الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شمس الرجاء (2) --- مقدمة

توماس برنابا

2023 / 3 / 15
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


هذا الكتاب هو محاولة دعم معرفي وفكري للمتألمين الذين يمرون بضوائق وصروف الدهر المختلفة.. كلَّ منا يحتاج في مرحلة أو أكثر من مراحل حياته المتعاقبة إلى دعم نفسي يحفزه على مواصلة المسير في الحياة نحو مصير يتسم بالتطلع والترقب لشمس الرجاء التي تشرق لتنقشع ظلمات اليأس والهجر والشقاء..

وإذ أقدم بين يديّ القارئ هذا الكتاب سواء إن كان من أحد المتألمين أو مِمَنْ يهتمون لأمرهم، أتمنى من كل قلبي أن يكون طوق نجاة ونجدة لمن غرق في وهدة السوداوية والكآبة أيَّ كان السبب..

وحتى يناسب الكتاب كل الأذواق تم المزج بين العرض القصصي والعرض الفكري في ثلاثون فصلًا كلَّ منها يتناول قصة قصيرة ثم حوار بين بطلي الكتاب بخصوص هذه القصة يتم فيه عرض لأهم أرائهم الحياتية المختلفة لما تم سرده في هذه القصص الثلاثين المتضمنين لأبطال مآساويين يرضخون تحت ثقل ما من أحمال هذه الحياة التي نعيشها..

رحلة شيقة خلال ثلاثين ليلة وليلة للبحث عن الرجاء وسط ظلمات اليأس

مقدمة

كان مدحت كمال مُدرسًا للغة الإنجليزية بإحدى مدارس الثانوية العامة للبنات بمديرية الجيزة التعليمية بوزارة التربية والتعليم.. وكان يعاني في هذه الأثناء من ضائقة مالية شديدة حيث أن راتبه الحكومي لا يتجاوز الألفي جنيهًا شهريًا.. وبعد أن كان دخله المالي مقبولًا بسبب المجموعات المدرسية والدروس الخصوصية البسيطة، أصبح يعتمد بشكل كامل على راتبه الحكومي فقط لأن دخله الإضافي أصبح قدره صفرًا سمينًا عفيًا أسقطه من عليائه وكبريائه وسط جُبَّ من الحرمان هو وأسرته المكونة من زوجته وابنه الوحيد..

ولوصول الأستاذ مدحت لهذا الحال أسباب كثيرة.. فقد عانى من جراء صدمات كثيرة في حياته من خلل نفسي جعله يَنبذ الناس فترة طويلة مما جعله في حاجة إلى معونة طبية من أحد الأطباء المُختصين بالعلل النفسية والعصبية.. وعاش الأستاذ مدحت بين جدران بيته وبين فصول البنات في مدرسته في غربة عنهم تحت تأثير الأدوية ذات الأثر الشديد على تركيزه ومزاجه، مما جعله يرفض عروض المجموعات المدرسية والدروس الخصوصية. وراح زملائه وطالباته يتغامزون عليه في مجيئه وذهابه، مما زاد من حالته النفسية سوءًا جعل أثر الأدوية على نفسه وعقله بلا جدوى تُذكر..

وإنهارت نفسية الأستاذ مدحت مع ما يلاقيه من زملائه وطالباته في العمل، وما يُلاقيه جراء المتطلبات المالية المتزايدة لسد أبسط ضروريات الحياة في محافظة الجيزة بجمهورية مصر العربية بالراتب الحكومي الذي لا يكاد يكفي إيجار الشقة وفواتير الكهرباء والمياه والغاز! غرق الأستاذ مدحت في الديون حتى يوفي واجباته الأسرية من مأكل ومشرب ودواء وكساء بالإضافة إلى ثمن الأدوية الباهظة الثمن التي يتعاطاها حتى لا يفقد عقله كليةً..

وبمرور الأيام والأسابيع والشهور، بدأ الأستاذ مدحت يكره نفسه التي تأبي التحسن بالعلاج، ويكره ظروفه الصعبة، ويكره عمله البغيض على نفسه، ويكره نهاره وليله.. مما جعله يفكر جديًا في إنهاء حياته بيده لعله يلقى راحته المنشوده في الموت!

ولكن هناك شيء في داخله يأبي عليه أن يقدم على مثل هذا الفعل.. وتنازعه حب الحياة من جهة والرغبة في أن يرتاح بإنهاء حياته من جهة أخرى.. وفي يوم من الأيام تذكر صديقه نشأت الصافي الكاتب والأديب المرموق الذي كان صديقًا مقربًا له حينما كانوا زملاء في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الأداب..

وقد كان الأستاذ نشأت الصافي أول دفعته وقد عُين معيدًا لبعض السنوات في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الأداب.. ولاقى تزمتًا واضطهادًا من المشرفة على رسالة الماجستير التي كان يُحضرها في أدب تشارلز ديكنز الروائي.. وقيل له مرارًا وتكرارًا أن اسمه في هذا القسم ما زال مكتوبًا بالقلم الرصاص، وقد يُمحى بأقل مجهود! وكانت مجهوداته في الرسالة تذهب سُدى ومرت السنوات دون أن يحصل على الدرجة مما زاده كآبةً وكراهيةً في الكلية وهذا المنصب الجامعي المرموق.. فإن لم يحصل على درجة الماجستير في خلال خمسة سنوات من تعيينه كمعيد، فسيُحول لموظف إداري بالكلية وهذا الأمر أبعد ما يكون عن طموح الأستاذ نشأت صديقي! لذلك انقطع عن العمل، وغاص في كآبة عميقة لشهور عديدة!

ولكنه أصبح أديب وكاتب مشهور الآن، وانتصر على ما انتابه من كآبة كادت أن تودي بمستقبله وحياته. ولكن ما الذي جعل الأستاذ مدحت يتذكر صديقه بعد كل هذه السنوات.. أيمكن أن يعينه صديقه الأستاذ نشأت في مصابه ومصيبته التي يرضخ تحت ثقلها؟

وبكل سرعة بحث الأستاذ مدحت عن رقم هاتف صديقه الأستاذ نشأت وطلب الرقم ورد الأستاذ نشأت عليه ودار بينهم هذا الحديث:

- مرحبًا! هل أتشرف بمعرفة منّ على الخط معي؟

- أنا صديقك مدحت كمال يا أستاذ نشأت.. مدحت كمال زميلك بكلية الأداب.. أفتقدك كثيرًا يا رجل!

- أهلًا مدحت، كيف حالك يا صديقي الآن؟

وراح الأستاذ مدحت يشرح لصديقه ما آل إليه حاله وكيف أصبح يفكر في الإنتحار مما روع الأستاذ نشأت كثيرًا خوفًا على حياة صديقه وقال له:

- إياك أن تفعل شيئًا بنفسك، ودعنا نحل ونحلل الأمر بعقل وعقلانية.. لقد لاحظت أن قضية الإنتحار انتشرت في الآونة الحالية بسبب ضوائق الحياة المختلفة.. وكنت أفكر جديًا في كتابة كتاب يتناول تلك المصيبة التي تنتاب الكثير من المجتمعات وتقتطف شبابًا في ريعان حياتهم.. وكان يمكن علاج الأمر بسهولة سواء إن قصرت مدة العلاج أو طالت.. العلاج متاح وموجود يا صديقي!

- أمعقول يا نشأت تفكر في كتابة كتاب عن الإنتحار؟

- سيكون عن الرجاء.. رجاء كل مُبتلىّ ومسكين في هذه الحياة من جراء ما يحدث لهم.. يا مدحت، أنا أعرف عنك البصيرة وسداد الرأي.. فلماذا لا نتناقش ونتحاور أنا وأنت في هذه القضية وقد تعينني وتعاونني على كتابة هذا الكتاب.. وتأكد أنه سينتهي بك الأمر وقد نبذت هذه الأفكار الانتحارية من ذهنك، وسيكافئك عقلك بإزالة غشاوة عينيك عن آلاف القدرات والفرص التي يمكنك بها تغيير حالك ومآلك وما لك!

- انجدني يا صديقي.. فأنا في وهدة الهلاك حرفيًا، وعقلي يكاد يعصف بي حرفيًا ..!

انتظر الأستاذ نشأت على الخط بعض الوقت وظل يفكر لعدة ثواني.. ثم قال لصديقه الأستاذ مدحت:

- يا مدحت أَتستطيع أن تستغنى عن تلك الأفكار الانتحارية لثلاثين ليلة بدءًا من ليلة الغد؟

- بالطبع يا صديقي.. فأنا انتظرت طويلًا ليتحسن حالي بدون جدوىّ سواء بأدوية أو بدونها ولن يضيرني الأمر شيئًا إن انتظرت شهرًا من الآن.. وسأخذ أجازة إعتيادية من العمل بدءًا من غد، خصوصًا أننا في الأجازة الصيفية ويمكنني ذلك.

- إنني أفتقد أيامك يا صديقي العزيز.. وأنا سأتفرغ تمامًا لك في هذا الشهر.. وسأبدأ في كتابة قصة قصيرة كل نهار وسأرسلها لك بالبريد الإلكتروني.. سأضع حوالي ثلاثين سببًا قد تدفع شبابنًا للانتحار.. سبب في كل قصة ينتاب عقل وكيان بطل هذه القصة مما يضطره إلى محاولة الانتحار.. وهناك من سينجح في محاولته وهناك من سيفشل. وفي كل ليلة على تطبيق Skype سنتحاور في القصة التي أُرسلها لك.. وسأزورك في كل يوم جمعة نتناول العشاء في بيتك.. ألا تزال تسكن في بيتك القديم؟

- نعم لا زلت.. وأنا سعيد بذلك سعادةً جمة.. ولا أعلم بكم اكافئك يا صديقي العزيز.. فكلامك هذا، وحواراتنا المرتقبة قد تكون ذا أثر إيجابي على نفسي وعلى عقلي!

- نعم، يا مدحت! هذا صحيح فالعلاج المعرفي في حالات الاضطرابات النفسية المختلفة له أثر شديد في علاجها بجانب العلاج الدوائي.. ويا صديقي، ألا تود أن تعاونني على إنهاء هذا الكتاب الذي سيجمع ثلاثين قصة عن ثلاثين بطلًا مآساويًا؟ أتمنى أن أساعد ليل البعض من أمثالهم في مجتمعنا على الانقشاع وشروق شمس رجاء ساطعة تنير عقولهم وتمحو أوهامهم وتمنحهم رؤىّ ورؤيا لمستقبلهم!

- سأساعدك بكل جوارحي يا نشأت.. وسأنتظر لقائك بفارغ الصبر.. فكأنك طوق نجاة أُلقى إليَّ وأنا غارق في وهدة جبْ لا قرار له! شكرًا يا صديقي جزيل الشكر!

- لا شكر على واجب يا مدحت.. أنت تستحق كل خير. وأنا لا أنسى ما فعلته لأجلي مرارًا ونحن طلاب بالكلية ولا داعي لذكره الآن، لعلي بذلك أرد لك الجميل يا صديقي.. ولعلك لم تنسى حالة الآكتئاب التي أصابتني منذ خمسة عشر عامًا مضت بعد تركي العمل بالجامعة.. ولذلك سأبدأ بقصة قصيرة عن نفسي وانتظرها مني عصرًا غدًا بالبريد الإلكتروني الذي أود أن ترسله لي بعد هذه المكالمة ثم لنتحاور سويًا ليلًا عبر الأنترنت بخصوص القصة التي سأرسلها لك يوميًا.. إلى غد قريب يا صديق!

- شكرًا يا أستاذ نشأت .. بإنتظار قصتك وسأرسل لك بريدي الإلكتروني وحسابي على برنامج Skype حينما انتهي من عمله..


مضت الليلة الأولى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -