujat)

2023 / 3 / 13
العولمة وتطورات العالم المعاصر


ليست المنطقة العربية بمختلف أقطارها، بمنأى عن التحولات التي تطال العالم خاصة عندما يتعلق الأمر بالجانب المادي من هذه التحولات(=وسائل، تكنولوجيا..)، بالنظر إلى أن الجانب الفكري، اللامادي، لا يزال يرزخ تحت إسار عصر عائم في التشدد والتحفّظ، وذلك مقارنة بالمراتب التي بلغها هذا الجانب(=اللامادي- الفكري..) في الجهة الأخرى، المقابلة، أي عند الآخر-الغربي.
فالتطور الذي اكتسح العالم على المستوى المادي ، لم يستثني أي جيب من جيوبه، فكما أن شخصا في ألمانيا، وأمريكا.. يستعمل هاتفا حديث الصنع، فكذلك هو الأمر في السعودية ومصر، والمغرب..
إن العالم الذي نحياه اليوم، ينعت بكونه عالم حديث، وهو ينعت كذلك عندما تتم مقارنته، بفترة سابقة عليه كانت بعيدة عن الحداثة ؛ فالعقل الحديث –كما عند الغرب- لم يعد يرتكن إلى الأوهام، ولم تعد ترضيه الحياة في عالم ملغز، فصار عقلا نزاعا –بعبارة الأستاذ محمد الشيكر- إلى نزع الطابع السحري عن العالم ورده إلى خارجية مطلقة وإرجاعه إلى علاقات موضوعية معلومة. فالحداثة، يضيف، نمط حضاري مخصوص يتنافى ونمط التقليد أيا كان وحيثما وجد.
غير أن السؤال إنما يصب في حاضر الثقافة العربية: فإذا كان العالم الغربي، قد بلغ الحداثة بشقيها المادي و اللامادي، بغض النظر عما إذا كان قد وجد فيها ما يرضيه من عدمه، وإذا كان العرب لم يبلغوا بعد الحداثة – في معناها الغربي المكتمل- فبأي معنى يمكن الحديث عن ما بعد حداثة عربية ؟
لقد بلغ الغرب الحداثة المادية، كما هو بادٍ في التطور الهائل الذي ينعم بظله، وفي المقابل يعيش حداثة لامادية احتل فيها العقل مكان الأسطورة والدين، بعد أن جر البساط من تحتهما، وخلع عنهما عرشهما. إذ الحداثة ليست شيئا أكثر من كونها، مشروع عقلاني يكرس الحرية الذاتية، والذاتية كحرية، ويخلع على العقل بعدا جدليا، يجعله قادرا على التوليف بين الأضداد، والمصالحة النادرة بين المتناقضات.
غير أن الملتفت إلى الثقافة العربية- دون أن يعني ذلك تبنيا لأية مقاربة انتشارية، أو منهج تاريخاني، ولا اعترافا بمركزية غربية(= لا يتوانى الغربي في محاولة تكريسها..)- الملتفت إلى الثقافة العربية، يلمح انشطارا على جميع الأصعدة، وما يهمّنا هنا هو ما يرتبط بالحداثة التي ظل البعض يدعي شرف الانتساب إليها في كل فرصة ومناسبة، فالذي ينظر إلى المنطقة العربية يلمح دون سابق إنذار انخراطا فعليا للعرب في الحداثة ، لكن ما سيثير هذا الناظر، هو أنه انخراط في جانبها المادي فقط، وهو انخراط مستهلِك لا انخراط منتِج. إنه انخراط مضطر لا انخراط مختار، (=مكره أخاك لا بطل) كما يقال.
فالعرب، صحيح، استفادوا مما يدعى حداثة ، غير أنهم كانوا محض مستهلكين، كانوا سوقا يصرف فيه المنتج سلعه؛ وفي المقابل تكرس التخلف أكثر و أكثر وذلك ناتج عن إنشاء نموذج غربي للتقدم خارج الشروط التاريخية والثقافية، (...) وبالتالي فهو نموذج مجرد ومفروض من الخارج كما يقول إدغار موران. فالعرب اعتمدوا، ولا زالوا، أحدث الوسائل في مختلف أنشطتهم اليومية، وهذا مفيد وجيد، لكنه يكرس، بشكل خطير، ثقافة الاستهلاك و الكسل ، كما يهمش العقل ويحاربه، على أساس أن الغربي هو صاحب العقل وعقل الشرقي عقل أسطوري، وهذه نظرة الغرب للشرق قام الأول بمضغها و تصديرها بأكثر من وسيلة لنقوم نحن بابتلاعها دون أدنى تفكير ومقاومة ، وبالنتيجة هيمنة ثقافة الاتكال . لكن إذا كان العرب فعلا، يقبلون –شاءوا أم أبوا- الحداثة المادية بما فيها من أدوات وتكنولوجيات، فلماذا هذا الرفض والعداء لسمات الحداثة الأخرى؟ سيما تلك الحداثة التي يتحدث عنها هيغل، والتي قال بأن مبدأها الاساس هو ضمان الحرية الذاتية، إذ إن الذات عند العرب، لا تبدو، ولا تتجلى إلا في لبوسها الجماعي، فلا وجود للذات، بل هناك الجماعة ومن خرج عن الجماعة شيطان. كما يقال. فالنطق ب الأنا داخل الثقافة العربية، حرام بدليل ما يقال دائما عند كل حديث: أنا (وأعوذ بالله من ذلك..) وبالتالي، ومادام الإنسان العربي لازال يستحي من النطق بأناه، كيف يمكنه أن يشعر بها، وبحريتها ؟ وأنّى له أن يبحث عن سبيل لتحريرها ؟
إن الأنا العربية، وبعد أن قطعت أشواطا في محاولتها للتحرر من هيمنة الجماعة، لازالت خاضعة لها؛ إذ إن النظر إلى الواقع العربي اليوم، يكشف بشكل لا يختلف حوله اثنان عن انصهار الذات بوصفها، كما حددتها الفلسفات الحديثة ذاتا حرة، ومفكرة، في الجماعة، بحيث لا يتم التفكير إلا في ظل الجماعة، التي تفكر عوضا عن الفرد.
والحال أن من بين أبرز الأسس التي تأسست عليها الحداثة الغربية نجد تحرر الذات الفردية واستقلالها عن هيمنة الجماعة . و عكس ذلك تماما نجده عند العرب، أين لا يعدو النقاش نقاشا حول ما إذا كان علينا التفكير في تدريس الفلسفة- من جهة كونها كما يقول جان توسان دوسانتي، لحظة زوبعية تعصف بالعقول حتى لا تطمئن للإجابات النهائية التي تتطلع إلى الحسم-، من عدمه، وهذا عين الانحطاط.
إن الانطلاق من الخارج، أي من النموذج الغربي في دراسة الواقع العربي، من جانب انخراطه في الحداثة، بل أكثر من ذلك، انشغاله بترجمة الكتب التي تتناول مابعد الحداثة كما هي عند الغرب! ليس معناه تزكية للمركزية الغربية، التي لا ينفك الغربي يعمل على تكريسها إذ التاريخ –كما يقول إدغار موران- يبدع، وينحرف، ويتمايل.، وليس كذلك نفيا لجهود مفكرينا العرب الذين عملوا جاهدين على تحرير الوعي العربي؛ وإن كان ذلك محض انفعال. أكثر من كونه تأكيدا على أن لكل رقعة جغرافية ما يخصّها من جهة، وتأكيد لفشل مشاريع هؤلاء المفكرين العرب من جهة ثانية، الفشل الذي لا يمكن تفسيره إلا بكون الروح الجماعية المتسلطة، لا زالت تحكم قبضتها على الذوات الفردية العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا