الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسات الالمانية-غير الحكومية-تنظيمات مستقلة ام ترسانة توسع ناعم ؟

الهادي خليفي

2023 / 3 / 18
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


جاء في مقال نشرته جريدة الاخبار اللبنانية بتاريخ الرابع من مايو /ايار من سنة 2013 تحت عنوان " ضابط اردني يُسَوّق اسرائيل عبر المتوسط" ان ضابطا اردنيا متقاعدا اسمه منصور ابو راشد وهو لواء متقاعد ومدير استخبارات اردني سابق قام بتاسيس منظمة تنشط ضمن جمعيات المجتمع المدني الاردني اسماها "مركز عمان للسلام والتنمية "وهو في حقيقته مركز لنشر التطبيع وثقافة الاستسلام ومما يدل على ذلك ويثبته اقدامه في ذكرى حرب الايام الستة (جوان 1967)على تنظيم زيارة رفقة عدد من زملائه من الضباط المتقاعدين على زيارة مدينة القدس المحتلة والاحتفال في موقع "الذخيرة" الذي هزموا فيه قبل اربعة عقود ،ان ما يلفت النظر في هذه الزيارة وما الذي يجعلها مختلفة عن باقي زيارات المطبعين العرب هو راعيها فمن هو هذا الراعي؟
اذا كان مفهوما رعاية ودعم زيارة ضباط "مركز عمان للسلام والتنمية من طرف "منظمة "التعاون الاقتصادي" الصهيونية باعتبارها مستفيدة مباشرة من انخراط الخانعين والمستسلمين والعملاء والخونة من العرب في انشطتها الرامية الى التسويق لاندماج كيان العدو في محيطه الجغرافي فان رعاية وتمويل مؤسسة "فريديريش ايبارت"الالمانية لمثل هذه الانشطة هو ما يثير ويبعث على التساؤل عن حقيقة هذه المؤسسة وغيرها من التنظيمات الالمانية التي يزداد تدخلها وتاثيرها في مجتمعاتنا العربية وفي توجيه وعي الاجيال والانزياح به عن ثوابتها .
تصنف المانيا ضمن الدول الغربية الراسمالية ذات الارث الاستعماري وهي رغم دخولها ذلك العصر (الاستعماري) متاخرة عن القوى التقليدية كهولندا وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا نتيجة تاخر التحاقها بالثورة الصناعية و رغم تاخرها في تحقيق وحدتها الجغرافية والسياسية (لم تكتمل مقومات الدولة القومية فيها الا في 1871)فانها استطاعت ان تغنم بعض المستعمرات في سوق توزيع العالم بين المفترسين الاوروبيين ،وكان من بين اسباب اندلاع الحرب العالمية الاولى نهمها وجشعها ورغبتها في توسيع مجالها الاستعماري . وبعد هزيمتها سنة 1918 وفرض عقوبات مذلة عليها من القوى المنتصرة والمسؤولة عن وضع اسس النظام العالمي "الجديد" فانها استطاعت اعادة بناء قدراتها العسكرية على طراز اسبرطة القديمة مشيعة انضباطا عسكريا وروحا عنصرية وقيما تقوم على الايمان بتفوق الجنس الآري وقد استغلت ظرفا تارخيا غرقت فيه مختلف القوى المشكلة للمشهد السياسي العالمي في ازمة اقتصادية خانقة ومدمرة لتتخلص من القيود التي فرضت عليها في مؤتمر فرساي سنة 1919 وتعلن نواياها في توسيع مجالها الحيوي وسرعان ما مرت الى الفعل عن طريق شن الحروب التوسعية (استعادة النمسا ،اقليم السودات ثم كل التشيك ..)وانتهت باعلان الحرب على بولندة سنة 1939 لتبدا الحرب العالمية الثانية ..لقد انتهت هذه التجربة الحمقاء لالمانيا من محاولة ايجاد خارطة مستعمرات لها في موطن المجمع الاستعماري نفسه باوروبا الى هزيمة مذلة والى تقسيمها الى المانيتين واحدة راسمالية خاضعة لقوى الاستعمار الغربية واخرى شيوعية خاضعة لنفوذ الاتحاد السوفياتي ..
عادت المانيا بعد توحيدها في نهاية العقد الثامن من القرن العشرين سيرتها الولى جاهدة من اجل تحقيق التوسع والهيمنة - وهي في ذلك خاضعة لعاهة ملازمة للاقتصاد الراسمالي اذ يؤدي تراكم الرساميل وتضخم الثروات وفائض الانتاج الى الدفع بالسلطة السياسية الحاكمة الى ضرورة البحث عن مجالات لتصريفها – ولكنها مستفيدة هذه المرة من دروس تجاربها السابقة المريرة آثرت اعتماد اساليب مبتكرة في حروبها التوسعية الجديدة مواكبة للعصر تعتمد التخفي والقوة الناعمة .
اعتمدت دولة المانيا الاتحادية في حروبها الجديدة - وهي حروب حقيقية ولكنها غير معلنة تهدف الى توسيع مجالها الحيوي وتحقيق رغبتها في السيطرة على القرار في بلدان العالم "النامي" - على ترسانة مختلفة عن ترسانتها في حروبها السابقة فقد استبدلت اللفتواف والبانتزر والغواصات بترسانة جديدة متكونة من مجموعة من المنظمات "غير الحكومية " والممولة من الحكومة الفيدرالية الالمانية !!!!
تهدف هذه المنظمات الى نشر اللغة والثقافية الالمانية والقيم الاقتصادية للنظام الراسمالي تلك القيم التي تحفظ التفاوت الاقتصادي بين الافراد وتحمي الملكية الفردية وتقوم على جمع ومراكمة الاموال وتقديس آليات عمل السوق وفتح الطرق امام تبادل السلع والاموال والافراد بالاضافة الى منظومة القيم السياسية ذات الألق للتمويه كالديمقراطية وحقوق الانسان والتسامح والسلام والمساواة ...
ومن اكبر الخدع التي عمل ويعمل الاعلام الالماني وتابعيه في البلدان المستعْمَرَة التابعة للعالم النامي على نشرها واشاعتها وصف المنظمات التي تمثل ترسانة المانيا الجديدة وسلاحها الفتاك في اختراق المجتمعات واخضاع الحكومات ب"الاستقلالية" وب"غير الحكومية"مع انها في حقيقتها على العكس من ذلك تماما اذ تحظى كلها بتمويل من الخزينة العامة للحكومة الفيدرالية الالمانية وكلها واجهات للاحزاب السياسية الناشطة في المانيا وفي ما يلي سنحاول استعراض اهم هذه التنظيمات وتعرية لا استقلاليتها والغايات التي تستهدفها دعما للمجهود الديبلوماسي للسياسة الامانية الجديدة :
منظمة "فريديريش ايبارت" هي احدى واجهات الحزب الديمقراطي الاجتماعي وقد اخذت اسمها من اسم مؤسس الحزب وحاكم المانيا بين 1919و1925 وهي فترة تمت فيها اكبر حملة لترويع النشطاء السياسيين اليساريين عبر حملات عنيفة لقمع المعارضة وفيها أُغْتِيل َكارل ليبنيخت والناشطة روزا ليكسمبورغ باوامر مباشرة من فريديريش ايبرت وغوستاف نوسكه زعيما الحزب.
تمتد هذه المنظمة عبر العالم عن طريق اذرع تمثل فروعا لها في اغلب البلدان التي من بينها البلدان العربية وهي تقيم شراكات مع الجمعيات المدنية تخترق من خلالها المجتمعات و تبث اجندتها وتحقق اهدافها معتمدة على عناوين تلك الشراكات ومنها التمويل والتكوين وتبادل الخبرات وتقديم المشورة الخ ...وهي تعمل في كل حال من اجل خلق بيئة حاضنة وثقافة متقبلة وجيل مطبع مع قيم الراسمالية ،راض بما يرسم ويخطط له ولمستقبله موهوم بانه مشبع بقيم الانسانية فيم هو معبأ بقيم السوق والتحلل والقبول بالمستعمر.
وتقيم هذه المنظمة الممولة حكوميا من السلطات الالمانية علاقات مع الكثير من الجمعيات والمنظمات في البلدان العربية ومع تنظيمات في الكيان الصهيوني.
وفي تونس تقيم فريديريش ايبارت اكبر مكتب لها خارج حدود المانيا وتمد علاقات شراكة مع العديد من مكونات المجتمع المدني من اهمها الاتحاد العام التونسي للشغل والمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمرصد التونسي للتحول الديمقراطي ...
ومن المنظمات التي تمثل اذرعا لالمانيا تمارس عن طريقها مختلف اشكال ضغطها الناعم وتطويعها للمجتمعات في بلدان العالم النامي "كونراد اديناور".
تعتبرمؤسسة "كونراد اديناور"واجهة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي وتنسب في تسميتها الى أَوَّلِ رئيس حَكَمَ المانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية وهو سياسي تقلد مناصب حكومية زمن حكم فريديريش ايبارت وكان معروفا بتعصبه لاقتصاد السوق ولمبادئ النظام الراسمالي وبكراهيته للشيوعية حيث زج بالمانيا في عضوية الحلف الاطلسي .
تقيم كونراد اديناور علاقات مع القوى السّياسية اليمينية ومع التنظيمات التي تمثل الاعراف.
ورغم ان التنظيمات الالمانية تحاول ان تظهر بان انشطتها تهدف الى مساعدة مثيلاتها في مختلف البلدان وتقودها العفوية وخدمة القيم الانسانية الا ان توزيعها يبدو ممنهجا وشاملا لكل مناحي الحياة في تلك المجتمعات بل انها تقسم الادوار بينها تقسيما يؤمن خدمة العقيدة الجيوسياسية للديبلوماسية الالمانية فاذا كانت فريديريش ايبارت تخترق القوى التي تنتمي الى اليسار فيم هي تعمل على نشر سياسة التوافق الاجتماعي وتشجيع الخوصصة والسياسات الاقتصادية الهادفة الى اعادة الهيكلة وتسريح العمالة ..فان كونراد اديناور تقيم علاقاتها مع قوى اليمين من احزاب سياسية وتنظيمات الاعراف والغرف التجارية واصحاب المؤسسات الكبرى لتمهيد الطريق امام الحكومة الالمانية وشركاتها المتعددة الجنسيات لابرام الصفقات وتسويق المنتجات ..
اما "هاينريش بول" فهي مؤسسة تستمد اسمها من اسم كاتب الماني يساري النزعة غير منتظم سياسيا حاصل على جائزة نوبل في الاداب وهذه المنظمة تمثل الجناح الخارق للحدود لحزب الخضر والواجهة المدنية لتوجهاته السياسية وهي لذلك تركز في تدخلاتها على اقامة علاقات مع الجمعيات المهتمة بالتغيرات المناخية والمثلية الجنسية والاقليات الاثنية وقضايا المراة والاصلاحات الديمقراطية والتنمية المستدامة ..وهي تعمل في اطار منظومة متكاملة للجهد الدبلوماسي المؤمن للنفوذ الجيوسياسي لالمانيا عبر القوة الناعمة اذ ان كثيرا من انشطة هذه المنظمة يضرب المجتمعات في اسسها التي انبنت عليها فخلخلة مفهوم العائلة المتعارف يضعف المجتمع وييسر اختراقه ومن ثم اخضاعه وتلك غاية الغايات للقوة الناعمة الالمانية متمثلة في اذرعها المدنية "المستقلة" و"غيرالحكومية ".
اما مؤسسة" فريديريش ناومان" فاسسها ثيودور هيوست سنة 1958وهو رئيس المانيا آنئذ تخليدا لذكرى صديقه وزميله في العمل السياسي وقد كان فريديريش ناومان سياسيا ليبراليا ذا نزعة دينية وميول استعمارية اذ كان من بين طموحاته توسيع نفوذ المانيا ومد مجالها الجغرافيا لتسيطر على اوروبا الوسطى .
تمثل منظمة فريديريش ناومان الجناح التوسعي للحزب الديمقراطي الحر وخادما مطيعا لليبرالية في مختلف ارجاء العالم اذ تمتد انشطتها ومساحة نفوذها واختراقها لمنظمات المجتمع المدني لبلدان في جميع انحاء العالم من اوروبا وافريقيا الى اسيا وامريكا ..
وبالتوازي مع ترسانة التنظيمات التي تُدعى زيفا ب"المستقلة" وب"غير الحكومية "وهي المدعومة حكوميا باموال دافعي الضرائب الالمان وتخضع لرقابة حكومتهم الفدرالية وقد عددنا بعضها فان السلطات الالمانية تعتمد ايضا في حربها الممنهجة من اجل التوسع ومدّ النفوذ تحت راية القوة الناعمة على مجموعة اخرى من التنظيمات الرسمية والتابعة لحكومة المانيا كالمؤسسة الالمانية للتعاون الدولي ومعهد غوته والغرف التجارية والهيأة الالمانية للتبادل العلمي ..
لقد كان الهدف في هذا المقال من ذكر بعض التنظيمات الالمانية تعرية الادعاء الكاذب الذي ينشره اعلامها باستقلالها ونشر الوعي بين المواطنين العرب وتكويناتهم الاجتماعية بخطر اهدافها وغاياتها و التنبيه الى منع الاستسلام الى ما تروجه من شعارات انسانية براقة تخفي حقيقة مرة ان المانيا قوة استعمارية تسعى الى "التوسع الناعم "وانها من اكبر الداعمين على مستوى العالم للعدو الازلي للامة العربية وهو الكيان الصهيوني وان الحكومة الالمانية هي من يرعى مصالح هذا الكيان في البلدان العربية التي لا تقيم معه علاقات دبلوماسية بمقتضى اتفاقية رسمية موقعة سنة 2014 وعبر هذه التنظيمات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس وإيطاليا توقعان 3 اتفاقيات للدعم المالي والتعليم والبحث


.. #إندونيسيا تطلق أعلى مستوى من الإنذار بسبب ثوران بركان -روان




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار التي خلفها الاحتلال بعد انسحابه من


.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش صفقة التبادل والرد الإسرائيلي عل




.. شبكات تنشط في أوروبا كالأخطبوط تروّج للرواية الروسية