الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العوامل الدولية في اخماد انتفاضة اذار 1991 الخالدةـ وفق دفاتري الشخصية
لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل
(Labib Sultan)
2023 / 3 / 15
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
اتصلت ببعض اصدقائي في اوتاوا وتورنتو ظهر يوم 15 اذار وانا اتناول الغداء في عملي ( ويقع في مدينة صغيرة تسمى Chalk River في غابة ثلجية تبعد مئتي كيلومترا غرب اوتاوا وسكانها قرابة 3 الاف يعمل اغلبهم في مركز بحوث للجنة الطاقة الذرية الكندية AECL ( Atomic Energy Canada-limit-ed) حيث يتم تصاميم مفاعلات انتاج الطاقة المعروفة باسم " كاندو " وهي من أأمن المفاعلات في العالم كونها تعمل بالماء الثقيل ) ، وطلبت من الاخ الصحفي ابراهيم الحريري في تورونتو ، حيث كان الاعلام الكندي ملتفا حوله خلال اضرابه عن الطعام مطالبا بوقف قصف المدن العراقية وامتد الى المطالبة بدعم الانتفاضة من وحشية قمع النظام بعد توقيع اتفاق صفوان يوم 3 مارس (اذار ) عام 1991. اخبرت ابراهيم ان انفراجا ربما سيحدث في الموقف الاميركي وطلبت منه ان يطلع على مقالة في صحيفة نيويورك تايمز التي نشرت على صفحتها الاولى ذلك اليوم مقالا بعنوان" صدام يشن حملة ابادة ضد المنتفضين المدنيين في سوق الشيوخ" وتحتها صورة لنساء واطفال هاربون بهلع من المدينة المنتفضة كمعظم مدن الوسط والجنوب التي انتفضت بعد هزيمة صدام في الكويت ، وتطرح وجوب حماية السكان الثائرين من قوات صدام التي تحولت من قتال الامريكان الى ابادة السكان بعد توقيع اتفاق صفوان . ودعت الى التعامل مع همجيته في القمع ودعم السكان المنتفضين . كانت المقالة هامة جدا واعتبرتها اخيرا مؤشرا على الخروج من حالة الصمت الذي ساد موقف الادارة الاميركية حول التخلص من النظام الصدامي ومن سكوتها عن جرائمه ضد السكان في 9 محافظات خلال الانتفاضة التي اندلعت منذ اسبوع ، وجاءت مترافقة مع دعوة مباشرة من الرئيس الاميركي بوش الاب " ان الشعب العراقي هوسيد نفسه وهذه فرصته ليقرر مصيره " . خرج العراقيون لوضع حد ونهاية لاستهتار النظام الصدامي العصاباتي بمصيرهم ومطالبين بالقصاص منه لهذه الحرب المدمرة والضحايا الباهضة التي دفعوها من ابنائهم وقودا لسطوة ديكتاتور انه بطل الامة العربية.
قرابة الساعة الثالثة عصرا اتصل بي ابراهيم قائلا " مولانا لاتوجد هذه المقالة اطلاقا وهاهي الصحيفة امامي ولا ارى اي شيئا مما قلت " . "كيف ذلك ؟ وهاهي الصحيفة امامي ، هل امامك طبعة اليوم ، تأكد من تاريخها رجاء ، وأكد لي انها طبعة اليوم " طيب، اعطني عشرة دقائق لأتأكد وسأعاود الاتصال" . ذهبت فورا لكشك الصحف في مركزنا ووجدت طبعة نيويورك تايمز المسائية ، ووجدت في نفس الحقل الذي كانت مقالة سوق الشيوخ منشورة فيها فعلا قد اختفت وحلت محلها مقالة جديدة وطويلة بعنوان " التعامل مع شيطان معروف خير من شيطان غير معروف " . يأتي فيها فيها طرح معاكس تماما ، لماذا يجب على اميركا الانسحاب ووقف دعم الانتفاضة ، وان ابقاء صدام ضعيفا هو خيرا لجيرانه العرب. فهمت حالا ان اميركا اتخذت قرارا بابقاء صدام وانها لن تدعم الانتفاضة التي دعا لها بصورة غير مباشرة بوش ليصبح العراقيون سادة انفسهم ، فهذا هو صدام يطلق كلابه على سكان المدن المنتفضة ، وهذا بوش يترك الشعب جريحا امام كلاب صدام ،وتخلى عما قال لهم بصورة اقرب ماتكون مباشرة " تخلصوا من صدام فنحن حولكم " ثم تركهم بعدها له لقمة سائغة . يفهم من المقالة في نيويورك تايمز ، وهي تجمع اراء مراكز البحوث الاميركية، انه كان قرارا نهائيا اتخذته ادارة بوش معللة موقفها ان اسقاط صدام على يد المنتفضين سيقدم العراق لقمة سائغة وعلى طبق من ذهب لايران ، واشارت ان صور اية الله الخميني غطت شوارع في المدن المحررة في الناصرية والعمارة والبصرة ، واشارت انه اتخذ عقب اتصالات اجراها بوش مع اهم حليف مجاور للعراق ، ويقصد به السعودية (واكدته فيما بعد مذكراته التي نشرها).
اعدت الاتصال بالاخ ابراهيم واخبرته ان الموقف الاميركي بات واضحا : ابقاء صدام في الحكم خوفا من استيلاء ايران علي ، واغلقت الهاتف . مرت امامي دقائق من غيمة سوداء لم اعانيها من قبل في حياتي ، ان يتم ذبح شعبا وقطع رقبته بسكين ديكتاتورا مجرما سفاحا على لوحة مصالح سعودية امريكية لضرب ايران ،وتنصل رئيس دولة من دعوته الى شعب جريح خارجا للتو من حرب مدمرة للتخلص من ديكتاتور ، وهو هو اسبوعا لم يمر وتراه يترك الجزار على شعبه . انها سفالة العالم باجمعه مجسمة في مأساة الشعب العراقي ، تركه وحيدا وحيدا ينزف والجميع يتفرجون والكل ينظر لمصالحه . لقد كتب علينا الخراب من والدمار من كل الاطراف ، من اجرام صدام وزبانيته، ومن العرب وايران، ومن الغرب والشرق ، العالم اجمع ، الكل يتربح والمجرم ينهش بهذا الشعب ويدمره. وهذا يجري منذ عقود. في الثمانينات كان العرب والشرق والغرب اجمعهم واقفا مع صدام كونه يحارب ايران ، وكان العراقيون يدفعون الثمن، الكل يحصد منافع، والعراق يحصد الضحايا والتدمير. واينما توجهت قائلا انه ديكتاتورا ورط العراق بهذه الحرب القذرة ، يجيبون انه بطلا وطنيا وقوميا يدافع عن وطنه، وهن الامة العربية ، ردده القوميون ومعهم اليساريون العرب والرجعيون والاقطاعيون والمشايخ واليسار واليمين، الجميع معه ضدنا ،العرب و الغرب و الشرق ، اينما نسافر او نعيش او نتوجه لانرى غير انصار صدام والمشيدين به وبطولته ، فهو ليس ديكتاتورا ذابحا لشعبه وتدمير دولته لنيل لقب "بطل الامة " وقائد تحرير فلسطين ، مادام الجميع رابحين ومستفيدين من قربان ذبح الشعب وتدمير كيانه باسم تحرير فلسطين .
تركت عملي مصمما لن ارجع له ، وانا اعاني من نوبة احتقان شديدة ، كنت قبلها وعلى مدى أشهر اعمل بمعدل 12 ساعة في اليوم ومنهكا ( ساوضح سبب ذلك لاحقا)، وشعرت ان الارض مكان لاتطاق ، مليئة بالنذالة والسفالة من كل الجهات ان يترك مصير شعب تحت رحمة مجرمين وسماسرة ( كنت رأيت قبلها بيوم على قناة CNN حديث حي لطيار اميركي يوجز انه يرى طائرات هيليكوبتر عراقية تقصف نساء واطفالا هاربين يظهرونهم على الشاشة، ويطلب امرا بقصفها ، يأتيه الجواب : لا اوامر بالتدخل الحرب انتهت وعليك فقط بالمراقبة ..وطلب انهاء مهمته فهو لايستطيع رؤية هذا الاجرام واجيب طلبه " . كنت اتوقع ان قرار سيتخذ خلال يوم او يومين لانقاذ الناس ، وكان الجو العام يتصاعد اعلاميا بوجوب دعم انتفاضة السكان ، ولكن بعد قراءة المقالة في الصحيفة ، فهمت ان القرار قد اتخذ "لا دعم، فهو سي أتي لصالح ايران " . أي الحكم على العراقيين بالبقاء تحت جزمة صدام مؤبدا. كنا ننتظر أشهرا وأعتقد اغلب الوطنيين العراقيين انها ستكون اخر مطبة لصدام هو غزوه للكويت ولن يخرج منها سالما هذه المرة ، وها نحن نرى راسبوتين يرجع من جديد للحياة وفق مصالح عربية ودولية ، وياليته كان راسبوتنا حقا ، فالخير لم يقتل احدا ، وصاحبنا صرح انه انتصر على الامبريالية ببقاءه في السلطة ، وبعد ثلاثة ايام من ابادة 50 الفا من الجنود العراقيين المنسحبين وخلال يوم واحد على طريق البصرة السريع ، ان اميركا قبلت مفاوضتت ولم تسقطه وانه باق في الحكم، وهذا انتصاره.
قررت ذلك المساء ان اترك عملي واغير حياتي فلا طاقة لي بعد اليوم. اتصلت مساء بالسيد جون ليبتز ، وهو ابو المفاعلات النووية الكندية ، وكان المسؤول المباشر لي في المشروع الذي اعمل عليه، لاخبره بقراري بترك العمل وعدم تمكني بالحضور لاجتماع هام كان مقررا في اليوم التالي كنا نعد له منذ اسابيع. انصقع جون ، كيف ذلك ؟ هناك 15 خبيرا ومسؤولا حضروا من ثلاثة مدن كندية للاجتماع كي تطلعهم على التقرير النهائي لمشروعك لاقراره ، تعال لعندي فورا . ذهبت ومعي عددي جريدة نيويورك تايمز واطلعته على ما اسميته السفالة السياسية لبوش بترك شعبنا تحت رحمة جزار . كان جون ليبتز مطلعا قبلها على كافة تفاصيل الحرب من خلال معاناتي التي يراها في لقاءاتنا شبه اليومية، وكان هو رجلا ليبراليا اساسا في افكاره ويقف الى جانب الشعوب وضد الديكتاتوريات ، وكان يواسيني على مصاب العراقيين،ويكرر " اصبر وسترى كيف ستنهي اميركا حكم هذا الديكتاتور، لا لن يتركوه" ، وفعلا كنت اعزي نفسي ان المهم هو النتيجة وان شعبنا سينهي حكم الطاغية في نهاية هذه الحرب . بعد اطلاعه على المقالتين ،قلت له : هل رأيت ؟ اليست هذه فضيحة وسفالة سياسية ، واضح انها الة اميركا البراغماتية حسبت الامر بالكومبيوتر ووجدته ان تترك صدام مكانه تلبية لرغبة سعودية درءا لخطر ايراني دفع اميركا للتخلي تاركة مصير العراقيين الى جحيم وانتقام صدام. " اشاركك رأيك تماما، ولكن لننتظر ربما يستجد امرا" . طرح علي ان نقوم بصفقة مشتركة : ان احضر الاجتماع غدا، وانه سيغير اجندة الاجتماع باضافة فقرة جديدة لمناقشة مشاكل الاستمرار في المشروع، واقترح ان اوضح لهم ماأعانيه، ونجعلهم يوقعون على مذكرة احتجاج رسمية نرفعها جميعا الى الحكومة الكندية مطالبين بحماية العراقيين، وطلب مني اعداد هذه المذكرة.
وافقت على الامر ولكني ايضا اخبرته اني لن اكون قادرا على العمل وسأقدم استقالتي ولكني سأنقل واجباتي في المشروع الى مساعد لي يعرفه جيدا ويعمل في فريقي المكون من 15 فردا كنا نعمل 12 ساعة في اليوم على مدى اشهر طويلة منذ اكثر من عام على منظومة هامة كانت تشكل اهم تحديث في مفاعلات الجيل الثالث " كاندو 3" التي يشرف عليها جون ليبتز نفسه، وهي "منظومة التشخيص العميق والانذارات الذكية لادارة غرفة السيطرة على المفاعل" .
واختصارا لايضاح الاهمية التي اكتسبها هذا المشروع ان كندا نهاية الثمانينات خسرت كل مواقعها في سوق المفاعلات امام منافسة المفاعلات الفرنسية والالمانية واليابانية بعد ان كانت متفوقة عليهم قبل عشرة سنوات ،وخصوصا الفرنسية من طراز N4 حيث استحوذت على مفاعلين لكوريا الجنوبية من مجموع ستة كان الكنديون يعتبرونها حصتهم ، ومثلها على مفاعل من اصل اربعة كانوا يتفاوضون عليها مع الارجنتين ، وكان السبب هو تخلف كندا في استخدام منظومات الذكاء الصناعي في تصاميم غرف السيطرة وتشخيص العطلات وفلترة الانذارات وادارة عمل المفاعل ، ومنه توجهت الوكالة الكندية للجامعات طلبا للمساعدة ومدها باختصاصيين في منظومات الذكاء الصناعي ، ووافقت في حزيران صيف عام 1989 للانضمام لها، وكنا ثلاثة اختصاصيين من ثلاثة جامعات مختلفة طلب الينا خلال اربعة اشهر ان ندرس كل التصاميم الحالية وتلك من الفرنسية والالمانية تحديدا ونقدم مقترحاتنا، و لاقى تقريري ببناء منظومة جديدة تسمى DDIAP ( Deep Diagnostics and Intelligent Alarm Processing) قبولا من خبراء الهيئة ،بينما قدم زملائي حلولا جزئية ، وكان الظرف صعبا للغاية ، حيث كانت هذه الصناعة الكندية الهامة مهددة تماما ،فهي عملية انقاذ كما فهمنا. مانفع تقريري ان المفاعلات الفرنسية والتي درستها بعناية لاتوفرالا الجزء الاعلى من هذه المنظومة المتكاملة ( طرح معلومات التشخيص للعطلات او الحيد في عمل الاجهزة والمنظومات مجسمة بالوان مميزة حسب درجة الحيود في عمل منظومات المفاعل ) في حين ان منظومتنا تقوم بتفسير معناها وعواقبها وفق منظومات استخلاص المعنى من معطيات المجسات والقياسات وطرح عواقبها وتأثيرها على النظم الاخرى ( هناك 12 منظومة في المفاعل كل منها يتاثر بابسط تغيير او حيد بسيط فيها يؤدي الى توليد مئات الاشارات التحذيرية ممايصيب العاملين بالهلع ويمنعهم من معرفة السبب ) ، اما في نظامنا الجديد سيمنع هذه الحالة ويدلهم بالضبط عن السبب من خلال التشخيص العميق وتحليل معنى الاشارات بمنظومات ذكية تدعى Cognitive Networks تربط كافة المنظومات وتاثيراتها على بعضها). بعد اسبوعين غادرنا الى سيؤول لاعطاء عرض اولي عن منظوماتنا الجديدة وبقينا خمسة ايام كاملة تحققوا من صحة ادعائنا في خلوالمنظومات الفرنسية من التشخيص العميق والادارة الذكية لأشارات التنبيه وتفسير معطيات القياسات معرفيا كانو خلالها يدققون ويقارنون،ونحن ننتظر جوابا ، واتانا اخيرا بالايجاب ، نعم انهم سيوافقون على اعادة النظر و فتح الملف مع كندا ومفاعلها كاندو 3 ولكن دون التزام وتأجيل مؤقت لأبرام العقود للمفاعلات الاربعة المتبقية حتى النظر في العرض الكندي ، وطلب منا تقديم نموذج برمجي لعمل منظومتي التبريد والاغلاق الاولي لينجز خلال تسعة اشهر ، ووافقنا ، ورجعنا منتصرين ، ومن يومها ازدادت سمعتي في المؤسسة ، وسمونني " المنقذ " حيث قيمة هذه المفاعلات لوربحناها تبلغ خمسة مليارات دولار ، وهذا ماتم لاحقا وربحتها الوكالة الكندية. كنت اعمل مع فريق خاص يستلم ضعف راتبه وعملنا لمدة 12 ساعة في اليوم لبناء النموذج ، الذي وافق عليه الكوريون ونجح بمعطيات حقيقية احضروها معهم ، تلاه عمل شاق لنفس اخر لمدة 12,ساعة يوميا لستة اشهر لاكمال التصاميم ،والشروع ببنائها لبقية المنظومات ، ووصلنا في اذار 1991 الى مرحلة متقدمة ومنه انهكت تماما . وجاء تخلي الامريكان والسماح لصدام بذبح اهالي سوق الشيوخ نهاية اية امكانية ذهنية او جسدية عندي بالاستمرار بهذا او اي عمل اخر.
عقد لقاء اللجنة صباح اليوم التالي، وكانت مادتي هي الاخيرة بعد الظهر وطلب مني جون ليبز طرحها للحاضرين . اوضحت لهم ان تركي العمل هو لاسباب صحية والتعب ، ولكن الاكثر هو الصدمة النفسية من عمل لا اخلاقي وضد الانسانية ان يترك شعبا تحت رحمة سكين الديكتاتور لان مصالح سياسية تحتاج ذلك ، وقدمت لهم نص النداء للحكومة الكندية الذي اعددته وفق اتفاقي مع جون ليبتز وطلبت توقيعهم عليه وفيه ادانة صريحة لموقف الرئيس بوش . تململ بعض الحاضرين وانهم لايتدخلون بشؤون سياسية ، وهنا ثار جون غاضبا واخبرهم ان استقالته جاهزة مخرجا ورقة من جيبه إن لم ير التواقيع امامه ، وهنا تدخل رئيس الهيئة قائلا طبعا انها مسألة انسانية وتعاطفا مع احد اهم عاملينا ولابأس من التوقيع ، فوقعها الجميع . خرجت مرتاحا من هذا النصر المتواضع ولكنه المهم حيث كانت المذكرة تنص صراحة على الموقف اللا اخلاقي واللا انساني ونكسة للضمير ان يطالب رئيس دولة تحارب ديكتاتورا من شعبها ان يقرر مصيره ثم تنسحب تاركة الشعب ضحية له.
قدمت في اليوم التالي استقالتي لمجلس الادارة ، الذي طلب مني تغييرها لتكون يوم 15 حزيران لاكمال سنتين مقابل اعطائي مكافأة دسمة وتقاعدا ذهبيا ( أي يعادل خدمة 15 عاما من الخدمة مكافأة لأعمالي للوكالة الكندية للطاقة الذرية ، وفعلا بدأت استلامها منذ عام 2007 أي بسن 55 عاما )، ولكني حقيقة وافقت لغرض اكمال نقل اعمالي الى مساعدي والذي فعلا يتطلب ثلاثة اشهر بنصف وقت عمل.
اتصلت بابراهيم الحريري ذلك اليوم واخبرته اني سارجع الى تورونتو نهائيا يوم 16 حزيران . وبانتقالي كنت متحمسا وانشأنا فريق عمل دؤوب ( معنا د. حسن العطار ، د. هيثم الحسني، الاخ حسن مشكور ، الاخ جورج منصور، واخرين ) وكنا نعمل كالنحل ، لم يمر اسبوعا الا ونلتقي بعضو برلمان كندي ،ونقطع ثلاثة الاف كيلومتر لمقابلة سيناتور اميركي وشرحنا لهم قضية شعبنا ومسؤولية الولايات المتحدة في تحمل ايجاد حل لشعبنا ، فالجميع مساهمين بنكبته، بشكل او باخر فيها ، وليس باخرها اخلال الرئيس بوش بوعده ان يكون العراقيون سادة انفسهم . بدء الحصاد يأتي تباعا ، اولها اقرار السلطات الكندية باعطاء اللجوء الفوري لجميع العراقيين الى كندا، تبعه اقناعهم واقناع الاميركان بارسال وفد الى مخيم رفحا ونجحنا بجلب 25 الفا منهم الى كندا والولايات المتحدة خلال سنتين، تلاها عملنا مع الجاليات العربية وطرد البعثيين الفلسطينيين واعوان صدام من السيطرة مركز الجالية العربية التي كانت تحتفل حتى بيوم ميلاده، ووقفت معنا الجاليات من مصر وسوريا لبنان وكافة الجاليات العربية ، تلاها تشكيل هيئة التنسيق بين الفعاليات العراقية وتضم الجميع من المستقلين (وهم نحن ) والشيوعيين الى حزب الدعوة والاكراد والتركمان والاشوريين والكلدان، ونظمنا ارسال اطنان من الادوية الى الهلال الاحمر العراقي خلال التسعينات ، تلاها تلاحم عملنا لدعم الدكتور احمد الجلبي ومجموعة السيدة رند الرحيم والدكتور كنعان مكية في الولايات المتحدة لدعم جهود الدكتور الجلبي وفريقه لدفع الكونغرس الامريكي الى اصدار قانون تحرير العراق والذي تم عام 1998 . لقد تعلمنا درس الاعتماد على النفس منذ اغتيال انتفاضة اذار ، وكذلك عرفنا اهمية الدور الدولي والعربي للتخلص من صدام ، فهو لن يتم دون دعم دولي وعربي ، والاخير لن يتم دون عمل وتحرك على الجميع . وهذا هو ماتم فعلا وشهدنا نتائجه عام 2003 والذي به تم ازاحة هذا النظام الاجرامي عن رقاب الشعب العراقي.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم ، وبعد 32 عاما من الانتفاضة ، و20 عاما من اسقاط النظام الصدامي عام 2003 ، هل كان الاميركيون محقين عندما قرؤا ان العراق سيقع ضحية بيد ايران لو تم ازاحة صدام عام 1991؟ وجوابي هو نعم انهم كانوا محقين كما اثبت الواقع بعد عام 2003 ، ولكننا ايضا محقين ان نحملهم مسؤولية ابقاءه عام 1991 ومنها طالبناهم بتعويض خسائر شعبنا في التخلي عن مسؤوليتهم.
ولكني وفي اعماق نفسي اعرف الجواب الاحق من الاثنين: ان من هيأ لوقوع العراق فريسة بيد الايرانيين هم ليسوا الامريكان ، بل هو صدام نفسه، مثلما اليوم هو الاسد في سوريا، حيث قوض كل اسس واركان البنية الوطنية العراقية وهدم معالمها وثقافتها ومؤسساتها على مستوى الفرد والمجتمع والدولة التي قام بتحزيب مؤسساتها وجعلها صدامية بعثية لا تدين بالولاء للوطن بل له ولكرسييه، ومنه سهل على اتباع ايران مهمة السيطرة : مجرد تبديل اعوان صدام عليها بأعوان ايران باسم مظلومية الشيعة، ثم تحول الامر الى محاصصة الحرامية بين الاطراف الثلاثة والقضاء تماما على الوطنية العراقية والمساواة بالنهب والفساد بين الجميع ،وتحول العراق الى ضيعة ايرانية اشترتهم جميعا في ساحة مستباحة العرض بكثر الفاسدين.
هل يمكن لنا بعد اليوم ان نتوجه لطرف دولي للمطالبة بحقوق العراقيين، ولمن نتوجه ، اميركا تقول انكم شعبا ناكرا للجميل ، حرضتمونا على ازاحته ثم تلوموننا على ما طلبتم وخرابكم تدعونه مسؤوليتنا ، وجعلتم وطنكم ايرانيا ، وسيقول نفس الامر الجميع عربا وغربا وشرقا ، وهم جميعا محقون ، والسؤال هو ما ذنب هذا الشعب المسكين الذي دفع دوما ضريبة باهضة وهو لايرى غير تسلط العصابات بانواعها الصدامية البعثية بالأمس والعصابات الولائية اليوم ؟ وكلهم يهتف بتحرير فلسطين وجميعهم فاسدون وقتلة وحرامية ، شعاراتهم تارة باسم الامة واخرى باسم الله والمظلومية ، وكلاهما باسم تحرير فلسطين ، والضحايا دوما من شعب مسكين لايريد غير العيش بامان وسلام كبقية البشر، وسيشق طريقه ،ولكن عليه، اخذ الزمام بيده وعدم ترك مصيره لا للشقاوات ولا لذوي الخواتم ولا لاعتماد على قوى دولية وعربية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فرنسا: هل يتحالف اليمين واليسار لأول مرة لإسقاط حكومة ميشال
.. Débat autour de l-industrie avec Abdeslam Seddiki et Ryad Me
.. Mohammed Benmoussa sur Le Debrief : tout ce qu’il faut savoi
.. سوليفان ينفي نية أميركا إعادة أسلحة نووية لأوكرانيا كانت تخل
.. وزير الدفاع الروسي في بيونغيانغ لتكريم الجنود السوفييت الذين