الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


همسة اليوم: هكذا علمتني الشطرنج!

محمود عبد الله
أستاذ جامعي وكاتب مصري

(Dr Mahmoud Mohammad Sayed Abdallah)

2023 / 3 / 17
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية



على مدار سنوات عديدة، أصبح لعب الشطرنج جزءا لا يتجزء من الروتين اليومي، حتى أنني صرت أبدأ يومي بــــgame شطرنج (أونلاين) بعد الصلاة وتناول وجبة الإفطار..وبما أني عنيد بطبعي، فلا أسلم بسهولة ولا أقبل الهزيمة ولا أنسى ثأري أبدا..فلو قدر أن غلبني أحد ما، أشعر بالضيق (والتصميم) وسرعان ما أبدأ game جديدة أونلاين لمدة نصف ساعة أخرى جديدة..فأستعيد النقاط التي خسرتها، فيحمسني هذا إلى اللعب مرات ومرات لدرجة أني أتذكر أني في يوم واحد لعبت ما لا يقل عن 20 مرة!!

ولما مارست اللعبة أكثر وشاهدت المزيد من الفيديوهات التعليمية المفيدة في هذا المضمار، وقويت من قدراتي ومهاراتي وتعلمت من أخطائي، كلما زاد إدماني عليها..وقد انعكس سلوكي في لعب الشطرنج على حياتي نفسها وطريقة التعامل والتعاطي مع الصراعات والخلافات والمواقف العصيبة (الضاغطة) التي أمر بها..وصارت لي صولات وجولات ونوادر في هذه اللعبة؛ مثلا في أحد المرات فقدت الوزير queen - وهي أقوى وأهم قطعة على الرقعة..وفقدت أيضا عدة قطع أخرى مهمة..فلم أستسلم resign ولم أيأس، وأكملت الـــgame بكل صبر ومثابرة وإصرار - رغم موقفي الضعيف..حتى تمكن خصمي من ترقية "عسكري" (بيدق) إلى وزير، فصار لديه وزيران two queens يجاربني بهما..المفاجئة (العجيبة) أني تمكنت في النهاية من صرعه checkmate بطابية وحصان فقط!! فتعلمت من هذا الموقف ألا يتسرب اليأس والإحباط إلى نفسي - مهما كان موقفي ضعيفا..وفي كذا موقف آخر كان الخصم فيها متفوقا علي ولديه وزيران وقطع أكثر مني، تمكنت ببعض المناورات maneuvers/tactics بتحقيق التعادل draw بأن أنهيت اللعبة بــــstalemate في مواقف لم يكن لدي فيها إلا الملك King فقط على الرقعة!!

وإذا سحبنا ما ذكرت آنفا على الحياة الواقعية بتشبيهها برقعة الشطرنج chess board، فثمة عدة دروس قيمة في هذا المضمار، أهمها:
1-ألا أيأس أبدا وألا أفقد الأمل ما حييت - مهما كانت الضغوط والمحبطات من حولي ومهما بان الموقف عصيبا..فطالما أني حي أرزق وأتنفس، فلابد أن يكون هناك أمل في انفراجة..ومهما حاول الآخرون استفزازي ببعض الألاعيب والحيل القذرة، علي بالصبر والتحلي بالثبات والحكمة..فمثلما هو الحال على رقعة الشطرنج، قد تنقلب الأمور في غمضة عين بحركة واحدة صغيرة (ذكية)!!

2-أن أخطط تخطيطا بعيد المدى long-term planning، فلا أنظر فقط إلى ما تحت قدمي..وأن أضحي ببعض المكاسب الصغيرة (البسيطة) فأقدمها للخصم عن طيب خاطر على طبق من فضة، في سبيل تحقيق الغاية الأعظم والأهم checkmate

3-أن أساير خصمي (أحيانا) - حسب مقتضيات الموقف - حتى يعتقد أني ضعيف أو ساذج، ثم أفاجئه بحركة (مباغتة) لا يتوقعها ولم تكن في الحسبان..

4-أن الغضب والإنفعال والتسرع ليس علاجا لأي موقف صعب أو مشكلة أو نازلة..فعندما يفقد المرء أعصابه، غالبا ما ستكون تصرفاته غبية (حمقاء) غير مفيدة على الإطلاق!!

5-أن أنسحب (بحكمة) في بعض المواقف (وهذا ليس تنازلا أو ضعفا)، إنما إجراء تكتيكي (مباشر) تتطلبه المعركة في الوقت الراهن تجنبا لأي خسائر محتملة..

6-أن أقاتل إلى آخر لحظة - دون تسليم أو توقف..فلو انتصرت، فهذا ما أبتغي؛ وإن هزمت، فقد هزمت بشرف وعزة (وتعلمت درسا جديدا أيضا) - فالحياة غالب ومغلوب، ويجب أن نسلم بأننا لن ننتصر دائما في كل المواقف والصراعات والحروب..فعلينا أن نتقبل الهزيمة بصدر رحب، ونسعى إلى التأمل في الموقف reflection والتفكير فيه جيدا للوقوف على أسباب الهزيمة، ومعرفة الأخطاء التي وقعنا فيها، فلا نكررها؛ وأن ندرس الإجراءات الواجب اتباعها مستقبلا لتحويل الهزيمة إلى نصر مبين..

7-التوازن balance مطلوب: بمعنى ألا يشغلني تحقيق الهدف والتقدم في الهجوم والإقتحام عن تحقيق الدفاع الواجب عن نفسي defending my king، حتى لا يباغتني الخصم بشيء لا أتوقعه لأني قصرت في تأمين خطوط الدفاع في جبهتي..

8-ألا أترك مجال لبعض الأمور الصغيرة (التافهة) أن تشغلني عن الهدف الرئيس..فقد ينشغل البعض بكسب capturing قطعة تافهة مثل البيدق، وينسى أن الوزير (أهم قطعة) في خطر وعليه حمايته فورا!!

9-ألا أترك المجال للخطر أن يتفاقم حولي فيهدد وجودي..فلا أدع الخصم يخيرني ما بين أمرين كلاهما مر (أن أنقذ الملك أو أضحي بالوزير) - ومن المواقف الشائعة مثلا أن يهدد بالحصان الملك والوزير في نفس الوقت (وكشة الحصان أصعب كشة في الشطرنج، لإنها الحالة الوحيدة التي لا يصلح فيها تحريك قطعة أخرى غير الملك نفسه لأن الحصان القطعة الوحيدة التي تقفز على كل القطع الأخرى - هذا إن لم توجد طريقة ما لأكل الحصان نفسه الذي يهدد الملك والتخلص من هذا الموقف)..يجب اتباع الأسلوب (الدفاعي) المناسب من البداية، فلا تضع أنفسنا في موقف صعب بعد ذلك..

10-أن أضع نفسي مكان الخصم put myself in my enemy s shoes فأفكر بطريقته وأفهم ما يفكر فيه ويخطط له، حتى أستعد لأي حركة مباغتة لاحقا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم