الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التتارُ آلجدد

عبد الله خطوري

2023 / 3 / 19
الادب والفن


في "صحراء التتار" للايطالي دينو بوزاتي (1906 - 1972) التي نشرت للمرة الأولى عام 1940، نحن بمعية ضباط وجنود في محميتهم وقلعتهم العتيدة على الحدود يترقبون هجوم عدو محتمل قادم من بعيد.إنهم في أماكنهم واقفين يتربصون تقتاتهم لحظاااات تتعاقب بتثاؤب رتيب.عيونهم واجفة ترنو الى أفق قريب سحيق حيث يمكن أن يعن هجوم ما مباغت في أي لحظة، غير أن العدو المرتقب لا يظهر.. تبا..اوووف..أولائك المهدِدون الغزاة الطامعون ذَوُو الأشداق المفتوحة لا يظهرون.. وحده خواء الفلاة وفراغها يقتحمان البآبئ،والريح آلصرصرُ تهب من كل حدب وصوب تزمجرُ.تطمس العواصفُ المتعاقبة والتيارات المتشابكة شغافَ القلوب الواجفة، بطوق عَدَمي تطوقها، لا خلاصَ منه، ليظل"سكان"الحصن الحريصون عليه سجناءَ قلعتهم بأسوارها الشاهقةالسميكة المدكوكة، سجناء آنتظار قميئ لا يشهر حربا لا يعلن سلما، لا يهاجمهم أحدٌ، لا يفسد خلوتهم آلواجفة أحد، وحده سراب خواء الامتداد يحاصرُ مُقَلَهم ليزيد الأمرَ التباسا..كل شيء هادئ في الميدان آلشرقي في آلميدان الغربي في جميع الميادين..لا زحف لا كَرّ لا فرّ لا عراك لا مباغتة لا توغل لا مخاتلة لا مناورة لا خشخشة لا حركة لا تشابك لا صياح لا صراخ لا وجيبَ قلوب تسرع في النبضان..لا شيء من كل ذلك لا شيء..لقد وقع الجميع، إذن،ضحية توجس خوف وهم جماعي من قدر ماحق آت لا محالة آسمه:مجهول لا يأتي...وها هي الأيام والليالي والشهور والسنون تمضي، والتاريخ يطوي التاريخَ يقفو الزمنَ الزمنُ، يتسارع، وأطلال الجنود هناك في برجهم المُحَصَّن يرنون من نوافذ أغْلقتْ فتحاتها،لا ريحَ يلج الردهات لا رُواءَ لا أشعة شمس تنساب لا نسيمَ يتسلل لا ثقة في هواء أو ندى أو رذاذ أو عيادة أو عزاء، لا أمل في أمل أو رجاء..يقبع القابعون في معاقلهم بحرص آحتراس يترقبون عدوا لا يبدو للعيان؛والحياة تغدو عبثا ثقيلا، ضياعا، كابوسا بيكيثيا كافكاويا..إن الانتظار عند هذين الأديبين ومَنْ لف لفهما (١) مشكلة وجودية فردية قد تعبر عن حالة انسانية جماعية؛ لكنها في"صحراء التتار"الذين لا يأتون، الترقب يتكثف يتكدس يصبح إشكالية جماعية مشكلتها خيبة توقعات بُنيتْ على آفتراضات خاطئة تَعد بحساسية غير متوازنة العدة لعدو قادم من بعيد من وراء حدود البراري والبحار كما جرت العادة في تجارب خلتْ..للي عضو الحنش كيخاف من الحبل..والحال، أن التهديد ظل صدى تاريخ عاشت ويلاته المدينة دون أن ينال من عنفوانها وكبريائها القليل أو الكثير؛وتستمر اللحظات المعيشة تتوقع الضربات النائية البعيدة، دون ان يحدث شيء،فيتبخر زمن الانتظار مخيبا آمال الانتظار، وهذه الخيبة يتفاقم الشعور بحدتها المتوارثة لأنها تتجدد كل يوم..كل لحظة..لننتبه..إننا نعيش هذه الإحساس بوعي أو دونه في مجمل حيواتنا فردية كانت أو جماعية؛وكلما أسرعت مقطورات الأعمار في خببها اللاهث، كلما آزداد الإحساس تفاقما بهول الانحدار الجارف الذي سيودي بنا بحصوننا التليدة لا محالة في يوم في سنة في نيف من الأقدار في لحظة في ومضة عين في آلتفاتة في غفلة في شرود..بتواطؤ بمؤامرة محبوكة مفضوحة..هاهم التتار قادمون يا سادة، بنسخة جديدة هذه المرة، وهنا المأساة، العدو يبدل جلده، يغير آستراتيجيته والتجارب السابقة في المقاومة والمواجهة والمكابدة لا لن تجدي نفعا، فالغزاة لا يهجمون من بعيد،لا يقدمون من سحيق الأمكنة أو من فلوات آلأزمنة، لقد كانوا دوما معنا، كطفيليات آلفطر نبتوا من بين ظهرانينا في غفلة منا ونحن نترقب التتار الغريب نبت تتار قريب أنتجته نطف نشاز أهل الدار غُرست في زمن غلط، وُلدتْ كما يولد أي هجين مجهول الجينات مطموس البصمات..يُشهر سمه الزعاف كما آتفق، لا حُرمة لميت أو تاريخ،لا منجاة لحي أو جغرافيا من فساده الحانق المستشري، فلنستعدْ لنحترسْ..هم جزء من كياننا يرومون إفساد كينونتنا..لننتبهْ..المعركة مغايرة هذه المرة ولا أحد في ساحة العراك غيرنا...

☆إشارات:
١_تجدر الإشارة أن كاتبا فرنسيا كتب رواية مماثلة سماها شاطئ سِيرْتْ Le Rivage des Syrtes، هو جوليان گراك، نشرت في عام 1951، ورفض منحه جائزة غونغور لأجلها كما رفض نعته بسرقة الفكرة من بوزاتي لعدم آطلاعه عليها الا بعد أن نشرت في فرنسا عام 1949، بينما كتب گراك روايته في 1948 ونشرت في 1951..وتبدو فكرة الانتظار عند كراك مختلفة في فلسفتها عن نظيرتها العبثية لدى بوزاتي وبيكيث وحتى كافكا لتغدو فكرة رومانسية تستحق أن تُخْتَبر وتعاش"بعد كل ما حدث وكل ما لم يحدث، فإن الانتظار جميل..في نهاية المطاف"...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو اكثر شيء يزعج نوال الزغبي ؟??


.. -احذر من صعود المتطرفين-.. الفنان فضيل يتحدث عن الانتخابات ا




.. الفنان فضيل يغني في صباح العربية مقطعا من أحدث أغانيه -مونيك


.. مشروع فني قريب بين الفنان فضيل وديانا حداد وجيبسي كينغ




.. أغنية -عبد القادر- بصوت الفنان فضيل في صباح العربية