الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (8) --- الفصل السادس --- القصة السادسة: رجاء المُعَذَّبين

توماس برنابا

2023 / 3 / 21
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


كانت مرام تسير في أمسية يوم جمعة بجانب صديقتها فاتن ذاهبتين إلى منطقة نصف البلد لمقابلة رجل دين مرموق ومُبجل ومشهور بشفاء من في مثل حالتها..

لقد كانت هناك حبوب غريبة تملأ جسدها من أخمص قدمها إلى هامة رأسها، ولذلك كانت تُغطي جسدها بالكامل ساترة نفسها من أعين الشافقين والشامتين!

- هل تعتقدين يا فاتن أن الشفاء سيكون على يد هذا الرجل المبروك بإذن الله؟

- نعم يا مرام يا حبيبتي.. لقد سمعت عنه العجبًا والعجيبًا عن حالات أصعب من حالتك مئات المرات.. كان هناك الأعمى الذي خرج من عنده بصيرًا، وهناك المُقعد، على كرسي مُتحرك، الذي خرج من عنده طافرًا على قدميه تاركًا وراءه كرسيه المشهود، وغيرهم من حالات مس الشياطين.. إنه رجل بركة ذو دالة عند الله رب العالمين، وشفافية روحية عالية حتى أنك تشعرين بقشعريرة تسري في عروقك وأوصالك عند سماعك لصوته وتطلعك لمحياه!

- لقد تعبت يا فاتن ويأست..

- لا تقنطي من رحمة الله يا مرام..

- أنتِ تعلمين أن زوجي عافني وتقزز مني وهجرني ولم يقف بجانبي بعد زواج حب دام لعامين.. ولا أعرف لهذا المرض سببًا، لا أنا ولا الأطباء الذين احتاروا في أمري بعد فشل مهاراتهم وعقاقيرهم الطبية في شفائي.. وقد نصحتني ممرضة مُسْنَّة تعمل لدى أحد الأطباء باللجوء إلى أحد السحرة الذين كانت تعرفهم.. وقد كانت هذه تجربة مريرة لا أريد أن أقصها عليكِ..

- هؤلاء يا مرام أناس لا يأتي من ورائهم سوىّ الخراب.. لكن ذلك الرجل المبروك الذي نحن بصدد اللجوء إلى خدماته يختلف تمامًا، فهو لا يطلب مالًا.. وإنما يفعل هذا لوجه الله وإبتغاءً لمرضاته.. ويمكن لمِنْ يُشفىّ من الناس، إذا أراد وبكامل رغبته وبمبادرة منه إذا حثَّه قلبه، أن يتبرع للخدمات الخيرية المسئول عنها هذا الرجل بما يحثَّهُ قلبه!

راحت مرام تدعو ربها، صامتة، أن يُريحها من مصابها ومصيبتها هذه.. ثم دخلا إلى الشارع المؤدي إلى المبنى الذي يتواجد فيه هذا الرجل المبروك، ودخلا إلى المكان المعهود، وكأنهما دخلا إلى روضة من رياض الله!

انتظر كلًا من مرام وفاتن في مكان يجتمع فيه جمع كبير من الناس، لأن هذا الرجل المبروك كان يُفضل تقديم خدماته جماعيًا، وليس فرديًا كما يُحب الأخرون، في مكان يشهده الجميع سواء مرضىَّ أو متفرجين مرافقين لهؤلاء المرضىَّ..

ثم جاء هذا الرجل المبروك بعد ميعاده المرتقب بنصف ساعة، وأخذ يسير بين هذا الجمهور الصغير قارئًا لقراءاته، ومُتليًّا لأدعيته، راشًا لمياه على أوجه الحاضرين من حوله، يُمنةً ويسرةً، وفجأة بدأ الكثيرين، وخاصة هؤلاء الذين شاهدوه يفعل هذا سابقًا في الأسابيع السابقة ولم يتحسن حالهم حينذاك، يصرخون! وكان هناك من سقط على الأرض غائبًا عن الوعي.. وكان هناك من يصرخ فرحًا "لقد شُفيت!"

كان الرجل المبروك يقترب من هؤلاء الذين سقطوا مَغشيًا عليهم، ليرشهم بقدر من الماء ويدعو لهم بطريقته.. وكانوا بعدئذ ينهضون ويشكرونه لأنهم برءوا من أمراضهم، والأرواح الشريرة قد غادرت أجسادهم!

كانت مرام تُشاهد ما يحدث من حولها في ترقب وتوقع أن يحدث معها المثل، وتُشّفىّ من مرضها بإذن الله وببركة هذا الرجل.. أما فاتن فكانت تدعو الله راجيةً منه أم يشفي صديقتها من دائها..

ثم انتاب مرام صراخ شديد وأخذت تنتفض وهي جالسة على كرسيها بشكل غريب ولافت للنظر.. ثم تقدم منها الرجل المبروك ليرشها بالماء بطريقته، ويتلو قراءاته وأدعيته على مسامعها وهي شبه غائبة عن الوعي، وكرر ذلك ثلاث مرات، ولم تتوقف مرام عن الصراخ.. لذا ذهب الرجل المبروك لطفل أخر أصابه العَمَىّ منذ عامين، وأغرق وجهه بالمياه، مُتليًّا على مسامعه ما تيسر له من قراءات وأدعية، وإذ به يرجع بصيرًا وسط صيحات وزغاريد الفرح من أمه المُعذبة ووسط تسابيح الناس المجتمعة لله على عظيم فعله..

ثم رجع الرجل المبروك لمرام.. وكرر محاولاته معها، بنفس القراءات ونفس الأدعية، دون جدوىّ! فغضب الرجل المبروك غضبًا شديدًا.. وصاح في وجه مرام:

- أنتِ كذَّابة.. أنت تُمثلين.. فلتخرجوها خارجًا هي ومن معها حتى لا تُعطلنا!

وقد فعل هذا الرجل المثل مع اثنين أخرين قد عجز عن شفائهما.. وجاء المعاونين من النساء لإخراج مرام ومعها فاتن إلى خارج المكان.. وكانت مرام واعية بما حدث، ولكنها كانت لا تتملك نفسها، ولم تقدر أن تتحكم في صراخها أو انتفاض جسمها الشديد..

وفي خارج المكان، راحت مرام، باكية ومنتحبة، تقول في أسىّ:

- أَأنا كذّابة؟! أَأنا أمثل؟! ولماذا؟ ولأي هدف؟! وقد اتضح مما حدث معي بالداخل أني ممسوسة من الأرواح والشياطين.. هل هذا المس كان بي سابقًا أم مُسست في ذلك المكان؟!

ضمتها فاتن إلى صدرها وأخذت تربت عليها قائلة:

- ربنا كبير يا أختي.. هنالك غيره.. والله وحده هو الشافيّ.

*****


وفي تمام الساعة الرابعة من مساء يوم الخميس فتح مدحت بريده الإلكتروني ليجد في المُرفقات الرسالة السادسة، من الأستاذ نشأت، والتي كانت تحوي القصة السادسة بعنوان رجاء المُعَذَّبين..


فتح مدحت الرسالة وقرأ القصة وساد الوجوم وجهه.. فالقصة تؤكد على مس الأرواح الشريرة، ولا تنكر حدوث المعجزات على أيادي رجال الدين.. لكن لماذا لم يحدث الشفاء مع البعض، خاصة مع بطلة القصة مرام؟!

انتظر مدحت إلى الساعة السابعة ليجد الأستاذ نشأت نشطًا يدعوه على تطبيق Skype


حوار الليلة السابعة


- مساء الخير يا مدحت..

- مساء الخيرات يا أستاذ نشأت..

- كيف حالك اليوم يا صديقي..

- أفضل كثيرًا مما كنت عليه يوم الجمعة الماضي حينما اتصلت بك لأول مرة..

- هل أنت مُنتظم على تناول العلاج الدوائي يا مدحت؟ إياك أن تنقطع عنه.. فالانتكاسات صعبة وعلاجها أصعب!

- لا لم أنقطع عنه.. إني أتعاطاه بإنتظام فقد حذرني الطبيب من التوقف الفجائي عنه.. ولكنني بالفعل أحسن حالًا، وأخف أثقالًا مما كنت عليه..

- هذا ما اتمناه وأرجوه وأهدف إليه يا مدحت من خلال حوارتنا هذه.. هل قرأت القصة؟

- نعم قرأتها.. ولكنني أحترت في أمر مرام.. لماذ لم تُشفىّ من مصابها كما الأخرين؟ هل هي أقل من الأخرين أم أن هناك خطب ما؟

- بكل بساطة يا مدحت.. مرام لم تدخل إلى حالة التوقع والإيحاء بالقدر الكافي الذي توفر لدى الأخرين الذين تم لهم الشفاء.. ربما كان شفاءها سيحدث إذا تقبلت الأمر وجاءت إلى هذا الرجل مرة ومرات أخرى.. حيث يكون ذهنها قد كون توقع وإيحاء مناسب يتسبب في الشفاء.

- إيحاء؟ ألا تؤمن يا نشأت بمعجزات الشفاء؟

- بالطبع أؤمن بها يا صديقي العزيز، لكنني أُميز بين نوعين من الشفاء:


1- شفاء ميتافيزيقي Metaphysical Healing

وهو شفاء قام به رجال الدين على مر العصور لعضو فى جسم الإنسان كان قد فسد أو ولد الإنسان به فاسدًا مثل الشلل والعمى من بطن الأم، والله يقوم بخلق أعضاء جديدة، فالعضو قد تهرأ وفسد ودُمر، ولم يعد بقدرة جسم الإنسان أن يشفيه، وبالتالي الأدوية أيضًا لن يكون لها أي مفعول، فيأتي الله بقدرة إلهية إعجازية، ويتدخل لخلق أعضاء جديدة.. فمن الواضح في شفاء الأعمى أنه خلق له عين جديدة، والمشلول من بطن أمه قد خلق الله له أطراف جديدة. هذا النوع من الشفاء هو الذي نجده بكثرة فى الكتب الدينية، ولكن لا دليل أبدًا أن مثل هذه المعجزات تحدث الآن!


2- شفاء فيزيقي Physical Healing

وهو شفاء لأمراض تنتاب جسم الإنسان فى أحد أعضائه، وتجعله لا يؤدي وظائفه بصورة صحيحة لحدوث اضطراب أو خلل ومن هذه الامراض:

أ‌- أمراض عضوية؛ ويندرج تحتها الأمراض التى يطلق عليها عصبية ونفسية، لأنها تنتج عن خلل حقيقي فى كيمياء الدم. وهي أمراض تحدث بعضو من جسم الإنسان قد يصيب القلب أو الكليتين أو الكبد أو البنكرياس وغيرها بسبب اختلال وظيفي، ناتج عن سوء تغذية أو عدم اهتمام باللياقة الصحية، أو مهاجمة فيروس، وأحب أن أدرج تحت هذا النوع من الأمراض، الأمراض النفسية والعصبية، لأنها، فى واقع الأمر، أمراض عضوية ناتجة عن اختلال فى كيمياء الدم بزيادة أو نقص مكون رئيسي فى الدم، يسبب بعض الأعراض، مثل الاكتئاب، والهلاوس المختلفة بأنواعها، وغيرها من أعراض الأمراض المختص بها الطب النفسي. ولشفاء هذه الأمراض يجب توفير الأدوية اللازمة أو العمليات الجراحية لإعادة التوازن للعضو المريض، أو استثارة جسم الإنسان لزيادة المكون الناقص أو تقليل الزائد بوسيلة ما.

ب‌- أمراض هيستيرية ناتجة عن خلل وهمي ليس له وجود بدني. هذا النوع من الأمراض أساسه وهم، فهناك أناس، بسبب صدمات تحدث لهم أيّا كان نوع هذه الصدمات، يصابون بشلل أو عمى أو خرس، أو توقف أحد الأعضاء أو أكثر عن العمل، وبما أن السبب وهم، سيكون العلاج أيضًا كما لو كان وهمًا.

ج- أمراض سيكوسوماتية (نفسجسمية) وهي أمراض لها علاقة بكلًا من الجسم Soma والنفس Psyche وكنتيجة لتوتر أو خوف أو قلق أو رعب، يحاول جسم الإنسان أن يفرغ الطاقة الناتجة عن هذه المشاعر السلبية، فيقوم جهاز الهيبوثلاموس، بتحويل اتجاه هذه المشاعر السلبية نحو أحد أعضاء الجسم، فتسبب له أحد الأمراض مثل قرحة المعدة والاثنى عشر، أو اختلال فى وظائف الكلى، أو الكبد، أو حتى القلب والبنكرياس، أو صداع، أو الذبحة الصدرية، أو الربو الشعبي، أو جلطة الشرايين التاجية، أو روماتيزم المفاصل، أو البول السكري، أو القولون العصبي، أو الصداع النصفي، أو فقدان الشهية العصبي، أو حبوب فى الجلد، أو الزغطة (الحزقة) المستمرة... وغيرها! وشفاء مثل هذه الأمراض يعتمد على إشعار المريض بالطمأنينة والسلام، وإعطائه سببًا لعدم القلق وعدم الخوف فيزول السبب الرئيسي، وبذلك تزول أعراض المرض، وكأنها لم تكن!

والأجهزة الحشوية التى بالجسم متصلة وتتغذى بالجهاز العصبي اللاإرادي الذي يحركه الهيبوثلاموس، فى مقدمة المخ، المتصل بمراكز الانفعال حيث يترجم المشاعر إلى أعراض بدنية فإن كانت المشاعر سلبية مثل قلق أو خوف أو غيرها من الانفعالات، تؤدي هذه المشاعر أو الانفعالات إلى تنبيه جهاز الهيبوثلاموس ويترجمها إلى أعراض عضوية فى أحشاء الجسم المختلفة كما يشير إلى أن المريض قد يكبت الانفعال ولا يبدي سوى الأعراض العضوية.


فالحزن الذي لا يجد منفذًا فى الدموع يجعل أعضاء أخرى فى الجسم تبكي! ولعلاج هذه الأعراض يجب أن يتم عكس مسار تأثير الهيبوثلاموس فُنشعر الإنسان بالسلام والطمأنينة، أيّا كانت الطريقة، هذا يجعل جهاز الهيبوثلاموس يُلاشي الأعراض البدنية المرضية. وهذا يمكن أن يحدث فى وسط ديني على يد رجل دين أو بواسطة عراف أو ساحر أو ممارس علاج روحاني، فكلّ قد علم بالسر المكنون فى أن سعادة الإنسان والتفكير الايجابي يلاشي الأعراض المرضية ويسارع ويحفز الأجهزة المناعية للشفاء من أي مرض!

وهذا النوع الثالث من الشفاء الذي نحن بصدده يجب أن نضع فى الاعتبار أمرين في غاية من الأهمية:

• أن هناك خلل حدث بعضو سليم تدب الحياة به.

• قد يكون سبب الخلل عضوي أو نفسي.


- كلامك يا نشأت يوحي بأنه لم تعد توجد معجزات شفاء في عصرنا هذا، وكل ما يحدث ليس سوى تمظهرات نفسية لا غير.. أليس كذلك؟

- يا صديقي معجزات الشفاء من النوع الأول والتي تمتلأ بها الكتب الدينية ليس سوى تأييد وإثبات لدعوة الرسل..

أما المعجزة الحقيقية التي ينبغي أن نفيض سبحًا لله من أجلها والتي نعجز إلى الأن على فك طلاسمها هي العقل البشري الذي وضع فيه الله أسرارًا لم نعرف منها سوى أقل القليل.. وحينما نرى عجائب من بعض هذه الأسرار أمام أعيننا نطلق عليها معجزات لأننا عجزنا عن فهمها في الوقت الحالي.

أنا أرى أن جسم الإنسان دائمًا يشفي نفسه، وما محاولات الأطباء، سواء بالجراحة أو الأدوية، ومحاولات رجال الدين المختلفة ليست سوى محاولات لاستثارة هذه الطاقة الاستشفائية الكامنة داخل الإنسان بالطريقة المناسبة حتى تستيقظ من سباتها، وتعمل على شفاء المرض، فى فترة طالت أو قصرت، وربما تقصر هذه المدة إلى لحظات، وربما تطول إلى أيام، ولكن أولًا وأخرًا وحده الجسم البشري هو الذي يشفي نفسه! وهناك أجهزة فى الجسم تختص بالقيام بهذا الشفاء، وخاصة الأجهزة المناعية لجسم الإنسان، بما فيها كرات الدم البيضاء التي تهاجم الأجسام الغريبة التي تدخل لجسم الإنسان. والأدوية، ومنها المضادات الحيوية، تقوم بحث هذه الكرات البيضاء للدم أو الإكثار منها لتقوم بعملها.

قيل فى الأمثال: "كل الطرق تؤدي إلى روما" وأيضا تعددت طرق الشفاء، وكلها تقود إلى الشفاء أيضًا. فطريق الأطباء والأدوية فعال، وأيضا طريق رجال الدين يكون فعالًا فى الكثير من الأحايين، وكذلك المشعوذيين، والسحرة، وغيرها من الطرق الاستشفائية الشرقية القديمة، فكلها تقود إلى الشفاء. فالذي يحدث هو استثارة الطاقة الكامنة فى جسم الإنسان والمختصة بإعادة التوازن والسلامة للجسم ليحدث الشفاء، وهذا يعتمد أولًا وآخرًا على (الإيمان) والذي ربما يسمى فى الأوساط العلمية بالتوقع والإيحاء؛ Suggestion and Expectation !!

إن شفاء أي مريض يعتمد أساسًا على إيمان وتوقع المريض فى الشفاء. مثلًا إذا لمس رجل الدين (أو العراف... الخ) المريض، فالحقيقة أن الإنسان هو الذي يشفي نفسه، فطاقة الإيمان والإيجابية التى بداخل أي إنسان حينما تُفعل لا تشفي سوى هذا الإنسان نفسه، لأنه لا يعرف جسم الإنسان وسبب شقائه إلا جسم الإنسان ذاته، ويعرف كيف يعيد ضبط توازنه، ويشفي الاضطراب الذي حدث به لأن لكل جسم ذكاء خاص به!

والذي تفعله يد رجل الدين ليس إلا إيقاظ الطاقة الاستشفائية الموضوعة منذ تكون الجنين داخل بطن أمه بواسطة الخالق، وما يستثيرها هو عمل الإيمان.

فماذا يمكن للإيمان أن يُفَعِل في جسم الإنسان؟ لقد نشط الإيمان واستحث الطاقة الاستشفائية الموجودة بالفعل داخل الإنسان، والتي قد حدث بها خلل، والجسم هو الوحيد الذي يعرف كيف يشفي نفسه، وهذا هو سر شفاء الكثيرين فى أغلب الأوساط الدينية على يد رجال الدين. فالشافي هو إيمان الإنسان نفسه، والذي يستحث الإيمان أو المحك الذي يجعل الإيمان (التوقع أو الإيحاء) يصل إلى أعلى مستوياته المطلوبة فى الشفاء هو لمس يد رجل دين، أو وضع منديل، أو شرب ماء أو الرش به على الجسم، أو استحمام فى إحدى البرك،أو مسح بالزيت... أو غيرها مما شابه من وسائل!


- وماذا يا نشأت عن إخراج الأرواح الشريرة والشفاء من مس الشياطين..

- يا عزيزي مدحت أنا لا أنكر سداد وفعالية وصحة العلاج من الأمراض السيكوسوماتية والمس في كافة الأوساط، سواء كانت طبية أو دينية أو غيرها، حتى ولو كان اعتمادهم على الوهم لا العلم! وكل ممارسي هذا الفن الاستشفائي لهم كل الشكر والفضل لأنهم يقدمون خدمة هامة للناس، سواء تقاضوا أجرًا عليها أم لا..

ولكن أنا لي رأي ربما يخالفني فيه الكثيرين، ومن خلاله يمكنني تفسير الكثير من النصوص الدينية عما يطلق عليه سُكنىّ الأرواح الشريرة أو المس من الشياطين.. ففي حقيقة الأمر ما يُطلق عليه المس الشيطاني لا يصيب سوى المتدينين الذين يؤمنون به! ولذلك فتفسيره على الأغلب ليس سُكنى كائنات روحية في البدن ولكنها تَمَظُهرات وحيل دفاعية نفسية لا غير!

كانت لي إحدى الأقرباء.. كانت إنسانة طيبة لا غبار عليها أخلاقيًا البتة، ولكنها كانت مُصابة بداء الفصام العقلي، الذي لم تُعالج منه! كانت من جراء هذا المرض تتوهم بعض الأمور، أو بألفاظ طبية، كانت تنتابها هلاوس سمعية وبصرية.. ولذلك كانت تهتاج كثيرًا.. وكان تفسير الأغلبية من الأقرباء والجيران ورجال الدين أن هذه الإنسانة ممسوسة بروح شرير بل شياطين! وتعذبت هذه الإنسانة كثيرًا بسبب ذلك.. وقد كان قديمًا يُعذبون أمثالها أشد تعذيب بسبب هذه التهمة بين ضرب وحرق وحبس مصحوب بإهانة لا حدود لها..

لذا فأنا عاهدت نفسي من حينها أنا أعكف على دراسة الأمر دراسة علمية وعلى إفادة الناس من هذه الدراسة..

وموضوع طرد الأرواح الشريرة Exorcism يعتمد بشكل أساسي على التأثير في العقل بعامل الإيمان والتوقع الذي تحدثنا عنه.. وهو معروف منذ الإنسان البدائي.. حيث كان يعتقد الإنسان أن مس أو سُكنى شيطان فيه هو السبب فى إمراضه أو ضعف ذاكرته أو تركيزه... إلى ما شابه من أمور.. وفي هذه الحالة تكون لدى المريض قناعة كاملة بأنه مسكون أو ممسوس بمس شيطاني.. ولعلاج هذا الأمر لن تفلح حيل الأطباء مجتمعين! ولكن الحل الوحيد هو الذهاب بهذا المريض لرجل الدين الذي يؤمن بأنه قادر على إخراج هذه الأرواح الشريرة برقية ما، أو قراءة نصوص دينية ما، أو تلاوة بعض الأدعية.. فالمريض لديه القناعة الكاملة بقدرة رجل الدين هذا وما يفعله على طرد مَنْ يسكنه من شياطين.

يحدث لذلك الإنسان حالة من غياب العقل، أو التنويم المغناطيسي، والتفسير النفسي العلمي لذلك أنها حيلة دفاعية لا شعورية فيها يتهور المريض هستيريًا أو يتقمص شخصية أخرى كوسيلة للعقل الباطن يهرب بها من القلق وضغوط الحياة التي لا يمكن له مواجهتها فيكون الدفاع الملائم منه هو الهروب منها لا شعوريًا.. هذا بجانب تحقق التعاطف والرعاية من المحيطين بالمريض فيكون ذلك حلًا مَرضيًا لمشكلته!

فمثلًا قد يتكلم اللسان متحكمًا به العقل الباطن المتوهم بأن هناك أرواح شريرة تسكن بدنه، بصوت نفس هذا الإنسان أو بتقليد صوت أخر زيادة فى إقناع نفسه أن هذا شيطان! فنجد المرأة تتحدث بصوت خشن كرجل، والرجل ربما يتحدث بصوت ناعم كامرأة اعتقادًا منه أن تسكنه عفريتة أنثى. كل هذا يحدث من قبل العقل الباطن الذي يجعل اللسان يتحدث بأمور خاصة من خلفية هذا الإنسان الاجتماعية، ومن ذكرياته، ولكن كلامه بمجمله يوضع على لسان شخصية يسميها شيطان، والشيطان منه بريء! إن الإنسان المريض كاتب النص (-script-) لهذا السيناريو (Scenario) وهو نفسه المؤدي !(Actor) ولكن العقل مقتنع فى ذات الوقت بأن هذا شيطان! وهذا الأمر حيلة دفاعية يلجأ لها العقل الباطن ليمحو الآثار السلبية التى انتابت هذا الإنسان من خلال ما ألم به بسبب مشكلاته المختلفة!

- خروجًا من هذه المحاضرة يا صديقي، بماذا تفسر قيام ذلك الرجل المبروك في القصة بتكذيب مرام؟

- أنا لا أشك يا مدحت في أمانة بعض الممارسين لهذا الفن الاستشفائي، الذي قد يبرع فيه كثيرين بلا عدد أو حصر أيّ كانت توجهاتهم، وبالرغم من وجود بعض الأشرار منهم، لكن ذلك الرجل كان يتمتع بإيمان كبير بالله، وبقدراته هو شخصيًا، للدرجة التي أوصلته لنكران أي فشل في الشفاء قد يحدث مع البعض من المجتمعين حوله.. وأي فشل من وجهة نظره لا يُنسب إليه، بل إلى المريض نفسه، داعيًا إياه بأنه كذّاب أو نصاب جاء خصيصًا لإزعاجه وتعطيل خدمته!

كان يمكن أن يؤكد أن السبب هو ضعف إيمان المريض.. لكنه تصور أن المريض يُمثل أمامه تمثيلية! وهذا لا يدل بالطبع عن تواضع بل عن جهل بحقائق أثبتها العلم الحديث ويمكن لأي أحد ممارسة هذا الفن من الشفاء إذا توافرت فيه بعض الشروط التي تزيد من إيمان المريض به وبقدراته!

- الأمر يا أستاذ نشأت يحتاج لدراسة أكبر حتى أقتنع بكل ما قلته، أو على الأقل بعضًا منه!

بالمناسبة غدًا يوم الجمعة المرتقب لزيارتك لي على العشاء.. إياك أن تكون قد نسيت!

- أبدًا لم أنسى.. وسأصل إلى بيتك في تمام الساعة السادسة.. وسأرسل لك القصة السابعة غدًا في تمام الساعة الواحدة ظهرًا لنتناقش فيها سويًا في المساء.. فإلى اللقاء..

- إلى اللقاء يا صديقي.. ولتصبح على خير!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد


.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي




.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ




.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا