الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق على مفترق الطرق وبداية التحول النوعي

أحمد الناصري

2006 / 10 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


لقد رصد وتابع عدد كبير من السياسيين والمراقبين الوطنيين العراقيين، متابعة دقيقة، إتجاهات الوضع السياسي والعسكري والأمني والمعيشي في بلادنا، وتطوراته وسيره، لحظة بلحظة، والمخاطر الجسيمة التي تهدد الشعب والوطن، من خلال متابعة سياسة الإدارة الأمريكية العامة قبل الحرب والإحتلال وبعدهما، وتصريحات بوش ورايس ورامسفيلد، الى جانب التسريبات والرسائل التي تنشرها الصحف الأمريكية، ومراكز الدراسات الشهيرة، وكذلك متابعة وقراءة التطورات الميدانية، في أرض الواقع، والتراجعات والفشل التام لكل الخطوات المتخذة من البداية الى الآن، وهي المؤشر الحقيقي للوضع وصيرورته، ومواقف الأطراف الأساسية الأخرى، كل ذلك شكل صورة متكاملة، أو شبه متكاملة عن الإتجاهات العامة لسير الأحداث، بينما كان الطرف الآخر يدور على نفسه، ويكرر مقولات وآراء كانت تمثل أحلاماً سقطت وتلاشت تحت أقدام الأحداث العاصفة والدموية، وإذا إستثنينا تصريحات بوش الرخصية والمقصودة، والتي يصر فيها على ( البقاء حتى تنفيذ المهمات )، وإذا تجاوزنا هذه البالونات الكلامية، التي تعكس رهان شخصي له، وعناد صبياني وإصرارعلى عدم الإعتراف بالواقع والوقائع الجديدة، لإسباب عديدة، من أبرزها الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة، لكننا إذا ما تعرفنا على نشاط بوش الحقيقي، للوصول الى حلول تساعد في نجاح خطط الإحتلال، أو تقليل الخسائر، أو الهروب الكبير والفوري من المستنقع العراقي، أي إستبدال السياسة الحالية الفاشلة إستبدالاً كاملاً، عندها نعرف موقف بوش الحقيقي، وليس الإعلاني الموجه للداخل الأمريكي، أو محاولة إستنفاذ كل الوقت الطبيعي المسموح به عملياً، أو المتبقي له، مع معرفة إن الإحتلال لايزال يدير عملية السطو والسيطرة التامة على الثروة النفطية في بلادنا . كل هذه المقدمات والنتائج الى جانب الأهداف والطموحات الوطنية المشروعة، شكلت الأساس المتين والصلب للموقف الوطني العام من الحرب والإحتلال، وجميع التفاصيل الأخرى، وتقديم التصورات والحلول الوطنية المطروحة للخروج من الأزمة الوطنية الشاملة .
التحولات والتبدلات النوعية الجارية على الموقف الأمريكي في بلادنا، جاءت بسبب الفشل التام والمأزق الحقيقي الذي يعيشه الجيش الأمريكي في المستنقع العراقي، من هنا بدأ التراجع التدريجي لكن البطيء، وأجبرت الإدارة الأمريكية على التخلي عن مبدأ فرض السيطرة العسكرية المباشرة، بعد إن أصبحت مستحيلة، ثم تخلوا عن صناعة وبناء واحة الديمقراطية في العراق، التي سوف تتمدد لتشمل الشرق الأوسط القديم أو الجديد، وإطلاق أكبر عملية إصلاح أمريكية في المنطقة، وتوفير الأمن وإيقاف الإرهاب، وتنازلوا عن تشكيل حكومة عميلة وتابعة من النوع التقليدي، ومن طراز تجارب أمريكا اللاتينية، بما يحلم به أزلام مثل أحمد الجلبي أو أياد علاوي، وإعادة إعمار البلاد بواسطة الشركات الأمريكية، والإدعاء بحل الأزمات والمشاكل المتفاقمة، وقد سقطت جميع هذه الخيارات... ولكن علينا عدم التوهم من أن العدو، فقد كل أمكانياته أو تكتيكاته أو مناوراته، ولعبه على أوراق أخرى خطيرة، وعودته من الشبابيك أو الأبواب الخلفية والدوارة، بسبب الإنقسام العراقي الداخلي، والتداخل والتشابك الإقليمي الخطير ؟؟ !!
إن التسريبات الكثيرة والمثيرة من تقرير لجنة بيكر، هي عملية مقصودة بكل تأكيد، ولا يوجد أحد يستطيع أن يخترق خزانة بيكر أو يصل الى حافظة أوراقه الشخصية، لينشر ما نشر، من دون موافقته وعلمه، بهذا الشكل المقنن والمدروس، ربما هي عملية إستباقية للتخفيف من الصدمة التي سيخلفها نشر التقرير بالكامل، وحقائقه المثيرة، ولقياس ردود الفعل عليها، كما إنه سوف يسهل عملية طرح الآراء الواقعية والإعتراف بحقيقة الوضع، فقد قال رامسفيلد مالم يستطع أن يقوله قبل تقرير بيكر، حيث قال : إننا لم نربح الحرب في العراق، لكننا لم نخسرها ( حزورة جديدة )، والكلمة الأخيرة زائدة ومقصودة للتخفيف من جوهر الإعتراف الأول، كما إن بلير تشجع، وهو يمهد لسحب القوات البريطانية، بعد إن تخفى وراء تصريحات صديقه رئيس أركان الجيش البريطاني .. وكما كتبت سابقاً فإن جوهر التقرير هو( الإعتراف بالفشل التام في العراق، وإن العراق يتخبط في فوضى عارمة )، سيقول عنه نفر من المرتزقة، ممن تحطمت آمالهم وأحلامهم الفاسدة، في الحصول على رتبة مستشار ... عند هذا أو ذاك، حيث كان التدافع بالمناكب على هذه الوظيفة المخزية، والتسابق في عرض الخدمات والشهادات والكفاءة، مثلهم مثل سفراء الجملة، حسب الكفاءات العائلية والقومية والطائفية والعشائرية، وكذلك من قام بتدبيج الرسائل المغلقة والمفتوحة والبرقيات، للحصول على الإمتيازات والعطايا، مهما كانت صغيرة وتافهة وغير مشروعة، هؤلاء سيقولون، من أن التقرير غير رسمي، وغير نهائي، وهو مجرد آراء ومقترحات، وإننا ماقبل الفوضى العارمة، ولم نقع فيها الى الآن، وهم يوهمون أنفسهم من جديد، بأن الفرصة لاتزال قائمة لإستمرارهم في خدمة مشروع الإحتلال ، كخدم أذلاء، والوقوف ضد المصالح الوطنية، وهو واجب أساسي يندرج تحت باب الإرتزاق الثقافي والسياسي .
التحرك الجديد بين مكة وعمان مروراً بالإنبار والنجف والمنطقة الخضراء، ربما هو تحرك الفرصة الأخيرة لهذه المجاميع قبل أن يجري رميهم في مكبات التاريخ، ورغم إن الطالباني والهاشمي والمالكي والحكيم، لاينطقون عن الهوى، ولايأتون بشيء من عندياتهم، إنما بوحي يوحى من السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء ومن كيسي الحاكم العسكري، والمخابرات المركزية الأمريكية، ودوائر إقليمية متعددة . لكن ماذا سيحمل الهاشمي للمتواجدين في عمان ؟؟ هل يقبل بشروطهم مثلاً ؟؟ وماذا يملك الذاهبون الى مكة ؟؟ والسؤال الرئيسي هل هذه التحركات تهدف الى التخلص من الإحتلال، وتحقيق الأهداف الوطنية المعروفة، أم إنقاذه ومساعدته على الخروج من مأزقه، وإستعادة المبادرة والسيطرة على الوضع من جديد ؟؟ وهي مهمة قذرة، لكنها مستحيلة ..
لايملك المالكي ولا الهاشمي ولا الطالباني، أي شيء حقيقي في هذه اللحظة الخطيرة، عشية التحول النوعي الجاري في بلادنا، ووقوفه في مفترق طرق، ربما يؤدي به الى متاهات جديدة، بسبب غياب البدائل الوطنية المقبوله والمؤثرة، و بسبب قوة الميليشيات الطائفية، وسلاحها ومالها ودعايتها المتخلفة المقيتة، الى جانب موقف الحركة القومية الكردية، الذي راح بعيداً في أوهامه وإنتفاخه الذاتي المفتعل، وسلوكها المشين في إستغلال الظروف العامة الصعبة والخطيرة التي يمر بها الوطن .
أخيراً فقد أعترف بوش بالتشابه والمقارنة بين الحالة الفيتنامية والوضع العسكري في العراق، وهي مقارنة خطيرة، لما تشكله فيتنام وتعنيه في العقل والشعور الأمريكي، بإعتبارها عقدة كبيرة ناتئة في ضميرهم الجمعي الطري، فكيف إذا تكررت في نسخة عراقية، يبدو إنها أكثر قساوة ووضوح بسبب التطور الإعلامي الهائل، وسرعة النقل، ووضوح الصورة، ومعانيها المباشرة، التي تصدم العين والروح دفعةً واحدةً، وتلخص آلاف المقالات أو النشرات الإذاعية الصوتية . هل هذه المقارنة بداية للإعتراف بالهزيمة ؟؟ أو هو يسعى لتمهيد نفسي لتقبل الهزيمة، بعد أن يعيد التاريخ نفسه، حسب مراسلة ال بي بي سي في واشنطن !!
هكذا تتجمع خيوط التطورات والأحداث، لتجبر الجميع على النظر والإقرار بالتحولات النوعية الأساسية، التي يمر بها الجميع، لترسم صورة لواقع آخر، هو بالتأكيد عكس ما أراده أو توقعه المحتل، وهذا ما أقصده بالتحول النوعي بالتحديد، اما ما سيجري لاحقاً، فهو يحتاج الى رصد ومتابعة دقيقة، لنر ما تفرزه الشهور القليلة القادمة، خاصة بعد ظهور نتائج الإنتخابات النصفية الأمريكية في نوفمبر القادم .
في ظل هذه التطورات النوعية، تزداد الفرص الكبيرة أمام الجهد الوطني الديمقراطي، لإستعادة دوره ومكانته التاريخية، والمساهمة الفعالة في عملية إنقاذ الوطن، مما يتربص به من مخاطر جسيمة، تهدده في الصميم .إن تاريخ وأمكانيات وفرص اليسار العراقي، كبيرة وكبيرة جداً، رغم الخراب والتخريب والظلام الإجتماعي والفكري والثقافي والنفسي، الذي يعشعش فيه الفكر الرجعي الطائفي والقومي الضيق، الذي فشل فشلاً تاماً ومكشوفاً، وساهم في الإحتقان الطائفي والقتل الجماعي والإرهاب المنظم، والعمل على تقسيم الوطن بإسم ديمقراطية مزيفة، ديمقراطية الإحتلال والمحاصصة الطائفية، والفساد والنهب الكبير .. إن اليسار العراقي يمتلك رؤية وطنية وسياسية واقتصادية وثقافية واضحة ومتطورة، تشكل حلاً واقعياً ومقبولاً من أوساط جماهيرية واسعة، يساهم في الخروج من الأزمة الوطنية الشاملة، ومن المحنة السوداء التي يمر بها شعبنا العراقي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجندي الأمريكي موريس مورفنت: انتماؤه الى -كاجان-، مكنه من أ


.. مرشحو الانتخابات الإيرانية: من يصل إلى قوائم الإقتراع؟




.. جنوب أفريقيا: ملف ملكية الأراضي الزراعية يلغم نتائج الانتخاب


.. خامنئي: من قام بعملية {طوفان الأقصى} أفشل المخطط الكبير للشر




.. حماس تنظر بإيجابية إلى مقترح بايدن لوقف إطلاق النار في غزة