الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداعيات إعلان الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية وإطّلاع أمريكا

أحمد شيخو
كاتب وباحث سياسي

(Ahmed Shekho)

2023 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ونحن نتابع ردود الأفعال وجملة المواقف الصادرة على إعلان الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين وقيادة الحزب الشيوعي الصيني والرئيس شي جين بينغ الذي أعيد انتخابه لولاية ثالثة مدتها خمس سنوات قبل مدة وجيزة، لابد أن نطرح عدة أسئلة، حتى نكون على دراية بالحدث ومضمونه، وبالتفاعل الكبير الذي حدث وأبعاد هذا الاتفاق وتداعياته إن حصل ونجح أو تراجع و فشل، ومنها:

1ـ لماذا تم الاتفاق الآن، وهل الظروف الحالية مناسبة ومهيأة لهذا الاتفاق وماذا عن التحديات أمام تطبيق هذا الاتفاق؟

2-هل يمثل الاتفاق، والرعاية الصينية له، انطلاقة وبداية ظهور للنفوذ الصيني على الساحة السياسية والدبلوماسية في المنطقة والعالم، علاوة على التواجد الاقتصادي والتجاري المؤثر لها، أم أنها رد فعل صيني على ما يسمى الناتو الآسيوي أو تحالف "كواد"؟

3-هل يمثل الاتفاق بداية جديدة في المشهد والنظام الإقليمي في الشرق الأوسط؟

4-ماذا عن الاهتمام والثقل الأمريكي في الخليج والشرق الأوسط، هل هو في تراجع أم لا، أم أن الأدوات والتكتيكات والأولويات اختلفت لديهم في المنطقة والعالم؟

5-هل يمثل الظهور الصيني، فصل جديد من صراعات الهيمنة العالمية والنهب بين الصين وأمريكا على الشرق الأوسط، وما هي مصلحة شعوب ودول الشرق الأوسط في صراعات الهيمنة والنهب والسلطة هذه؟

6-ماهي روية الصين، لقضايا الشعوب والمجتمعات، ولأهمية وضرورة التحول الديمقراطي في دول المنطقة، وماهي رؤيتها للنظم اللامركزية المطلوبة والمناسبة؛ لإدارة التنوع القومي والديني والقادرة على حل القضايا العالقة في الشرق الأوسط.

7-لماذا تحتاج دول وشعوب الشرق الأوسط إلى قوى خارجية للتدخل لحل قضايا ومشاكل المنطقة وماذا عن أولويات التدخلات الخارجية تلك، والتي لا تتوافق مع مصالح شعوبنا ومجتمعاتنا ودول المنطقة؟

8-لماذا هناك حالة نفاق وازدواجية لدى البعض وتفضيل تدخل خارجي على آخر، رغم أن أي تدخل خارجي هو بالنهاية إضعاف للإرادة الوطنية الحرة؟

لا شك أن الإعلان عن الاتفاق يمثل حدث نوعي؛ لأنه اعلن بين قطبين أو دولتين يمثلان امتدادين لأكبر مذهبين أو تيارين سلطويين إسلامين متضادين في التاريخ و العالم الإسلامي؛ منذ النقاش الذي دار في سقيفة بني ساعدة، وثم مع مقتل الخلفاء الثلاثة واستمرار الخلافات وبالأشكال العنيفة والصلبة المختلفة بين الأطراف الإسلامية السلطوية إلى يومنا هذا.

وما زاد من زخم تركيز المراقبين على الحدث؛ أنه حصل برعاية صينية والحزب الشيوعي الصيني، أي برعاية النظام الصيني الذي يمثل نظام تحور من الاشتراكية والشيوعية وتحوّل لتركيب خاص ولقوة عملاقة رئيسية تضخّ روح الحياة في الرأسمالية العالمية وتمضي على دربها وإن كان باسم الشيوعية الصينية، التي استفادت من أخطاء الشيوعية في روسيا سابقاً.

ومن المفيد، أن نذكر أن هذا الإعلان يأتي تزامناً وبعد عدة أحداث مهمة منها:

1إنها تأتي بعد سنة من الحرب والأزمة الأوكرانية، والتي تجسد أحد فصول الحرب العالمية الثالثة، وحالة الاستقطاب الدولي بين روسيا من جهة والمنظومة الغربية بقيادة الناتو وأمريكا وبريطانيا من جهة أخرى علي صعيد الشرق الأوسط والعالم، والتداعيات التي خلفتها هذه الحرب على أمن الغذاء والطاقة العالمي وحالة الاستقرار، وانشغال عدد كبير من القوى العالمية والإقليمية بها والتركيز عليها.

2تأتي مع قدوم حكومة نتنياهو اليمينية، والتي أكدت أن من أولوياتها القصوى منع إيران من امتلاك السلاح النووي، مهما كان وتوسيع اتفاقيات إبراهيم لتشمل السعودية ودول عربية أخرى، لتكون معها وفي جبهتها في حربها ضد إيران.

3استمرار الضربات الإسرائيلية للقوات الإيرانية والمليشيات المحسوبة على إيران في سوريا والعراق، وكذلك تزايد الضربات حتى في الداخل الإيراني، ووجود احتمال لتوسع العمليات والضربات الاسرائيلية وتحولها لحرب أوسع قد تشمل دول المنطقة ومنها دول الخليج، وربما أرادت السعودية حماية نفسها في حال حصول أية حرب محتملة، وخاصة مع وصول تخصيب اليورانيوم لحولي 85٪ والقريبة لـ 90٪ والكافية لصنع القنبلة النووية.

4تأتي مع إجراء حلف الناتو وإسرائيل وأمريكا وبالمجمل إجراء حوالى ٢٧ دولة لتطبيقات عسكرية قبل أشهر في الأردن ومصر واليونان وفي دول وأماكن مختلفة قريبة من إيران كأذربيجان وغيرها من دول الشرق الأوسط، تحاكي صد هجمات عسكرية وأمنية وسيبرانية معادية وتأمين الحماية لدول صديقة وحليفة معينة ولقواعد عسكرية مؤثرة وتخريب منشآت حيوية معادية، وكذلك توافق إسرائيل مع وزير الدفاع الأمريكي الذي زارها قبل أيام لإجراء تطبيقات عسكرية بين أمريكا وإسرائيل.

5إنها تأتي مع استمرار أزمة اليمن والخلافات العربية والخليجية حولها ويأس القيادة السعودية من ضمان أمنها عن طريق القوات والمعدات الامريكية وعدم اقتناع الامريكيين بوجهة النظر السعودية في وضع أمنها في ملحق للاتفاق النووي، وخاصة مع استمرار الهجمات الحوثية وتهديدها لاستقرار المملكة وما تعرضت له المنشآت السيادية السعودية، كالمطارات وحقول النفط السعودية، كمطار أبها وحقل آرامكو وغيرها.

6تأتي مع استمرار التوترات الداخلية الشعبية في إيران واستمرار انتفاضة ثورة المرأة، وعدم تمكن نظام الملالي(الشيعة القومية) في السيطرة الكلية رغم استعمال كل أنواع القوة وتنفيذ الاعدامات بحق المتظاهرين، بخلاف كل الاحتجاجات والمظاهرات السابقة التي كانت اعمارها أقصر.

7يأتي الإعلان والرعاية الصينية بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتزايد قوة داعش فيها وتواجد عدد لا بأس به من الصينين الإيغور معهم وهم على حدود الصين، وبعد الكلام الأمريكي عن تايوان والزيارات الأمريكية المستفزة لها بعد تزايد التركيز على تايوان مع الأزمة الأوكرانية وتشابه الموقف بين دونباس وتايوان مع الاختلافات الكبيرة بينهم.

8وسط توقعات المختصون، في اتساع رقعة تداعيات إفلاس البنك الأميركي(سيليكون فالى) وتأثيرها على بيئة الأعمال والقطاع المصرفي على مستوى العالم.

9تأتي بالتوافق مع قيام قائد الجيش الأمريكي ووزير الدفاع الأمريكي بزيارة عدة دول ومناطق في الشرق الأوسط، كالعراق والأردن ومصر وشمال شرق سوريا وتوجيه رسائل عدة عن استمرار التواجد الأمريكي ووقوفها مع إسرائيل ودعمها في مخاوفها.

تمتلك الصين علاقات اقتصادية وتجارية هامة مع دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية وهي الشريك الاقتصادي الأهم للمملكة السعودية وكذلك للصين علاقات اقتصادية وتجارية مهمة مع إيران، حيث تشتري الصين من إيران والسعودية كميات ضخمة من النفط والطاقة والغاز والصناعات الكيميائية والميزان التجاري والتبادل يؤكد ذلك، وخاصة مع رؤية ٢٠٣٠ لولي العهد محمد بن سلمان ورغبته في تحويل الشرق الأوسط والمملكة السعودية لعالم اقتصادي كبير ومزدهر، ولكن هل يكفي البعد الاقتصادي والتجاري دون الاجتماعي والثقافي والعسكري؛ للعب دور عالمي ومنافسة قوى الهيمنة العالمية في أحد ساحات العالم المهمة، وخاصة أن هذه الساحة أو منطقة الشرق الأوسط هي التي تحدد هوية المهيمن الأول في العالم. ربما يساعد الاقتصاد القوي في لعب بعض الأدوار المهمة ولكن منظومة الهيمنة العالمية وخاصة تطبيقها في الشرق الأوسط تحتاج إلى ثقافة سائدة وأبعاد مجتمعية وفهم للعقلية الشرق الأوسطية الدينية المتجذرة والتحولات المطلوبة وتحتاج وإلى فرض حداثة ومنهجية ورؤية للحياة مكتملة الأركان بالأبعاد الإعلامية والمعنوية والعاطفية واللغوية وهذه لم تتوفر في الظهور والفعل الصيني بعد.

وليس خطأً أن نسأل هل الرعاية الصينية للاتفاق فعل صيني خالص ورغبة في الظهور والتأثير المستقل وذهاب نحو الحلول والاستقرار والسلام، أم أنها وضعت تحت ظروف وشروط أجبرت على التدخل في الشرق الأوسط لحماية نفسها، وعندها تكون تدخلت وتم جرها لساحة وميدان للإيقاع بها، ولذلك لن تكون قادرة على مواجهة التحديات أمام هذا الاتفاق ورسم المشهد الإقليمي كما تريد.

صحيح أن الاتفاق يشير إلى سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ولكن هل السعودية وإيران لديهم الحق والقرار في الكلام عن العديد من الدول في المنطقة التي يتواجد فيها الكثير من الصراعات والتدخلات، أليس هذا تجاوز لسيادة الآخرين وتدخل في شؤونهم، ومن ثم سوف يضمن عدم تدخل إيران في الدول العربية وخاصة أن لها من الأذرع والمجموعات التي تم تنظيمها داخل المجتمعات العربية وخاصة في أماكن تواجد الشيعية والعلويين وحتى الأماكن السنية التي قامت بممارسة التشيع فيها واستغلال أوضاع الناس الاقتصادية السيئة، ،خاصة إن إيران دفعت الكثير من الدم والمال للتوغل والتسلل في هذه الدول وموت قاسم سليماني أحد الشواهد.

ربما يكون هناك خفض لبعض التوترات والتجاذبات وخفض الصوت ونبرة الانتقاد من الطرفين ولكن المشاكل الموجودة وتعدد الدول التي فيها تدخلات إيرانية كسوريا والعراق واليمن ولبنان وغيرهم يصعب الموقف، ربما يكون تركيز السعودية على اليمن وتحقيق انفراجة ولكنها ستكون معززة للنفوذ الايراني وتثبيت للحوثيين، ونعتقد أن يبقى الاتفاق معلق إلا في جزئيات شكلية كفتح السفارات وتبادل السفراء الذين كانوا موجودين أصلاً قبل ٢٠١٦، وخاصة أن الاثنان ليس لديهما مشاريع ديمقراطية، لحل المشاكل العالقة والصراعات الدائرة، وجل تحركاتهم وتدخلاتهم كانت ولازالت لأهداف مذهبية بعيدة عن قبول حالة التعدد المذهبي والتعايش السلمي والاعتراف المتبادل، بل أن كل طرف يرى الآخر وطقوسه وسلوكه الإسلامي بدعة وخروج عن المسار الصحيح.

وعلى الرغم من المواقف المؤيدة من غالبية دول المنطقة وبعض التيارات السياسية والقوى والشخصيات والاحزاب لهذا الاتفاق، ولكن أغلبها عاطفية وأيدولوجية وغير علمية في معظمها وهي نكاية بأمريكا وإسرائيل، وتظل المواقف المشككة من إيران والصادرة من الغرب وعلى رأسها أمريكا إضافة إلى إسرائيل من التحديات أمام إتمام الاتفاق دون مراعاة مصالحهم في المنطقة وأولوياتهم الملحة ونفوذهم، وربما يحاولون إفشال هذا الاتفاق والمنحى؛ إلا إذا كان يخدمهم وهم على إطلاع وعلم مسبق كما ذكره أحد المسؤولين الأمريكيين، ولربما ترى أمريكا وحلف الناتو إن إبعاد الصين وإيران عن مساندة روسيا ودعمها في حربها بأوكرانيا عبر هذا الاتفاق مع السعودية مكسب لها، ولذلك لم تمنع السعودية من الذهاب إلى هذا الاتفاق، وربما أرادت السعودية بهذا الاتفاق توجيه رسالة قوية لأمريكا بأن عليها أخذ طلبات السعودية على محمل الجد؛ ولذلك بعد يوم من الاتفاق وافقت أمريكا على طلب بيع ١٢١ طائرة للسعودية بمبلغ ٣٧ مليار دولار وقول وزير الخارجية السعودية بما معناه أن الاتفاق لا يحل كل لقضايا أي في إطار معين.

ولو تسألنا ما هو موديل الاتفاق والحلول الذي سيتفق عليه السعودية وإيران في حل القضايا وحتى ما هو الحل النموذجي الذي يريد الصين أن يقدم نفسه عبره لشعوب ومجتمعات الشرق الأوسط هذه المرة، صحيح إن الصين تكلمت وتتكلم عن الاستقرار والأمن والتنمية ولكن كيف وما هو الموديل؟ ونحن نعلم المركزية الشديدة الصينية و قضية تايوان والتعويل على العامل الاقتصادي والتجاري فقط والانغلاق الصيني الداخلي وقضية الإيغور المسلمين وشعب تيبت الذي يرى الصين دولة احتلال لأرضه مؤشرات ليست مشجعة، علماً أن أمريكا والمنظومة الغربية هي الأخرى ليست لديهم حلول ديمقراطية لقضايا المنطقة ومجمل تدخلاتهم؛ كانت ولازالت لأجل الهيمنة والنهب بعد تقسيم وإضعاف المنطقة عبر دعم القوميين والإسلاميين كأدوات مفضلة ومطيعة لهم ولأهدافهم في سرقة ونهب المنطقة وثرواتها، وفي السنوات الأخيرة ومع التكنولوجيات الحديثة، تزايدت أدوات السيطرة والتأثير وربما أعادت أمريكا والغرب أولوياتها في الشرق الأوسط وتبينوا أن التركيز على شرق آسيا والصين من المهمات والأولويات الملحة مع عدم إغفال الشرق الأوسط ولذلك عملت على تشكيل تحالف "الكواد" الرباعي أو الناتو الآسيوي(اليابان، أستراليا، الهند وأمريكا) لتحجيم الصين ومواجهته عند اللزوم، مع بقاء تأثير أمريكا في الشرق الأوسط وإن بأساليب وأدوات أقل ظهوراً، وهذا تفسير و مبرر أخر للتدخل الصيني في الشرق الأوسط الذي يهيمن عليه إسرائيل وأمريكا طالما هناك تحالف كواد وناتو آسيوي يهدد الصين ويتدخل في المجال الحيوي الصيني فمن حق الصين التدخل في مشاكل الشرق الأوسط ومجال حماية إسرائيل و حول منابع الطاقة التي تزود الغرب.

والتحدي الأخر أمام الانطلاقة الصينية أنها نظام مركزي شديد مغلق تمثل تركيب رأسمالي وشيوعي متصلب يرى الحياة في الاقتصاد دون البعد الاجتماعي والفلسفي الهام، وهذه بحد ذاتها تمثل عقبة أمام أية رؤية صينية وتفاعل موفق لها لحل قضايا شعوب ودول المنطقة، التي تتطلع لنظم ديمقراطية تعددية وتحولات ديمقراطية في الدول القومية والإسلاموية المركزية التي هي من الأسباب الرئيسية لأزمات وصراعات المنطقة وبين شعوبها والتي تم فرضها لمصالح الهيمنة الخارجية الغربية، ولعل اختصار الدبلوماسية الصين نفسها مع مراكز الدول المركزية وفي الإطار الاقتصادي الرسمي فقط بسبب خوفها من وضعها الداخلي، يشكل تحدي لمقاربة صينية متعددة صحيحة، لأن الدبلوماسية تنوعت وتعددت وتفرعت إلى أنواع مختلفة وأهمها الدبلوماسية الديمقراطية التي تركز على الشعوب والمجتمعات وكل دولة أو شعب أو مجتمع لا تمتلك هذه الدبلوماسية لن يستطيع تحقيق الوفاق وتهيئة الأرضية للحلول وتحقيق الاستقرار على المدى الطويل.

ونحن نتكلم عن مقاربة قضايا المنطقة من قبل القوى والتدخلات الخارجية، لابد أن نذكر البعد الثقافي للمنطقة وإذ لم تستطع امتدادات الثورات العالمية والأحزاب والتيارات المختلفة المرتبطة بها وحركات التحرر الوطنية والتيارات الإسلامية والقومية ودولها والتي تشكل امتداد ومرتبطة بالحداثة الرأسمالية ومن ضمنها الثورة الروسية وتوابعها في العالم الإسلامي من إحراز النجاح الموفق في الشرق الأوسط. فلا جدال في أنّ ثقافة المنطقة لعبت دوراً مهماً في ذلك. أي أنّ ثقافة الحداثة أو منهجية وثقافة التدخلات الخارجية عاجزة عن غزو ثقافة المنطقة أو ترويضها بشكل تام. إذ ثمة مقاومة ثقافية وطيدة في هذا المضمار. هذا ولا ينحصر ذلك في الثقافة الإسلامية فقط، بل إنّ ثقافة المنطقة والتقاليد الديمقراطية المجتمعية وحالة التعدد والتنوع التي تتخطى نطاق الثقافة الإسلامية والقومية، تتصدى بصفتها وريثاً لعصور التاريخ قاطبة، ولاشك أن أي تسلل أو تدخل خارجي لا يكتب له النجاح إذا لم يأخذ هذه الحقيقة التاريخية الاجتماعية.

ولو أردنا فهم خلاف السعودية وإيران واتفاقهم الحالي، فمن الصحيح القول أنهم يجسدون أزمة بقاي المدنيات السابقة وصراعات السلطة الدينية مماثلة ومجسدة في الدولة القومية وصراعاتها وتابعيتها للخارج واستعمالهم الدين كقومية وليس كثقافة وموروث وقيم أخلاقية مجتمعية عليا، وهم بعقليات التسلط والأحادية الإسلاموية وبهياكلهم السلطوية الثيوقراطية غير قادرين على إيجاد حلول شاملة وصحيحة للمشاكل فيما بينهم وللقضايا داخلهم، مهما كانت الرعاية صينية وذات تأثير على الجانبين ومهما كانت الرافعة اقتصادية وذات ثقل وقوة وحضور مالي، لأن منطق الحل في الشرق الأوسط يفرض تجاوز الدولة القومية والإسلاموية إلى حالة التعايش وقبول الأخر المختلف والوصول لمبدأ أخوة الشعوب وحق كل مذهب ودين وأثنية في الحياة بثقافتها وخصوصيتها وإدارة مناطقها ومجتمعها وضمان ذلك في دساتير ديمقراطية وبضمان وجود الدفاع الذاتي والدبلوماسية الديمقراطية كحقوق طبيعية للمجتمعات، ولكن هل العقلية الإيرانية مثلا تسمح للشعوب في إيران بالعمل والنشاط والحياة الحرة والدفاع الذاتي، بالطبع لا مع مشاهدتنا لحالة العنف المفرط التي استعملتها سلطات إيران ضد الشعوب داخل إيران.

ومن الهام ذكر أن الإمبراطوريات والدول الفارسية كانت منذ كيروس قبل الميلاد وحتى اليوم تحارب وتقاتل وتناور خارج حدودها ومتى ما تخل عن الخارج تنهار، فهل ستتخلى إيران الخمينية والخامنئية عن تدخلاتها وأزرعها بالطبع لا، حتى لو أعطت انطباع مغاير فسيكون غير صحيح.

وأيضاً، ما هو الحل السعودي لليمن هل تقبل الوهابية وإن تم ترويضها وتدجينها في السنوات الأخيرة بوجود دويلة شيعية حوثية زيدية على حدودها والشيعة ضمن السعودية ودول الخليج مازالوا من الطبقات الفقيرة والمهمشة. وهل تقبل دول الخليج أن يكون للشيعة العرب في دولهم حرية العمل والنشاط السياسي والديني، وخاصة في البحرين والكويت والإمارات وشرق السعودية، وبالمقابل هل تسمح إيران للعرب في الأحواز بالعيش وفق الخصوصية العربية أو للكرد في غرب إيران(شرق كردستان) بالطبع لا وخاصة أن الاتفاق يركز على وقف الدعم السعودي لنضالات العرب في الأحواز وجيش العدل ولبعض القنوات الإعلامية الإيرانية المعارضة. وعليه، ستبقى الأزمات باقية والنار موجود تحت الرماد، وجاهز للظهور والاشتعال وقت الحاجة واللزوم، من الداخل أو الخارج، لأن القفز فوق القضايا وعدم حلها بشكل ديمقراطي وشامل لا ينهي القضايا الوطنية، وكما أن العقليات الدولتية والذهنيات السلطوية الإسلامية الموجود في الشرق الأوسط لن تقبل بالتشارك والتعايش السلمي، إذا لم يحصل تحول ديمقراطي في المنطقة وبين شعوبها ودولها وضمن قواها السياسية والثقافية والاجتماعية وإن لم يكن هناك دمقرطة للدين أو تجديد للخطاب الديني، فهل تقوم الصين بذلك أم أن الظهور والتدخل الصيني هو أيضاً فصل من فصول الهيمنة وصراعات القوى العالمية والتي لا تهمها سوى مصلحتها.

وعلينا أن نتساءل لماذا تحتاج دولتين في المنطقة ومن نفس الدين إلى تدخل الصين أو أمريكا أو غيرهم حتى يجتمعوا ويتفقوا على حل القضايا العالقة؟

لماذا لا تستطيع شعوب ودول الشرق الأوسط حل قضاياها داخلياً من دون التدخل الخارجي؟

بالطبع هذه أحد أهم الإشكاليات في عدم وجود أرضية الحل وعدم توفر الثقة المتبادلة و المصداقية، رغم وجود مؤسسات إسلامية جامعة للدول المسلمة كمنظمة التعاون الإسلامي في المنطقة و جامعة الدول العربية و غيرها، لكنها غير مؤثرة و هذه تبين حالة الاغتراب والهشاشة و تبين في الوقت نفسه مدى ضعف المؤسسات الإقليمية الإسلامية وتبعية السلطات ودول المنطقة للخارج وعدم امتلاكهم للقرار الوطني و المستقل، وبل أن غالبية الصراعات والمقاربات بين الدول الإسلامية والقومية هي مصاغة وفق رؤية وقوى الهيمنة العالمية ومصالحهم ومطامع الدول الإقليمية الإسلامية والقوموية ومشاريعهم للهيمنة والسيطرة على دول وشعوب المنطقة كتركيا وإيران وإسرائيل وتوابعهم المرتزقة من القوميين والإسلاميين والمذهبجيين.

ويمكننا القول أن الحل الصحيح يكمن في الاتفاق والتوافق بين شعوب ودول المنطقة والاعتراف بالأخر وبتعزيز القواسم المشتركة وثقافة التعايش والأخوة وحل القضايا بالطرق السياسية والدبلوماسية وعبر المؤسسات الديمقراطية ووفق آليات متفق عليها، ووفق التقاليد المجتمعية الديمقراطية وقيم المنطقة الأخلاقية، والأولوية يجب أن تكون في إيجاد حلول ديمقراطية تحافظ على حالة التعدد والتنوع المذهبي والديني والقومي، فهنا تكمن المصيبة وهنا لابد من إجراء عملية التحول الديمقراطي في دول المنطقة وتجاوز المفاهيم الأحادية السلطوية القوموية والإسلاموية و كذلك رفض التدخلات الخارجية وعدم التعويل عليها ومن أية جهة كانت غربية أو شرقية، لا من الصين ولا من أمريكا وغيرهم، مع أهمية مد جسور التعاون والتعارف مع كافة دول وشعوب العالم، فكل التدخلات والقوى الخارجية وتحت أي مسمى أو شرعية فهي بالنهاية تضعف إرادة المنطقة الحرة و لها أولويات ومصالح خاصة بها لا تلتقي مع مصالح وأولويات شعوب المنطقة ودولها وإن بمستويات مختلفة، وما نعانيه أصلاً من الحروب والصراعات والأزمات يرجع في غالبيته لسببين هما؛ التدخل الخارجي وغياب الديمقراطية مع وجود العقلية السلطوية الدولتية التي لا ترى سوى نفسها ولا تسمع سوى صدى صوتها وتعتمد فقط على الخارج وليس لها إلا أهدف طبقة السلطة الفاسدة وفئتها الضيقة الفوقية التي تكون بعيدة عن الشعب ومعاناته وأهدافه السامية في الشرق الأوسط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص