الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في المتغيرات العراقية القادمة

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


إن حقيقة ما يجري الآن من صراع المكاسب والمغانم في البرلمان أو في مؤسسات الدولة وأجهزتها، لم يكن نتيجة فشل المؤسسة الحاكمة فقط بقدر ما هو نتيجة حتمية ومنطقية لمشروع فرض نظام قياسي على العراقيين بقوة السلاح وبإرادات خارجية وهو غير قابل للحياة أصلا، ما لا يدركه كل قادة المؤسسة الحاكمة المتمتعون بالسلطة والهاربون منها بعنوانهم الطائفي والفئوي، أن العراق لا يمكن أن يحكم من خلال نظرية القوة المستبدة، ولا من خلال فرض إرادة خارجية على إرادة شعب عرف بمقاومته للغزاة وأعتداده بتاريخه ووجوده، صحيح أن هناك ظروف ألجأت قطاعات واسعة من الشعب للاستسلام والتخدير وأنتظار تجربة أرادوها أن تكون مختلفة عما مر تأريخيا، لكن الفترة الماضية لم تدع لهذا الأمل فرصة لأن يعيد نفسه أنتاجا وتأثيرا وقدرة على المقاومة، إذن عملية التحول هي جزء من عملية أستعادة الوعي وأستعادة للهوية الخاصة، ولا بد أن تثمر ذلك عن حراك زلزالي حتى لو صاحبه عنف متبادل من السلطة وكلابها وأدواتها القذرة، ولكنه حراك مقبل وحتمي ونهائي عندها تسقط عناوين كثيرة وفي مقدمتها ما يسمى بالمرجعيات الدينية والسياسية والعرقية.
السياسة بمفهومها الواقعي والمعرفي وحتى المعرفة ذاتها والفن والدين والعلم كلها أدوات العقل ووسائله لتمكنه من البلوغ دائرة المجهول وإخضاعه لإرادة الإنسان حتى يمضي، وليس ليتوقف في نقطة ويقول أدركت الحقيقة أو يدعي أنه بلغ نهاية المشوار وعلى الجميع أن يصدق ذلك، فكل النهايات هي نقاط وهمية على خارطة الزمن اللا منتهي والغير قابله اصلا للتوقف، الحياة وسائل وأليات وافكار ورؤى تتشارك لبناء عالمنا دون أن نستطيع أن نعيشها في جانب واحد أو في زاوية محصورة، هذه النظرة والفكرة وما يمكن أن يكون منطقا عقلانيا لإدارة مجتمع ودولة لا يتناسب مع ما يحمله ساسة العراق اليوم، ولا يدركون أن مجرد وجودهم في السلطة هو جزء من تداعيات مرحلة وإنعكاس لواقع مركب داخلي وخارجي، تنتهي وتلفظهم كما لفظت غيرهم من قبل دون أن بشعر العالم برحيلهم كما لم يشعر بقدومهم من قبل.
إن قراءة الواقع العراقي الحالي أجتماعيا وسياسيا وحتى سيكولوجيا ينبئ بأن أيام مقبلة حاسمة قد تنتج حراكا مختلفا بالوسائل والأهداف وأيضا بالوجوه التي تقود، أما عن طريق صناديق الأقتراع وهو الأقل حتمية ومصادر أصلا بقواعد تشريعية صاغها الفاسدون على مقاساتهم الخاصة وهي النسبة الأقل في الأحتمالية، أو من خلال أنتفاضة شاملة وعصيان مدني بدأت إشاراته الأولى من خلال حراك الشارع العراقي في مناطق متعددة ولفترات تعد الأطول رفضا لخطوط حمر كانت قديما محل تجنب وأحترام حفاظا على ما سمي في حينه الهدف الأبعد، فمنذ أن بدأت الحركة المطلبية الشعبية يعلو صوتها وتتخذ أشكال حادة تتعدى المطالب المؤقته إلى ضرب مرتكزات مهمة في المشروع الطائفي، وهو الولاء الذي تعتمد عليه القوى الحاكمة في ضمان بقائها، وأظن أن سكوت قوى كبيرة كان يفترض بها أن تتحرك وتطالب بالتغيير أحجمت عن بيان موقفها لحسابات خاصة، شجع الشارع العراقي أن يعيد الكرة لملعبة وأن يبادر إلى الفعل التغييري وبقوة، وهذا الأحتمال لا بد له من مساندة وتشجيع ودعم من كل القوى المؤمنة بالعراق ومستقبله، وأن لا تتكرر تجربة سرقة الشارع من قبل قوى متورطة بالفساد والطائفية والفئوية لتفرغه من مضمونه الفاعل وتجير الحراك لحسابها وحساب قادتها.
المرحلة الراهنة التي يمر بها العراق والمنطقة مع التبدلات الجيوسياسية التي لها مردود سياسي عكسي وإيجابي على أطراف الصراع في العراق، من الحساب الواقعي هي مرحلة الجذوة أي مرحلة أتقاد جمرة النار التي تحت الرماد التي ستحرق كامل المنظومة العبثية التي مزقت العراق وتمزقت هي به، فبعد أن كانت الطائفية تجمع قواها تحت مشروع جزئي أصبحت هذه القوى هي من تعاني من التجزئة والتشرذم ولم تعد قادرة أن تتوحد بفعل صراعاتها الذاتية من أجل الزعامة والمغانم والبقاء فاعلة في وسطها الخصب وحاضنتها الطبيعية، هذا المؤشر ليس عبثيا وليس خياليا بل هو الواقع بعينه، فتمزق دعاة الطائفية وإنشغالهم في حروب وصراعات بينية هو من يتيح لقوى التغير أن تستعيد زمام المبادرة بيدها وأن تطرح نفسها على أنها الخلاص المؤكد من فساد المنظومة السياسية وتشرذمها ووجودها السيء، الكل اليوم يعي حقيقة أننا أمام بداية مرحلة التحول الجذري الذي لا بد أن يحدث وسيحدث، ومن خلال تفاعل الناس مع ما يطرح من نقد موضوعي وعقلاني عنوانه مصلحة العراق أولا وقبل كل شيء، والسؤال المتداول بين الناس اليوم ليس ما هو البديل، بل متى نبدأ في مشروع التجديد والأنطلاق من عالم التنظير إلى واقع الفعل وتحقيق مشروع العراق الجديد.
هذه الحقيقية يجب أن تدركها قوى التغيير والشارع العراقي بكل ما فيه من مكونات حريصة على أن تتخلص من هذا الوضع الشاذ والأستثنائي، وأن تعمل جاهدة ليس فقط بالتصدي للمشروع السياسي الراهن وما سيتركه من أثار مؤلمة وقاسية، بل بطرح البديل الحقيقي والجاد والمستمد أصلا من حقيقة أن العراق عبر كل أزماته التاريخية لم يتعرض لمثل هذه المحاولة الخبيثة في تخريب نسيجه وتفاعله الداخلي، ولم تفلح أيضا كل ما مر به من حروب وصراعات وتناقض في أن ينزع ثوبه الرافداني لمصلحة هوية وأنتماء أخر، وبالرغم هذه الحقيقة وبمرارتها فأنا متفائل جدا في أن المرحلة الراهنة مجرد ريح صفراء ستذهب بما جاءت به، وما حملته مما علق بها من أفكار وقوى ولا يبقى منها غير التأريخ السيء والذكرى الأليمة لشخوصها ومفاعيلها بشرط أن نعمل جميعا على حفظ ما تبقى فينا من روح وأنتماء وهوية.
لا يختلف إثنان من العراقيين أنه خلال السنوات العشرون التي مضت من عمر العراقيين فيما يسمى بعصر التحول أو عصر ما بعد الديكتاتورية لم تكن سنوات بناء، ولا فترة أنتقالية حقيقية بقدر ما هي فترة الفرص الضائعة وهدر الثروة المادية والبشرية وتفكيك في البنية الأساسية للمجتمع العراقي وقيمه، وصولا إلى تبديل ملامح الكيان العراقي ذاته بملامح مشوهة ينقصها الوحدة الموضوعية بإبدال وأستبدال مقومات وركائز هذه الشخصية التاريخية عبر إثارة الشكوك وعوامل الفرقة والتناحر، وتحت مسميات وعناوين فرعية قادتها قوى هامشية غير قادرة على الأنتماء لعصرها وضائعة أصلا في سراديب التاريخ وصراعات الماضي، لذا فلا يمكن أن تؤسس هذه القوى وأفكارها لمجتمع يمكن أن يعيد نظامه الأساس ويستجيب لعصره ومتطلبات وجوده الأساسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -سأهزم دونالد ترامب مجددا في 2020-.. زلة لسان جديدة لبايدن |


.. في أول مقابلة بعد المناظرة.. بايدن: -واجهتني ليلة سيئة-




.. فوز مسعود بزشكيان بانتخابات الرئاسة الإيرانية بنحو 55% من أص


.. القسام تنفذ غارة على مقر قيادة عمليات لجيش الاحتلال بمدينة ر




.. -أرض فلسطين بتفتخر بشعبها-.. غارات الاحتلال لا تزال تحصد أرو