الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كريلة تراكم رأس المال من خلال نظرية إعادة الانتاج الاجتماعي

أنكيتشا تشاكارديتش

2023 / 3 / 21
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الفصل السادس عشر من كتاب

Cornell, Drucilla & Gordon, Jane Anna (eds.) (2020). Creolizing Rosa Luxemburg. Rowman & Littlefield Publishers.



لم تكتب لوكسمبورغ الكثير من النصوص حول ما يسمى “مسألة المرأة”. (2) مع ذلك، هذا لا يعني أنه يجب وضع أعمالها جانباً من التاريخ الثوري النسوي. بل على العكس، سيكون غير دقيق الادعاء بأن أعمالها، وخاصة نقدها للاقتصاد السياسي، تفتقر إلى العديد من النقاط المرجعية لتطور السياسة النسوية والتحرر النسائي، تاريخياً وحتى اليوم. مع وضع في ذهننا كتاب لوكسمبورغ تراكم رأس المال وتركيزها الشديد على الديناميات الحية بين الفضاء الرأسمالي وغير الرأسمالي، دعونا ندفع بنظرية لوكسمبورغ خطوة إلى الأمام. هل يمكن الحديث عن “نسوية لوكسمبورغية؟” هل من الممكن الحديث عن مقاربة ماركسية نسوية لنظرية التراكم أو “النسوية اللوكسمبورغية”؟ هل من الممكن إقامة علاقة بين “الديالكتيك المكاني” اللوكسمبورغي ونظرية إعادة الانتاج الاجتماعي؟ هل يمكن استعمال إطار النقد اللوكسمبورغي للاقتصاد السياسي لتحليل ماركسي نسوي لعمل النساء في إعادة الانتاج ودورهن الاقتصادي في إعادة انتاج التراكم؟ في هذا الفصل، سأركز تحليلي على الأسئلة الواردة أعلاه بمزيد من التفصيل؛ أ. عرض لنقد لوكسمبورغ للنسوية البرجوازية، وبعد ذلك، ب. إقامة الرابط بين العناصر الحاسمة في كتاب تراكم رأس المال لروزا ونظرية إعادة الانتاج الاجتماعي.

عشية الحرب العالمية الأولى، وبعد حوالي 15 سنة من التحضير، نشرت روزا لوكسمبروغ كتاباً بعنوان تراكم رأس المال: مساهمة في التفسير الاقتصادي للإمبريالية (Luxemburg, 2015a [1913])، وهو أكثر أعمالها شمولية وواحداً من أكثر الأعمال الكلاسيكية الأصيلة وذات الصلة للاقتصاد الماركسي. كان تراكم رأس المال استكمالاً لمقدمة في الاقتصاد السياسي. (Luxemburg, 2013) (٣)، الذي كتبته روزا في حين كانت تحضّر محاضراتها في الاقتصاد السياسي، بين عامي 1906 و1916 والتي ألقتها في مدرسة الحزب الاشتراكي-الديمقراطي الألماني.

بإيجاز، سعى كتاب تراكم رأس المال إلى طريقة لدراسة وتفسير علمي لظروف الاحتكار الرأسمالي وإعادة الانتاج الموسع والامبريالية، مع الأخذ بعين الاعتبار العلاقة الدينامية بين المكانية الرأسمالية وغير الرأسمالية. اعتقدت لوكسمبورغ أن ماركس قد أهمل التحديد المكاني لرأس المال، في حين ركز في نقده لرأس المال على “الوقت” حصرياً، الذي هو البعد الزمني للديناميات الداخلية لإعادة الانتاج الرأسمالي. في المقابل، سعت لوكسمبورغ إلى “إظهار أن النواة الداخلية لرأس المال تتكون من الدافع لاستهلاك ما هو خارجها- الطبقات غير الرأسمالية” (Hudis, 2014). كان هدف روزا هو صياغة نظريتها الخاصة بإعادة الانتاج الموسع ونقد الاقتصاد الكلاسيكي، والتي لن تحتوي فقط على بعد زمني إنما كذلك على “بعد تحليلي مكاني”. هذا التحديد المكاني للتراكم الرأسمالي أطلق عليها بيتر هوديس “ديالكتيك المكانية” (المصدر نفسه).

أكدت روزا في أعمالها، وخاصة في [كتبها]: مقدمة للاقتصاد السياسي، وتراكم رأس المال، وتراكم رأس المال- الرد على النقد، على أهمية فهم الدافع القوي المتأصل للرأسمالية لتدمير المكونات المجتمعية غير الرأسمالية من أجل إعادة إنتاج نفسها. وقد أثبتت بشكل واضح أن الامبريالية غير منفصلة عن قانون حركة الرأسمالية. في نقدها لمعادلة ماركس لإعادة الانتاج الموسع في نهاية المجلد الثاني من كتاب رأس المال وفي جهدها لتطوير لنظرية التراكم “الزمنية”، شددت على أن “الامبريالية هي الارتباط المكاني لاستحواذ الرأسمالية على الوقت” (المصدر نفسه). في هذا الفصل، أحاجج أن نقد لوكسمبورغ للاقتصاد السياسي حول “ديالكتيكية المكانية” يمكن استعماله لتحليل قسم محدد من إعادة الانتاج الاجتماعي. هدفنا هو اقتراح قراءة ماركسية نسوية محددة لنظرية روزا للتراكم القائمة على تحليل للعلاقة الدينامية بين الأسرة والسوق بهدف اقتراح طريقة تحليلية تذهب أبعد من المقاربة النسوية المعتادة والتي تقوم عادة على حقبات معزولة عن بعضها البعض في حياة لوكسمبورغ. نعتقد أن التحليل النسوي للنظرية اللوكسمبورغية والإرث الثوري يجب أن يبذل جهداً للاستفادة مما تقدمه نظريتها في التراكم وما يستحق فهمه بالمصطلحات الماركسية النسوية في حين نحاول فهم العالم من حولنا وتغييره.

قبل الانتقال إلى التحليل الماركسي النسوي لنظرية التراكم الخاصة بلوكسمبورغ، سنبدي بضعة ملاحظات تمهيدية بشأن ردة الفعل عند نشر كتاب تراكم رأس المال. عندما ظهر الكتاب، وجه الأصدقاء والخصوم على حد سواء انتقادات حادة لعمل لوكسمبورغ خاصة لملاحظاتها لـ”تناقضات ماركس الكبيرة”، والتي اعتقدت أنها “عيوب” في مقاربته لمشكلة التراكم وإعادة الانتاج الموسع من المجلد الثاني من كتاب رأس المال. (4). في رسالة إلى فرانز ميرينغ تشير روزا إلى انتقادات وجهت إليها بما خص كتابها تراكم رأس المال، فكتبت:

“بشكل عام، كنت أدرك تماماً أن الكتاب سيلقى مقاومة على المدى القصير، للأسف، إن “الماركسية” المهيمنة عندنا، مثل عجوز مريض، يخاف من أي نسمة فكرية جديدة، وقد أخذت بعين الاعتبار أنني سأضطر إلى خوض مواجهات كثيرة في البداية”. (Luxemburg, 2011: 324)

أفاد لينين أنها “شوهت ماركس” (وردت في Day and Gaido, 2012: 677)، وأنها “أخطأت في نظرية تراكم رأس المال” (وردت في Brangsch, 2019: 66)، وأن عملها جرى تفسيره على أنه مراجعة لماركس، على الرغم من حقيقة أن لوكسمبورغ هي التي شنت هجوماً عنيفاً على التيارات التحريفية ضمن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. في مواجهتها مع الاشتراكيين الديمقراطيين الذين تجمعوا حول “معلميهم” والتيار الانتهازي الذي “صحح” ماركس في رفضٍ متدرج للمبادئ الاشتراكية والعمل الثوري والأممية، أصرت لوكسمبورغ على تسخير الفكر الماركسي الحي من أجل تقديم استجابات وتفسيرات محددة أكثر للأزمة الاقتصادية المتزايدة والحقائق التي ظهرت حديثاً في الحياة الاقتصادية.

على الرغم من أن كتاب تراكم رأس المال قد قوبل بانتقادات شديدة عند نشره من قبل الأعضاء الانتهازيين الإصلاحيين والتحريفيين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وكذلك من قبل الماركسيين الأرثوذكسيين بقيادة كارل كاوتسكي، لم يكن عملها وحده من تعرض لانتقادات وتشكيك بانتمائه إلى الماركسية. فغالباً ما استعمل هؤلاء النقاد تعبيرات منحطّة بهدف تقويض مصداقية لوكسمبورغ نفسها واعتبارها غير كفؤة أو على أنها ليست على دراية بالنصوص الماركسية. إحدى الأمثلة الجيدة على هذا النوع من النقد ورد عند فرنير سومبار، الذي ذكره في كتابه الاشتراكية البروليتارية:

“الاشتراكيون مستاؤون. وهذا الأمر طبيعي: روح روزا لوكسمبورغ السامة المتعطشة للدماء لطالما كانت مثقلة برباعية سامة: إنها امرأة، أجنبية، يهودية وعرجاء”. (وردت في Bulajić, 1954: viii)

حتى داخل الحزب الشيوعي الألماني أطلق عليها تسمية “سفلسية الكومنترن”، و”قيّم” ماكس فيبر ذات مرة روزا عندما اعتبر أنها “تنتمي إلى حديقة الحيوانات” (وردت في Thomas, 2006: 154). كتبت دونايفسكايا:

“انتشرت الشوفينية الذكورية الخبيثة في كل الحزب، ومن بينهم أوغست بيبيل، مؤلف المرأة والاشتراكية- الذي اخترع هالة حول نفسه بأنه نسوي حقيقي- وكارل كاوتسكي الذي نصّب نفسه المنظّر لمجمل الأممية”. (1981: 27)

كما يستشهد التحليل الاجتماعي المجندر لـ دونايفسكايا كذلك بقسم من رسالة كتب فيها فيكتور أدلر إلى أوغست بيبيل حول موضوع لوكسمبورغ:

“ستلحق الشرموطة السامة الكثير من الضرر، خاصة لأنها ذكية كالسعدان، ومن ناحية أخرى، إن إحساسها بالمسؤولية مفقود بالكامل ودافعها الوحيد هو الرغبة بالانتشار لتبرير نفسها”. (المصدر نفسه)

من الواضح أن السؤال كان نوعاً معيناً من التكتيكات السياسية المحافظة الرامية إلى مهاجمة النساء البارزات، والتي تضمنت تعبيرات متحيزة خطيرة تجاه أعمال لوكسمبورغ. كانت روزا على علم تماماً بالتمييز الجنسي “الخانق” المنتشر ليس فقط في المجتمع إنما كذلك في صفوف الحركة الاشتراكية الديمقراطية. في مقال لها نشر عام 1902 بعنوان: “سؤال تكتيكي”، كتبت:

“في الحياة السياسية [الاشتراكية الديمقراطية] والاجتماعية كذلك، هبت رياح قوية وجديدة مع التحرر السياسي للنساء، والذي من شأنه إزالة الهواء الخانق من الحياة الأسرية الحالية التافهة التي تفسد بشكل واضح، حتى أعضاء حزبنا، من العمال والقادة فيه”. (Luxemburg, 2004a: 236)

في مقدمة كتابها “تراكم رأس المال- الرد على النقد” شددت على أنه لم يتلقَ أي كتاب ماركسي آخر مثل هذه الانتقادات القاسية التي تعرض لها كتابها:

“على حد علمي لم يلقَ أي منشور حزبي مثل هذا المصير، طوال عقود لم ينتج الناشرون الاشتراكيون الديمقراطيون ذهباً ولؤلؤاً. تدل هذه الأحداث بوضوح، بشكل أو آخر، إلى وجود اهتمامات للعمل بعيداً عن “العلم البحت””. (Luxemburg, 2015b: 348)

على الرغم من أن هذا الجانب هو هام للتاريخ الاجتماعي والجندري والذي لن أناقشه ههنا بكثير من التفصيل، إلا أن انتشاره في كل مكان يتطلب أخذه بعين الاعتبار خلال مناقشة النقد النظري وشبه النظري لكتاب تراكم رأس المال وتجربة روزا كمنظّرة ومعلمة وثورية.

مع الأخذ بعين الاعتبار أن النصوص التي تعالج البعد النسوي لنظرية لوكسمبورغ هي قليلة ومتباعدة، (5) سنحاول هنا تقديم مساهمة في ماركسية-نسوية روزا لوكسمبورغ أو ما ما يسمى “النسوية اللوكسمبورغية”. إذا كانت التحليلات النسوية لأعمال لوكسمبورغ نادرة بشكل عام، فمن النادر وجود تفاعلات نسوية مع كتابها تراكم رأس المال. (6) وإذا كان هناك أي اهتمام بالتفسير النسوي لعمل لوكسمبورغ فإنه عادة ما يُربط بحياتها الشخصية وأحياناً بنقدها للاقتصاد السياسي.

لأن كتابات لوكسمبورغ لم تكن كثيرة حيال “مسألة المرأة” فقد ساهم ذلك بكل تأكيد في حقيقة أن موضوع معظم التفسيرات لنسوية لوكسمبورغ مرتبطة بحقبات من حياتها وحميميتها. وهي، بطبيعة الحال، مواضيع مهمة جداً، خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدراسات التاريخية قد تجنبت تقليدياً النساء وتجاربهن. مع ذلك، هنا في هذا النص نهدف إلى الابتعاد عن هذا النوع من التفسيرات بهدف تحليل كتابات روزا لوكسمبورغ حول النساء، ولكن نهدف كذلك لإظهار أن كتاب روزا تراكم رأس المال يمكن كريلته عبر مقاطعته مع نظرية إعادة الانتاج الاجتماعي الماركسية النسوية. وفي حين نطور مثل هذه المقاربة سنسأل عدة أسئلة، مثل: ما تخبرنا نصوص لوكسمبورغ القليلة والخطابات المكتوبة عن “مسألة المرأة” عن نسويتها؟ هل يمكن استعمال هذه الأعمال لتحديد النقاط الدلالية لإقامة ارتباطات مع نقدها للاقتصاد السياسي؟ الإجابات عن هذه الأسئلة تؤكد النسوية اللوكسمبورغية أو حتى هي نسخة محدثة عن نقد لوكسمبورغ الشديد للنسوية البرجوازية التي فشلت في معالجة التفاوت الطبقي في سياق النيوليبرالية. في القسم الآتي، سنحاول تحديد موقف روزا الأساسي تجاه ما يسمى “مسألة المرأة”. بهدف إقامة، في القسم الذي يليه، صلة بأطروحتها حول تراكم رأس المال ودور المكانية غير الرأسمالية في السيرورات المتعددة المستويات لإعادة الانتاج الاجتماعي.

نقد روزا للنسوية البرجوازية

لم تكرس روزا نفسها بشكل حصري لتنظيم مجموعات العاملات، فنشاطها في هذا المجال حُجب بواقع أنها كانت تناضل خلف الكواليس. فقد دعمت بقوة العمل التنظيمي للحركة النسائية الاشتراكية، وكانت مدركة لأهمية وصعوبات الحياة العملية لتحرر النساء. وهي عادة ما أظهرت دعمها من خلال تعاونها مع صديقتها المقربة كلارا زيتكين. في إحدى رسائلها لزيتكين، نقرأ كيف كانت متحمسة ومهتمة عندما كان الأمر يتعلق بالحركة النسائية: “متى ستكتبين لي تلك الرسالة الهامة حول الحركة النسائية؟ في الحقيقة، أنا أترجاك حتى لو كانت رسالة واحدة وصغيرة!” (Luxemburg, 2011: 153) وبما خص اهتمامها بالحركة النسائية، أفادت في إحدى خطبها: “لا يمكنني إلا التعجب من الرفيقة زيتكين… ستتحمل عبء هذا العمل” (Luxemburg, 2004c: 237). أخيراً، وعلى الرغم من أنه نادراً ما عرّفت نفسها بأنها نسوية، فقد كتبت في رسالة إلى لويز كاوتسكي: “هل ستأتين إلى مؤتمر النساء؟ تخيلي، لقد أصبحت نسوية!” (وردت في Dunayevskaya, 1981: 95).

إلى جانب حقيقة أنها كانت تعمل “خلف الكواليس” وتظهر اهتمامها على نحو خاص بـ”مسألة المرأة” إلا أنها لطالما انخرطت في نقاشات مفتوحة حول المشكلة الطبقية التي واجهتها الحركة النسائية. في خطاب لها عام 1912 بعنوان “حق النساء بالتصويت والصراع الطبقي” انتقدت لوكسمبورغ النسوية البرجوازية وأشارت بحزم إلى التالي:

“أصبحت الملكية وغياب حق النساء بالتصويت من أهم أدوات الطبقة الحاكمة الرأسمالية… إذا كانت المسألة هي تصويت النساء البرجوازيات، فلا يمكن للدولة الرأسمالية إلا أن تتوقع الدعم الفعال للرجعية. وأغلب هؤلاء البرجوازيات اللواتي يتصرفن كلبوات في النضال ضد “الامتيازات الذكورية” سيركضن كالحملان الطيعة في معسكر الرجعية المحافظة ورجال الدين إذا حصلن على الحق بالتصويت”. (Luxemburg, 2004d: 240)

لعبت مسألة حق النساء بالتصويت إلى جانب فلسفة المفهوم الجديد للقانون القائم على أساس الحقوق الفردية دوراً مهماً في ما يسمى بالانتقال الكبير من الإقطاعية إلى الرأسمالية. بالنسبة لروزا لوكسمبورغ، إن مسألة حق النساء بالاقتراع هو مسألة تكتيكية، لأنها تضفي الطابع الرسمي، بحسب كلماتها، و[تظهر] “النضج السياسي” الراسخ فعلياً للبروليتاريات. وهي تشدد على أنها ليست مسألة، تامة وذات معنى، لدعم منفرد للاقتراع، إنما تتعلق بدعم حق الاقتراع العام الذي يمكّن للحركة الاشتراكية النسائية من تطوير استراتيجية للنضال من أجل تحرر النساء والطبقة العاملة بشكل عام. مع ذلك، إن الاستراتيجية القانونية الليبرالية لتحقيق حق الاقتراع لم تكن شاملة للطبقة العاملة ولم تهدف إلى إسقاط النظام الرأسمالي. بعيداً عن ذلك، بالنسبة إلى روزا، إن ميتافيزيقيا الحقوق الفردية في إطار مشروع سياسي ليبرالي تعمل في المقام الأول على حماية الملكية الخاصة وتراكم رأس المال. لا تنشأ الحقوق الليبرالية كنتيجة للظروف الاجتماعية، إنما تقدم على أنها مجرد صورة مجردة، ما يجعل من مسألة تطبيقها الفعلي أمراً مستحيلاً. وكما جادلت باحتقار: “إنها مجرد قمامة شكلية نقلت ورددت ببغائياً في كثير من الأوقات لدرجة لم تعد تحتفظ بأي معنى عملي” (Luxemburg, 2004a: 235). رفضت لوكسمبورغ التعريف التقليدي للحقوق المدنية بكل معنى الكلمة، من بينها النضال من أجل حق النساء بالتصويت، وأشارت إلى تشابهه مع النضال من أجل الحق بتقرير المصير القومي.

“لأن الديالكتيك التاريخي قد أظهر عدم وجود حقائق “أبدية” وأنه لا توجد “حقوق”… على حد تعبير إنغلز، “ما هو جيد الآن وهنا، هو سيء في مكان آخر، والعكس صحيح”- أو أن ما هو صحيح ومعقول في بعض الظروف يصبح لا معنى له وعبثياً في ظروف أخرى. علمتنا المادية التاريخية أن المحتوى الحقيقي لهذه الحقائق والحقوق والصيغ “الأبدية” يتحدد فقط من خلال الظروف الاجتماعية المادية للبيئة في حقبة تاريخية محددة”. (Luxemburg, 1976: 111)

ما تقترحه روزا في الاقتباس السابق من “حق النساء بالاقتراع والصراع الطبقي” يتعلق بالمشكلات الكلاسيكية التي أثيرت ونوقشت في إطار النسوية الاشتركية في أواخر القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر: دور النسوية البرجوازية في إعادة إنتاج الرأسمالية واستعمال النسوية كوسيلة لتحقيق الربح. عندما تكون الرأسمالية في أزمة أو تحتاج إلى “حلفاء” لتعزيز قواها أو لزيادة تراكم رأس المال، فإنها تدمج “الآخرين” المهمشين في بنيتها السياسية الليبرالية القانونية، سواء كانوا من النساء أو الأطفال أو من الأعراق غير البيضاء، أو من مجتمعات الميم*- أي كل من تريد التخلص منه [من نضاليته] أو من يحتمل أن يكون مفيداً [بهدف تحقيق] المزيد من السلعنة:

“بالتالي إن أحد الشروط الأساسية للتراكم هو تأمين العمالة المتوافقة مع متطلباته، وهذا ما يحرك رأس المال… لذلك ينبغي أن تعبّر الزيادة التدريجية عن نفسها في رأس المال المتغير المرافق للتراكم في توظيف قوى عاملة متزايدة. رغم ذلك، من أين تأتي القوى العاملة الإضافية”؟ (Luxemburg, 2015a: 330)

وبحسب نظرية روزا الاقتصادية، إن نمط الانتاج الرأسمالي يعيد انتاج نفسه عن طريق خلق قيم فائضة، والذي لا يمكن التعجيل في استيعابها إلا عن طريق التوسع المرافِق للانتاج الرأسمالي الذي يخلق الفائض. من ثم، من الضروري ضمان إعادة انتاج الانتاج بكميات أكبر من قبل، وهذا يعني أن توسع رأس المال هو القانون المطلق الذي يحكم بقاء أي رأسمالي. في كتاب تراكم رأس المال، حددت روزا مقدمات لفهم الرأسمالية كعلاقة اجتماعية تنتج أزمات بشكل دائم وتواجه بالضرورة حدوداً موضوعية للطلب والتوسع. بهذا المعنى، طورت نظرية الامبريالية على أساس تحليل عملية الانتاج الاجتماعي وتراكم رأس المال المحقق من قبل “مجموعات غير رأسمالية” متعددة:

“لا يمكن أن يكون هناك شك في أن تفسير الجذر الاقتصادي للإمبريالية يجب أن يأتي على نحو خاص من [فهم صحيح لـ] قوانين تراكم رأس المال، بالنسبة للامبريالية ووفقاً لملاحظة امبريقية عالمية، فهي ليست سوى طريقة محددة للتراكم… يكمن جوهر الامبريالية على نحو محدد في توسع رأس المال من البلاد الرأسمالية القديمة إلى مناطق جديدة والصراع الاقتصادي والسياسي التنافسي بين أولئك من أجل [السيطرة] على مناطق جديدة”. (Luxemburg, 2015b: 449–50)

على العكس من ماركس، الذي جرّد التراكم الفعلي من قبل دول رأسمالية محددة وعلاقاتها عبر التجارة الخارجية، ادعت لوكسمبورغ أنه لا يمكن مناقشة إعادة الانتاج الموسع في سياق مجتمع رأسمالي من النوع المثالي. (7) وبهدف جعل قضية إعادة الانتاج الموسع أسهل على الفهم، جرّد ماركس التجارة الخارجية وتفحّص دولة معزولة، لعرض كيفية تحقيق فائض القيمة في مجتمع رأسمالي مثالي يسيطر عليه قانون القيمة الذي هو قانون السوق العالمية. (8)

على الرغم من اعتراضات لوكسمبورغ، إلا أنها تدرك مع ذلك أن تحليل ماركس لمشكلة رأس المال المتغير كأساس لتأسيس مسألة قانون تراكم رأس المال، هو مفتاح لنظريتها الاجتماعية-الاقتصادية. كذلك، إن هذه الخط من الحجة يسمح بفهم التمييز المهم جداً بين العمل المنتج والعمل غير المنتج، (9) والذي من دونه سيكون مستحيلاً فهم نظرية إعادة الانتاج الاجتماعي كردة فعل محددة للاقتصاد الكلاسيكي الجديد وشراكته مع النسوية الليبرالية. ولهذا السبب بالضبط تقتبس روزا في كتاب تراكم رأس المال من كتابات ماركس:

“يمكن أن يزداد عدد الشعب العامل، عندما يتحول العمال غير المنتجين سابقاً إلى عمال منتجين، أو تنجذب فئات من السكان الذين لم يعملوا في السابق، مثل النساء والأطفال، أو الفقراء إلى عملية الانتاج”. (Luxemburg, 2015b: 587)

من الواضح أن هذا النوع من الاقتصاد والتضمين الليبرالي “للشعب العامل” يتمتع بإمكانيات ديمقراطية ضحلة ويفتقر إلى أي تطلع لتحرير الطبقة المضطهدة. بحيث تخصص الحقوق على نحو حذر، على أساس مستوى الهوية (على عكس المستوى الاجتماعي المادي)، وحصرياً بحسب الصيغة المصممة أساساً لحماية إعادة إنتاج نمط الانتاج الرأسمالي. لم تكترث البرجوزايات في بداية القرن التاسع عشر بإلغاء النظام الطبقي، إنما على العكس، فكن يؤيدنه. أكثر من ذلك، إن الحركة النسوية البرجوازية أيدت الرأسمالية وموقف طبقتهن وتجاهلن حقوق نساء الطبقة العاملة. وسارت عملية تراكم رأس المال، والدولة الحديثة، وتطلعات الليبرالية، ثم النسوية البرجوازية على نفس المسار:

“على المستوى الشكلي، تتوافق الحقوق السياسية للنساء بكل تناغم مع الدولة البرجوازية. تظهر أمثلة فنلندا والولايات المتحدة، وبعض البلديات، أن سياسة المساواة في الحقوق للنساء لم تسقط الدولة، ولم تتغلب على هيمنة رأس المال”. (Luxemburg, 2004b: 244)

تفسر لوكسمبورغ أن دور حركة حق النساء بالتصويت هو رجعي ليس فقط لأن النساء البرجوازيات قد فشلن في دعم نضال حقوق العمال والحقوق الاجتماعية للعاملات، ولكن كذلك بسبب مشاركتهن الفاعلة في تصاعد قمع النساء الناشئ عن العلاقات الاجتماعية القائمة على عمل النساء في إعادة الانتاج داخل الأسرة. تتشكل النقطة المركزية الأساسية في نظرية لوكسمبورغ عن الاقتصاد من صدام مؤكد مع الاقتصاد السياسي الكلاسيكي. بالتالي، لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن موضوعات نقدها تتضمن كذلك على وجه التحديد تلك الظواهر والسيرورات الاجتماعية التي تمكّن الرأسمالية: الليبرالية ودور البرجوازية في الانتقال من الملكية الإقطاعية إلى الرأسمالية. الحقوق والقوانين والعقود الاجتماعية الحديثة هي مؤسسات لعبت دوراً رسمياً تاريخياً في تأكيد الرأسمالية. (10) ولكن كذلك لعبت البرجوازيات دوراً مهماً في الحفاظ على البنية الطبقية الرأسمالية. من ناحية، تطالب نساء الطبقة البرجوازية بالحق السياسي بالتصويت فقط للنساء من الطبقة الحاكمة، ومن وجهة نظر فردية، لسن معنيات بمعالجة الأسباب الطبقية لاضطهاد النساء. من وجهة نظر لوكسمبورغ، إن دور البرجوازيات مهم جداً ويساهم في إدامة العلاقات الاجتماعية القائمة:

“ما عدا القليلات اللواتي يعملن في وظائف أو مهن، لا تشارك البرجوازيات بالانتاج الاجتماعي. هن لسن سوى مشاركات في استهلاك لفائض القيمة الذي يمتصه رجالهن من البروليتاريا”. (Luxemburg, 2004d: 240)

من خلال معارضة أهداف البرجوازيات للأهداف التي تدعمها البروليتاريات، أوضحت روزا أن المشكلة ليست فقط مجندرة، “مسألة المرأة”، إنما هي كذلك مسألة طبقية. إن الحديث عن النساء بشكل عام مع التظاهر بالشمولية لن يكون مفيداً لأن التحليل الجندري بدون تحليل طبقي سيكون اختزالياً. لا تشارك نساء الطبقات العليا في أغلب الأحوال في الانتاج ضمن إطار عمليات السوق وبالتالي هن يستهلكن فائض القيمة، الذي امتُص من خلال استغلال الطبقة العاملة؛ بالتالي، إن دورهن في إعادة انتاج العلاقات الاجتماعية هو ذات “طبيعة طفيلية”:

“هن طفيليات الجسم الاجتماعي. وعادة ما يكون المشاركون/ات في الاستهلاك أكثر جرأة ووحشية في الدفاع عن “حقهم/ن” في حياة الطفيلي/ة من الوكلاء المباشرين للحكم الطبقي والاستغلالي”. (المصدر نفسه)

وبالتالي، تضيف روزا، إن الدور الاجتماعي للبرجوازيات هو في الحفاظ على النظام القائم وإعادة إنتاجه؛ وفي أغلب الحالات، لا يشاركن في إعادة الانتاج الاجتماعي ويعملن كمشاركات طفيليات في الاستهلاك. بعد تمكينهن إثر نيلهن الحق بالتصويت، دعمْنَ بشراسة الطبقة السائدة، ودعمْنَ الدولة البرجوازية وهيمنة رأس المال:

“ستدافع نساء الطبقات المالكة للممتلكات دوماً بتشدد عن استغلال واستعباد الشعب العامل اللواتي يتلقين منه بشكل غير مباشر وسائل وجودهن غير المجدي اجتماعياً”. (المصدر نفسه)

لم تكن روزا لوحدها في نقدها للنسوية البرجوازية. ساهمت كلارا زيتكين ونادية كروبسكايا وألكسندرا كولونتاي، من بين أخريات، بدرجات كبيرة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار وجهة نظرهن تجاه المواقف الرجعية للنساء الليبراليات بما خص مسألة تحرر النساء. نشأت المطالب الأممية للاشتراكيات كنتيجة لدوافع وأسباب مادية اجتماعية، في النهاية وجْدنَ قواسم مشتركة مع الرجال المنتمين إلى نفس الطبقة أكثر من النساء من الطبقات العليا. كان هذا الموقف على الرغم من حقيقة أن ظهور النساء، تاريخياً، في سوق العمل كثيراً ما نظر إليه على أنه محاولة إدخال يد عاملة أرخص منافسة لذكور الطبقة العاملة، ما أدى إلى انخفاض في الرواتب. ونظراً إلى مشكلة نساء الطبقة العاملة، أشارت الاشتراكيات إلى أن عبء العمل [الواقع] على النساء قد فاقم وضعهن أكثر بسبب عملهن في إعادة الانتاج في مجال الأسرة. يمكن للمرء التحدث عن “الموجة الأولى” لنظرية “أولية” إعادة الانتاج الاجتماعي، حين تشير زيتكين إلى: “تتعرض النساء للاضطهاد المزدوج، من قبل الرأسمالية، وعملهن المنزلي” (وردت في Riddell, 2014).

نظرية إعادة الانتاج الاجتماعي ونظرية التراكم اللوكسمبورغية

إن وجهة نظر روزا الماركسية في كل تحليلاتها للاقتصاد، وخاصة في كتاب تراكم رأس المال، تتأتى من نقد الاقتصاد الكلاسيكي والمكونات الاجتماعية الرأسمالية. في تحليلها الاقتصادي-الاجتماعي للعمل ونظرية القيمة للعمل، قدمت لوكسمبورغ، متبعةً ماركس، تمييزاً بين العمل المنتج وغير المنتج. جاءت إحدى الأمثلة من تفسيرها للدور المجتمعي للأسرة. مستشهدة بإنغلز، في خطاب لها عام 1912، حين ميزت بين العمل في السوق والعمل المنزلي، وبالتالي أرست أسساً لنظرية مبكرة لإعادة الانتاج الاجتماعي:

“هذا النوع من العمل [تربية الأولاد، أو أعمالهن المنزلية] هي غير منتجة بمعنى الاقتصاد الرأسمالي الحالي لا همّ مدى حجم التضحية والطاقة التي تتطلبها هذه الأعمال، فإن الجهود القليلة تضاف إلى الآلاف مثلها. هذا ليس سوى شأن خاص بالعامل، للحصول على سعادته ورضاه، ولهذا السبب هي غير موجودة في مجتمعنا الحالي. وطالما أن الرأسمالية ونظام الأجور يحكمان، فإن هذا النوع من العمل وحده الذي يُعتبر منتجاً وينتج فائض القيمة، والذي يحقق الربح للرأسمالية. من وجهة النظر هذه، إن الراقصة التي تنتج ساقيها أرباحاً لصاحب عملها هي عاملة منتجة، في حين أن كل مجهودات النساء والبروليتاريات بين الجدران الأربعة لمنازلهن تعتبر غير منتجة. يبدو هذا الأمر وحشياً وجنونياً، ولكن يتوافق تماماً مع وحشية وجنون النظام الاقتصادي الرأسمالي الحالي. ورؤية هذه الوحشية بوضوح هي المهمة الأولى للبروليتاريّة”. (Luxemburg, 2004d: 241)

ركزت روزا في مقالتها “المرأة البروليتارية” التي استشهدت بها فوق، على قضية “النضج السياسي” لنساء الطبقة العاملة والطرق التي أثرت فيها فردية الطبقة الحاكمة خلال الانتقال من الإقطاعية إلى الرأسمالية بشكل كبير على إعادة هيكلة العائلة وتقسيم العمل الجندري داخلها. وأكملت القول إن البرجوازيات، اللواتي عشن بسلاسة إلى جانب عمليات إقامة وشرعنة الملكية الخاصة، لم يكترثن بالنضالات المرتبطة بإدماج النساء في “ورشة الانتاج الاجتماعي الكبرى”، وكذلك، كيف “أن العالم بالنسبة للبرجوازيات المالكات للممتلكات هو بيتهن” (Luxemburg, 2004b: 243). ولأن البرجوازيات لا يشاركن في الوظائف الاقتصادية للمجتمع، فقد أكدت لوكسمبورغ أن الظهور التاريخي للنساء في المجال الانتاجي يتميز بردة فعل محافظة جداً. إنها بنية الرأسمالية التي تشرعنت بعد زوال الإقطاعية وفق نمط محدد وجديد بالكامل لإعادة الانتاج الاجتماعي. وبحسب كلمات ليز فوغل، نشأت فجوة كبيرة بين مجال فائض الانتاج والمجال المنزلي في الرأسمالية:

“في وقت تحمل النساء تاريخياً مسؤولية أكبر عن المهام المستمرة للعمل الضروري في المجتمعات الطبقية، فليس دقيقاً القول إن هناك مجالاً منزلياً منفصلاً عن عالم الانتاج العام. في المجتمعات الطبقية القائمة على الزراعة- الإقطاعية، على سبيل المثال- غالباً ما تتكامل العمليات الضرورية للعمل مع عمليات إنتاج فائض القيمة. إنه تطور الرأسمالية… التي تخلق فاصلاً واضحاً بين المساحة التي تتحقق فيها العمالة الفائضة والمساحة التي يمكن أن تسمى على نحو صحيح منزلية. إلى الحد الذي يشدد فيه المحللون على شمولية بعض المجالات المنزلية الثابتة، فإنهم في الواقع يسقطون على المجتمعات الطبقية غير الرأسمالية تمييزاً هو نتاج علاقات الانتاج الرأسمالية”. (Vogel, 2013: 152)

بالتالي، ظهرت النساء لأول مرة في التاريخ كقوة عاملة تعيد انتاج نمط الانتاج الرأسمالي والطبقة العاملة عينها، من خلال الاعتناء بأعضاء العائلة العاملين والعاطلين عن العمل (الأطفال والمسنين). شددت روزا على القضية التحليلية الأساسية التي نواجهها إذا أردنا اعتبار أن وضع المرأة عائد إلى أيديولوجية “العداء” بين الرجال والنساء، بدلاً من نمط الانتاج الرأسمالي. يوضح هذا التحذير مدى الخطأ والاختزال، بحسب روزا، عند تفسير أن اضطهاد النساء عابر للتاريخ وبالاستناد إلى الخط النسوي الليبرالي، بدلاً من تفسيره على أنه ناتج عن العداء بين الرأسمال والعمل:

“إن الدعوة إلى تحقيق المساواة للنساء، المنتشرة على نحو جيد بين البرجوازيات، هي أيديولوجيا صافية لبعض المجموعات الضعيفة الفاقدة للجذور المادية، تنشر بكل غرابة شبح العداء بين الرجال والنساء. بالتالي هي الوجه الهزلي لحركة الحق بالاقتراع”. (Luxemburg, 2004b: 243)

تتخذ ليز فوغل موقفاً نقدياً مشابهاً جداً في كتابها الماركسية واضطهاد النساء:

“في المجال النظري، إن المطلب الأول نحو المزيد من المضي قدماً هو التخلي عن فكرة أن ما يسمى بمسألة المرأة تمثل فئة مناسبة للتحليل”. (Vogel, 2013: 142)

تبدأ روزا كتابها تراكم رأس المال مع “مشكلة إعادة الانتاج”. وتشير إلى أن مشكلة إعادة انتاج لمجمل رأس المال الاجتماعي حددها ماركس في نظريته عن الاقتصاد السياسي (Luxemburg, 2015a: 43). وتمضي شارحة أن إعادة الانتاج هي تكرار، “تجديد لعملية الانتاج”، من ثم توحي أن التكرار المنتظم للانتاج هو الشرط المسبق العام والأساس للاستهلاك المنتظم، وبالتالي هو الشرط الأساسي للحضارة الإنسانية في كل جانب من جوانبها التاريخية. (المصدر نفسه)

لكي يستمر المجتمع، فإنه يحتاج إلى أن يعاد انتاجه. تشير نظرية إعادة الانتاج الاجتماعي إلى أن “إعادة الانتاج” قد تشير إما إلى عملية تجديد ظروف الانتاج التي تتيح المجتمع البقاء أو إلى تجديد الجنس البشري [التكاثر] (Čakardić, 2018). لتبسيط الأمر، سأستعمل مثال العمل الصناعي الكلاسيكي، هذا يعني أن إعادة الانتاج هي لتأمين عملية العمل وانتظامه والاستثمار في الآلات والمصانع والمواد الخام. عندما تتعطل الآلات، تحتاج إلى الإصلاح أو الاستبدال، أو لشراء آلات جديدة مكانها. أكثر من ذلك، يجب تأمين القوى العاملة التي تنتج وتعيد انتاج علاقات المجتمع. تماماً مثل الآلات، عندما يشيخ العمال أو يموتون، “يستبدلون”، في حين يحتاج من هم في سن العمل إلى الطعام والراحة من أجل تجديد قوة عملهم وأن يكونوا على استعداد كامل للعمل:

وبهدف تقديم حججي المتعلقة بالصلة بين روزا ونظرية إعادة الانتاج الاجتماعي بشكل واضح، سأشرح الطرق التي أنوي عبرها استعمال النقاط والمفاهيم الأساسية. (11) سأتولى مهمة وضع “إعادة انتاج قوة العمل في سياق إعادة الانتاج الاجتماعي الشامل”، ولأن هذا الجانب من إعادة الانتاج لم يتم التعامل معه على نحو مناسب في التقليد المعاصر للنظرية الاشتراكية، كما أشارت ليز فوغل (2013: 142).

في نمط الانتاج الرأسمالي، يؤمن الرأسمالي من خلال السوق الوسائل اللازمة لتشغيل المصنع وأجور العمال. يتيح العمل المأجور للطبقة العاملة تأمين/استهلاك العناصر والخدمات الضرورية للحياة- مثل الطعام والملابس وتأمين نفقات البيت- مع ذلك، تلبى مثل هذه الاحتياجات في المنزل وليس في السوق. أكثر من ذلك، لتناول الطعام، يحتاج الإنسان إلى إعداد طعامه؛ إذا اشترى الملابس فإنها تحتاج إلى الغسل والكي والصيانة، إضافة إلى ذلك، ينبغي تأمين الرعاية الجسدية لأفراد الأسرة من المسنين والأطفال. على العكس من العمل في المجال “المنتج” بالمجتمع، ينتمي العمل المنزلي إلى مجال “إعادة الانتاج”. وختاماً، إن الرأسماليين والعمال، بشكل أو بآخر، يستهلكون الطعام المحضر في البيت، ويرتدون الملابس التي يتعين غسلها، يعتمدون على نوع آخر من عمل إعادة الانتاج. بالتالي، يحصل التوسط في حياتهم وعملهم في المجال الانتاجي من خلال مجموعة من الأنشطة التي تنتمي إلى المجال المنزلي. يكمن جزء كبير من المشكلة في حقيقة أن الطبقتين العاملة والرأسمالية تريان أن عمل إعادة الانتاج لا يحتاج إلى تفسير، أو تعتبرانه مسألة مسلم بها، وأنه عمل “طبيعي”. تشير هذه الفجوة البنيوية والمكانية بين المجالين الإنتاجي وإعادة الانتاج للمجتمع إلى السبب الأساسي لاضطهاد النساء في الرأسمالية. وفق أي أساس يمكن تقديم هذا الادعاء؟

تاريخياً، غالباً ما تتولى النساء إعادة انتاج الطبقة العاملة خارج المجال الانتاجي ومجاناً. (12) تمثل إعادة انتاج الطبقة العاملة في الرأسمالية ثلاثة جوانب من العمل الضروري: (أ) الاعتناء بالمنتجين المباشرين، (ب) الاعتناء بالأفراد غير المنتجين من الطبقة التابعة (عادة ما تتضمن رعاية كبار السن والأولاد والعاطلين عن العمل)، (ج) تجديد أجيال من العمال وحياتهم (تعتبر الولادة أمراً مسلماً به على أنها تكاثر بيولوجي لقوة عمل جديدة) (Ibid: 150). يشير هذا المستوى الأنطولوجي إلى المشكلة: هذه الأنشطة لا تُصنّف عملاً (تحضير الطعام، التنظيف والرعاية والرضاعة، والولادة) والافتقار إلى أي قيمة سوقية لا يعتبر عمالة. الحساب واضح هنا: إذا جرى نقل العمل المطلوب، على سبيل المثال، إلى رأسمالي لديه موظف، فسيكون ملزماً بتنظيم مجموعة من الأنشطة، واستثمار الوقت والمال التي تكون تقليدياً مجانية وتشكل عبئاً على الأسرة، بكلمات أخرى، إلى النساء. تتطلب المسألة توزيعاً بديلاً أكثر مساواة وكذلك تحولات كبيرة في الموقف تجاه السوق، وتغييرات في التكلفة وبالتالي هي غير مجدية.

لقد عالجت النسوية الماركسية مشكلة إعادة الانتاج الاجتماعي من خلال عدة طرق. (13) قدمت النسويات الداعمات لحملة “أجور مقابل العمل المنزلي” في النظام المزدوج [رأسمالي-بطريركي] مقاربة أولى. كما هناك مقاربة (مادية) ثانية يمكن العثور عليها في توصيف كريستين دلفي لإعادة الانتاج الاجتماعي التي تعتبرها سلسلة من الإجراءات التي تحصل في المجال المنزلي، والتي تعتبرها نمطاً منفصلاً للانتاج. أخيراً، تقدم ليز فوغل مقاربة “وحدوية”، حيث تعرّف إعادة الانتاج الاجتماعي أنها إعادة إنتاج متزامنة للقوى العاملة والمجتمع الطبقي.

بدأت النسويات الأتونوميات المشاركات في حملة أجور مقابل العمل المنزلي نقاشاً في بداية السبعينيات بما خص عمالة النساء غير المأجورة. وقد نشر ذلك في كتيب مارياروزا دالا كوستا وسلمى جايمس (1975)، قوة النساء وانشقاق المجتمع، وتبعه لاحقاً نص كتبته سيلفيا فيديرتشي (2012)، “أجور مقابل العمل المنزلي”، وكتاب “سر إعادة الانتاج” للكاتبة ليوبولدينا فورتوناتي، تماماً مثل روزا لوكسمبورغ، بدأ الكتاب بصيغة ماركس c + v + s [تباعاً: رأس المال الدائم + رأس المال المتغير+ فائض القيمة] في محاولة لتطوير نظرية ماركس للقيمة في العمل من خلال التركيز على دور عمل إعادة الانتاج في انتاج فائض القيمة. على الرغم من أنها أساءت تفسير نموذج نظرية العمل للقيمة من خلال مساواة العمل الانتاجي وعمل إعادة الانتاج (كما هو الحال كذلك مع حملة أجر مقابل العمل المنزلي، التي حاولت تطبيق نموذج تجريدي على الأسر الفردية)، رغم ذلك حققت قفزة معرفية كبيرة في كل من النظرية النسوية والماركسية من خلال الإشارة إلى ديالكتيك العائلة والسوق: التراكم غير ممكن من دون عمل إعادة الانتاج.

تقوم الوحدة التحليلية في نظرية فورتوناتي السياسية-الاقتصادية من خلال (ما تعتبره) “النقيض الواضح”: الانتاج/إعادة الانتاج. وهي تعتقد أن نمط الانتاج الرأسمالي ودوراته لا يمكن تحليله بالكامل مع التمسك بالأنطولوجيا المزدوجة التي تشير إلى أن الانتاج يعني قيمة في حين تعني إعادة الانتاج لا قيمة. أكثر من ذلك، وبحسب فهمها، إن هذا يمثل إغفالاً وخطأً منهجياً في الماركسية. إن نقد الحجة الطبيعانية (التي ترى أن عمل إعادة الانتاج مسألة طبيعية، مقابل العمل الناتج عن علاقات الانتاج) بهذا المعنى يعني كذلك التشكيك بالنظرية القائلة إن الانتاج لوحده هو الذي يخلق فائض القيمة- على عكس إعادة الانتاج، التي وفق التفسير الماركسي، ليس لديها هذه الإمكانية. باختصار، تشكك فورتوناتي بافتراضات الماركسيين الأرثوذوكسيين الذين يدعون أن عمل إعادة الانتاج هو شرط مسبق لانتاج القيمة، لكنه لا قيمة له في حد ذاته.

تحاجج ليز فوغل، كرد منها على الجدل حول العمل المنزلي، بأن عمل إعادة الانتاج لا ينتج فائض قيمة، إنما يستعمل القيمة فقط. كما تستعمل نظرية ماركس للتراكم حتى تقدم تفسيراً بديلاً لاضطهاد النساء. على الرغم من أن النقاش حول العمل المنزلي قد أنتج وجهة نظر للعمل المنزلي تعتبره “عملاً منتجاً- سيرورة أو مجموعة من الأنشطة التي تعتمد عليها إعادة إنتاج المجتمع (الرأسمالي) ككل” (Ferguson and McNally, 2013: xix)، بالكاد نستطيع العثور على مساهمة أكثر أهمية للأسس الاجتماعية المادية لاضطهاد النساء وفق التعابير للاقتصاد السياسي الماركسي. كذلك كان هذا النقاش من دون شك بمثابة نقطة انطلاق لكتاب الماركسية واضطهاد النساء [ليز فوغل]، خاصة بقدر ما قدم إطاراً تحليلياً “توحيدياً” لتنظير العمل المنزلي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من نمط الانتاج الرأسمالي.

عندما انتقدت روزا ( كبقية النسويات الاشتراكيات في نهاية القرن التاسع عشر) الحركة النسوية البرجوازية وصرحت أن اضطهاد النساء هو جزء من نمط الانتاج الرأسمالي، طورت نظريتها للتراكم كدينامية بين الرأسمالية واللارأسمالية، يتوازى تحليلها في جوانب هامة مع استنتاجات النظرية “التوحيدية” للكاتبة ليز فوغل. (14) في حين أن الأسباب الكامنة وراء مسعى روزا وفوغل لتوسيع النطاق المفاهيمي للفئات الأساسية لكتاب رأس المال ليست متشابهة، يمكن ربط مساهماتهما الفردية المحددة وتوسيعهما لكتاب رأس المال. من جهة، تقترح فوغل توسيع الفئات الأساسية لرأس المال بما خص البحث عن إعادة الانتاج البيولوجية والاجتماعية والجيلية لقوة العمل، في حين كانت تحاول روزا خلق نظرية لإعادة الانتاج الرأسمالي بدءاً من ماركس مستندة إلى ديالكتيك المجال المكاني. ويبدو أن العنصرين في هذه المساهمات حاسمان لفهم المفهوم الواسع لإعادة الانتاج أو لتراكم رأس المال، تباعاً. على الرغم من أن العمل المنزلي ينتج فقط قيمة استخدامية وليس قيمة تبادلية، وبالتالي لا ينتج بشكل مباشر فائض قيمة، فإن العمل المنزلي “هو [من المحتمل له] أسلوبه الخاص في الانتاج، ويعمل وفقاً لعمل غير أو ماقبل رأسمالي” (Ferguson and McNally, 2013: xx). تمثل سلعنة العمالة المنزلية نقطة ارتباط أساسية للنقد اللوكسمبورغي للاقتصاد السياسي ونظرية إعادة الانتاج الاجتماعي: فقط عندما يجرد جزء كبير من السكان من ممتلكاتهم ويجبرون على بيع قواهم العاملة في السوق، من بينها القوى العاملة النسائية، يمكن الحديث عن المسار المنهجي لتراكم رأس المال.

يتم الحفاظ على السوق، بهدف مراكمة رأس المال، من خلال نشر المساحات غير الرأسمالية، والاندماج في المجال الانتاجي لسكان لم يكونوا جزءاً تقليدياً من السوق. إن خصوصية الأسلوب التاريخي-المادي الذي يضع الفهم النسوي لعمل إعادة الانتاج في إطار ديالكتيك المكانية هو أنه يقدم تحليلاً تفسيرياً للارتباط المنهجي لعمل النساء وإعادة انتاج التراكم. إذا كنا نرغب في النظر إلى عمل إعادة الانتاج من خلال عدسة التحليل اللوكسمبورغي لتحقق الفائض- سيكون من الضروري الأخذ بعين الاعتبار العلاقة إزاء الأسرة باعتبارها مجال غير رأسمالي- أي السلعنة ومراكمة فائض القيمة.

العمل المنزلي ليس جزءاً منتجاً من السوق، ولأهداف هذه المناقشة، يمكن معاملته كعنصر “خارجي” للاقتصاد الرأسمالي. ليس له قيمة أو سعر ولا يتمتع من الناحية الأنطولوجية بوضع العمل. يمكن اعتبار سلعنة العمل المنزلي، وفق العدسة اللوكسمبورغية، مثالاً نموذجياً لتوسع الرأسمالية إلى المجال غير الرأسمالي. منذ أواسط السبعينات، زادت الرعاية الاجتماعية من خلال إدراج العمل المنزلي في تداولات السوق. وتركزت مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية حول العمل المنزلي، والرعاية والخدمات المشابهة التي كانت تقدم في السابق بطريقة غير رأسمالية. إن نيولبرلة السوق من خلال إدخال عقود العمل الجزئية، وتحرير أنظمة العمل والرفاه، كلها مرتبطة بأزمة السبعينيات والركود، عندما جرى شرعنة النظام النيوليبرالي، جزئياً، من خلال عمالة النساء وسلعنة العمل المنزلي. منذ أواسط التسعينيات، بات هذا الاتجاه أكثر حضوراً (Farris, 2017: 135)، وانسجاماً مع التوجيه الأوروبي والسعي لتأمين الموارد التي تؤمنها صناديق الدمج، جرى اعتماد منذ عام 2007 عدد من البرامج لتعبئة القوى العاملة النسائية من بينهن النساء المهاجرات غير الأوروبيات/غير الغربيات في سوق العمل الوطني [الغربي] (Farris, 2017: 124).

تشير فوغل في نظريتها حول إعادة الانتاج أن الأسرة كتكوين اجتماعي-اقتصادي ليست وحدة حصرية تسمح بإعادة انتاج الرأسمالية. وشددت على أن مكان العمل والمهاجع تستعملان للعناية بالعمال، وأنه يمكن تجديد قوة العمل من خلال الهجرة أو استعباد السكان الأجانب، وكذلك عن طريق استبدال جيلي للعمال الحاليين (Vogel, 2013: 144–145). تتبع مقاربتها التاريخية-المادية حجج روزا التي تصر، في تحليلها للامبريالية، على أرخنة التراكم الرأسمالي وميله للتوسع و”التكيف” مع متطلبات إعادة الانتاج. كذلك، إن أرخنة هذه الحالة، توضح أنه مع مرور الوقت، تصبح الوحدات الاجتماعية التي لم تكن تقليدياً عنصراً أساسياً للمجال الانتاجي مندمجة في تداولات السوق. من الأكيد أن عمالة المهاجرات هي إحدى هذه الأمثلة التي تظهر كيف أن عمل المهاجرات مفيد للقيام بعمل إعادة الانتاج. وتجدر الإشارة إلى أنه اعتباراً من أواسط السبعينيات، إن تزايد هجرة النساء إلى غربي أوروبا “مثّل النتيجة غير المقصودة لأنظمة العمال الضيوف التي أنشئت في شمال أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية” (Farris, 2017: 147)، وما زلن يعملن في القطاع غير الرسمي ويعملن في مهن “شهيرة”: قذرة، وخطيرة ومتطلبة. وبما خص صياغة سياسات الإدماج المدني العامة التي تعزز عمالة المهاجرات، يبدو أن قطاع إعادة الانتاج الاجتماعي (الرعاية والعمل المنزلي) هو الفرع الوحيد في الاقتصاد حيث تشجع هؤلاء النساء على العمل وحتى على التطوع (Farris, 2017: 130–131). تشير سارة فارس إلى:

“منذ أواخر الثمانينات… دخلت الأوروبيات في قوة العمل المأجورة بأعداد كبيرة. وإن كانت بوتيرة وبأشكال مختلفة في كل بلد، إن غالبية النساء اللواتي هن في سن العمل بتْنَ يعملْنَ اليوم في شكل من أشكال العمل خارج المنزل. أكثر من ذلك، لم يعد المهاجرون بأغلبيتهم من الذكور، بل على العكس، في بعض الدول الأوروبية تشكل المهاجرات أغلبية المهاجرين… الطلب على العاملات في مجال الرعاية والنظافة وتربية الأطفال والعناية بكبار السن، أي القائمات على إعادة الانتاج الاجتماعي بشكل عام في السنوات الثلاثين الماضية لدرجة أنه ينظر إلى ذلك كظاهرة سببتها الأزمة العالمية لإعادة الانتاج الاجتماعي وكذلك كسبب رئيسي لتأنيث الهجرة”. (Farris, 2015)

نظراً إلى أن نصف المهاجرين في العالم اليوم هم من النساء، يمكننا الحديث اليوم بكل ثقة عن ظاهرة تأنيث الهجرة (Morrison, Schiff, and Sjöblom, 2008). في إطار الامبريالية الجديدة والنيوليبرالية، تصبح العاملات المهاجرات- قوة عاملة رخيصة وغير مستقرة- القوة المثالية لإعادة انتاج الرأسمالية. إن دمج مشكلة الهجرة في تحليل الرأسمالية يسهّل فهمنا لـ”الامبريالية الجديدة” من خلال الإشارة إلى الصلة الضرورية بين تراكم رأس المال والامبريالية. يساهم مفهوم إعادة الانتاج الاجتماعي في تحليل الرأسمالية في مجملها لأنه يدمج كلا من السوق والجوانب غير السوقية من الرأسمالية. تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من اندماج المهاجرات في المجال الانتاجي في السوق، إلا أن ظهورهن في سوق العمل الدولي لا يشكل منافسة مع ذكور الطبقة العاملة. وذلك لأنهن يشاركن بشكل أساسي في قطاع عمل مرتبط بإعادة الانتاج. من جهة، حققت نساء الطبقات العليا الغربيات “تحررهن” وبالتالي أوكلن العمل المنزلي إلى المهاجرات، ولكن من جهة أخرى، من خلال إيكال هذا العمل عاملْن المهاجرات، اللواتي يشترين قوة عملهن، كما يعاملن أي سلعة من السوق (Farris, 2015). فأعاد التاريخ نفسه مع مفارقة النسوية الليبرالية. في وسط أزمة إعادة الانتاج الاجتماعي، يلعب عمل المهاجرات في العمل المنزلي والرعائي بالدرجة الأولى دوراً “داعماً” لنساء الطبقة العاملة في عالم الشمال، فالمهاجرات “استدعين، كما تشدد فارس، لـ”تنظيف هذه الفوضى- حرفياً” (Farris, 2017: 138).

على العكس من الاتجاه السابق المتمثل بمغادرة النساء منازلهن وأوطانهن كجزء من العائلة، تتخذ النساء اليوم هذه الخطوة بشكل مستقل، وغالباً ما يصطحبن أولادهن معهن (Eisenstein, 2010: 158). وبذلك، ينبغي فهم ديناميات بلدان عالم الجنوب من خلال النتائج الملموسة لعمليات الهجرة، آخذين/ات بعين الاعتبار دور النساء في مثل هذه الديناميات الناشطة. إنه تكوين محدد للرأسمالية في سياق ميولها الامبريالية، وقد تحقق على يد العاملات المهاجرات في مجال الرعاية والتي تحصل في البلاد الغنية. بذلك، يجب أن تتناول التحليلات المعاصرة للاقتصاد السياسي ظاهرة عمالة المهاجرات، لأنها تتيح لنا فهم كيفية اشتغال أزمة إعادة الانتاج الاجتماعي والطرق التي تتحقق بها الاتجاهات الحديثة للتراكم من خلال استعمال العلاقات، وفق تعبير روزا، بين العالمين الرأسمالي وغير الرأسمالي. تتعزز هذه العلاقة على نحو خاص في الصلة بين رأس المال والجندر، وكما أفادت سلمى جايمس: “من المستحيل الحديث عن علاقة النساء بالرأسمالية في أي مكان من دون مواجهة في نفس الوقت مسألة التنمية مقابل عدم التنمية” (James, 2012: 104).

كرست روزا الكثير من الاهتمام لمشكلة التجارة الخارجية في نقدها للاقتصاد السياسي، وبالتالي طورت الحجج لنظريتها حول الامبريالية. حتى لو اختلفنا مع ادعائها أن الامبريالية تقوم على مشاكل عدم كفاية الطلب ونقص الاستهلاك، والتي تسببت بأزمات رأسمالية، إلا أن أطروحتها التي لا نقاش عليها حول علاقة الأزمات وعناصر “خارج” الرأسمالية، التي يتحقق من خلالها استقرار النظام أو التغلب على الأزمات:

“الأرباح المتزايدة (فائض القيمة) تتلاقى مع حاجز التحقيق الناتج عن عدم كفاية الطلب الكلي. بكلمات أخرى، هناك ميل لخلق فائض من التراكم ليس له فائدة منطقية، أو من مقاربة أخرى لخلق فجوة الطلب التي لا تحقق الانتاج المصنوع. بهدف تقليص هذا الحاجز، من الضروري إيجاد أو حتى خلق الطلب الذي يحقق الانتاج، وبالتالي الأرباح الرأسمالية. قدمت لوكسمبورغ أمثلة عن تكوين هذه المصادر الاصطناعية (الإضافية) للطلب: في الدرجة الأولى التوسع في الاقتصاديات غير الرأسمالية، ولكن كذلك عسكرة الاقتصاد وتوسّع القروض الدولية” (Tomidajewicz, 2014: 158).

هذا هو بالتحديد سبب إصراري على أهمية “ديالكتكيك المكانية” والديناميات بين العمل الانتاجي وعمل إعادة الانتاج، خاصة في إطار النيوليبرالية. الأمثلة التاريخية الشبيهة، مثل تلك المتعلقة بالانتقال من الإقطاعية إلى الرأسمالية، والتي تتمظهر كذلك من خلال تحول إعادة الانتاج الاجتماعي التي هي الآن، رأسمالية بالطبع، تتيح التفكير بعلاقات العصر الحديث للعمل المنتج وغير المنتج:

“بمجرد تدمير صغار الفلاحين، غالباً ما يصبح الانتاج المحلي المهنة الأساسية للرجال، الذين يعملون لصالح الرأسماليين إما في ظل نظام الإقصاء أو كعمل مأجور في المصنع، في حين ينتقل الانتاج الزراعي بأكمله إلى عاتق النساء وكبار السن، والأطفال” (Luxemburg, 2015a: 595–6).

تعتبر روزا أن اندماج العناصر غير الرأسمالية في المجتمع ودورة الاقتصاد الرأسمالي ضرورية لتحقيق نمو رأس المال، ولكن يتغير نمط الاندماج على مدار التاريخ. في فترة زمنية محددة، يشمل المجال الانتاجي للاقتصاد، أو بالأحرى قرينه “الخارجي” غير المنتج، مجموعات سكانية مختلفة من خلال طرق محددة. ينبغي النظر في توتر الرأسمالية العالمية المعاصرة بين العالمين المتقدم والنامي من خلال العلاقة بين الرأسمالية والبيئة الاجتماعية غير الرأسمالية:

“على هذا الأساس، يمكن مراجعة مفاهيم الأسواق الداخلية والخارجية، التي لعبت دوراً أساسياً في الخلافات النظرية حول مشكلة التراكم. من الأكيد أن الأسواق الداخلية والخارجية تلعب دوراً كبيراً ومتبايناً بشكل أساسي في مسار التطور الرأسمالي- ليس كمفاهيم للجغرافيا السياسية، ولكن كمفاهيم للاقتصاد الاجتماعي. من وجهة نظر الانتاج الرأسمالي، إن السوق الداخلية هي السوق الرأسمالية، وهذا الانتاج هو نفسه مشترٍ لمنتجاته ومورد لعناصر انتاجه. السوق الخارجي، من وجهة نظر رأس المال، هو البيئة الاجتماعية غير الرأسمالية، هو الممتص للمنتجات والمزود لعناصر الانتاج والقوى العاملة”. (Luxemburg, 2015a: 335)

تجلب النيوليبرالية بعض الابتكارات إلى تلك العلاقات، التي يسميها دايفيد هارفي “التدمير الخلاق” (Harvey, 2005). أحد الأمثلة على ذلك بكل تأكيد هو سلعنة العمل المنزلي وعمالة المهاجرات. أكثر من ذلك، على الرغم من حقيقة أن الاقتباس الوارد أعلاه يعود تاريخه إلى عام 1913، إلا أنه ما زال يحمل طابع الواقع البارد، ليس فقط بما يتعلق بالزراعة في دول العالم الثالث ودور العمل النسائي فيها ولكن كذلك بما خص النتائج الفعلية لانقسام العمل المنتج وغير المنتج. تشير أرخنة نمط الإنتاج وميول “النيوليبرالية” إلى الأهمية المعاصرة لأطروحة لوكسمبورغ المتعلقة بديالكتيك المكانية، وخاصة بدمج نظرية إعادة الانتاج فيها.

خاتمة

هذا الفصل هو مساهمة في التحليل الماركسي النسوي المستند منهجياً إلى نقد لوكسمبورغ للاقتصاد السياسي، وكذلك كمساهمة في نظرية إعادة الانتاج الاجتماعي المعاصرة الهادفة إلى دمج إرث روزا إلى جانب إرث ماركس.

جرى تحليل الاقتصاد السياسي عند روزا على أن مسألة “ديالكتيك المكانية” تعمل كحلقة وصل أساسية بين نقدها للاقتصاد السياسي ونظرية إعادة الانتاج الاجتماعي. بهدف إقامة الصلة بين ديالكتيك لوكسمبورغ المكاني والتفسير النسوي لدور عمل إعادة الانتاج في خلق الفائض، بدأ هذا الفصل بإلقاء نظرة عامة لنقد روزا للنسوية البرجوازية أو أساس نسويتها الاشتراكية. ومنذ أننا قد حاججنا أن مساهمات لوكسمبورغ في النسوية كانت ذات طبيعة متقطعة وغير مكتملة، ملأ هذا الفصل “الفجوة” في البنية الحالية لنقدها للنسوية البرجوازية، وبالتالي كان بمثابة مقدمة لمفهوم سميناه “النسوية اللوكسمبورغية”، المستند إلى الرابط بين نظرية التراكم عند روزا ونظرية إعادة الانتاج الاجتماعي.

ناقشنا النقد اللوكسمبورغي كأداة للتحليل المادي للصلات بين العائلة والسوق. على الرغم من أنه قد يبدو الإطاران كعناصر تحليلية مستقلة، لكن الأساليب المعاصرة لتراكم رأس المال وعمل النساء في إعادة الانتاج يجعلان منهما مسارين مترابطين. وقد توضّح هذا الأمر في هذا الفصل عبر استعمال مثال عمل النساء في إعادة الانتاج، خاصة بهدف سلعنته، كما هو الحال في ظل النيوليبرالية. أظهرنا أهمية مناقشة الأساليب المعاصرة لتراكم رأس المال، آخذين بعين الاعتبار عمليات الهجرة ودورها في إعادة الانتاج الاجتماعي. أكثر من ذلك، سيكون مثيراً للاهتمام كذلك تحليل مسألة السلعنة (أو استعمال “قانون” ديالكتيك المكانية) عندما يتعلق الأمر بالحركة النسوية المعاصرة. بدءاً من السبعينيات، وعلى خطى النيوليبرالية في المجتمع، أقامت الحركة النسوية نفسها سوقاً متخصصاً مفيداً (Fraser, 2013 Eisenstein, 2010 Roberts, 2012, 2014 Čakardić, 2015 Farris, 2017). لا يمكن إنكار أن أنجزة الحركات الاجتماعية يعني إدراجها في السوق، وقد باتت منظمة على نحو نشط كجزء من عملية النيوليبرالية، حتى عبر الاستعانة بها (مع قيام الدولة بنقل مهامها في مجال الرعاية الاجتماعية إلى المنظمات غير الحكومية، مثل المجموعات النسائية العاملة مع ضحايا العنف) أو عبر الإدماج المباشر للمنظمات النسائية في التداول السوقي (كما هو الحال مع سيدات الأعمال ونسوية السوق الحرة). بشكل ما، استمرت المشكلة التي حذرت منها لوكسمبورغ. قدمت النسوية البرجوازية، منذ أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، ومن خلال نيولبرلة الحركات الاجتماعية وفي غياب النقد/النضال الممنهج، دعماً ملموساً لعمليات إعادة انتاج السوق الرأسمالية.

على الرغم من أن دعم روزا لوكسمبورغ الدائم للنشاط الاشتراكي النسوي لم يكن سمة مركزية في كتاباتها المنشورة، وقد ركزت خطاباتها وكتاباتها على المسائل غير الجندرية والمتعلقة بمسألة الطبقة، إن خطاباتها حول حملة الحق بالاقتراع والمصالح الطبقية المتأصلة في قطاعات مختلفة من النساء، إلى جانب ديالكتيكها الخاص بالمكانية الظاهر في كتاب تراكم رأس المال توفر موارد هامة لتطوير نظرية إعادة انتاج اجتماعية ماركسية نسوية. والمفارقة، أنه حتى لو تجنبت بشكل أساسي الأفكار العامة حول خصوصية كونها امرأة، فقد لفت انتباهها الاعتماد المستمر للاستغلال الرأسمالي على الجوانب الخارجية بطرق جعلت أفكارها مفيدة على نحو خاص لفهم حدود النسوية البرجوازية في ظل الظروف النيوليبرالية.

ولأن النيوليبرالية تستغل الجندر بنجاح لأهداف المصالح الطبقية لرأس المال، فإننا نواجه مَهمة هامة تتمثل في تصميم استراتيجيات مناهضة للرأسمالية قائمة على مقاومة السوق وإعادة انتاجه، ومن ثم التركيز في الوقت عينه على المجال المنزلي وسيرورة إعادة الانتاج ضمن إطار نمط الانتاج الرأسمالي. في الوقت الذي تكون فيه التحليلات الممنهجة للعلاقة بين السوق والدولة- سواء على المستوى المحلي أو الدولي- هي نقاط انطلاق ضرورية لمناقشة للبدائل التي نريدها على المديين القصير أو الطويل لنمط الانتاج الرأسمالي، يبدو أن ديالكتيك روزا للمكانية وارتباطه بنظرية إعادة الانتاج الاجتماعي لا يقدم فقط مرجعاً تمهيدياً قيّماً ولكن كذلك النموذج السياسي الملائم بشكل كامل لتنظيم لتحالفات بين البنى المتوازية ومواءمة أهدافها التقدمية.

الهوامش:

1. هذا الفصل هو نسخة معدلة بشكل طفيف لورقة أخرى بعنوان “From theory of accumulation to social reproduction theory: A case for Luxemburgian feminism,” المنشورة في Historical Materialism, 2017 (25/4): 37–64.

2. تقيدت بالترجمات الإنكليزية المتاحة، فالأعمال /الخطابات من الفترة الممتدة بين عامي 1902 إلى 1914 بما خص “مسألة المرأة” هي التالية: “A Tactical Question” (1902), “Russian Women Workers in Battle” (1902), “Address to the International Socialist Women’s Conference” (1907), “Women’s Suffrage and Class Struggle” (1912) and “The Proletarian Woman” (1914). نشرت كل هذه النصوص في كتاب Hudis and Anderson (2004)، ما عدا “Russian Women Workers in Battle,” الذي نشر في كتاب Hudis, Fair-Shulz, and Pelz (2018). الإحالة هنا إلى الأعمال الخمسة.

3. ترجمت كذلك على الشكل التالي: مقدمة إلى الاقتصاد الوطني (Mattick, 2003).

4. راجع/ي نقد أنطون بانيكوك، وغوستاف إيكشتاين وأوتو باور وكارل كاوتسكي في Day and Gaido (2012). من جهة أخرى، سجلت ردود إيجابية: مثل مراجعة فرانز ميرينغ حيث ذكر: “في حين يرفض البعض الكتاب ويعتبره فشلاً ذريعاً، بل حتى يندد به ويصفه كناية عن تجميع أفكار لا قيمة لها، يعتبره آخرون أهم ظاهرة في الأدبيات الاشتراكية منذ كتابات ماركس وإنغلز. ينتمي هذا المراجع [ميرينغ] إلى المجموعة الثانية” (Day and Gaido, 2012: 746).

5. يضاف المزيد من “التعقيدات” من خلال واقع أن مثل هذه التحليلات الموجودة فعلياً، مثل تلك التي طورتها حنة أرندت، لا تحصل في إطار التقليد الماركسي. حيث يركز تحليلها بشكل أساسي على الحياة الشخصية لروزا، واصفة امرأة تواجه مجموعة من الحواجز المتحيزة جنسياً المنتشرة في صفوف قيادة الحزب. حتى لو كنا نتفق مع ادعاء أرندت الذي لا نقاش فيه بأن حياة روزا كامرأة في وسط عالم السياسة الذي يهيمن عليه الرجال كانت صعبة جداً، وهو ادعاء يتوافق مع ملاحظاتنا الأولى في هذه الورقة، ولكن ما زلنا نعارض استنتاج أرندت المنهجي المشكك فيه، القائل إنه لا يجب اعتبار لوكسمبورغ ضمن التقليد الماركسي وإنه “قد يكون هناك شك في أنها كانت ماركسية”. إقرأ/ي أرندت (1968: 38).

6. يجب الأخذ بعين الاعتبار مساهمات Dunayevskaya (1981) and Haug (2007).

7. تطرح سؤالاً تنتقد فيه بشكل مباشر ماركس و”مخططاته المجردة” للعلاقات بين القسمين (c+v+s) من المجلد الثاني لكتاب رأس المال. “كيف يمكن للمرء تصور بشكل صحيح هذه العملية وقوانينها الداخلية من خلال استعمال خيال نظري مجرّد يعلن أن كامل هذا الوسط، والصراعات والتفاعلات غير موجودة داخلها؟” Luxemburg (2015b: 450). وكما شدد Krätke (2006: 22): “أي جهد لتحسين أو توسيع المخططات الماركسية لا فائدة منها. بحسب رأيها، كانت مخططات إعادة الانتاج الماركسية تشوبها عيوب ولا يمكن لأي إعادة صياغة أن تنقذها”.

8. على الرغم من أن ادعاء روزا الصحيح أن ماركس لا يتعامل مع التجارة الخارجية بشكل تفصيلي، إلا أنها تجاهلت حقيقة أنه وضع بشكل واضح المجتمع الذي بحثه في سياق الاقتصاد العالمي: “لا يمكن للانتاج الرأسمالي أبداً أن يبقى موجوداً من دون تجارة خارجية. ولكن عندما يفترض المرء وجود تجديد إنتاج سنوي اعتيادي على نطاق معين، فإنه يفترض بذلك أيضاً أن التجارة الخارجية تقتصر على استبدال المنتوجات المحلية بمنتوجات أخرى ذات شكل استعمالي أو طبيعي مغاير، من دون أن تمس علاقات القيمة … نسب القيمة… لذلك إن إدخال التجارة الخارجية في تحليل قيمة المنتوج التي يتجدد إنتاجها سنوياً لا يمكن إلا أن يشوش الأمر، إذ لا يضيف لحظة جديدة إلى القضية، ولا إلى حلها”. [ماركس، ترجمة فالح عبد الجبار صفحة 528] (1992: 546)

9. يفسر الفرق بين العمل المنتج وغير المنتج من خلال مفهوم ماركس ولكن كذلك عبر شرح Savran and Tonak (1999) and Cámara Izquierdo (2006). فقد ذكر الكتّاب أن الاختلاف المذكور سابقاً يقدم الأساس لفهم الرأسمالية ككل، وخاصة في تحليل سمات محددة لرأسمالية القرن العشرين. التركيز هو على ثنائية المشكلة، استناداً إلى ما إذا كنا نشير إلى “العمل المنتج بشكل عام” أو “العمل المنتج لرأس المال”. يعتبر هذا التمييز مهماً جداً في فهم العلاقة بين عمل إعادة الانتاج (المنزلي) ومسألة العمل غير المنتج.

10. للحصول على المزيد من التفصيل حول المقاربة التاريخية-الاجتماعية للنظرية الليبرالية الغربية والفكر السياسي الحديث، مع التركيز على “الانتقال”، يمكن قراءة Wood (2012).

11. أفكر هنا في تحليلات تفصيلية للنسوية الماركسية المرتبطة بنظرية إعادة الانتاج الاجتماعي: Vogel (2013) Bhattacharya (2017) Gimenez (2019) Arruzza (2013) Ferguson and McNally (2013).

12. تجدر الإشارة إلى أن إعادة الانتاج قوة العمل في العائلات لا تشكل سوى طريقة واحدة ممكنة لتجديد هذه القوة. تشير فوغل إلى أنه يمكن كذلك استعمال أماكن الراحة في العمل والمهاجع [في المصانع التي تحتوي على منامات] لتجديد قوة العمال، ويمكن تجديد القوة العاملة عن طريق الهجرة أو استعباد الأجانب، كذلك عن طريق استبدال جيلي للعمال. Vogel (2013: 144–145)

13. للحصول على نظرة عامة أكثر تفصيلية: Arruzza (2013), خاصة chapters 3 and 4, pp. 79–124.

14. يذكر Ferguson and McNally أن [روبرت] برينر انتقد عن حق “مراجعتها الضيقة جداً للتقاليد الاشتراكية حول “مسألة المرأة”، متجاهلة، مثلاً، إيما غولدمان وألكسندرا كولونتاي. إقرأ/ي Ferguson and McNally (2013: xxxii). يمكن إضافة نقد مماثل في حالة تعاطي فوغل مع [كتابات] روزا، ليس فقط بما خص “مسألة المرأة، ولكن كذلك بما خص كتابات روزا المتعلقة بالاقتصاد السياسي.

المراجع:

Arendt, Hannah. 1968, Men in Dark Times. New York: Harcourt, Brace and World, Inc.

Arrighi, Giovanni. 2004. “Spatial and Other ‘Fixes’ of Historical Capitalism”, Journal of World-Systems Research, 10, 2: 527–39.

Arruzza, Cinzia. 2013. Dangerous Liaisons: The Marriages and Divorces of Marxism and Feminism. Pontypool: Merlin Press.

Bello ore, Riccardo, Ewa Karwowski, and Jan Toporowski, editors. 2014. The Legacy of Rosa Luxemburg, Oskar Lange and Michał Kalecki: Volume 1 of Essays in Honour of Tadeusz Kowalik. Basingstoke: Palgrave Macmillan.

Bhattacharya, Tithi, editor. 2017. Social Reproduction Theory. Remapping Class, Recentering Oppression. London: Pluto Press.

Brangsch, Lutz. 2019. “No Cowardice Before the Friend! How do We Critique Revolutions?,” I shall be – LuXemburg Magazine. Berlin: Rosa Luxemburg Stiftung.

Brewer, Anthony. 1990 [1980]. Marxist Theories of Imperialism: A Critical Survey. London: Routledge.

Bulajić, Žarko. 1954. “Predgovor našem izdanju [An Introduction to the Yugoslav Edition],” in Roza Luksemburg, edited by Paul Frelih [Paul Frölich]. Belgrade: Izdavačko preduzeće ‘Rad’.

Cámara Izquierdo, Sergio. 2006. “A Value-oriented Distinction between Productive and Unproductive Labour,” Capital & Class, 30, 3: 37–63.

Cox, Robert. 1983. “Gramsci, Hegemony, and International Relations: An Essay in Method,” Millennium: Journal of International Studies, 12: 49–56.

Čakardić, Ankica. 2015. “Women’s Struggles and Political Economy: From Yugoslav Self management to Neoliberal Austerity,” in Welcome to the Desert of Post-Socialism: Radical Politics after Yugoslavia, edited by Srećko Horvat and Igor Štiks. London: Verso.

———. 2018, “Social Reproduction,” Krisis – Journal for Contemporary Philosophy: Marx from the Margins, Issue 2. Accessed through: .

Luxemburg, Rosa. 1975 [1925]. Uvod u nacionalnu ekonomiju [Introduction to National Economy], Zagreb: Centar za kulturnu djelatnost omladine.

———.1976 [1909]. “The National Question,” in The National Question: Selected Writings, edited by Horace B. Davis. New York: Monthly Review Press.

———. 2003 [1913/51]. The Accumulation of Capital, translated by Agnes Schwarzschild. London: Routledge.

———. 2004a [1902]. “A Tactical Question,” in The Rosa Luxemburg Reader, edited by Peter Hudis and Kevin B. Anderson. New York: Monthly Review Press.

———. 2004b [1904]. “The Proletarian Woman,” in The Rosa Luxemburg Reader, edited by Peter Hudis and Kevin B. Anderson. New York: Monthly Review Press. ———. 2004c [1907]. “Address to the International Socialist Women’s Conference,” in The Rosa Luxemburg Reader, edited by Peter Hudis and Kevin B. Anderson. New York: Monthly Review Press.

———. 2004d [1912]. “Women’s Suffrage and Class Struggle,” in The Rosa Luxemburg Reader, edited by Peter Hudis and Kevin B. Anderson. New York: Monthly Review Press.

———. 2011. The Letters of Rosa Luxemburg, edited by Georg Adler, Peter Hudis, and Annelies Laschitza, translated by George Shriver. London: Verso.

———. 2015a [1913]. “The Accumulation of Capital: A Contribution to the Economic Theory of Imperialism,” in The Complete Works of Rosa Luxemburg. Volume II: Economic Writings 2, edited by Peter Hudis and Paul Le Blanc, translated by Nicholas Gray and George Shriver. London: Verso.

———. 2015b [1921]. “The Accumulation of Capital, Or, What the Epigones Have Made Out of Marx’s Theory – An Anti-Critique in The Complete Works of Rosa Luxemburg. Volume II: Economic Writings 2, edited by Peter Hudis and Paul Le Blanc, translated by Nicholas Gray and George Shriver. London: Verso.

———. 2018 [1902]. “Russian Women Workers in Battle,” in The Complete Works of Rosa Luxemburg. Volume III: Political Writings 1: On revolution – 1897-1905, edited by Peter Hudis, Axel Fair-Schulz, and William A. Pelz, translated by George Shriver, Alicja Mann, and Henry Holland. London: Verso.

Marx, Karl. 1982 [1867]. Capital: A Critique of Political Economy. Volume One, translated by Ben Fowkes. Harmondsworth: Penguin.

———. 1991 [1893]. Capital: A Critique of Political Economy. Volume Three, translated by David Fernbach. Harmondsworth: Penguin.

———. 1992 [1885]. Capital: A Critique of Political Economy. Volume Two, translated by David Fernbach. Harmondsworth: Penguin.

Mattick, Paul. 2003 [1978]. “Rosa Luxemburg in Retrospect.” Accessed through: .

Morrison, Andrew R., Maurice Schiff, and Mirja Sjöblom. 2008. The International Migration of Women. Washington D.C./Basingstoke: World Bank/Palgrave Macmillan.

Panitch, Leo and Sam Gindin. 2003. “Global Capitalism and American Empire,” in Socialist Register 2004: The New Imperial Challenge, edited by Leo Panitch and Colin Leys. London: Merlin Press.

Pastrello, Gabriele. 2014. “Luxemburg as an Economist: The Unique Challenge to Marx among Marxists,” The Legacy of Rosa Luxemburg, Oskar Lange and Michał Kalecki: Volume 1 of Essays in Honour of Tadeusz Kowalik, edited by Riccardo Bello ore, Ewa Karwowski, and Jan Toporowski. Basingstoke: Palgrave Macmillan.

Quiroga, Manuel and Daniel Gaido. 2013. “The Early Reception of Rosa Luxemburg’s Theory of Imperialism,” Capital & Class, 37, 3: 437–55.

Riddell, John. 2014. “Clara Zetkin in the Lion’s Den,” John Riddell: Marxist Essays and Commentaries, January 12. Accessed through: <https://johnriddell.wordpress. com/2014/01/12/clara-zetkin-in-the-lions-den/>.

Roberts, Adrienne. 2012. “Financial Crisis, Financial Firms … and Financial Feminism? The Rise of ‘Transnational Business Feminism’ and the Necessity of Marxist-Feminist IPE,” Socialist Studies/Études socialistes, 8, 2: 85–108.

Roberts, Adrienne. 2015. “Gender, Financial Deepening and the Production of Embodied Finance: Towards a Critical Feminist Analysis,” Global Society, 29, 1: 107–27.

Robinson, Joan. 2003 [1951]. “Introduction,” in The Accumulation of Capital, by Rosa Luxemburg, translated by Agnes Schwarzschild, London: Routledge.

Rosdolsky, Roman. 1977 [1968]. The Making of Marx’s “Capital,” translated by Peter Burgess, London: Pluto Press.

Sassen, Saskia. 2010. “A Savage Sorting of Winners and Losers: Contemporary Versions of Primitive Accumulation,” Globalizations, 7, 1–2: 23–50.

Savran, Sungur and Ahmet E. Tonak. 1999. “Productive and Unproductive Labour: An Attempt at Clari cation and Classi cation,” Capital & Class, 23, 2: 113–52.

Schmidt, Ingo. 2014. “Rosa Luxemburg: Economics for a New Socialist Project,” New Politics, Summer. Accessed through: http://newpol.org/content/rosa-luxemburg-economics-%E2%80%A8for-new-socialist-project.

Seccombe, Wally. 1975. “Domestic Labour: Reply to Critics,” New Left Review, I, 94: 85–96.

Thomas, Peter D. 2006. “Being Max Weber,” New Left Review, II, 41: 147–58. Tomidajewicz, Janusz J. 2014. ‘“The Accumulation of Capital” of Rosa Luxemburg, and Systemic and Structural Reasons for the Present Crisis,” in Economic Crisis and Political Economy. Volume 2 of Essays in Honour of Tadeusz Kowalik, edited by Riccardo Bello ore, Ewa Karwowski, and Jan Toporowski. Basingstoke: Palgrave Macmillan.

Vogel, Lise. 2013 [1983]. Marxism and the Oppression of Women: Toward a Unitary Theory. Chicago: Haymarket Books.

Wood, Ellen Meiksins. 2012. Liberty and Property: A Social History of Western Political Thought from Renaissance to Enlightenment. London: Verso.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم


.. حشد من المتظاهرين يسيرون في شوارع مدينة نيو هيفن بولاية كوني




.. أنصار الحزب الاشتراكي الإسباني وحلفاؤه بالحكومة يطالبون رئيس


.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي