الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الفرنسية ــ إعلان حقوق الإنسان والمواطن 26 غشت 1789 و 24 يونيو 1793 ــ حقوق الإنسان والمواطن، كارل ماركس

موقع 30 عشت

2023 / 3 / 20
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ضمن الملف الجديد: "ما يجب أن يعرفه كل مناضل عن النضال الثوري"، الذي افتتحه الموقع سابقا، وضمن خانة "بيانات ومواثيق: النماذج الثورية الأساسية"، يضع موقع 30 غشت نص النموذج الأول من وثائق الثورات الخمس الكبرى، وهو تحت عنوان: "الثورة الفرنسية". كتب مقدماته العامة وليد الزرقطوني، وترجمت علياء نجمي ملحقاته الثلاثة: 1 ـــ إعلان حقوق الإنسان والمواطن، 26 غشت 1789. 2 ــــ إعلان حقوق الإنسان والمواطن، 24 يونيو 1793. 3 ــــ حقوق الإنسان والمواطن، كارل ماركس.
ــــــــ ــــــــ ــــــ
من وثائق الثورات الخمس الكبرى
النماذج الثورية الخمسة
الجزء الأول
النموذج الأول
الثورة الفرنسية
مقدمات عامة:
جرت أحداث الثورة الفرنسية في بلد هو جزء من أوروبا الغربية يدعى فرنسا. كان عدد سكان فرنسا آنذاك 26 مليون نسمة، ومن الناحية الكرونولوجية جاءت الثورة الفرنسية بعد الثورات البريطانية والهولندية والأمريكية، لكنها اعتبرت من طرف المنظرين الثوريين والمؤرخين نموذجا جديدا لكل الثورات البورجوازية.
كانت فرنسا ما قبل الثورة تتميز بنظام سياسي ملكي استبدادي، حيث الملك يجمع بيده كل السلطات، يعين الوزراء ويقيلهم، وهو قائد الجيش وحامي الوطن، ويمثل العدالة، إذن كان الملك في أعلى الهرم في السلطة السياسية، فلا وجود للفصل بين السلط، وكل السلط تتبع له: التنفيذية، التشريعية والقضائية.
كانت هناك في فرنسا حكومة مركزية هي رأس السلطة التنفيذية ويتبع لها مجلس المالية، يرأسه المراقب العام للمالية، وكان هناك مجلس آخر يعنى بمركزة المعلومات والأخبار والتقارير التي يرسلها العمال، ونظرا لأهميته فإن هذا المجلس يرأسه الملك بنفسه، أما السلطة القضائية فيحكمها مجلس أعلى ويسيرها مستشار، وفيما يخص السلطة التشريعية فيرأسها مجلس الطبقات، ودوره يتمثل في القيام بسن القوانين، وهناك كذلك إدارة مركزية وأخرى إقليمية يوجد في قلبها عمال وموظفون آخرون. وخلاصة القول فالملك يتحكم في كل السلط.
فيما يتعلق بالطبقات الاجتماعية وتمثيليتها، فإن التركيبة الطبقية كانت تتشكل من ثلاث مكونات هي:
1 – النبلاء: كان عددهم الإجمالي آنذاك 400 ألف، وتنقسم هذه الطبقة إلى ثلاث فئات:
- النبلاء الكبار (الفئة العليا): عددهم 4000 عائلة، وتقوم امتيازاتها أساسا على جباية الضرائب، كما تحتل المناصب العليا في البناء السياسي في البحرية وفي الجيش، وهي فئة غير قادرة على الانخراط في الأنشطة التجارية أو الصناعية أو في أنشطة معينة مثل التجارة البحرية، أو المؤسسات الصناعية الكبرى، وتدافع هذه الفئة بقوة عن موقعها المهيمن في البلاد لقربها من الملك.
- النبلاء الصغار (الفئة الدنيا): وتنقسم بدورها إلى فئتين:
*الفئة الأولى: تتشكل من نبلاء الريف والمقاطعات، ويطلق عليهم نبلاء المقاطعات.
*الفئة الثانية: وتتشكل من ما يصطلح عليه ب "نبلاء الفستان" ( نوبليس دو روب) ، وتسعى هذه الفئة إلى تعزيز امتيازاتها وحقوقها بكل الوسائل، رغم انفتاحها على أفكار العصر الجديدة، عصر الأنوار، وهي ساخطة على وضع الاندحار الذي تعاني منه في ظل الغنى المتزايد للنبلاء الكبار.
2 – رجال الدين: عددهم 12 ألف، الفئة العليا منهم من أصول نبيلة، أما الغالبية العظمى فهي متوسطة الحال، قريبة اجتماعيا مما يسمى ب "الهيئة الثالثة".
3 – الهيئة الثالثة: تمثل هذه الطبقة الغالبية العظمى من ساكنة فرنسا آنذاك، أي ما يقارب 98 ٪ من الساكنة، وينتمي إليها المياومون في البادية والمزارعون والحرفيون وأصحاب المتاجر والعاملين فيها والعاطلون والمتسولون، ثم البورجوازية المدينية من تجار وبنكيين ورجال القانون، وتتشكل هذه الطبقة من البورجوازية الصغيرة، وهم التجار اللذين يرسلون أبناءهم للدراسة ليصبحوا أطباء ومحامين وأساتذة، وهي من ممثلي الأغلبية في المجالس الثورية، وتليها البورجوازية التجارية المهتمة بالتجارة الدولية، ويرى هؤلاء جميعا، خاصة أنهم منفتحين على أفكار العصر الجديدة، أن الوضع الثابت، في ظل العراقيل والصعوبات الإدارية ضمن نظام سائد وجامد، عرقلة لطموحاتها ومشاريعها. وهناك كذلك بورجوازية الأعمال البنكية والصناعية والمسؤولين الضرائبيين، وعموما فهذه البورجوازية ترفض الوضع القائم لعدم تجانس وضعها وموقعها الاجتماعي مع أهمية نشاطها في الحياة الاقتصادية للبلاد.
إن هذا الخليط المركب الذي تقدمه التركيبة الطبقية للمجتمع الفرنسي ما قبل الثورة، كان يتميز بصراع قوي بين مختلف المكونات، فالنبلاء يدافعون عن البلد وعن امتيازاتهم بالسيف، أما رجال الدين فبالدعاء والصلاة، يمارسون النهب تجاه الفلاحين ولا يؤدون الضرائب ما عدا ما يقدمونه من هدايا للملك، وكان الشعب هو من يدفع الضرائب التي كانت تعرف عدم المساواة، التي أثقلت كاهل البورجوازية المدينية والمزارعين والحرفيين، وكانت عدم المساواة أمام العدالة إحدى مميزات الوضع القائم، الذي ساهم بدوره في تعميق الفوارق الطبقية.
السياق العام للثورة:
كانت فرنسا قبيل اندلاع الثورة تعيش على إيقاع أزمة حادة تهز أركان المجتمع الفرنسي، ومست مجالات مختلفة منها الزراعية والصناعية والتجارية.
لقد تخلصت فرنسا منذ زمن بعيد من المجاعات الكبرى، لكن زراعتها كانت تواجه ظروفا متأزمة بسبب من تخلف التقنيات وسيادة ثقافات بالية و شساعة أراضي البور، إضافة إلى أن الزراعة في هذا البلد كانت تعاني من غياب الهيكلة والتجهيزات التقنية، التي تسمح لها بالتكيف مع مستجدات السوق الدولي. أما الجانب المالي فكان يتميز بخراب خزينة الدولة، ويعود السبب في جزء منه إلى مشاركة فرنسا في حرب استقلال أمريكا من أجل إضعاف غريمتها انجلترا، وعرف شتاء 1788 – 1789 احتدادا للأزمة الاقتصادية واتساعا للفوارق الاجتماعية، وارتفاعا سريعا للأسعار وانخفاضا للدخل، فكان هذا سببا في انطلاق النضالات والتمردات الأولية من طرف الشعب الفرنسي.
كان من نتائج هذه الأزمة أنها وحدت مطالب البورجوازية الوطنية والمزارعين والحرفيين، فبدأت المطالب الشعبية تتركز حول التحرر من حقوق الإقطاعية والضرائب المرتفعة والمطالبة بحق الملكية، كما ظهرت المطالبة باجتماع ما يسمى ب "الهيئات العامة"، التي لم تجتمع منذ 1614.
تحت الضغط الشعبي، تجاوب الملك مع هذا المطلب، فحدد له تاريخ للانعقاد في يوم 5 ماي 1789، وبالفعل وفي التاريخ المعلن، وبالضبط في قصر فرساي، في القاعة الكبرى للأوطيل المسمى الموني بليزير، قام لويس 16 بصفة رسمية بافتتاح الهيئات العامة، وفي كلمات قليلة طلب من النواب مساعدته على تقويم الأوضاع المالية، ولم يدل بكلمة واحدة عما كان ينتظره الجميع، أي وضع دستور للبلاد، وأخذ الكلمة بعده نيكيل وزير المالية، ولم يشر بدوره إلى ذلك المطلب العام، فشكل الأمر خيبة أمل للطبقة (الهيئة) الثالثة، فظهر للجميع أنهم لا يمكنهم تحقيق أي شيء بدون نضال.
هكذا ظهر أن اجتماع "الهيئات العامة" سيكون عاصفا، سواء بالنسبة للهيئة الثالثة تجاه الهيئتين أو تجاه القصر، وعندما طرحت قضية التحقق من سلطات النواب، أي هل تم انتخابهم بشكل طبيعي وقانوني، انفجر الوضع لأن أعضاء الهيئة الثالثة طالبوا أن يتم التحقق في نفس القاعة، ويعني ذلك أن المداولات ستتم عن طريق إعطاء صوت واحد لكل نائب، مما يضمن للهيئة الثالثة الهيمنة في المداولات، وفي نفس الوقت كان هذا يعني التخلي عن نظام الهيئات الثلاث، بما يعني أن الهيئات العامة ستتحول إلى جمعية وطنية، هذا، وقد رفض نواب النبالة (الهيئة الأولى) طلب الهيئة الثالثة، بينما الهيئة الممثلة لرجال الدين لم تعط موقفا واضحا، وحاولت لعب دور الموفق. وبعد شهر من التفاوض دون الوصول إلى تفاهم، وبعد إصدار نداء أخير يوم 10 يونيو قررت الهيئة الثالثة أن تتجاوز الوضعية، وتقوم لوحدها بأعمال التحقق، وفي الأيام التالية التحق مجموعة من رجال الدين (الفئات الدنيا) إلى جانب الهيئة الثالثة. هكذا، وفي يوم 17 يونيو، وباعتبارهم يمثلون 96٪على الأقل من الأمة، أعلنت الهيئة الثالثة نفسها جمعية وطنية، وبقرار جريء، بدأت ممارسة سيادتها، فتطرقت إلى مسألة الضرائب.
لقد شكل هذا العمل الأول الثوري هزيمة لقوة الملك، الذي تم الحد من صلاحياته في مسألة المالية، وبدأ تفتت هيئة المحظوظين، وانضمت الهيئة الثانية في أغلبيتها يوم 19 يونيو إلى جانب الهيئة الثالثة. وجاء الرد الملكي، الذي اعتبر ذلك مساسا بحقوق الملك، وهكذا، وفي يوم 20 يونيو، عندما وصل النواب إلى مقر اجتماعهم وجدوا قاعة لي موني بليزير يحرسها الجيش ومغلقة بمبرر القيام بإصلاحها من أجل جلسة ملكية، وكان قرب تلك القاعة قاعة أخرى تسمى قاعة "لعب الپوم" سيلتجئ إليها النواب الغاضبون. هنا، وبقيادة اتملكي بايالي، وباقتراح من مونيي، أقسم النواب ألا يتم حلهم من طرف الملك كيفما كان المبرر، وأصبح ذلك القسم يسمى "قسم لعبة الپوم" 20 يونيو 1789، وفي حقيقة الأمر، وبرفعهم للأيادي، وفي حالة غضب كبير، أقسم النواب ألا ينفصلوا عن بعضهم وأن يجتمعوا في كل مكان يسمح بذلك، وذلك حتى يتحقق دستور للملكية وعلى أساس صلب، وفي يوم 23 يونيو حضر الملك الاجتماع، فتحدث عن مجموعة من الإصلاحات، وأعلن عن إرادته في الحفاظ على الهيئات الثلاث، كما أعلن عن إلغاء كل القرارات التي اتخذها نواب الهيئة الثالثة، وأمرهم بأن ينسحبوا من القاعة، ومما جاء في الخطاب:
" أيها السادة، لقد سمعتم نتيجة أحكامي و وجهات نظري، وإذا تم، عن طريق قدر بعيد عن فكرتي، تتخلون عني، في ظل مشروع جيد، سأقوم لوحدي فيما يكون في صالح شعوبي، و وحدي سأعتبر نفسي ممثلهم الحقيقي الوحيد ... أيها السادة، آمركم أن تنفصلوا مباشرة، وأن يذهب كل منكم إلى القاعة المخصصة لهيئته من أجل استئناف الجلسات".
أمام هذا التحدي من طرف الملك، انفجر الوضع، وبعد ذهاب الملك، ظل نواب الهيئة الثالثة وجزء من رجال الدين في مكانهم، وهنا نهض المسير ويدعى الماركيز دودروبريزي واقترب من الحاضرين قائلا: "أيها السادة، لقد سمعتم أمر الملك" وجاءه الرد من بايلي رئيس الجمعية، كما صرخ ميرابو بصوته القوي قائلا "إننا لن نخرج من هنا إلا بقوة السلاح"، وهكذا أصبح مصير الأمة الفرنسية بين إرادتين متصارعتين، إرادة الملك وإرادة ممثلي الأمة، و تحمس بعض النواب المنتمين إلى الهيئة الثالثة، مثال لافاييت، الذي سحب سيفه ليمنع الحراس، بينما في الشوارع تردد الجماهير "عاشت الهيئة الثالثة"، ودب الشك وسط الجنود، فقال الملك : "إذن، إذا لم يريدوا أن يذهبوا فليبقوا". لقد انتصرت الجمعية.
بعد هذا الانتصار الأول، التحقت أغلبية الهيئة الثانية، والأقلية من الهيئة الأولى بالهيئة الثالثة، وفي 27 يونيو تراجع الملك، وأعطى أمره إلى الهيئة الثانية والأولى المخلصتين أن تجتمع ضمن الجمعية، وهكذا في يوم 9 يوليوز أصبحت الجمعية الوطنية تسمى الجمعية التأسيسية. هكذا انتصرت الثورة السياسية الأولى، وتوقفت الملكية المطلقة عن الوجود في فرنسا.
ردة فعل الملك:
سيرفض الملك هزيمته، وتحت ضغط كونت آرتوا وأصدقاء الملكة أنطوانيت، دفع للقيام بانقلاب، فبدأ منذ 30 يونيو وصول مجموعات من الجنود إلى قصر فرساي وإلى باريس، وتم الحديث عن اعتقال 60 نائبا، وعن حل الجمعية التأسيسية، وطالبت الجمعية بتفريق الجنود، وكان جواب الملك متعاليا، وقام في 11 يوليوز بطرد وزير ماليته نيكر من فرنسا وشكل وزارة للمواجهة.
ردة فعل الشعب: أيام يوليوز
انتفض شعب باريس لحماية الجمعية التأسيسية المهددة، وكان هذا التدخل الناجح ضامنا لانتصار الثورة، ويوم 12 يوليوز وصل خبر طرد نيكر إلى الجماهير وتحول الأمر إلى انتفاضة، وأصبح مركز الانتفاضة داخل بساتين القصر الملكي، حيث بدأ الخطباء الثوريون، ومن بينهم أحد الكتاب الشباب ويدعى كاميي دي سمولان يدعون إلى الدفاع عن الحرية، الشيء الذي دفع بفرقة من الخيالة بإطلاق النار على المتظاهرين، فكان ذلك سببا في تسريع الانتفاضة، فطالب المنتفضون بالسلاح، وأمام هذا الوضع، التحق الحرس الفرنسي بالشعب، وفي يوم 13 يوليوز وقعت أحداث هامة:
1- تشكل بلدية ثورية في باريس
2 – تشكل مليشيات ثورية
في ظل هذه الأوضاع، حيث كان المنتفضون يقطعون شوارع باريس، قام عشرون من ناخبي الهيئة الثالثة في باريس المنتمين للهيئات العامة بالالتحاق بمسؤول التجار وبأعضاء البلدية، وشكلوا في أوطيل المدينة اللجنة الدائمة، وقامت هذه اللجنة حماية لأمن باريس بتشكيل مليشيا باريسية تضم 12 ألف رجل من خيرة مواطني باريس، اللذين شكلوا العناصر الأولى للحرس الوطني.
الاستيلاء على الباستيل:
بدأت الانتفاضة تتطور، وساعد في ذلك انضمام جماعات من الجنود، وكذلك المواقف السلبية لجماعات أخرى، وكان البحث جاريا عن الأسلحة لمقاومة الملك. وفي يوم 14 يوليوز، قامت الجماهير بنهب أوطيل ليزانفاليد، حيث وجدت الجماهير المدافع وآلات البنادق، ثم توجهت الجماهير إلى سجن الباستيل بهدف الاستيلاء على الأسلحة والذخيرة، وفي محاولة للتفاوض مع حاكم السجن وخلالها، عند منتصف النهار تم إطلاق الرصاص على الجماهير المنتفضة، التي توجهت مباشرة إلى الهجوم، ودعمها في ذلك مجموعة من الجنود، وخلال أربع ساعات من المعارك، حيث سقط حوالي 200 من المنتفضين أو جرحوا، استسلمت الفرقة التي تحمي الباستيل، وقامت الجماهير بقتل حاكم القلعة المسمى لوناي، وتم الطواف برأسه ورأس أحد التجار الذي اعتبر خائنا هو كذلك، وعينت اللجنة الدائمة بايلي كرئيس للبلدية الثورية، ونصبت لافاييت رئيسا للحرس الوطني.
لقد شكل الاستيلاء على قلعة الباستيل حدثا حاسما أدى إلى سقوط السلطة المطلقة والنظام السياسي والاجتماعي القديم، وأمام هذا الوضع استسلم الملك، فجاء يوم 15 يوليوز إلى مقر الجمعية الوطنية ليعلن للنواب حله لمجموعات الجنود، كما قام في يوم 16 بالنداء على نيكر ، بينما يوم 17 بدأ كونت آرتوا و آل البولينيك، ومجموعة من حاشية الملك الأكثر تورطا في الأحداث بالفرار إلى الخارج، بينما توجه الملك إلى باريس، أي إلى أوطيل المدينة، فاستقبله بايلي، وتسلم من يد لافاييت العلم الثلاثي، الأزرق، الأبيض والأحمر، الأبيض هو لون الملك، وهو في الوسط، بالنسبة لألوان باريس الأزرق والأحمر كرمز لفرنسا التي تغيرت.
كان للأحداث في باريس انعكاساتها على باقي الأراضي الفرنسية، وعلى شاكلة التجربة الباريسية تشكلت في المدن بلديات جديدة ومليشيات بورجوازية، التي أصبحت حرسا وطنيا، أطاحت برموز النظام على مستوى الإدارة، وأخذت أشكالا مختلفة.
أعمال المجلس التأسيسي: دستور 1791
في أوضاع فرنسا آنذاك، لم يكن داخل الجمعية التأسيسية أحزاب منظمة على الطريقة الحديثة، أحزاب ذات وجود رسمي، مع رئيس وكتاب وبرنامج محدد، لقد كان النواب يتجمعون حسب آرائهم وتعاطفاتهم الشخصية، وفي البداية لم يكن التمييز يقوم إلا على ما يسمى بالاستقراطيين والوطنيين، فالأولون معارضون للثورة والوطنيون مساندون للثورة، لكن الأمور تطورت فيما بعد وتعقدت، فانضافت مشاكل جديدة، إذ عرف الوطنيون اللذين كانوا يشكلون أغلبية الجمعية انقساما، فظهرت ثلاث مجموعات:
- المجموعة الأولى وتسمى المونارشيون، وكانوا فزعين من عنف الأحداث الثورية، يريدون تعزيز السلطة الملكية، كما كانوا يريدون، على الطريقة البريطانية، إنشاء غرفة عليا لاحتواء الغرفة الشعبية.
- المجموعة الثانية، يطلق عليها الدستوريون، وقد لعبوا دورا أساسيا في صياغة الدستور، وكانوا يحتلون وضعا وسطا، ويريدون الحد من سلطة الملك بدون نزع سلاحه بشكل تام.
- المجموعة الثالثة، وقد شكلت الاتجاه اليساري، تضم عددا قليلا من الوطنيين، أنصار السيادة التامة للأمة، ولا يثقون بشكل كبير بلويس 16، ويريدون إنهاء السلطة الملكية في أقرب وقت.
خطباء الجمعية التأسيسية:
بالنسبة لليمين، يوجد كازاليس، وهو ضابط قديم، لكن أهم خطباء اليمين هو لابي موري، خطيب عنيف، وأحيانا متبدل، رغم أنه رجل دين، ويلقب بصاحب القنابل اليدوية، وبالنسبة للمونارشيين، فخطباؤهم هما مالوي و الكونت كلرمونت طونير. أما بالنسبة للدستوريين، فقد كان لديهم عالم هو بايلي، الذي أصبح عمدة باريس، إضافة إلى الأب سيييس و تالران، وبعض اللبيرالين أمثال الدوق دولاغوشفوكو- لبلنكورت، وخاصة لافاييت، الذي رغم أنه كان خطيبا سيئا، لكنه كان رئيسا للحرس الوطني، وكان يلقب ببطل الحرية في العالمين، وسيلعب دورا مهيمنا. ومن بين هؤلاء جميعا، كان ميرابو، أكبر موهبة خطابية على الإطلاق.
بالنسبة لليسار، كان ماكسميليان دو روبسبيير، محامي وممثل آراس، وقد كان يتميز بالحماسة الثورية في الدفاع عن حقوق الشعب.
وبالعودة إلى ميرابو، الذي كان متفوقا على جميع الخطباء، فإنه كان ممثلا للهيئة الثالثة لإكس أون بروفانس، وقد كان قوي الذكاء والوضوح وواقعيا وذا جرأة كبيرة لا يخجل، عبقرية خطابية، مما جعله ذا تأثير كبير على الجمعية، لقد كان قادرا على الارتجال وتوجيه الردود الصاعقة. كان في أغلب الأحيان يقرأ بصوت ممتلئ ومدوي مع فن بارع، خطابات يتم تهييئها من طرف مجموعة من الكتاب المرموقين، أي ما يسمى بورشته. وقد كان ميرابو خطيب الأمة ضد القصر، فاكتسب شعبية كبيرة، لكن بالرغم من مواجهته للاستبداد، كان من أنصار ملكية قوية، كان يخشى بنفس الدرجة مؤامرات الأرستقراطية ومبالغات الديموقراطية. لقد كان، كما يقول، "المدافع عن السلطة الملكية المنظمة بالقوانين والمدافعة عن الحرية المضمونة بالسلطة الملكية"، ولأنه كان واعيا بقيمته، فقد كان ميرابو يطمح إلى الوزارة، وذلك لقيادة الملك والثورة، لكنه لم يستطع تحقيق ذلك لاشتهاره بلا أخلاقيته، التي كانت تترك زملاءه حذرين. ونتيجة الخيبات التي أصيب بها من زملائه في الجمعية، أصبح المستشار السري للملك، وفي ماي 1790 أصبح في خدمة لويس 16، لم تسمع نصائحه للملك، وفي نفس الوقت أدانت الجماهير موقفه الغامض، وأصبح الحديث عن الخيانة الكبرى للكونت ميرابو. رغم كل هذا وذاك، ونظرا لقوة خطاباته وتفوق عبقريته، حافظ ميرابو على احترام كبير بعد موته في 2 أبريل 1791، الذي أصبح حزنا وطنيا.
نادي اليعاقبة:
خارج الجمعية التأسيسية، كانت المعارك الحزبية تدور داخل النوادي، من بين هاته الأخيرة كان نادي اليعاقبة، وهو الذي لعب الدور الأكبر، وقد تم تأسيسه في شهر دجنبر 1789 تحت اسم "جمعية أصدقاء الدستور"، وقد كان يجتمع في أحد المقرات الدينية، وكان النادي يتشكل في البداية من النواب الوطنيين، وأصبح يضم لاحقا أعضاء لم يكونوا أعضاء في المجلس التأسيسي، وهم من رجال الآداب والفنانين والعلماء والمحامين والأطباء والتجار، نخبة البورجوازية الثورية، لكنه ظل مع ذلك ناديا برلمانيا، حيث تتم مناقشة، بشكل رئيسي، كل القضايا التي كانت تعرض في المجلس التأسيسي.
لم يكتس نادي اليعاقبة أهمية فقط من حيث عدد أعضائه (1100 عند نهاية 1790) بل كذلك نتيجة تشعباته في فرنسا كلها، وتقول الأرقام، أنه في غشت 1790 تم إحصاء150 جمعية منتمية إلى اليعاقبة، وسنة بعد ذلك أصبحت 400 جمعية.
بالنسبة للصحف:
لقد ساهمت الصحف والجرائد في شحن كل العواطف السياسية من كل الآراء، خاصة وأن العراقيل التي كانت ضد الصحافة قد حذفت.
هكذا، ففي وجه العنف الذي يقدمه أقصى اليمين الذي لا يتحدث إلا على إحياء فرنسا في بحر من الدماء (من صحف أقصى اليمين "لي زاكت دي زابوتر" و "لوپوتي غوتيي"، يجيب عنف أقصى اليسار، فإن مارا، في جريدة "صديق الشعب" لا يهاجم القصر فقط، بل كذلك ميرابو و لافاييت و بايي.
ابتداء من 1790 أصدر هبريت جريدة "لو پيغ دو شين"، التي كانت أعدادها تحمل عناوين مقالات عنيفة وقوية بين هذين الطرفين. كان الحزب الدستوري تمثله جريدة "المونيتور"، أما اليسار فقد كان ممثلا ب "لو پاتريوط فرانسي" لصاحبها جاك بيير بريسو، وكذلك "ثورات فرنسا" لصاحبها برابانت، حيث كان كاميل دسمولان يظهر حماسة قوية.
إنجازات المجلس التأسيسي:
لقد كان أمام المجلس التأسيسي مهمتان للإنجاز وهما: منع الانهيار الاقتصادي، ثم ضمان تنظيم فرنسا الجديدة، وقد تحققت المهمتان بعدما تم وضع ممتلكات الكنيسة في أيدي الدولة الجديدة، وذلك في 2 نونبر 1789، أما تنظيم فرنسا الجديدة فسيتم عن طريق دستور1791. بالنسبة لحل المسألة المالية، اقترح تاليران مدعما من طرف ميرابو الاستيلاء على ممتلكات المؤسسة الدينية و وضعها في خدمة الأمة، و قد كان هذا المطلب أحد المطالب التي نادت بها الجماهير في "الدفاتر المشهورة". هكذا، وتحت شعار المصلحة العامة تم الاستيلاء على ممتلكات المؤسسة الدينية، وقد تم التصويت على ذلك بأغلبية كبيرة.
قام المجلس التأسيسي بإصدار قرض من 400 مليون من السندات، أي أوراق من الخزينة بالإمكان تعويضها بممتلكات المؤسسة الدينية، وقد قام المجلس التأسيسي بشرعنة تلك السندات، التي أصبحت بمثابة نقد ورقي، وكان هذا هو الحل لإيجاد موارد، وحل المشكل الموروث عن النظام القديم، هكذا، وضع المجلس التأسيسي 1800 مليون من السندات.
إن إصدار السندات، وربط ذلك ببيع ممتلكات المؤسسة الدينية، والتي أصبحت ممتلكات وطنية، شكل أحد أهم الأحداث الرئيسية للثورة، وقد كان لها أكبر الأثر من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية.
لقد كانت النتائج و الانعكاسات الاجتماعية لهذا القرار كبيرة، ذلك أن المجلس التأسيسي كان يرى أن بيع الممتلكات الوطنية، هو وسيلة لمضاعفة الملكيات الصغيرة، و لتشجيع المشترين ذوي الإمكانيات المحدودة، أعطى القانون آجالا طويلة من أجل الأداء، القانون نفسه الذي نصح بتقسيم الممتلكات الكبيرة إلى أجزاء صغيرة، و قد جرت عملية البيع عن طريق المزاد العلني، و أصيب الفلاحون الفقراء بخيبة أمل لأنه لم يتم توزيع أي أرض مجانا أو بثمن بخس، و قد وجدت الممتلكات الوطنية مشتريها في كل طبقات المجتمع، بل و حتى بين رجال الدين، لكنها بالأساس، سقطت بيد البورجوازية أولا، ثم الفلاحين الأغنياء ثانيا، و قد كان للعملية نتائج سلبية، ذلك أن الأوراق النقدية ستساهم في غلاء المعيشة، ثم أن السندات عرفت نقصا في قيمتها مقارنة بالنقد المعدني حوالي 20٪ عند نهاية المجلس التأسيسي، فأصبح هناك ثمنان، أحدهما ثمن بالسندات و ا لآخر بالنقود، و سيزيد الأمر عندما وجدت الدولة نفسها في حاجة أكبر ، فضاعفت إصدار السندات.
دستور 1791:
لم تتم عملية صياغة الدستور دفعة واحدة، فقبل أيام أكتوبر 1789، كان هناك مشروع قد تم التصويت عليه، وهذا النص الأول للدستور ستتم تكملته بعد ذلك عبر مجموعة من القوانين، وفي شتنبر 1790 قرر المجلس الدمج بين الفصول الأولى والقوانين الجديدة في نص واحد، وانتهى العمل من ذلك في السنة الموالية ولذلك سمي بدستور 1791.
إعلان حقوق الإنسان:
اقتداء بالنموذج الأمريكي، الذي تمت صياغته تحت عنوان "إعلان الحقوق" تمت صياغة إعلان، حيث تم عرض المبادئ والرغبات والمتمنيات، التي جاءت في العديد من الدفاتر، وقررت الأغلبية في المجلس التأسيسي أن تجعل على رأس ذلك الدستور "إعلان لحقوق الإنسان والمواطن".
لقد تم التصويت على الإعلان يوم 26 غشت 1789، وقد تضمن الإعلان تقديما و17 فصلا. تطرق تقديم الإعلان للأسباب التي تكون وراء المآسي العامة و فساد الحكام، التي حددها في الجهل أو نسيان أو احتقار حقوق الإنسان، ثم تحدث عن الحقوق الطبيعية المقدسة، و غير القابلة للتصرف، التي يتم طرحها باستمرار على أعضاء الهيئة الاجتماعية تذكرها باستمرار بالحقوق و الواجبات، و ذلك ليصبح بالإمكان مقارنة أعمال السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية، كما يمكن مقارنتها مع أهداف كل هيئة سياسية، فتصبح مطالب و طلبات المواطنين تعتمد على المبادئ البسيطة، و التي لا يمكن رفضها، و التي تدعم باستمرار الدستور و سعادة الجميع.
لقد تم وضع هذه الحقوق والواجبات على شكل فصول يبلغ عددها 17 فصلا.
-الفصل الأول: جاء فيه أن الناس يولدون ويبقون أحرارا ومتساوين في الحقوق، ولا يمكن للفوارق أو التمايزات الاجتماعية أن تؤسس إلا على المنفعة العامة.
- الفصل الثاني: يتكلم عن هدف كل جمعية سياسية، الذي هو الحفاظ على الحقوق الطبيعية، والتي لا تسقط بالتقادم، وهاته الحقوق هي: الحرية، الملكية، الأمن ومقاومة الاضطهاد.
- الفصل الثالث: ويتحدث عن السيادة التي تقوم في الأمة، فلا يمكن لأي هيئة أو فرد ممارسة السلطة إذا لم تكن تنبثق من هذا المفهوم للسيادة.
- الفصل الرابع: فيما يخص تحديد مفهوم الحرية، قام هذا الفصل بتعريفها على أنها كل ما لا يسيء إلى الآخر، فممارسة الحقوق الطبيعية لكل إنسان ليس لها من حدود إلا تلك التي تضمن للآخرين التمتع بنفس الحقوق، وهذه الحدود لا يمكن تحديدها إلا عبر القانون.
- الفصل الخامس: في هذا الفصل نجد أن القانون ليس له الحق في منع العمال إلا تلك التي تسيء إلى المجتمع، فكل ما ليس ممنوعا من طرف القانون لا يمكن منعه، و لا أحد يمكن أن يلزم بفعل ما لا يأمر به. فما هو القانون؟ هذا ما يجيب عنه الفصل السادس.
- الفصل السادس : إن القانون هو التعبير عن الإرادة العامة، و كل المواطنين لهم الحق أن يساهموا شخصيا أو عن طريق ممثليهم في تشكيله، و يجب أن يكون نفسه بالنسبة للجميع سواء كان يحمي أو كان يعاقب. كل المواطنين متساوين أمامه، و يتمتعون بنفس الحقوق و الكرامة و الأماكن و الوظائف العمومية حسب قدراتهم و بدون أي تميز سوى بفضائلهم و مواهبهم.
- الفصل السابع : نجد فيه ألا أحد يمكن اتهامه أو اعتقاله أو توقيفه إلا في الحالات المحددة عن طريق القانون، و عن طريق الأشكال التي حددها، فكل من يطلب أو ينفد أوامر تعسفية يجب أن يعاقب ، و كل مواطن تم اعتقاله أو استدعاؤه امتثالا للقانون عليه الخضوع في الحين، و يصبح مذنبا إذا قاوم.
- الفصل الثامن : أكد هذا الفصل على أن كل شخص هو بريء حتى يعلن عن اتهامه، و إذا كان من اللازم اعتقاله، فكل صرامة غير ضرورية اتجاهه يجب قمعها بكل قوة عن طريق القانون.
- الفصل العاشر : ورد فيه ألا أحد يمكن أن يتضرر بسبب آرائه حتى و لو كانت دينية، شريطة ألا يشوش تمظهرها على النظام العام المحدد من طرف القانون.
- الفصل 11 : جاء فيه أن حرية التعبير عن الأفكار و الآراء هي إحدى الحقوق الأثمن للإنسان، فكل إنسان بإمكانه أن يتكلم و يكتب و يطبع بحرية، ما عدا في حالة تجاوز هذه الحرية في إطار الحالات المحددة من طرف القانون.
- الفصل 12 : ورد فيه أن ضمان حقوق الإنسان و المواطن يستدعي وجود قوة عمومية ، و التي تقوم من أجل مصلحة الجميع و ليس مصلحة خاصة لأولئك اللذين يتكلفون بها.
فيما يخص الفصل 16، فكل مجتمع لا يضمن وجود حقوق و لا الفصل بين السلط ليس له دستور.
لقد اصبح هذا الإعلان بفصوله المصاغة بشكل واضح و صارم، من خلال مبادئ عامة صالحة لكل البشر في كل البلدان، أي أنها ذات طابع مطلق و كوني، الشيء الذي جعلها برنامجا مشتركا لكل اللبيراليين و الديموقراطيين في كل القوميات.
مميزات دستور 1791:
من المبادئ التي وضعها الإعلان، هناك اثنان شكلا قاعدة للدستور، و هما مبدأ سيادة الشعب، الذي جاء في الفصل الثالث، و مبدأ فصل السلط، الذي طرحه الفصل 16، و الذي تمت استعارته من مونتسكيو.
إن دستور 1791 لم يكن مجرد تصور نظري مستخرج من مبادئ الإعلان، بل كان عملا ظرفيا و توافقا بين المبادئ، التقاليد و الاهتمامات السياسية و الاجتماعية للمؤسسين.
لقد كان لدى اللبيراليين البورجوازيين اللذين شكلوا أغلبية المجلس اهتمامات أساسية:
- الحد من السلطة الملكية من أجل جعل الاستحالة للعودة إلى الاستبداد.
- الوضع تحت الوصاية الجماهير الشعبية، التي كانوا يخشون قلة تجربتها و عواطفها، و بالتالي قرروا أن يضعوا الدستور بأنفسهم بدون نقاش مع الملك، الذي يستلزم لاحقا بقبوله، و سيقررون أن النظام السياسي الجديد، سيكون نظاما تمثيليا، أي في يد ممثلي الأمة، النواب، بدون أن يساهم الشعب بأية طريقة مباشرة في الحكم، و لا إعطاء رأيه في القوانين و لا حتى+ قبول الدستور. إن سيادة الشعب تتحدد في انتخاب النواب.
1)النظام الانتخابي:
تبعا لنصائح الفلاسفة، و نهجا على سير الولايات المتحدة الأمريكية، رفض المجلس التأسيسي الاقتراع العام، و قام بتقسيم المواطنين إلى طبقتين، المواطنون النشيطون و المواطنون السلبيون، و أعطي هذا الحق إل الفئة الأولى، و قام هذا التمييز على شروط الثروة. فمن أجل ممارسة الحقوق السياسية، فلابد للممارس أن يكون مؤديا لحد أدنى من الضرائب المباشرة، و لكي يكون المرء مواطنا نشيطا عليه أن يؤدي مساهمة مباشرة مساوية لقيمة ثلاثة أيام عمل، الشيء الذي أعطى تقريبا ما يزيد قليلا عن أربعة ملايين من المواطنين النشيطين مقابل ثلاثة ملايين اعتبروا سلبيين.
يقوم المواطنون النشيطون المجتمعون على مستوى الكانتون بتعيين هيئة ناخبة، و ذلك بنسبة 1٪، و هذا ينطبق على المواطنين اللذين يؤدون مساهمة مساوية لقيمة 10 أيام عمل، و تقوم الجمعية المشكلة من الناخبين المجتمعين على مستوى أعلى، بانتخاب النواب و القضاء و أعضاء الإدارة و رجال الدين. لا يمكن اختيار النواب إلا من داخل الملاكين العقاريين، اللذين يؤدون مساهمة مساوية لقيمة مارك من الفضة (مارك هو 244 غ من الفضة). هكذا إذن، كان الاقتراع قائما على أداء الضرائب، و في نفس الوقت غير مباشر، أي أن الحقوق السياسية الكاملة لا تملكها إلا الطبقة الغنية.
يقوم إذن دستور 1791 على مبدأ الثروة، حيث يتم اختيار هيئة ناخبة من الأغنياء لاختيار النواب و هم كذلك أغنياء، و يقوم هذا النظام الانتخابي بشكل مباشر على انتخاب هؤلاء الأغنياء للمشاركة في برلمان الأغنياء.
2) السلطة التشريعية:
تنص السلطة التشريعية على أن السلط تمتلكها الأمة، التي تمارسها مباشرة، بحيث تسلم السلطة التشريعية للنواب المنتخبين، بينما تعطى السلطة التنفيذية لملك يرث الملك، و السلطة القضائية لقضاة منتخبين.
هكذا إذن، قام دستور 1791 بتطبيق نظرية الفصل بين السلط و تطبيق مبدأ سيادة الشعب، و ضمن هذا النظام، أعطيت قوة خلق القوانين لجمعية واحدة هي الجمعية التشريعية، التي يتم انتخابها لسنتين، و غير قابلة للحل، و يتمتع أعضاؤها بالحصانة، و لا يملك الملك سلطة حل البرلمان و لا الإطالة في عمره، و يكون من واجب الملك المصادقة على القوانين، التي تتخذها الجمعية التشريعية، لقد أصبحت الجمعية التشريعية سلطة مهيمنة تقرر في كل شيء، أو بالتشاور مع الملك فيما يخص الحرب أو السلام.
3) السلطة التنفيذية:
بموجب هذا الدستور تحول الملك، الذي كان السيد المطلق، باعتباره ملكا لفرنسا، بفضل الله، ليصبح الممثل الوارث للأمة على مستوى السلطة التنفيذية، و قد اتخذ دستور 1791 كل الاحتياطات للإبقاء على هذا الدور الجديد، أي ملكية دستورية.
خلاصة القول، تلكم هي أهم مميزات النظام الجديد، الذي أسس له المجلس التأسيسي، و سيظهر التاريخ أن هذا النظام لم يكن جيدا و قابلا للحياة في كل أجزائه، و لذلك لم يستمر هذا النظام السياسي الذي أسس له دستور 1791 لأكثر من سنة، و قد أدى التنظيم المدني للمؤسسة الدينية إلى انشقاق، ثم الحرب الأهلية. كما كان النظام الإداري يعيش في فوضى، و أدى إصدار السندات إلى غلاء المعيشة و تعميق الأزمة الاقتصادية، ثم قيام هيمنة الأغنياء بالنسبة لممارسة الحقوق السياسية سيجعل الجمعية تخرق مبدأ المساواة، لكن هذا الدستور قد وضع نهاية للاستبداد و التعسف، و أزال الحواجز التي تفصل الفرنسيين عن بعضهم البعض، و وحد مجموعات من الساكنة في أمة واحدة غير قابلة للتقسيم، و وضع لذلك مبدأ المساواة أمام القانون و أمام الضريبة، و أسس لمبد أ حرية العمل. و قد واجهت هذا النظام الجديد صعوبات جمة، حيث قام أعداء الثورة بعرقلة مساره بكل الوسائل. من أخطر المسائل التي اعترضت سيره، ذلك الانشقاق الذي عرفته الكنيسة، نتيجة إلزام رجال الدين بأداء القسم للدستور المدني، فانقسم رجال الدين بين من يقبل بالقسم و من يرفضون ذلك، و مما زاد الطين بلة، قيام البابا پي السادس بإدانة الدستور المدني، و معه كل أعمال الجمعية التأسيسية، و ذلك في مارس – أبريل 1791. هكذا، وقع الانقسام و القطيعة بين الثورة و الكنيسة الكاثوليكية.
في ظل هذه الأجواء المتوترة، بدأت الأفكار الديموقراطية تتطور، لقد عرفت فرنسا منذ بداية 1790، خلق جمعيات وسط أحياء باريس (48 حيا)، و كانت هذه الجمعيات تحمل أفكارا أكثر تقدما من تلك التي كان يحملها نادي اليعاقبة، و من أشهر هذه الجمعيات كانت هناك "جمعية حقوق الإنسان و المواطن"، و من أشهر أعضائها، كان يوجد المحامي دانتون و سانطير، و الصحافيون مارا، دبسمون و هيبيرت، و كانت تضم كذلك أناسا من الشعب من أصحاب الحوانيت و التجار، و كذلك الجزار لوجوندر، أحد أبطال معركة الباستيل. و من أهداف الجمعية إدانة كل نوع من الخرق لحقوق الإنسان، و قد حاربت الجمعية نظام الاقتراع القائم على الضرائب. و كانت الجمعية لا تكتفي بالنقاش السياسي، بل تعمل عبر التحقيقات و الاشتراكات و العرائض و المظاهرات، و كان للجمعية تأثير بشكل رئيسي على العمال في الضواحي، و كانوا مجموعة من الناس المستعدين باستمرار للانتفاض للدفاع عن الثورة.
و في يونيو 1791، توحدت جميع الجمعيات الشعبية في باريس من أجل مطالبة الجمعية التشريعية بإقامة نظام الاقتراع العام (المباشر).
من المعلوم أن الأفكار الجمهورية قد بدأت تنتشر داخل هذه الأوساط الشعبية نهاية 1790، كما بدأ بعض الكتاب يؤكدون على التعارض الطبقي بين الأغنياء و الفقراء، و يطالبون بتقسيم الممتلكات، و هو ما سمي ب "القانون الزراعي"، و أمام انتشار هذه الأفكار أصاب الفزع مجموعة من الوطنيين، فتوحدوا من أجل تأسيس حزب "المحافظة الاجتماعية"، و يقول أحدهم: "لقد تم القيام بالثورة، و الخطر أن تعتقد أنها لم تنته بعد"، و قد قاد هذا الحزب من سموا ب تريون فير، و من أشهرهم لاميت و بارناف و ديبور. هكذا، أصبح هؤلاء اللذين كانوا أعداء للقصر يقتربون منه ليصبحوا مستشارين له.
لقد أصبح الوطنيون اللذين قاموا بإطلاق ثورة 1789 منقسمين إلى مجموعتين متصارعتين، و هذا عندما كانت المخاطر الخارجية تزداد، لتنضاف إلى الصعوبات الداخلية. في ظل هذه الأجواء، انتشرت المؤامرات، التي كان ينظمها أعداء الثورة من الأرستقراطيين، اللذين رفضوا عمل المجلس التأسيسي.
هروب الملك
في ليلة 20 – 21 يونيو، متخفيا في لباس الخدم، فر الملك لويس 16، و معه الملكة و اثنان من أبنائه و أخته، وقد تم تنظيم الهروب بدقة ، بحيث تم وضع مجموعة من الحراس على الطريق لضمان مرور الملك، لكن سيارة الملك الكبيرة الحجم، كانت تتقدم ببطئ، الشيء الذي جعلها تتأخر عن الوقت المحدد، و ساهمت حركات الحرس على الطريق في إثارة فضول السكان، فتم التعرف على الملك من طرف أحد المراكز، فتم اعتقاله في ڤارين يوم 21 يونيو في منتصف الليل، و أعيد الملك إلى باريس تحت مراقبة اثنان من ضباط الشرطة، أرسلتهم الجمعية، و في يوم 25 يونيو عاد إلى قصره وسط جماهير واسعة تنظر إليه نظرة احتقار، و في نفس اليوم قامت الجمعية بتعليق مؤقت لسلطاته. لقد ارتكب الملك خطأ فادحا، فعواطف الإخلاص و الارتباط التي كان يعطيها الفرنسيون لملكهم قد تم تدميرها بشكل كامل.
قامت الجمعية بمنع الملك من ممارسة سلطاته، و تحملت مسؤولية الحكومة. هكذا، و على الرغم منها قامت فرنسا بتجربة الجمهورية، فأدركت أن الملك ليس ضروريا و لابد منه. كان هروب ڤارين دون نتيجة على تطور سريع للأفكار و الحزب الجمهوري.
في هذا السياق، و في مدينة باريس، قام نادي "لي كوردوليي" بقيادة الحركة الجمهورية، و في يوم 22 يونيو أرسل النادي عريضة إلى الجمعية مطالبا إياها بإنشاء الجمهورية في فرنسا، لكن الأغلبية في الجمعية التشريعية رفضت ما تمليه عليها جمعية لي كوردوليي، و قد كانت تخشى من إعلان الجمهورية لأن ذلك سيولد الفوضى الداخلية و الحرب الخارجية. و تحت الخوف من تطور الأفكار الجمهورية، و تحت تأثير الخوف من تطور الأفكار الجمهورية، قررت الإبقاء على الملكية، بل و حتى على لويس 16، و بطبيعة الحال لتبرير موقفها كان عليها أن تبرئ الملك، فأعلنت أن الملك قد تم اختطافه على الرغم منه، و رفضت تقديم لويس 16 للمحاكمة (15 يوليوز) و كان لهذا القرار دورا كبيرا في تقسيم الوطنيين، فمن جهة تشكلت الأغلبية من أولئك اللذين تحت مبرر البقاء مخلصين للدستور، و من جهة أخرى كل أولئك اللذين، جمهوريين أولا، كانوا يريدون سقوط لويس 16 و إنشاء نظام أكثر ديموقراطية.
عرف حزب اليعاقبة نفسه انشقاقا أدى إلى تأسيس نادي جديد تحت اسم "نادي دي فوييون"، و أدى التحريض الجمهوري إلى نزاع مسلح و دامي، عرف ب "إطلاق الرصاص في جادة مارس"، و في يوم 17 يوليوز 1791، قدمت عريضة جديدة تطالب بمحاكمة المتهم، و تنظيم سلطة تنفيذية جديدة، و وضعت العريضة في جادة مارس للإمضاء. و اكتشفت الجماهير رجلين مختبئين تحت هيكل أوطيل لاپاطري، فقامت بتصفيتهما، و استغلت الجمعية هذا الحادث لتطلب من بايلي عمدة باريس الإعلان عن الأحكام العرفية، فتوجه الحرس الوطني، الذي يقوده لافاييت إلى جادة مارس، و عن طريق إطلاق الرصاص، قام بتفريق المتظاهرين.
شكل إطلاق النار هذا، انتصارا للمعتدلين و قمع واسع للمعارضة الجمهورية و الديموقراطية، و اطمأن المعتدلون إلى الوضع الخارجي، ذلك لأن ليوبولد الثاني و ملك بروسيا فردريك غيوم الثاني، اتفقا في غشت 1791 ألا يدخلا قواتهما إلى فرنسا إلا إذا اتفق جميع الملوك الآخرين، الشيء الذي كان أمرا مستحيلا.
في هذا الوقت، كان المجلس التأسيسي قد أنهى أعماله، و لدعم انتصارهم قام لوفويون بدعم سلطات الملك و الحفاظ على الضريبة في المجال الانتخابي، و رفض إدخال الدستور المدني إلى المؤسسة الدينية، و منع تغيير ذلك عشر سنوات. و قدمت الجمعية نص الدستور إلى مصادقة الملك. و في يوم 14 شتنبر جاء لويس 16 إلى مقر الجمعية، و أقسم رسميا باستعمال سلطته من أجل الحفاظ على ذلك، و بطلب منه تم التصويت على عفو شامل، و بعد إعادة لويس 16 إلى عرشه تمت قيادته إلى قصره باحتفاء كبير. و في يوم 30 شتنبر 1791، أعلنت الجمعية التأسيسية نهاية مهمتها و نهاية دوراتها.
الجمعية التشريعية
الحرب و سقوط الملكية
لقد اجتمعت الجمعية التشريعية التي تم انتخابها لسنتين أقل من سنة، و ذلك في فاتح أكتوبر 1791 إلى 20 شتنبر1792.
لقد عرفت فرنسا أوضاعا داخلية صعبة، انضافت إليها الحرب مع النمسا، التي أعلن عنها في 20 أبريل 1792، و شكلت انطلاق صراع لا ينتهي بين الثورة و أوروبا، و كان من النتائج المباشرة لهذه الحرب سقوط الملكية في 10 غشت 1792، و تركت الجمعية التشريعية مكانها للكونفونسيون في نفس اليوم الذي تم فيه توقيف الغزو البروسي في ڤالمي، أي يوم 20 شتنبر 1792.
الاستعداد للانتفاضة:
في الوقت الذي كانت تدور فيه معارك قوية بين اليعاقبة و الجيرونديين داخل الجمعية التشريعية، كان اليعقوبيون و الكوردوليون يهيئون الانتفاضة التي ستسقط الملكية. لقد كانت جماهير الشعب في أغلبيتها في باريس معهما، و انضاف إليهم الفديراليون اللذين جاؤوا من المناطق، و اللذين التحقوا بباريس بمناسبة ذكرى حفل الفديرالية، و من بين هؤلاء الفديراليين، كانت مجموعة تضم 500 شخص من مدينة مارسيليا، ستلعب دورا نشيطا بشكل خاص، و دخلوا إلى باريس و هم يغنون النشيد الحربي، الذي وضعه ضابط من جيش الراين، اسمه روجي دوليسي، و ذلك في مدينة ستراسبورغ، هذا النشيد الوطني الحماسي و الثوري سيسمى منذ ذلك الوقت ب "لامارسييز".
بتوجيه من القادة الثوريين، و من ضمنهم روبيسبيير، أرسل الفديراليون و المجموعات و الفرق الباريسية العرائض تلو العرائض إلى الجمعية التشريعية مطالبين بإسقاط لويس 16، و ستتعزز الحركة الثورية التي أصبحت قوية عندما تم سماع ما يسمى ببيان برونسويك.
بيان برونسويك:
سمي بهذا الاسم نسبة إلى الدوق برونسويك أحد أحفاد فردريك الثاني، و كان القائد الأعلى للقوات البروسية و النمساوية، التي كانت تتهيأ للدخول إلى فرنسا، و قد أطلق بيانه الذي قام بصياغته أحد المهاجرين، و ذلك بطلب من ماري أنطوانيت، و قد كتب البيان بتاريخ 25 يوليوز ، و ذاع خبره في باريس في فاتح غشت، حيث نشر في جريدة المونيتور في 3 غشت، و مما جاء في هذا البيان الشهير، أن القصران لا ينويان التدخل في الشؤون الداخلية لفرنسا، و أنهما فقط يريدان تحرير الملك و الملكة و العائلة الملكية، و أنه بالنسبة لأولئك اللذين سيحملون السلاح من الحرس الوطني، ستتم معاملتهم كأعداء و معاقبتهم كمتمردين على الملك، كما أن سكان المدن و القرى اللذين سيتجرؤون للدفاع ضد جيوش صاحب الجلالة الامبراطور و الملك ستتم معاقبتهم على الفور حسب قانون الحرب، كما أنه على مدينة باريس و كل سكانها بدون تمييز ملزمون بالخضوع على الفور و بدون أجل للملك، و ينطبق نفس الشيء على أعضاء الجمعية الوطنية و الدوائر البلدية و الحرس الوطني لباريس، كما أنه إذا تمت محاصرة القصر أو سبه أو ممارسة أقل عنف أو مساس بصاحبي الجلالة الملك و الملكة و العائلة الملكية، سيتم القيام بانتقام نموذجي، عن طريق تسليم باريس للجيش و لعنف كامل .هذه التهديدات سيكون لها الأثر الكبير في انتفاض شعب باريس و فرنسا، في مد وطني و ضد الملك الذي اعتبر عميلا للأجنبي، و بنداء من روبيسبيير طالبت 47 مجموعة من بين 48 من الجمعية أن تسقط الملك، و بأنه و إلى حدود 9 غشت ليلا إن لم تعلن عن ذلك، فإن الشعب سيفرض ذلك بنفسه. و بما أن الجمعية رفضت فعل أي شيء، جاء الجواب على بيان برونسويك بانتفاضة 10 غشت.
انتفاضة 10 غشت:
في ليلة التاسع إلى العاشر من شهر غشت، بينما كان قائد الحرس الوطني و يدعى ماندا، و هو أحد الدستوريين المقتنعين، كان مسؤولا عن الدفاع عن القصر، يقوم بدوره ذلك، قرعت أجراس التحذير، في هذا الوقت قامت مجموعة من الفرق المنتخبة بتشكيل كومونة انتفاضية، و ذلك في فندق المدينة، و أخذت المجموعة قيادة الحركة. تم استدعاء ماندا ليلا إلى فندق المدينة حيث تم اعتقاله و إقالته و تعويضه بسبانتير أحد محرضي الضواحي. هكذا، أصبح الدفاع عن القصر بدون تنظيم قبل أن تنطلق المعركة، و حوالي السابعة صباحا وصل المارسيليون و فرق ضواحي سانت مارسو إلى قصر توي. في هذا الوقت فر الملك و التحق هو و عائلته بالجمعية، ذلك أنه كان لا يثق في الدرك و الحرس الوطني، الذي كان مكلفا بحماية القصر، و عندما وصل الملك و عائلته إلى الجمعية جلس الملك على يسار الرئيس و توجه إلى الجمعية قائلا:
"لقد جئت إلى هنا لتلافي جريمة كبيرة، و أحس بنفسي دائما في أمان أنا و عائلتي وسط ممثلي الأمة و سأقضي هنا يومي بالكامل"، و أجابت الجمعية الملك بالتصفيق، كما رد عليه الرئيس فيرغنيو قائلا: "إن الجمعية الوطنية تعرف كل واجباتها، إنها تعتبر كشيء عزيز الحفاظ على كل السلطات المؤسسة، و ستبقى حازمة في موقعها، إننا كلنا نعرف كيف نموت".
تصفيقات مرة أخرى من طرف الجمعية، وما أن وصل الثوريون إلى القصر حتى بدأت المعركة، فأطلق الجنود النار عليهم، و بعد لحظة ارتباك، و خاصة بعدما التحق بهم متمردو ضاحية سان أنطوان، انطلقت مدافعهم بكل اتجاه، و دامت المعركة ساعتين، و طارد الثوار الحرس في كل جنبات القصر، و قتل الثوار العديد من الجنود و الحراس (بين 600 و 700).
نتائج انتفاضة 10 غشت:
شكلت أحداث 10 غشت 1792 حدثا شبيها ب 14 يوليوز 1789، و بذلك اعتبرت الانتصار الثاني للشعب، انتصارا، ليس لباريس فقط، بل كانت ذات طابع وطني، حيث شارك فيها فيديراليون من كل المناطق، و عندما تم التأكد من انتصار الثوار ، صادقت الجمعية (حوالي 300 نائب من 750) على الرغم منها على ذلك، و انطلاقا من اعتبارها أن مهمتها قد انتهت، باعتبار أن إحدى السلط قد أقامها الدستور قد تم قلبها من طرف الشعب، و من ثمة أصبح ضروريا اللجوء إلى السيادة الوطنية، و من ثمة، اتخذت قرارا مفاده أن الشعب الفرنسي بدون تمييز بين المواطنين النشيطين و السلبيين مطالب بانتخاب كونڤونسيون (مجلس تأسيسي)، ثم أعلنت الجمعية تعليق سلطات الملك، تاركة للكونڤونسيون مهمة تحديد الإجراءات التي تراها مناسبة لضمان سيادة الشعب و سيادة الحرية و المساواة.
في هذا الوقت، كان الملك و عائلته معتقلين في اللوكسمبورغ، و بما أن السلطة التنفيذية أصبحت شاغرة، فقد تم تشكيل مجلس تنفيذي مؤقت مكون من ست وزراء، من بينهم رولاند، و خاصة دانتون وزير العدل، الذي كان بمثابة الرئيس الحقيقي للمجلس. في الواقع، شكلت هذه القرارات نهاية الملكية الدستورية، و مجيء نظام جمهوري و ديموقراطي، و نال الشعب المساواة السياسية التي رفضها له المجلس التأسيسي، و ذلك بالحصول على الاقتراع العام، و حصل الفلاحون على مجموعة من المكتسبات، و قررت الجمعية بيع ممتلكات المهاجرين و الفارين، و اتخذت الجمعية قرارات هامة تجاه رجال الدين، فالعديد من رجال الدين، اللذين اعتبروا مشبوهين تم اعتقالهم، و تم طرد حوالي 30 ألف رجل دين من فرنسا، كما أن التنظيمات الدينية و غيرها تم إلغاؤها، فانطلقت في فرنسا موجة كبيرة معادية لرجال الدين المسيحيين، و تم بيع قصور الكنيسة و الاستيلاء على ممتلكات الكنائس، و تم منع كل الطقوس الدينية خارج الكنائس، و نفس الشيء بالنسبة لحمل اللباس الديني، و أخيرا، و تحقيقا لمتمنيات المجلس التأسيسي، قامت الجمعية بالسماح بالطلاق و علمنة الحالة المدنية.
لقد كان اليعاقبة يعتبرون أن الكنيسة، التي تقدم لها الدولة أجورا، عليها أن تخضع بكل شرط لكل القوانين التي تقرها الدولة حتى لو كانت مخالفة للمذهب الكاثوليكي.
حول دكتاتورية الكومونة :
كان من نتائج الحركة الثورية ل 10 غشت و قيام دكتاتورية كومونة باريس، و بتأثير منها تطورت إجراءات استثنائية، و هو ما يمكن تسميته بالسياسة الثورية للخلاص العام.
لقد كانت الكومونة سيدة باريس تمثل الشعب المنتصر، و من ثمة اعتبرت أنه بإمكانها فرض إرادتها عل الجمعية التشريعية. هكذا، و على الرغم من قرار الجمعية التشريعية، قامت بسجن العائلة الملكية في برج المعبد. إن ازدواجية السلطة هاته، و تنازع السلط بين الجمعية التشريعية و الكومونة كان قويا و عنيفا، زادت في عمقه النزاعات السياسية، فالجمعية الوطنية بريسو و الجيرونديين، بينما الكومونة كانت تتبع روبسبيير و أنصاره.
لقد كان الوضع خطيرا يتطلب اتخاذ قرارات قوية، فتحت ضغط الكومونة، سمحت الجمعية للبلديات بتنظيم الاعتقالات، فامتلأت السجون بالمشبوهين، و لمحاكمتهم أقيمت محكمة جنائية. و كانت الأخبار سيئة بالنسبة للثوريين عندما علموا بخيانة لافاييت، كما أن أعداء فرنسا بدأوا يتسربون إلى الداخل، فوصلوا إلى ڤردان، آخر محطة تحمي باريس، و عندما وصل الخبر يوم 2 شتنبر إلى باريس أعلنت الحكومة النفير، معلنة أن الوطن في خطر، و مطالبة بتشكيل جيش من 60 ألف رجل، و التحق دانتون بالجمعية، و ألقى خطابا قويا، و طلب من الجمعية أن تتعاون مع الكومونة.
إضافة إلى الأحداث السيئة كما جاء سابقا، ألقت ما سميت بمجازر شتنبر بظلالها على الأحداث، حيث ارتكب البعض، في ظل أجواء مشحونة بالإشاعات و المؤامرات مجزرة في حق مجموعة من المعتقلين.
عندما وصلت الأخبار يوم 2 شتنبر عن وصول القوات الألمانية إلى ڤردان، قامت الجماهير باعتراض موكب من المعتقلين و قتلهم، و استولت فكرة قتل كل الخونة على الجماهير في باريس، و خلال خمسة أيام إلى حدود 17 شتنبر، أقيمت المحاكم الشعبية، حيث كانت الجماهير هي الحكم، فلم يكن هناك سوى حكمان، فإما البراءة أو الموت. و هكذا، تمت تصفية ما بين 1100 و 1400 شخص من بين 2800، و مثل سياسيون و الأرستقراطيون و رجال الدين المنشقين و مدافعون آخرون عن القصر حوالي 400 قتيل.
بشكل عام، كان النساء يحظين بالبراءة، باستثناء 55 امرأة من مجموع 270 امرأة، و تظهر اللائحة أن من بين اللذين تم إعدامهم من السياسيين هناك ما بين 50 و 90، و من بين المدافعين عن القصر 80 شخصا، و من بين رجال الدين 223 شخصا، و لم يتدخل دانتون و بيتيون عمدة الكومونة و لا رولاند وزير الداخلية، و لا سانتير وزير الحرس الوطني من أجل توقيف المجزرة، و لم يتدخل دانتون إلا حينما حاول مارا و لجنة المراقبة الوصول إلى الجيرونديين أنفسهم، فوقف ضد اعتقال رولاند و بريسو، أما الجمعية، فقد كانت بدون سلطة معنوية، و لا تتوفر على أية قوة مسلحة، لقد كانت عاجزة.
الاجتياح البروسي و معركة ڤالمي:
في الوقت الذي كانت تجري فيه هذه الأحداث الدرامية في باريس، كان مصير الثورة و فرنسا يلعب في نواحي أرغون، التي وصلتها الجيوش الألمانية، و مما أعطته ثورة انتفاضة 10 غشت، هو الدفعة التي أعطتها للنضال الوطني ضد العدو، و بعد خيانة لافاييت، قام قادة جدد بإعادة تنظيم القوات و إعطائها القوة و فرض الانضباط، و يتعلق الأمر بقائدين هما ديمورييز، الذي كان يقود القوات في سودان، و كليرمان ، الذي كان يقود الجيش في ميتز، و بعد سقوط ڤردان في يد البروسيين، قام ديمورييز و كليرمان بتوحيد قواتهما من أجل وقف الزحف البروسي، و كان ديمورييز ذكيا، فبدل التراجع نحو الغرب من أجل حماية باريس صعد وادي الإسن و قام بتجميع قواته قريبا من سانت منهولد بالقرب من طاحونة ڤالمي، و التحق به كليرمان، و سقط ملك بروسيا في الفخ حين اعتبر الزحف نحو باريس و مؤخرته تضم جيشان فرنسيان، أعطى الأمر إلى الدوق برانسويك بمهاجمتهما ، و في هذه الظروف انطلقت معركة ڤالمي يوم 20 شتنبر، حيث كان الجيش الفرنسي يضم 47 ألف جندي، و الجيش البروسي 34 ألف، و من حسن حظ الجيش الفرنسي أن المطر نزل بغزارة، و أصبحت الأرض غير صالحة للزحف، فالأرض الزلقة عرقلت تقدم الجيش البروسي، فانصب مجهودها الرئيسي على المرتفعات، التي تسيطر عليها طاحونة ڤارمي، حيث كان يوجد القائد كليرمان، و عندما وصل النهار إلى منتصفه، تحركت المدفعية البروسية، و انتقل كليرمان إلى مقدمة جيشه و وضع قبعته فوق سيفه و رفع سيفه إل السماء و صرخ "عاش الوطن"، و في انطلاقة حماسية ردد الجنود الحركة و الصراخ، فانطلقت المدفعية لتدمر جيش البروسيين، و فوجئت القوة البروسية بقوة النيران، فتوقفت ثم تراجعت، و استمرت المواجهة و لم تتوقف حتى نضبت الذخيرة .
في أهمية ڤالمي:
مع سقوط ظلام الليل استمر هطول المطر، و أصاب التوهان و الارتباك القوات البروسية، التي كانت تعتبر أن الجيش الفرنسي لقمة سائغة في فمها، و عندما نودي عل غوته شاعر ألمانيا الكبير، الذي حضر في المعركة، و سئل عما يفكر فيه بصدد ما وقع، أجاب: "من هذا المكان، و من هذا اليوم، تؤرخ مرحلة جديدة في تاريخ العالم، و بإمكانكم القول: لقد كنت حاضرا".
إن إلزام جيش يشتهر بأنه لا ينهزم، بالتوقف، شحذ شجاعة الجيش الجمهوري الشاب. لقد تراجع الجيش البروسي تاركا وراءه آلاف المرضى، و شهرا بعد المعركة دخلت القوات البروسية إلى ألمانيا.
الجمهورية الأولى
الكونفونسيون (1792 – 1795) :
يمكن تقسيم تاريخ الكونفونسيون إلى ثلات فترات :
-الفترة الأولى: تميزت بالصراع القوي بين الجيرونديين و الجبليين، زاد من حدته إعدام الملك يوم 21 يناير 1793.
-الفترة الثانية: عرفت حربا أهلية و حربا ضد العدو الأجنبي، و وصلت فيها الأزمة الثورية مع قيام نظام الإرهاب، و دكتاتورية روبسبيير قمتها.
- الفترة الثالثة: تبدأ بعد سقوط روبسبيير يوم 27 يوليوز 1794، تميزت بانحراف الجمهورية عن الطريق الديموقراطي، و فقدت بوصلتها، فأصبحت تتأرجح بين ما يسمى بالخطر اليعقوبي و الخطر الملكي.
الجمهورية:
تم انتخاب الكونفونسيون، أي الجمعية التأسيسية عن طريق الاقتراع العام، و رغم أن عددا كبيرا من الناخبين، إما خوفا أو لامبالاة، لم يشاركوا في التصويت، فإن اليعقوبيين، رغم قلتهم، و بفضل عزمهم، فقد فازوا في الانتخابات في كل مكان، بحيث نجح في الانتخابات كل من ينتسب إلى ثورة 10 غشت، و قد ضمت الجمعية 747 نائبا، و منذ جلستها الأولى، و التي كانت مفتوحة عموما، و التي انعقدت يوم 21 شتنبر 1792، اتخذت الجمعية قرار إلغاء الملكية بإجماع 300 من الأعضاء الحاضرين، و سيستعمل اسم الجمهورية لأول مرة يوم 22 شتنبر، عندما قررت الكونفونسيون بأن الأعمال العمومية سيتم تأريخها ابتداءا من السنة الأولى للثورة، و في يوم 25 شتنبر أعلن دانتون "الجمهورية الفرنسية واحدة و غير قابلة للتقسيم".
اليمين و اليسار داخل الكونفونسيون "
لقد كان الصراع بين الجيرونديين و اليعقوبيين هو دائما ما يميز الصراعات السياسية داخل المجالس، و قد سيطر الصراع بينهما على المداولات داخل الكونفونسيون، و إلى حدود 2 يونيو 1793، ظل الحال على ما هو عليه داخل الكونفونسيون. لقد تشكلت تيارات بشكل تدريجي، فدانتون أحد مشاهير الجبل كان من أنصار التفاهم مع لاجيروند، و كان العديد من سان كيلوط يرون فيه رجل الوسط، أما كوتون، الذي أصبح جبليا متحمسا، فقد كان منتميا إلى السهل، و من المعلوم أن الحزبين لم يشكلا تنظيما منسجما، فقد كانت هناك فوارق و تيارات تؤججها الخلافات حول قضايا مختلفة:
لقد كان الجيرونديون يشكلون160 عضوا داخل الكونفونسيون، التي أصبحوا فيها يمينا، بعدما كانوا يسارا في الجمعية التأسيسية، و كان من بين قادتهم فيرغنيو و بريسو و كوندورسي و إزنار، إضافة إل عمدة باريس بتيون و المحامي ييزو، إضافة إلى الوزير رولاند و المتحمس لوڤيي. أما الجبليون و هم أقل عددا من الجيرونديين، فقد شكلوا يسار الكونفونسيون، و من أشهر قادتهم روبسبيير و مارا و دانتون، و كان ثلاثتهم نوابا عن باريس، و إلى جانبهم كان هناك الصحافي اللامع كميل ديسمولان، و النائب الشاب سان جوست و آخرون.
عموما، لم يكن الفريقان يشكلان إلا أقلية، و كان الوسط يشكل أكبر قوة، يتشكل بشكل كبير من السهليين. إن ما كان يجمع بين الفريقين هو توحيد كل الوطنيين للدفاع عن مكتسبات 1789، و ذلك ضد القوى الأجنبية و الرجعية الداخلية، و جرت محاولات مستمرة لإصلاح ذات البين بين السهليين و الجبليين لكنها باءت بالفشل.
الجيرونديون:
كانوا في بدايتهم يعتمدون على الشعب، كما فعلوا يوم 20 يونيو عندما دفعوا بالشعب إلى محاربة القصر، لكن منذ 10 غشت و دكتاتورية الكومونة أصبح لديهم حقد كبير على باريس. إن هذا الكره للعنف الشعبي سيسقط الجيرونديين في يد البورجوازية المعتدلة، فكانوا مدافعين عن الحرية الاقتصادية و خاصة الملكية، التي كانوا يصرحون بأنها مهددة من طرف الفوضويين. لقد كانوا يعتقدون، أنهم سيقودون البلد إلى الانتصار عن طريق المحافظة على المؤسسات الاقتصادية و السياسية في زمن السلم و دون اللجوء إلى الجماهير، و مما عقد وضعية الجيرونديين، كون خصوم يوم 10 غشت من ملكيين دستوريين (1791) أو الرجعيين أنصار التفاهم مع النظام القديم، وضعوا جميعهم آمالهم في الجيرونديين، فأصبح الجيرونديون مشبوهين في رأي اليعقوبيين.
الجبليون:
كان الجبليون يعتقدون هم كذلك أن الشعب لا يمكنه أن يحكم نفسه بنفسه، و بالتالي يحتاج إلى مرشد، و لا تخلو التجربة من مواجهتهم للجماهير أحيانا، و كالجيرونديين، كانوا يعارضون تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، و بطبيعة الحال كانوا هم كذلك بورجوازية، و كان من بينهم مدافعون صادقون عن الطبقات الفقيرة مثل روبسبيير و سان جوست، لكنهم كانوا أقلية.
فيما يخص الاختلافات، كان الجبليون حركيون أكثر و عنيفون في الغالب، فقد كانوا يريدون أن يستخرجوا كل النتائج السياسية من ثورة 10 غشت، و كانوا يريدون أن يخوضوا حربا صارمة حتى الانتصار على أعداء فرنسا الجمهورية في أوروبا الملكية. و من أجل تحقيق ذلك كانوا مستعدين للجوء المؤقت إلى الإجراءات الاستثنائية، أو ما يسمى بإجراءات الخلاص العام، أي المركزية القصوى، التنظيم الاقتصادي، الإلغاء المؤقت لمبادئ 1789، اللجوء إلى الجماهير، فقد كان الخلاص العام بالنسبة لهم هو الشكل الجمهوري لما أسماه رشليوه "منطق الدولة".
على سبيل الخاتمة
لقد مثلت الجمهورية الأولى انتصارا للشعب و نهاية للملكية التي دامت قرونا، لكن القضاء على الملكية طرح سؤال ماذا بعد؟ فكان الجواب الأول هو: نظام الجمهورية. ففي سنة 1789 دار نقاش كبير حول مفهوم الجمهورية، و لم يكن العديد من الوطنيين يرونها ممكنة بعد، لكنها فرضت نفسها عليهم، فقد انفصلت الجمعية التشريعية في شتنبر 1792 لتنظيم خلافتها، وهو ما سيسمى بالكونفونسيون، و هي جمعية منتخبة بالاقتراع العام، أي من طرف الرجال البالغين (لم يكن النساء بعد يساهمن في التصويت) و كان على الجمعية الجديدة المنتخبة، المجتمعة في شتنبر 1792 أن تأخذ قرارا حول تسمية النظام الجديد، و بعد فترة تردد فرض القرار نفسه، ففي يوم 21 شتنبر تم الإعلان عن الجمهورية، مما جعل أحد الوطنيين من منطقة قروية يقول : "إنه النظام الأكثر طبيعية بالنسبة للجنس البشري". ثم كان على الجمعية أن تواجه مشكل الحرب مع البروسيين، الذي شكلت ڤالمي، هذه القرية الصغيرة في شامباني شرق فرنسا: لقد شكلت معركة ڤالمي رغم صغرها انتصارا كبيرا على الجيش البروسي. و إذا كان حفل الفدرالية في 1790 قد احتفى بالأمة، فقد كانت ڤالمي بمثابة انبثاق الوطن، و هما شيئان مختلفان، و الوطن هو ما يحمله الإنسان في قلبه.
ستعرف الجمعية الجديدة أو الكونفونسيون انقساما بين مجموعتين متنافستين، ففي البداية كانت المبادرة من الجيرونديين اللذين كانوا على اليسار و تحولوا إلى اليمين، و كان يطلق على هذا الجناح منهم اسم البريسوتينيين نسبة إلى أحد الزعماء و يدعى بريسو، الذي كان أحد زعماء هذا الحزب، الذي كان يتشكل من بورجوازيين قادمين من الموانئ الكبرى للتجارة مثل بوردو، و كان هذا التيار مرتبطا بالثورة و إنجازاتها، لكنه يريد إنهاءها الآن، فقد كان يخشى أن تتجاوز الحركة الشعبية لسان كيلوط اللذين فرضوا أنفسهم في باريس كما في المدن الكبرى في الأقاليم الأخرى، حيث كانت مواجهاتهم تنتهي أحيانا بالمجازر كما حصل في باريس في شهر شتنبر 1792، لكن ما كان يخيف هذا التيار بالضبط هو مطالبها الاجتماعية و السياسية. أما خصوم هذا التيار فهم الجبليون، و هم كذلك ينحدرون من أصول بورجوازية، لكنهم كانوا مقتنعين بأن الثورة لكي تخرج من وضعها عليها أن تعتمد عل الحركة الشعبية و الأخذ بمطالبها، إن هؤلاء لم يكونوا من الجبل رغم تسميتهم بالجبليين، بل يعود الأمر إلى كونهم كانوا في قاعة الاجتماعات يجلسون في المقاعد الأكثر ارتفاعا، و من بين قادتهم البارزين، روبسبيير، سان جوست، مارا. و ستظهر المزيد من الخلافات بين الجيرونديين و الجبليين خاصة في اللحظات الحرجة المتمثلة في محاكمة الملك، حيث تم الحكم عليه بالموت و تنفيذ الحكم في 21 يناير 1793.
لقد كان السؤال هو ماذا نفعل بالملك؟ لقد كان الطرف الأول يرى في الأمر عدم إعدامه، والاكتفاء باعتقاله أو نفيه، بينما كان الطرف الثاني يعتبر لويس السادس عشر خائنا لبلاده ومتعاملا مع العدو. لقد قال الناطقون باسم الجبل أن الملك حيا يعني أن فرنسا مهددة: "يجب أن يموت لويس حتى تحيى الجمهورية" وقد انتصر موقفهم في النقاش الذي دار داخل الكونفونسيون، وقد طبق قرار الموت عن طريق المقصلة يوم 21 يناير 1793، و قد كان لهذا القرار نتائج خطيرة على أمن فرنسا، فقد انضمت انجلترا و هولاندا و إسبانيا إلى أعداء فرنسا، و هو ما سمي بالإتلاف الأول.
هكذا أصبحت حدود فرنسا في صيف 1793 مهددة، و في هذه اللحظة بالضبط ستنفجر حرب أهلية في ڤاندي غرب فرنسا، حيث قام الفلاحون اللذين انتفضوا في مارس 1793، ضد الجمهورية و حققوا مجموعة من الانتصارات في البداية، مما كانت له انعكاسات داخل المدن و خاصة باريس، حيث كان الصراع مشتعلا بين الجيرونديين و الجبليين، و في ظل هذه الأوضاع تخاذل الجيرونديون أمام المخاطر التي أصبحت تهدد فرنسا، و سيقوم تحالف بين حزب الجبليين و شعب باريس، الشيء الذي أدى إلى اليوم الثوري في 2 يونيو 1793، فتمت محاصرة الكونفونسيون من طرف المنتفضين، فاضطرت هذه الأخيرة تحت ضغطهم إلى اعتقال النواب الرئيسيين للجيرونديين و إدخالهم إلى السجن و هو ما سمي ب "انقلاب"، و قد شكل هذا لحظة فارقة في مسار الثورة،
فقام الجيرونديون بدورهم بتنظيم انتفاضات في المدن و المناطق ضد ما أسموه بدكتاتورية باريس على لا بروفانس و هو ما سمي بالانتفاضة ضد الفيدرالية مقابل ما كان يسمى بمركزية العاصمة، هكذا انتفضت لانورماندي، بوردو، ليون، مارسيليا و تولون، هذه الأخيرة سلمت نفسها للانجليز، و ستتم محاصرة كل من ليون و تولون و استعادتهما، الشيء الذي ولد انتقامات عنيفة و تصفيات كبيرة و هجرة إلى خارج الوطن. هكذا سال الدم في الجمهورية، و من أجل وضع حد لكل المخاطر تم تعليق جميع الحريات و تشكلت حكومة جديدة عرفت باسم "الخلاص العام"، التي ستقوم بتطبيق الإرهاب في كل مكان، و لا زال المؤرخون لحد الآن يناقشون مضمون سياسة هذه الحكومة و الحكم عليها، فالثورة كانت تعني الحرية و نهاية الظلم، هل كان كل ما وقع ضروريا؟
قام الاعتبار لدى العديد من المؤرخين على أن هؤلاء اللذين أخذوا المسؤولية، أي الجبليون، بالاعتماد على الحركة الشعبية، كانت لهم الشجاعة في مواجهة ظروف رهيبة، و من ثمة ساهموا في إنقاذ الثورة، و لكن قبل ذلك، و لإعطائهم هذا الحق يجب معالجة ما وقع:
لقد شكلت الجمعية الجديدة المسماة الكونفونسيون لجنة "الخلاص العام"، حيث تواجد قادة الجبل دانتون ثم روبيسبيير في يوليوز 1793، و قد ضمت 12 شخصا من بينهم سان جوست و كوتون و كارنو. لقد كانت لديهم كل الصلاحيات، إنها حكومة الخلاص العام، و بناء عليه فقد وضعت البلاد بكاملها تحت مراقبتها، و حركت في هذا النوادي اليعقوبية المحلية و لجان المراقبة، و كان هؤلاء صارمين و بعضهم تجاوز حدوده مستغلا سلطاته، و ممارسا إرهابا دمويا، فقد أصبح الإرهاب في مدة معينة سلاحا من أجل قمع الثورة المضادة، فقد كان يتم سجن مواطنين، اللذين يعتبرون مشبوهين، و تمت كذلك إقامة محكمة ثورية في باريس، التي أرسلت العديد من الأشخاص إلى المقصلة، فبعد الملك تبعته الملكة، و كذلك مجموعة كبيرة من الأرستوقراطيين و التجار الأغنياء و رجال الدين، و يقول المؤرخون أن اللذين عبروا عبر المقصلة يبلغ عددهم حوالي 16 ألف، إضافة إلى التصفيات الجماعية. وفي ڤاندي فقط يقال أن الرقم يصل إل حوالي 100 ألف و هناك من يقول أكثر من ذلك.
هذا هو الوجه الكئيب والرهيب لهذه الفترة من الثورة، لكن هناك جانب آخر يجب التذكير به. لقد كان عل حكومة "الخلاص العام" أو الحكومة الثورية أن تستجيب لمطالب الشعب، من بينها قلة المواد وارتفاع الأسعار والبؤس، فطبقت الحكومة الحل السلطوي، الذي كان الشعب يطالب به عن طريق التضريب (الضريبة)، بمعنى ثمن أقصى على الخبز ثم جميع المواد، وكذلك على الأجور، الشيء الذي لم يعجب العمال. ثم مارست الحكومة المصادرات بإرسال فرق الجيش الثوري للبحث عن الضيعات، فقد كان لهذه السياسة فعالية مهمة، ثم واجهت الحكومة مشكلة الحرب كاهتمام أولي، ففتحت مصانع للأحذية و الألبسة و مانفاكتورات لصناعة الأسلحة و غيرها، ثم سنت الحكومة سياسة اجتماعية تهتم بالفقراء و المعدمين و أرامل الجنود، لقد قام سان جوست في ربيع 1791، بإصدار قرار بتوزيع ممتلكات المشبوهين على الفقراء و المحتاجين في المقاطعات، لكن الإجراء لم يجد له الوقت للتطبيق، خاصة بعد بيع ممتلكات الكنيسة و المهاجرين، و قد كان هذا من أجرأ القرارات الاجتماعية.
لم يكن روبسبيير وأصدقاؤه طغاة دمويين، فرغم ما قاموا به كجواب على الظروف، كان لهم مثل أعلى وهو تأسيس جمهورية عبر إعادة بعث مواطنيها (تجديد). لقد حاول هؤلاء غرس بيداغوجية جمهورية عن طريق الكتابة والكلمة، ولم يغب عن أعينهم المثل الأعلى الديموقراطي، الذي وجب بناؤه. وفي هذه المرحلة بالضبط قامت الكونفونسيون بإلغاء العبودية في المستعمرات الفرنسية، وذلك في سياق استمرار الرسالة التحريرية لإعلان حقوق الإنسان.
لقد تجرأت الكونفونسيون على أشياء جديدة، وهي محاولة إعادة تأسيس الزمان والمكان، فمثلا بالنسبة للمكان، فقبل 1789 كانت هناك ألف طريقة لقياسه حسب كل منطقة، وحسب تقاليدها، سواء بالنسبة للمساحات أو الحجم، هكذا دفعت الكونفونسيون مجموعة من العلماء لإبداع طريقة قياس واحدة وعامة صالحة للجميع، ويتعلق الأمر هنا بالمتر، أي عشر المليون لربع خطوط الطول الأرضية، وهو ما يسمى بالنظام المتري. و بالنسبة للزمن، كانت هناك محاولة علمنة قياسه و ذلك بإلغاء الرجوع إلى التقويم المسيحي بحفلاته و قديسيه و إيقاع أسبوعه، و قامت اليومية الجمهورية بتقسيم السنة إلى شهور من 30 يوما و ثلاثة عشريات شهرية، و تم إعطاء أسماء شعرية للشهور تذكر بالطبيعة و الفصول، فبرومير هو الخريف و فريمير هو نونبر و دجنبر و ڤندمير هو شتنبر، و بالنسبة للسنوات فيتم تأريخها بسنوات الثورة : السنة الأولى، السنة الثانية ... و استمر هذا إلى السنة 14، عندما قام الامبراطور نابوليون بإلغاء هذا النظام و العودة إلى النظام المسيحي، و هناك أمر آخر سيحصل في السنة الثانية، خلال هذه المرحلة المسماة الإرهاب. ففي سنة 1791 عرفت الكنيسة في فرنسا انشقاق جزء من رجال الدين، التحقوا بالصف المعادي للثورة، فتم نقلهم و نفيهم باعتبارهم عملاء الأرستقراطية. و قد كان في فرنسا اتجاه قوي معادي للكنيسة خاصة في باريس و بعض المناطق، ففي خريف1793، قامت مجموعة من المقاطعات بالانفصال عن الكنيسة و تشكيل كنائسهم الخاصة، و قد دعي المطران غوبل إلى الكونفونسيون ليعبر عن تخليه عن صفته كرجل دين، و تحويل الكاتدرائية إلى معبد للعقل، كمكان للطقوس تجاه إلهة العقل، التي تقوم بتمثيلها، و انتشرت الحركة كذلك في مجموعة من المناطق في كل البلاد، حيث تنظم استعراضات و كرنفال للأشياء المقدسة، و قام 20 ألف من رجال الدين بالتنازل عن مهامهم الدينية، لكن المشكل داخل الكونفونسيون هو أن روبيسبيير، كان مؤمنا بالإله، فالنسبة له هناك ضرورة لوجود خالق أعلى قادر على مجازاة الطيبين و معاقبة الأشرار، و ذلك كشرط لانتصار الفضيلة، فهذه الفضيلة هي وحدها التي تسمح بتبرير تطبيق الإرهاب، فماذا سيعني الإرهاب بدون الفضيلة؟ هكذا قام روبسبيير بالدفع إلى التصويت من طرف الكونفونسيون على الاعتراف بأن الروح و الكائن الأسمى خالدان، الشيء الذي لم يعجب الكثيرين. هكذا قام روبسبيير بالاحتفال بعيد الكائن الأسمى في باريس و في كل فرنسا، وذلك يوم 8 يونيو 1794.
لقد كانت هذه الفترة من أعلى فترات صعود نجم روبسبيير، و في نفس الوقت بداية نهايته. لقد كان كل ما قام به روبسبيير يعتمد على الحركة الشعبية، وعندما تحقق النظام والأمن، أصبح ضروريا بالنسبة له القيام بتدجين الحركة الشعبية ل سان كيلوط وإلغاء جمعياتهم والتخلص من أشهر زعمائهم، خاصة تيار الهبريست نسبة لهبريت، و تم اتهامهم بالتآمر وتم إعدامهم في مارس 1794، و اعتمد روبسبيير في تطبيق إجراءاته على أولئك اللذين كانوا يرون أن الثورة ذهبت بعيدا، و أنه يجب وضع حد للإرهاب، وكان يطلق على هؤلاء "المتسامحون" ، و أشهرهم دانتون، و سينتهي به الأمر هو كذلك إلى تقديمه إلى المحكمة الثورية و إعدامه، و هو ما يسمى بسقوط "الأجنحة" لي فراكسيون، و انطلق ميكانيزم الإرهاب مرة أخرى عوض أن يتوقف، وقد كتب سان جوست : "الثورة تجمدت".
لقد كان يطلق على روبسبيير "غير القابل للارتشاء"، ومع مضي الوقت عرفت الجماعة المحيطة به تصدعات، فالمعتدلون تعبوا، والنواب المرتشون أو المتورطون في المبالغة في الإرهاب أصبحوا يخافون على أنفسهم، فنظموا مؤامرة ضد روبسبيير والمقربين منه، ففي يوم 9 ترميدور منع روبسبيير من الكلمة داخل الجمعية، وتم اعتقاله. لم يعد أتباعه كثيرين فتم إعدامه مع أنصاره المقربين في يوم 10 ترميدور.
هكذا اختفى أحد أكبر وجوه الثورة الفرنسية، ومعه أغلقت مرحلة من الثورة، لقد كان روبسبيير روح الثورة في فترتها الرهيبة، لقد كان مساره الثوري ممكنا بارتباط ب سان كيلوط، و عندما تمزق هذا الرابط لم يعد ممكنا أن يستمر.
مرحلة الدريكتوار
هكذا انتهت مرحلة من الثورة وابتدأت المرحلة الثانية، وامتدت من 1795 إلى 1799. لقد تلا الكونفونسيون نظام ما يسمى بالدريكتوار، وقد كان هدف هذا النظام الخروج من الإرهاب وإنهاء الثورة، وكان هناك تياران في هذا المجال. بالنسبة للاتجاه الأول، يتم ذلك عن طريق العودة إلى النظام الذي يحافظ على المكتسبات، وبالنسبة للاتجاه الثاني، ويتشكل من الملكيين والمضادين للثورة للعودة إلى النظام القديم، بينما أطراف أخرى، وتشكل أقلية تحلم بثورة جديدة ومختلفة.
لقد كانت الجماعة التي قضت على روبسبيير تضم تشكيلة متناقضة، بعضهم لم يكن رجعيا، لكنهم قضوا على نظام الحكومة الثورية، واشتغلوا على تأمين النظام واستقراره، وعلى اليسار كان ل سان كيلوط الباريسيون المدفوعين بالبؤس والمجاعة يعودون إلى الساحة، وسينتفضون لآخر مرة مطالبين بدستور ديموقراطي فتم سحقهم ونزع سلاحهم، وكان ذلك نهاية للحركة الشعبية الجماهيرية. وفي الجهة الأخرى انطلقت في باريس و لابروفانس حركة مضادة عنيفة للثورة ستسمى "الإرهاب الأبيض" تحركها عصابات يطلق عليهم اسم "الموسكدان"، هكذا مورس الإرهاب في كل مكان، في جنوب فرنسا و في ليون و مارسيليا و غيرها، و ذلك انتقاما من التجاوزات السابقة، و عاد رجال الدين المهاجرون و استئنفت الطقوس الدينية مدعمة هذه الحركة، و استغل الملكيون الفرصة لتنظيم انتفاضة فتم سحقها في أكتوبر 1795.
هكذا، و رغم مهاجمتها من اتجاهين، قامت الكونفونسيون بإنجاز مجموعة من الإصلاحات في ميدان الثقافة و التعليم، و بلورت دستور السنة الثالثة، هكذا، و في إعلان الحقوق و الواجبات، لم تصبح مسألة المساواة مطروحة، و ذلك تحت غطاء إبعاد كل خطر لدكتاتورية جديدة، و ضمان سيطرة الأعيان، هكذا أصبح هناك جمعيتان، مجلس 500 و مجلس القدماء، و مهمتهما فبركة القوانين، و السلطة التنفيذية "الحكومة" مقسمة إلى خمس مديرين يتم تجديدهم باستمرار، و ذلك تحت مبرر ألا يسيطر أحدهم على الآخرين، و أدى هذا النظام إلى عكسه، بحيث لم تعد هناك واسطة بين الأجهزة و المجلسين، مما شجع على ممارسة الانقلابات. يقوم المديرون بإلغاء انتخاب غرفة جديدة أو عكس ذلك، أو تقوم الغرفة بطرد المديرين مما ولد حالة اللاستقرار و جعل منه حالة صعبة.
قامت الحكومة الجديدة بإلغاء القرارات الاقتصادية السابقة، و تطورت الفوارق الاجتماعية و حياة الرفاه عند الأغنياء، و معهم أغنياء جدد و سياسيون مرتشون، و أصبحت سلطة الدولة مختلة، فلا يتم تأدية الضرائب و لا الأجور كذلك، و انتشرت السرقة في البوادي، وفي الطرقات و في الضيعات، و سيسجل التاريخ صورة سيئة عن قادة الدريكتوار.
لكن عموما، ظل هؤلاء جمهوريين، و انتشرت المنظمات السرية، و أعاد اليعقوبيون تنظيم أنفسهم، و من أشهرهم بابوف، الذي نظم ما أطلق عليه "مؤامرة المتساوين"، و كان برنامجهم هو أخذ السلطة من أجل تحقيق مجتمع تكون فيه الأرض ملكية للجميع و توزيع المنتجات بشكل متساو، و قد تم إعدام بابوف و أصدقائه، و قام بعضهم بالانتحار. لقد كان هناك حلم بثورة أخرى تكون هي الأخيرة، تحقق المساواة.
لقد كانت حقبة رهيبة و متناقضة، استطاع فيها بعض الأحيان أعداء الثورة تحقيق انتصارات عبر الانتخابات، لكن المديرين، مدعمين من طرف الجنرالات، عبر انقلاب 18 فروكتدور، و ذلك بإلغاء الانتخابات، و إطلاق مطاردة الملكيين، و قد حصل نفس الشيء بالنسبة لليعقوبيين، اللذين انتصروا في الانتخابات المقبلة، و في هذه اللحظة بالضبط، في السنة السابعة، كان الوضع ملائما للنواب، فقاموا بطرد المديرين، لكن الأمر جاء متأخرا، لقد اقتربت نهاية المرحلة.
قاوم اليعقوبيون بقوة حتى أنهم فازوا بانتخابات 1799، أي انتصار لليسار، و قاموا بطرد المديرين، لكن البورجوازية، التي قامت بالثورة قد حققت أكبر الأرباح، و أحست بنفسها مهددة إلى حد أن أحد ممثليها قال قولة شهيرة: "أريد ملكا لأنني ملاك" و معنى هذا، أحتاج لمن يضمن ممتلكاتي، مصالحي و ما حققته الثورة لي، لكن الملك قد مات منذ خمس سنوات و العودة إلى النظام القديم غير ممكنة، فأين يمكن إيجاد هذا الملك؟
لقد زفت ساعة الجنرال، إنه الجنرال بونابارت، فبونابارت العائد إلى فرنسا، سيظهر كمنقذ بالنسبة لأمثال هؤلاء، وخاصة بالنسبة لعدد من اللذين يملكون، و عند عودته سيقوم بانقلاب عسكري يوم 18 برومير، السنة الثامنة (9 نونبر 1799)، و على إثر الانقلاب تم طرد النواب، واكتسب بونابارت لقب "القنصل الأول"، وهو اللقب الذي احتفظ به ما بين 1800 و 1804، إلى أن أصبح امبراطورا، ومعه انتهت المرحلة الثورية للثورة رغم أن إرثها استمر مع نابليون.

وليد الزرقطوني
ــــ ــــ ــــ

النص الأول
إعلان حقوق الإنسان والمواطن، 26 غشت 1789
تقديم:
لقد تم هنا اعتماد النص الرسمي للإعلان الصادر في 26 غشت 1789، وقد شكل ديباجة لدستور 1791.
النص الكامل
إن ممثلي الشعب الفرنسي، الذين تشكلوا في الجمعية الوطنية، إذ يعتبرون أن الجهل أو النسيان أو ازدراء حقوق الإنسان هي الأسباب الوحيدة للمصائب العامة وفساد الحكومات، قد عقدوا العزم، في إعلان رسمي، على الكشف عن الحقوق الطبيعية وغير القابلة للتصرف والمقدسة للإنسان، حتى يتسنى لهذا الإعلان، الذي يعرض باستمرار على جميع أعضاء الهيئة الاجتماعية، يذكرهم باستمرار بحقوقهم وواجباتهم، بحيث تكون أعمال السلطة التشريعية، وأفعال السلطة التنفيذية، التي يمكن مقارنتها في أي وقت بهدف أي مؤسسة سياسية، أكثر احتراما، حتى تتحول مطالب المواطنين، القائمة الآن على مبادئ بسيطة لا جدال فيها، دائما إلى الحفاظ على الدستور وسعادة الجميع .
وبناء عليه، تعترف الجمعية الوطنية وتعلن، بحضور وتحت رعاية الهيئة العليا، الحقوق التالية للإنسان والمواطن.
المادة 1
يولد الناس ويظلون أحرارا ومتساوين في الحقوق. ولا يمكن أن تستند الفروق الاجتماعية إلا على المنفعة المشتركة.
المادة 2
إن الغرض من أي رابطة سياسية هو الحفاظ على الحقوق الطبيعية وغير القابلة للتقادم للإنسان. هذه الحقوق هي الحرية والملكية والأمن ومقاومة القمع.
المادة 3
إن مبدأ السيادة كلها يكمن أساسا في الأمة. لا يجوز لأي هيئة أو فرد ممارسة أي سلطة لا تنبع منها صراحة.
المادة 4
تتمثل الحرية في القدرة على القيام بكل ما لا يضر بالآخرين: وبالتالي فإن ممارسة الحقوق الطبيعية لكل إنسان لا حدود لها إلا بتلك التي تكفل التمتع بهذه الحقوق نفسها لأفراد المجتمع الآخرين. ولا يمكن تحديد هذه الحدود إلا بموجب القانون.
المادة 5
لا يحق للقانون أن يدافع عن الأعمال الضارة بالمجتمع. وكل شيء لا يمنعه القانون لا يمكن القيام بمنعه، ولا يمكن إجبار أي شخص على القيام بما لا يؤمر به.
المادة 6
القانون هو تعبير عن الإرادة العامة. ويحق لجميع المواطنين المشاركة شخصيا، أو من خلال ممثليهم، في تشكيلها. يجب أن يكون هو نفسه بالنسبة للجميع، إما أنه يحمي أو يعاقب. وجميع المواطنين الذين يتمتعون بالمساواة في نظره مؤهلون على قدم المساواة للحصول على جميع أنواع الكرامة والأماكن والوظائف العمومية، وفقا لقدرتهم، ودون تمييز إلا فيما يتعلق بفضائلهم ومواهبهم.
المادة 7
لا يجوز توجيه الاتهام إلى أي إنسان، أو إلقاء القبض عليه أو احتجازه إلا في الحالات التي يحددها القانون، وبالطريقة التي ينص عليها. ويجب معاقبة من يلتمسون أوامر تعسفية، أو يصدرونها أو ينفذونها، ولكن كل مواطن يتم استدعاؤه، أو اعتقاله بموجب القانون يجب أن يمتثل فورا، وإذا قاوم فهو مذنب بفعله ذلك.
المادة 8
لا ينص القانون إلا على عقوبات ضرورية تماما وواضحة، ولا يجوز معاقبة أي شخص إلا بموجب قانون وضع وأصدر قبل ارتكاب الجريمة، وطبق بصورة قانونية.
المادة 9
بما أن كل إنسان يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته، وإذا اعتبر إلقاء القبض عليه ضروريا، فإن أي صرامة ليست ضرورية لضمان معاقبة شخصه عقابا شديدا بموجب القانون.
المادة 10
لا يجوز إزعاج أحد بسبب آرائه، حتى الدينية منها، شريطة ألا يخل مظهرها بالنظام العام الذي ينص عليه القانون.
المادة 11
إن حرية التعبير عن الأفكار والآراء هي أحد أثمن حقوق الإنسان: لذلك يمكن لكل مواطن أن يتكلم ويكتب ويطبع بحرية، إلا عند الإساءة في استخدام هذه الحرية حسب الحالات التي يحددها القانون.
المادة 12
إن ضمان حقوق الإنسان والمواطن يتطلب قوة عمومية: ولذلك فإن هذه القوة تنشأ لصالح الجميع، وليس من أجل المنفعة الخاصة لمن يعهد إليهم بها.
المادة 13
من أجل صيانة القوة العمومية، ومن أجل النفقات الإدارية، لا بد من المساهمة المشتركة: يجب توزيعها أيضا بالتساوي بين جميع المواطنين، حسب إمكانياتهم.
المادة 14
لجميع المواطنين الحق في التأكد بأنفسهم، أو من خلال ممثليهم، من ضرورة المساهمة العامة، والموافقة عليها بحرية، ورصد استخدامها وتحديد نسبتها وقاعدتها واستردادها ومدة استخدامها.
المادة 15
يحق للمجتمع محاسبة أي موظف عمومي على إدارته.
المادة 16
أي مجتمع لا يكفل فيه ضمان الحقوق، ولا فصل السلطات المحدد، لا يوجد له دستور.
المادة 17
بما أن الملكية حق مقدس لا يجوز انتهاكه، فلا يمكن حرمان أي شخص منها، إلا عندما تقتضي الضرورة العامة، الراسخة قانونا، ذلك بوضوح، وبشرط التعويض العادل والقبلي.

ترجمة: علياء نجمي
ــــ ــــ ـــ
النص الثاني
إعلان حقوق الإنسان والمواطن
24 يونيو 1793
تقديم:
جرت العادة أن الإعلانات عن حقوق الإنسان في دساتير فرنسا في 1789 و 1793 و 1795 تتصدرها الإعلانات الخاصة بحقوق الإنسان و المواطن، و النص أسفله، شكل مقدمة لدستور24 يونيو 1793، الذي مثل تتويجا لصعود التيار الثوري بقيادة روبسبيير و اليعقوبيين أقصى يسار الثورة الفرنسية.
وقبل صدور دستور 24 يونيو 1793، وبارتباط مع أوضاع سياسية تتطور باستمرار، صدرت مجموعة من الظهائر والإعلانات مهدت لمجيء دستور 1793، وإعلانه الخاص لحقوق الإنسان والمواطن. هكذا، صدر:
-ظهير 21 شتنبر 1792، ومما جاء فيه أن لا كونفونسيون الوطنية، تعلن:
1- لا يمكن أن يكون هناك دستور إلا إذا كان ذلك الدستور قد قبل به الشعب.
2- وأن الأشخاص والممتلكات هي تحت حماية الأمة.
- ظهير 21 – 22 شتنبر 1792، ومما جاء فيه:
أن لاكونفونسيون الوطنية تقرر بالإجماع أن الملكية في فرنسا قد تم إلغاؤها.
- إعلان 25 شتنبر 1792، والذي جاء فيه أن:
لاكونفونسيون الوطنية تعلن أن الجمهورية الفرنسية واحدة وغير قابلة للتقسيم.
تلكم هي أهم الوثائق الصادرة قبل ظهور دستور 24 يونيو 1793، التي شكل نص الإعلان أدناه مقدمة له.
النص
الديباجه
لقد قرر الشعب الفرنسي، اقتناعا منه بأن النسيان وازدراء حقوق الإنسان الطبيعية هما السببان الوحيدان لمصائب العالم، عزمه، على أن يعرض في إعلان رسمي، هذه الحقوق المقدسة وغير القابلة للتصرف،
ذلك، أن جميع المواطنين الذين يمكنهم مقارنة أفعال الحكومة باستمرار مع الغرض من أي مؤسسة اجتماعية، لا يسمحون لأنفسهم أبدا بالقمع والحط من شأنهم من طرف الطغيان،
ذلك، حتى يكون أمام أعين الشعب دائما أسس حريته وسعادته، وأمام القاضي قاعدة واجباته، وأمام المشرع موضوع مهمته. وعليه، يعلن، بحضور الكائن الأعلى، الإعلان التالي لحقوق الإنسان والمواطن.
المادة 1
إن هدف المجتمع هو السعادة المشتركة، لقد تم تأسيس الحكومة لتضمن للإنسان قوة حقوقه الطبيعية وغير قابلة للتقادم.
المادة 2
وهذه الحقوق هي المساواة والحرية والأمن والملكية.
المادة 3
جميع الناس متساوون بطبيعتهم وأمام القانون.
المادة 4
القانون هو التعبير الحر والرسمي عن الإرادة العامة، هو نفسه بالنسبة للجميع، إما أنه يحمي أو يعاقب، لا يمكنه أن يأمر إلا ما هو عادل ومفيد للمجتمع، ولا يمكنه أن يمنع إلا ما هو ضار له.
المادة 5
يحق لجميع المواطنين الحصول على عمل عام على قدم المساواة. إن الشعوب الحرة لا تعرف أي أسباب أخرى للتفضيل، في انتخاباتها، سوى الفضائل والمواهب.
المادة 6
الحرية هي القوة التي يملكها الإنسان للقيام بكل ما لا يضر بحقوق الآخرين: لها الطبيعة كمبدأ، والعدالة كقاعدة، والقانون كحماية، وحدها الأخلاقي هو في هذه المقولة: لا تفعل لآخر ما لا تريد أن يفعل لك.
المادة 7
لا يجوز حظر الحق في التعبير عن أفكاره وآراءه، سواء عن طريق الصحافة أو بأي طريقة أخرى، الحق في التجمع السلمي، وحرية ممارسة العبادة. إن الحاجة إلى بيان هذه الحقوق يفترض إما وجود، أو تذكر حديث للاستبداد.
المادة 8
يتمثل الأمن، في الحماية التي يمنحها المجتمع لكل فرد من أعضائه من أجل الحفاظ على شخصه وحقوقه وممتلكاته.
المادة 9
يجب أن يحمي القانون الحرية العامة والفردية من اضطهاد من يحكمون.
المادة 10
لا يتهم أحد أو يعتقل أو يحتجز إلا في الحالات التي يحددها القانون وبالطريقة التي ينص عليها. ويجب على كل مواطن، تم استدعاؤه أو اعتقاله من طرف سلطة القانون، أن يمتثل في الحين، ويصبح مذنب في حالة المقاومة.
المادة 11
وأي عمل يمارس ضد إنسان خارج نطاق الحالات والأشكال التي يقررها القانون، هو عمل تعسفي وطغياني، والشخص الذي يراد له تنفيذ ذلك بالعنف، له الحق في صده بالقوة.
المادة 12
أولئك الذين يلتمسون أو يرسلون أو يوقعون أو ينفذون أو يتسببون في القيام بأعمال تعسفية، مذنبون ويجب معاقبتهم.
المادة 13
بما أن كل إنسان يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته، وإذا اعتبر إلقاء القبض عليه ضروريا، فإن أي صرامة ليست ضرورية لضمان معاقبة شخصه عقابا شديدا بموجب القانون.
المادة 14
لا يحاكم أحد ويعاقب إلا بعد الاستماع إليه أو استدعائه بصورة قانونية، وبموجب قانون صدر قبل ارتكاب الجريمة. والقانون الذي يعاقب على الجرائم التي ترتكب قبل أن يكون موجودا سيكون طغيانا، وسيعتبر إعطاء القانون أثرا رجعيا بمثابة جريمة.
المادة 15
يجب ألا يصدر القانون إلا أحكاما تكون ضرورية وصارمة بشكل واضح: فالعقوبات يجب أن تكون متناسبة مع الجريمة ومفيدة للمجتمع.
المادة 16
حق الملكية حق لكل مواطن في التمتع بممتلكاته ودخله وثمار عمله وصناعته والتصرف فيها كذلك.
المادة 17
لا يمكن منع أي نوع من العمل والثقافة والتجارة أمام صناعة المواطنين.
المادة 18
كل إنسان يستطيع أن يشرك خدماته و وقته، ولكن لا يمكن أن يبيع نفسه، ولا أن يباع، فشخصه ليس ملكية قابلة للتصرف. ولا يعترف القانون أبدا بالعبودية المنزلية. لا يمكن أن يكون هناك سوى التزام الرعاية والاعتراف، بين الإنسان الذي يعمل والذي يوظفه.
المادة 19
لا يجوز حرمان أي شخص من أي جزء من ممتلكاته دون موافقته، إلا إذا كانت الضرورة العامة محددة قانونا، ورهنا بشرط التعويض العادل والمحدد مسبقا.
المادة 20
لا يمكن تحديد أي مساهمة إلا بالنسبة للمنفعة العامة. لجميع المواطنين الحق في المشاركة في إعداد المساهمات، ومراقبة استخدامها، وتقديم الحساب لهم عليها.
المادة 21
إن الإسعافات العامة دين مقدس. والمجتمع مدين بالمساعدة للمواطنين التعيسين، إما بتوفير العمل لهم أو بضمان الوسائل التي تمكنهم من العمل.
المادة 22
-التعليم هو حاجة الجميع ويجب على المجتمع أن يعزز بكل قوته تقدم العقل العام، وأن يجعل التعليم في متناول جميع المواطنين.
المادة 23
يتكون الضمان الاجتماعي من عمل الجميع، لضمان تمتع كل واحد بحقوقه والحفاظ عليها، ويستند هذا الضمان على السيادة الوطنية.
المادة 24
و لا يمكن أن يوجد إذا لم يحدد القانون حدود الوظائف العامة بوضوح، وإذا لم تكفل مسؤولية جميع موظفي الخدمة المدنية.
المادة 25
تكمن السيادة في الشعب، وهي واحدة وغير قابلة للتجزئة، غير قابلة للتقادم، وغير قابلة للتصرف.
المادة 26
ولا يمكن أن يمارس أي جزء من الشعب سلطة الشعب بأسره، ولكن يجب أن يتمتع كل قسم من أعضاء الجمعية السيادية بالحق في التعبير عن إرادة المجلس بحرية تامة.
المادة 27
كل فرد يغتصب السيادة يعدم في الحين من قبل أناس أحرار.
المادة 28
الشعب له دائما الحق في مراجعة دستوره وإصلاحه وتغييره. ولا يمكن لجيل أن يخضع الأجيال المقبلة لقوانينه.
المادة 29
لكل مواطن الحق على قدم المساواة في المشاركة في تشكيل القانون وفي تعيين وكلائه أو عملائه.
المادة 30
الوظائف العامة مؤقتة أساسا، و لا يمكن اعتبارها تمييزا أو مكافأة، بل واجبات.
المادة 31
يجب ألا تمر جرائم ممثلي الشعب وعملائه دون عقاب. ولا يحق لأحد أن يدعي أنه أكثر حرمة من المواطنين الآخرين.
المادة 32
لا يجوز، تحت أي ظرف من الظروف، حظر الحق في تقديم التماسات إلى أمناء السلطة العامة أو تعليقها أو تقييدها.
المادة 33
مقاومة القمع هي نتيجة لحقوق الإنسان الأخرى.
المادة 34
يحدث القمع ضد الهيئة الاجتماعية عندما يتعرض واحد فقط من أعضائها للقمع. هناك اضطهاد ضد كل عضو عندما تكون الهيئة الاجتماعية مضطهدة.
المادة 35
عندما تنتهك الحكومة حقوق الشعب، فإن التمرد هو، بالنسبة للشعب ولكل جزء من الشعب، أقدس الحقوق وأكثر الواجبات التي لا غنى عنها.

ترجمة: علياء نجمي
ـــــ ــــ ــــ

النص الثالث
حقوق الإنسان والمواطن
كارل ماركس
(عن كتاب "المسألة اليهودية"، ماركس –انجلز، الأعمال، مجلد 1، ص 368- 370، وعن الترجمة الفرنسية ل أوبيي مونطيني، ص 115 – 123. صدر الكتاب سنة 1843، وهو عبارة عن جواب على أطروحة أوطو بوير حول المسألة اليهودية، وفي جزء منه يتطرق ماركس إلى تحليل جوهر حقوق الإنسان والمواطن الذي جاءت به الثورة الفرنسية، ومنه ننقل هذه المقتطفات النقدية حول حقوق الإنسان)
نص المقتطف
الإنسان متميز عن المواطن
إننا نميز بين "حقوق الإنسان" و "حقوق المواطن"، فمن هو هذا "الإنسان" الذي يتم تمييزه عن المواطن؟ لا أحد، سوى عضو المجتمع البورجوازي. لماذا يسمى عضو المجتمع البورجوازي "إنسانا"، الإنسان باختصار، ولماذا تسمى حقوقه حقوق الإنسان؟ ما الذي يفسر هذا؟ من خلال علاقة الدولة السياسية بالمجتمع البورجوازي، من خلال جوهر التحرر السياسي.
دعونا نلاحظ قبل كل شيء حقيقة أن "حقوق الإنسان"، التي تختلف عن "حقوق المواطن"، ليست سوى حقوق عضو المجتمع البورجوازي، أي الإنسان الأناني، الإنسان المنفصل عن الإنسان وعن الجماعة. قد يقول الدستور الأكثر راديكالية، دستور عام 1793: إعلان حقوق الإنسان والمواطن. "المادة2". هذه الحقوق (الحقوق الطبيعية وغير القابلة للتقادم) هي: المساواة، الحرية، الأمن، الملكية.
الحرية
ما هي "الحرية"؟
"المادة 6: الحرية هي قوة الإنسان في فعل أي شيء لا يضر بحقوق الآخرين"، أو، وفقا لإعلان حقوق الإنسان لعام 1791: "تتمثل الحرية في القدرة على فعل كل ما لا يؤذي الآخرين".
وبالتالي، فإن الحرية هي الحق في فعل أي شيء لا يؤذي الآخرين، يتم تحديد الحدود التي يمكن للمرء أن يتحرك فيها دون الإضرار بالآخرين بموجب القانون، تماما كما يتم تحديد حد حقلين بواسطة وتد. إنها حرية الإنسان التي تعتبر جوهرا فرديا معزولا، منغلقا على نفسه. لماذا، وفقا لباور، اليهودي غير مؤهل لتلقي حقوق الإنسان؟ "ما دام اليهودي يهوديا، فإن جوهره العنيد والضيق الأفق، الذي يجعل منه يهوديا، سيتغلب بكل تأكيد على الجوهر الإنساني، الذي يجب أن يربطه، باعتباره إنسانا، بباقي الناس، مما سيعزله عن كل ما ليس يهوديا".
لكن حقوق الإنسان، الحرية، لا تقوم على علاقة الإنسان بالإنسان بل على انفصال الإنسان عن الإنسان. إنه حق هذا الانفصال، حق الفرد المنكفئ على نفسه.
إن التطبيق العملي للحق في الحرية هو الحق في الملكية الخاصة، ولكن مماذا يتكون الحق الأخير؟
"إن حق الملكية هو حق كل مواطن في التمتع والتصرف حسب رغبته في ممتلكاته ودخله وثمار عمله وصناعته". (دستور عام 1793، المادة 16).
ومن ثمة، فإن الحق في الملكية هو حق المرء في التمتع بثروته والتصرف فيها "كيفما شاء"، دون الاهتمام بالناس الآخرين، بمعزل عن المجتمع، إنه حق الأنانية. إن هذه الحرية الفردية، بتطبيقها، هي التي تشكل أساس المجتمع البورجوازي. إنها تجعل كل إنسان، يرى في إنسان آخر، ليس تحقيقا للحرية، بل حدا من حريته.
إنها تعلن قبل كل شيء الحق في "التمتع والتصرف، حسب رغبته، في ممتلكاته ودخله وثمار عمله وصناعته".
المساواة والأمن
تبقى حقوق الإنسان الأخرى، المساواة والأمن.
إن كلمة "المساواة" ليس لها معنى سياسي هنا، إنها فقط المساواة في الحرية المحددة أعلاه: كل إنسان يعتبر أيضا مثل هذا الجوهر الفردي القائم على الذات. يحدد دستور عام 1795 معنى هذه المساواة: المادة 5." تتمثل المساواة في حقيقة أن القانون هو نفسه للجميع، سواء كان من أجل الحماية أو من أجل العقاب".
وماذا عن الأمن؟ ينص دستور عام 1793 على ما يلي: "المادة 8. "يتمثل الأمن في الحماية التي توفرها الشراكة لكل عضو من أعضائها للحفاظ على شخصه وحقوقه وممتلكاته".
إن الأمن هو أعلى مفهوم اجتماعي للمجتمع البورجوازي، مفهوم الشرطة: المجتمع كله موجود فقط لضمان لكل عضو من أعضائه، الحفاظ على شخصه وحقوقه وممتلكاته، بهذا المعنى يسمي هيجل المجتمع البورجوازي "حالة الضيق والإدراك".
إن مفهوم الأمن ليس كافيا بعد، لكي يرتفع المجتمع البرجوازي فوق أنانيته، بدلا من ذلك، فالأمن هو ضمان للأنانية.
لذلك، لا يتجاوز أي من حقوق الإنسان المزعومة الإنسان الأناني، الإنسان كعضو في المجتمع البرجوازي، أي الفرد المنفصل عن الجماعة، المنطو على نفسه، المعني فقط بمصلحته الشخصية وطاعة تعسفه الخاص، الإنسان أبعد ما يكون عن اعتباره كائنا نوعيا. على العكس من ذلك، تظهر الحياة النوعية نفسها، المجتمع، كإطار خارج عن الفرد، كقيد لاستقلاله. إن الرابطة الوحيدة التي توحدهم هي الضرورة الطبيعية والحاجة والمصلحة الخاصة والحفاظ على ممتلكاتهم وشخصهم الأناني.
إنه للغز محير إلى حد ما أن شعبا، بدأ للتو في تحرير نفسه، لكسر جميع الحواجز بين مختلف أعضاء الشعب، لتأسيس مجتمع سياسي، يعلن رسميا (1791) حق الإنسان الأناني، المنفصل عن أخيه الإنسان وعن المجتمع، بل ويستأنف هذا الإعلان، في وقت يمكن فيه للتفاني البطولي وحده أن ينقذ الأمة، ومطلوب بشكل عاجل، في الوقت الذي وضعت فيه التضحية بجميع مصالح المجتمع البورجوازي على جدول الأعمال، وحيث كان يجب على الأنانية أن تعاقب كجريمة (1793).
يصبح الأمر أكثر لغزا عندما نرى أن التحرر السياسي يجعل المجتمع السياسي، المجتمع المدني، مجرد وسيلة لخدمة الحفاظ على ما يسمى بحقوق الإنسان، بحيث يتم إعلان المواطن بالتالي خادما ل "الإنسان" الأناني، أن المجال، حيث يتصرف الإنسان ككائن نوعي، يتم النزول به إلى الأسفل، حيث يعمل ككائن جزئي، وأن الإنسان هو في النهاية كبورجوازي، وليس الإنسان كمواطن هو الذي يعتبر الإنسان الحقيقي والأصيل.
إن "هدف" أي "جمعية سياسية" هو "الحفاظ على حقوق الإنسان الطبيعية وغير القابلة للتقادم". (الإعلان، 1791، المادة2) - "تم إنشاء الحكومة لتضمن للإنسان التمتع بحقوقه الطبيعية وغير القابلة للتقادم". (الإعلان، 1791، المادة 1.) لذلك، حتى في عصور حماسها التي لا تزال طازجة ومدفوعة إلى أقصى الحدود بقوة الظروف، تعلن الحياة السياسية نفسها على أنها مجرد وسيلة، حيث هدفها هو حياة المجتمع البرجوازي. صحيح أن ممارسته الثورية تتناقض تناقضا صارخا مع نظريته.
بينما، على سبيل المثال، يتم إعلان الأمن أحد حقوق الإنسان، يتم وضع انتهاك سرية المراسلات على جدول الأعمال. في حين أن "حرية الصحافة غير المحددة" مضمونة (إعلان عام 1793، المادة 122) نتيجة لحق الحرية الفردية، فقد تم القضاء عليها تماما، لأنه "يجب عدم السماح بحرية الصحافة عندما تعرض الحرية العامة للخطر" (روبسبيير الشاب، التاريخ البرلماني للثورة الفرنسية، بقلم بوشيز و رو، المجلد الثامن والعشرون، ص. 159).
وهذا يعني: أن الحق في الحرية يتوقف عن كونه حقا، بمجرد أن يتعارض مع الحياة السياسية، في حين أن الحياة السياسية، من الناحية النظرية، ليست سوى ضمان لحقوق الإنسان، وحقوق الإنسان الفردية، وبالتالي يجب تعليقها، بمجرد أن تتعارض مع غرضها، هذه حقوق الإنسان. لكن الممارسة ليست سوى الاستثناء، والنظرية هي القاعدة.
لماذا، في أذهان المحررين السياسيين، تنعكس هذه العلاقة، وتظهر الغاية كوسيلة، والوسيلة كغاية؟ سيبقى هذا الوهم البصري لوعيهم دائما نفس اللغز، ولكن من الناحية النفسية والنظرية.
حل المشكل بسيط
تفكك "المجتمع البورجوازي"
إن التحرر السياسي هو في الوقت نفسه تفكك المجتمع القديم الذي تقوم عليه الدولة، حيث لا يلعب الشعب أي دور، أي سلطة السيادة. إن الثورة السياسية هي ثورة المجتمع البورجوازي.
ماذا كانت طبيعة المجتمع القديم؟
إن كلمة واحدة تميزها، إنها الإقطاعية، لقد كان للمجتمع البورجوازي القديم على الفور طابع سياسي، أي أن عناصر الحياة البورجوازية، مثل الملكية، أو الأسرة، أو طريقة العمل، أصبحت، في شكل سيادة، وطبقة، وشركة، عناصر في حياة الدولة، لقد حددت، في هذا الشكل، علاقة الفرد المعزول بالدولة بأكملها، أي وضعه السياسي، الذي تم استبعاده وفصله عن عناصر المجتمع الأخرى.
بالفعل، فإن هذا التنظيم للحياة الشعبية لم يرفع الملكية، والعمل كعنصر اجتماعي، بل نجح في فصلها عن جسد الدولة وجعلها مجتمعات خاصة في المجتمع. لكن بهذه الطريقة، ظلت الوظائف الحيوية والظروف الحيوية للمجتمع البورجوازي سياسية بالمعنى الإقطاعي، بمعنى آخر، فصلوا الفرد عن جسم الدولة، والعلاقة الخاصة التي كانت قائمة بين حرفته وهيئة الدولة، حولتها إلى علاقة عامة بين الحياة الفردية والشعبية، تماما كما جعلت نشاطه ووضعه البورجوازي المحدد نشاطا ووضعا عاما.
ونتيجة لهذا التنظيم، فإن وحدة الدولة، كما هو الحال أيضا بالنسبة للوعي وإرادة ونشاط وحدة الدولة، فالسلطة السياسية العامة، تبدو أيضا كعمل خاص لصاحب سيادة، منفصل عن الشعب وخدامه.
إن الثورة السياسية التي أطاحت بهذه السلطة السيادية وجعلت شؤون الدولة شؤون الشعب، والتي شكلت الدولة السياسية في شأن عام، أي إلى دولة حقيقية، حطمت بالضرورة جميع الدول والشركات والهيئات القانونية والامتيازات، التي لم تؤد إلا إلى الإشارة إلى أن الشعب قد انفصل عن المجتمع.
وهكذا تلغي الثورة السياسية الطابع السياسي للمجتمع البورجوازي. لقد قسم المجتمع البورجوازي إلى عناصره البسيطة، من ناحية الأفراد، ومن ناحية أخرى العناصر المادية والروحية التي تشكل محتوى حياة هؤلاء الأفراد ووضعهم البورجوازي. لقد أطلق العنان للروح السياسية، التي اضمحلت بطريقة ما، وانهارت، وضاعت في الطرق المسدودة للمجتمع الإقطاعي. لقد جمعت شظايا متناثرة منه، وحررته من مزجه بالحياة البورجوازية، وجعلته مجالا للجماعة، للشأن العام للشعب، مستقلا نظريا عن هذه العناصر الخاصة للحياة البورجوازية. لقد أصبح النشاط المحدد والوضع المحدد للحياة ذا أهمية فردية.
لم تعد تشكل العلاقة العامة بين الفرد وجسم الدولة، فقد أصبح الشأن العام، على هذا النحو، عملا عاما لكل فرد، وأصبحت الوظيفة السياسية وظيفة عامة.
لكن كمال مثالية الدولة كان في الوقت نفسه كمال مادية المجتمع البورجوازي. جنبا إلى جنب مع النير السياسي، اهتزت الروابط التي أعاقت الروح الأنانية للمجتمع البورجوازي. لقد كان التحرر السياسي في الوقت نفسه تحرير للمجتمع البورجوازي من السياسة، وحتى من ظهور محتوى عام.
لقد وجد المجتمع الإقطاعي نفسه متحللا في أعماقه، إنسان، لكنه كان حقا الإنسان الأناني السفلي.
الآن، هذا الإنسان، عضو في المجتمع البورجوازي، هو أساس وحالة الدولة السياسية، وقد اعترفت الدولة بذلك في مجال حقوق الإنسان.
لكن حرية الإنسان الأناني والاعتراف بهذه الحرية هو بالأحرى اعتراف بالحركة الجامحة للعناصر الروحية والمادية، التي تشكل حياته.
لذلك لم يتحرر الإنسان من الدين، بل حصل على الحرية الدينية، لم يتحرر من الممتلكات، بل تم منحه حرية الملكية، لم يتحرر من أنانية الصناعة، بل حصل على حرية الصناعة.
إن تكوين الدولة السياسية وتحويل المجتمع البورجوازي إلى أفراد مستقلين، يحكم القانون علاقاتهم، كما كانت علاقات رجال "النقابات" والقضاة محكومة بامتياز، يتم إنجازها من خلال نفس الفعل.
إن الإنسان، كما هو عضو في المجتمع البورجوازي، الإنسان غير السياسي، يظهر بالضرورة كإنسان طبيعي. تأخذ "حقوق الإنسان" مظهر "الحقوق الطبيعية" لأن النشاط الواعي يركز على الفعل السياسي. الإنسان الأناني هو السلبي، معطى ببساطة للمجتمع المتحلل، موضوع اليقين الفوري، وبالتالي الكائن الطبيعي.
إن الثورة السياسية تقسم الحياة البورجوازية إلى عناصرها، دون إحداث ثورة في هذه العناصر نفسها وإخضاعها للنقد. إنها تنتمي إلى المجتمع البورجوازي، إلى عالم الحاجات والعمل والمصالح الخاصة والقانون الخاص، كأساس لوجوده، إلى فرضية لا تحتاج إلى أساس، وبالتالي فهي أساسها الطبيعي.
وأخيرا، فإن الإنسان كما هو، وهو عضو في المجتمع البورجوازي، يعتبر إنسانا حقيقيا، وإنسانا في مقابل المواطن، لأنه إنسان في وجوده الفوري والمعقول والفردي، في حين أن السياسي ليس سوى الإنسان المجرد المصطنع، الإنسان كشخص استعاري وأخلاقي. يتم التعرف على الإنسان الحقيقي أولا فقط في شكل الفرد الأناني، والإنسان الحقيقي في شكل المواطن المجرد.
هذا التجريد للإنسان السياسي، يصفه روسو بشكل ممتاز: "من يجرؤ على التعهد بتأسيس شعب يجب أن يشعر بأنه في حالة لتغيير الطبيعة البشرية، إذا جاز التعبير، لتحويل كل فرد، الذي هو في حد ذاته كل كامل وجزئيا متضامن مع كل أكبر، يتلقى منه هذا الفرد، بطريقة ما، حياته وكيانه، ليحل محل الوجود الجزئي والأخلاقي للوجود المادي والمستقل. يجب أن يسلب من الإنسان قواته الخاصة ويعطيه قوى غريبة عنه ولا يمكنه استخدامها دون مساعدة الآخرين". (العقد الاجتماعي، الكتاب الثاني).
إن كل تحرر هو فقط اختزال العالم الإنساني، العلاقات، مع الإنسان نفسه.
إن التحرر السياسي هو اختزال الإنسان من جهة إلى عضو المجتمع البورجوازي، إلى الفرد الأناني والمستقل، ومن جهة أخرى إلى المواطن، إلى الشخص المعنوي.
لا يتحقق التحرر الإنساني إلا عندما يعترف الإنسان بقواه الخاصة وينظمها كقوى اجتماعية، وبالتالي لم يعد يفصل عنه القوة الاجتماعية في شكل القوة السياسية.
كارل ماركس

ترجمه إلى العربية: علياء نجمي
ــــ ــــ ــــ
يوجد النص كاملا وبصيغة بدف مرفق بمجموعة من الصور على موقع 30 غشت (خانة "بيانات ومواثيق: النماذج الثورية الأساسية"، ضمن ملف "ما يجب أن يعرفه كل مناضل عن النضال الثوري").
http://www.30aout.info

فهرس
مقدمات عامة ....................................................................................................................... 2
1 – النبلاء ........................................................................................................................... 3
2 – رجال الدين .................................................................................................................... 3
3 – الهيئة الثالثة ................................................................................................................... 4
السياق العام للثورة ................................................................................................................ 5
ردة فعل الملك ...................................................................................................................... 8
ردة فعل الشعب: أيام يوليوز ..................................................................................................... 8
الاستيلاء على الباستيل ............................................................................................................ 9
أعمال المجلس التأسيسي: دستور 1791 ...................................................................................... 10
خطباء الجمعية التأسيسية ........................................................................................................ 11
نادي اليعاقبة ........................................................................................................................ 12
بالنسبة للصحف ................................................................................................................... 12
إنجازات المجلس التأسيسي ...................................................................................................... 13
دستور 1791 ....................................................................................................................... 14
إعلان حقوق الإنسان .............................................................................................................. 14
مميزات دستور 1791 ............................................................................................................. 17
1)النظام الانتخابي .................................................................................................................. 17
2) السلطة التشريعية ............................................................................................................... 18
3) السلطة التنفيذية ................................................................................................................. 18
هروب الملك ....................................................................................................................... 20
الجمعية التشريعية ................................................................................................................. 22
الحرب و سقوط الملكية .......................................................................................................... 22
الاستعداد للانتفاضة ............................................................................................................... 22
بيان برونسويك ..................................................................................................................... 23
انتفاضة 10 غشت ................................................................................................................. 24
نتائج انتفاضة 10 غشت .......................................................................................................... 25
حول دكتاتورية الكومونة .......................................................................................................... 26
الاجتياح البروسي و معركة ڤالمي .................................................................................................. 27
في أهمية ڤالمي ...................................................................................................................... 28
الجمهورية الأولى .................................................................................................................... 28
الكونفونسيون (1792 – 1795) ................................................................................................ 28
الجمهورية ........................................................................................................................... 29
اليمين و اليسار داخل الكونفونسيون " .......................................................................................... 29
الجيرونديون ......................................................................................................................... 30
الجبليون ............................................................................................................................. 30
على سبيل الخاتمة .................................................................................................................. 31
مرحلة الدريكتوار ................................................................................................................... 36
النص الأول: إعلان حقوق الإنسان والمواطن، 26 غشت 1789 ......................................................... 39
النص الثاني: إعلان حقوق الإنسان والمواطن، 24 يونيو 1793 .......................................................... 43
النص الثالث: حقوق الإنسان والمواطن، كارل ماركس ...................................................................... 51








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شرطة نيويورك تعتقل عددا من الطلاب المتظاهرين في جامعة كولومب


.. الشرطة في جورجيا تشتبك مع متظاهرين خرجوا ضد مشروع قانون -الع




.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطيني


.. فاتح مايو 2024 في أفق الحروب الأهلية القادمة




.. اعتداء واعتقالات لطلاب متظاهرين في جامعة نيو مكسيكو