الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوصيّ

دلور ميقري

2023 / 3 / 15
الادب والفن


هي حكاية، حصلت في فترة الحروب الصليبية، وتحديداً في فترة سيطرة السلاجقة على الشام. لكن المؤرخين المسلمين، المعاصرين لتلك المرحلة، أهملوا ذكر الحكاية لسبب ما؛ سبب، قد ندركه من سياق قراءتنا هذه. أما بالنسبة لمؤرخي الفرنجة، فلعلهم لم يسمعوا بالحكاية أصلاً.
السلاجقة، كانوا أول من أطلق لقب " سلطان " على حكامهم. وكما هو معروف، فإنّ استجلاب هذا النوع من المماليك الأتراك قد جرى في عهد المعتصم، الذي كانت والدته من جنسهم. بعدئذٍ وصل بعضهم لمنصب قائد الجيش، وكان من خلاله يستطيع خلع الخليفة العباسيّ أو حتى قتله لو لزم الأمر. في الحالتين، كان القائد السلجوقيّ يحكمُ بغداد بصفته وصياً على العرش؛ بالطبع، ما لو كان وليّ العهد حدثاً بعدُ.
في بلاد الشام، تعددت ممالك السلاجقة ومن ثم دخل حكامها في نزاعات مع بعضهم البعض. ذلك جعلهم يهملون مواجهة الفرنجة، وكانوا أساساً يستمدون شرعيتهم في الحكم بحجّة هذه المواجهة. وحكايتنا، وقعت أحداثها في زمن أحد أولئك السلاطين، وكان يحكم دمشق. ومنذ البداية يتعين التشديد، إلى أن الحكاية تنتمي للأدب أكثر منها التاريخ. وهذه الملاحظة ضرورية، ما لو تذكرنا استياء المؤرخين المسلمين، المعاصرين، من قصص ألف ليلة وليلة، التي قدمت الخليفة هارون الرشيد كرجل ماجن؛ هوَ من كان " يحجّ سنة ويغزو سنة "، بحسب قولهم. وثمة ملاحظة أخرى، أقل أهمية باعتقادي، لكنها ربما تلقي ظلاً من الشك على " تاريخانية " الحكاية: طالما أن الحكاية لم ترد في أيّ مصدر، إسلاميّ أو إفرنجيّ، فكيف يمكن الأخذ بها كواقعة حقيقية؟ وجواباً أقول، أنني قرأتها في مخطوط بإحدى مكتبات الشام، وذلك قبل عقود عديدة. بحيث أنني نسيتُ اسمَ المخطوط، علاوة على أسماء أبطال الحكاية نفسها.
سلطان دمشق، كان يقيم في قصر بقلعتها، الكائنة على طرف المدينة داخل أسوارها المنيعة. كون القلعة المقر الرئيس لأفراد حامية المدينة، فلا غرو أن تكون كلمة قائدهم هيَ الأعلى لديهم. فكأنما السلطان السلجوقيّ، بشكل من الأشكال، كان آنذاك يتبادل الدور مع خليفة بغداد؛ مثلما جرى القول آنفاً عن وضع هذا الأخير مع قائد مماليكه الأتراك. السلطان، كان لا يقل قسوة وشراسة عن قائد جنده، اللهم إلا مع كائن وحيد؛ وهيَ زوجته أم وليّ العهد. ويقال أنها كانت امرأة بارعة الحُسن، فضلاً عما تمتعت به من ذكاء متوقد وشخصية متسلطة. من أجلها ضحى السلطانُ بسرب جواريه، كذلك بحقه الاقتران من ثلاث نساء أخريات. إلا أنها لم تبادله الحب، ولا حتى الشعور بالامتنان أو الإخلاص. بكلمة أخرى، كانت عشيقة رجل آخر. ولم يكن هذا الرجل سوى قائد الجند. ويبدو أن خبرَ هذه العلاقة كان متداولاً بين أسوار القلعة، لكنه لم يصل قط إلى سمع السلطان. ثمة إحتمال أيضاً، بأن سبب موت السلطان في ظروف غامضة، إنما كان للحيلولة دونَ وصول ذلك الخبر لسمعه.
" أعلمُ علمَ اليقين، بأن قاتل أبي هوَ قائد الجند "، كان وليّ العهد يقول لوالدته في بعض المناسبات. هذا الغلام الجميل، بقيَ لسنوات تحت سلطة الوصيّ على العرش والذي يعتقد أنه قاتل أبيه. خشيةً من نقمة عشيقها على الغلام، فإنّ الأم لم تكن تنقل إليه ذلك القول ـ الإتهام. في المقابل، كانت تتهيأ بقلق وجزع لتلك اللحظة، المفترض بها أن تضطر للكشف لابنها أن قائد الجند هوَ والده الحقيقيّ.
كانت قد أضحت في سنّ الأربعين، لما تسنّم ابنها السلطنة رسمياً. جمالها، كان إذاك قد نضجَ كفاكهة الصيف. وكان ابنها شديد الغيرة عليها، بالأخص تجاه قائد الجند، المعتادة على استقباله طوال السنوات المنصرمة بوصفه الوصيّ على العرش. في تلك السنوات، تناهى إلى سمع وليّ العهد شيءٌ من الأقاويل عن العلاقة المشبوهة بين والدته وعدوه. وقد زاده هذا تصميماً على التخلص منه عندما يحين الوقت المناسب. من ناحيته، فبالرغم من أن قائد الجند كان ما فتأ يسيطر على الأمور، فإنه بدأ يستشعرُ الخطر. هكذا كان كلاهما يحفرُ قبرَ الآخر بهدوء ورويّة.
ذات ليلة صيفية حارة، هبّت على حين فجأة عاصفة مترافقة مع وابل من المطر. والدة السلطان، كانت عندئذٍ وحيدةً في مخدعها حينَ اقتحمه الابنُ بطريقةٍ مشئومة. أخبرها بنبرة تحفل بسوء الطوية، أنه قرر التخلص من قائد الجند. حدثها عن شكه المألوف بشأن موت أبيه، لكن كرامته منعته من ذكر شكّه الآخر. كان متعلقاً بشدة بأمه، ولعله لم يصدّق تماماً نميمةَ علاقتها المشبوهة بقائد الجند. على ذلك، أفضى إليها الآنَ بسرّ خطير: أنّ قائد حامية القلعة، أبدى موافقته على خطة التخلص من عدوه.
" قائد الجند، أثبت دوماً إخلاصه لنا؛ فلِمَ ستضحّي به مجاناً؟ "، تساءلت الأم. ثم أردفت، تذكّره بمواقف عديدة تؤيد حجّتها. أنصتَ الابنُ لكلامها، ثم عقّب بالقول باقتضاب وحزم: " يكفي معرفتي بأنه قاتل أبي، الذي لم يكن يشكو من أيّ مرض عندما توفيَ فجأةً "
" وهل تعرف أيضاً، بأن السلطان لم يخلّف غيرك في سنّ متأخرة بالرغم من أنه اقترن قبلي بعدة نساء؟ "
" ماذا تعنين بهذا القول؟ "، سألها الابنُ فيما كان كلامها يصدى في نفسه بوقع غريب. بقيت صامتة، مطرقة برأسها إلى أرضية المخدع، المفروشة بسجادة فارسية ذات رسوم هندسية. أخيراً، وتحت إلحاح نظراته، رفعت رأسها لتقول ببطء: " الحقيقة، أن السلطان لم يكن بوسعه الإنجاب ".
في ظهيرة اليوم التالي، خرجَ المنادي إلى ساحة المدينة، المحاذية للمسجد الأمويّ، ليعلن للخلق نبأ وفاة السلطان الشاب: " ابتلعَ نواة تمر، سببت له الشرقة، القاتلة ". ثم أضافَ المنادي بنبرة أخرى، احتفالية: " كون ابن المرحوم السلطان ما زال رضيعاً، فإن قائد الجند سيكون الوصيّ على العرش ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي