الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدى دستورية قانون واردات البلديات رقم 1 لسنة 2023م

منير حمود الشامي
(Munir Alshami)

2023 / 3 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


بداية أن النظام القانوني الموجود في أي دولة من الدول يعد مرآة عاكسة لاستراتيجيتها القانونية، فصياغة النصوص التشريعية لا يعني مجرد وضع نصوص وتصبح قابلـة للتطبيـق العملـي بمجـرد صياغتها، إنما لها مفهوم واسع يتضمن آليات الصياغة التشريعية الصحيحة ، وكيف تساهم في إخـراج القواعد القانونية إلى الحيز الخارجي بشكل يتناغم مع الواقع ويتفاعل مع الحاضر ، فالصياغة التشريعية فن من الفنون القانونية التي تعنى بتحقيـق العدل في المجتمع ، ولذا يخطئ من يتصور أن العناية بالصياغة القانونية تعني مجرد العناية بالشكل أو البناء اللفظي للعبارة او الجملة، مع كامل التسليم بأهمية ذلك، إنما تتجاوز في الحقيقة ذلك المعنى الظاهر، لتغوص في أغوار الفكرة المراد التعبير عنها لمعرفة مضمونها وحدودها، حتى يتسنى للصائغ للكشف عنها في ألفاظ معبرة بكل دقة ووضوح من غير جدال، وكل ذلك في إطار المبادئ والمعايير الدستورية الحاكمة.
والقانون بشكل عام يكون مخالفاً للدستور في محتواه، ليس فقط إذا خرج عن قاعدة دستورية ما، أو نقض قاعدة لها قوة الدستور، وإنما كذلك إذا أخطأ في تقدير الأوضاع الظرفية التي قام عليها القانون. وإذا صدر القانون لتحقيق أغراض لا صلة لها بالمصلحة التي أفترض الدستور أن يعمل المشرع على تحقيقها، فإن القانون يُعتبر مخالفاً كذلك-في حدوده الداخلية-للدستور بالنظر إلى مجاوزة المشرع حدود ولايته انحرافاً عنها. والقضاء الدستوري في تقصيه لعوار مجاوزة السلطة انحرافاً عليها، لن يخوض في النوايا التي أضمرتها السلطة التشريعية فيما أقره من القوانين، ولكنه يستخلصها من عناصر خارجية تدل عليها، مثلما هو الحال في القانون الخاص. ذلك أن التميز بين الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنية، مؤداه أن يكون لكل من هاتين الإرادتين مجال تعمل فيه، وإن خفاء الإرادة الباطنية لتعلقها بالنوايا الكامنة التي لا يعرفها غير أصحابها، لا يمنع من التدليل عليها بالمظاهر الخارجية التي تنشئ عنها. فلا يكون الدليل على انحرافها مباشراً، بل غير مباشر يقوم على القرائن المتضافرة، ومن ذلك مضابط مناقشتها، والأعمال التحضرية للقانون، والوضاع الظرفية التي أنبثق عنها، والرغبة الجامحة لدى البعض في إقراره بغير حوار لمضمونه، وقبوله فوراً بالصورة التي عرض فيها، ومفاجأة المعارضة بمشروع القانون حتى لا تتوافر لها فرصة بخثه، ونظر القانون على وجه الاستعجال دون ما ضرورة، تلك بعض صور من المظاهر أو القرائن المتساندة التي تدل على أن السلطة التشريعية قد خالطتها الأغراض الشخصية سواء كانت دينية أو مذهبية أو عرقية في قانون صدر عنها. فالرقابة على الدستورية هي النتيجة المنطقية لفرائض الديمقراطية المعاصرة، ولا جرم في أن للديمقراطية مفاهيم مختلفة من بينها تلك التي تقيمها عن قاعدة الأغلبية البرلمانية التي جاوزها الزمن، أو على الأقل لم تعد كافية لتأسيس الديمقراطية، ذلك أن الديمقراطية اليوم هي التي تتضمن صون حقوق الإنسان، وتفترض وجود نظم لها فعليتها تكفل لهذه الحقوق احترامها في مواجهة الأغلبية البرلمانية التي قد تنتهكها حتى يفيد الأفراد بأقلياتهم وطوائفهم وألوانهم وأياً كان قدر اختلافهم فيما بينهم.
وعليه نعتقد بأن القانون المذكور قد خالف ما تقدم ذكره في الاتي:-
• أن المشرع لم يراعي الأثار المجتمعية التي يمكن أن تحصل بتشريع ونفاذ هذا القانون، إذ قد يؤدي دون قصد منه إلى استفحال وانتشار تجارة وتعاطي المخدرات في العراق.
• انطباق التشريع على محافظات معينة في العراق دون الأخرى، وفي ذلك مخالفة واضحة وصريحة لمبدأ دستوري هو المساواة وعدم التمييز بين المواطنين المادة (14) من الدستور، فصور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو بتعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا للانتفاع بها.
• أن الأسباب الموجبة لإصدار هذا القانون جاءت بشكل مختلف تماما لمضمون المادة (14/أولا-ثانياً) منه، مما يولد الشعور بانها قد أقحمت في القانون عمداً، فالأسباب الموجبة- يجب أن لا تحتوي على شيء مثير للجدل، وأن يكون إطارها الدستور، بغية الوصول للتكامل القانوني الذي هو هدف المشرع.
• أن الاحتجاج بنص المادة(2/أولاً) من الدستور، هو احتجاج غير منطقي وصحيح، فالتوازن الذي حرص على إيجاده المشرع الدستوري في نص المادة(2/أولاً/ب،ج) هو الاساس. فالنصوص الدستورية لا تتمايز في ما بينها، ولا ينتظمها تدرج هرمي يجعل بعضها أقل شأناً من غيرها أو في مرتبة أقل منها، بل ان الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجاً مترابطاً، وكلاً لا يتجزأ، وتتكامل أحكامه في وحدة عضوية متماسكة.
• يشكل القانون خرقاً للحرية الشخصية التي اباحها الدستور العراقي بما لا يتناقض مع حقوق الأخرين والآداب العامة، وكذلك جاء مخالفاً لنص المادة (46) من الدستور لأنه يمس بجوهر وأصل الحرية الشخصية.
• اختلال الأمن القانوني للدولة العراقية، خاصة وأن هناك العديد من القوانين النافذة التي تنظم وتجرم تعاطي وبيع المشروبات الكحولية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر: قانون المشروبات الروحية رقم 3 لسنة 1931 المعدل، قانون اجازة بيع المشروبات الكحولية رقم 6 لسنة 2001م، قانون هيئة السياحة رقم (14) لسنة 1996المعدل، قرار مجلس قيادة الثورة ( المنحل ) رقم (82) لسنة 1994، قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصب خيام اعتصام دعما لغزة في الجامعات البريطانية لأول مرة


.. -حمام دم ومجاعة-.. تحذيرات من عواقب كارثية إنسانية بعد اجتي




.. مستوطنون يتلفون محتويات شاحنات المساعدات المتوجهة إلى غزة


.. الشرطة الألمانية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لغزة بجامعة برلين




.. غوتيريش يحذر من التدعيات الكارثية لأي هجوم عسكري إسرائيلي عل