الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن أيام ابتسام وغادة

كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)

2023 / 3 / 21
الادب والفن


ليس لأنها كانت وجها تلفزيونا، بل لأن ابتسام عبدالله صنعت الحلم بلغتها، تكتب بهدوء مفرط نصها المفعم بالرقة في أشد لحظات الصخب. ومن يقرأ روايتها “مطر أسود مطر أحمر” التي كانت بمثابة أولى الشهادات عن الموت الذي اجتاح العراقيين عام 1991، يتعرّف على أم خالد التي لم تفرط بإنسانيتها في أشد أيام الانكسار التي مرت على بلدها.
كعادته يقوم الموت بكسر قلوبنا البعيدة عمن نحب وهو يأخذ ابتسام عبدالله، السيدة التي من فرط رقتها لا تسمع صوتها إلا هامسا. كنا جيلا صحافيا يعمل في كنف وداعتها في جريدة الجمهورية البغدادية على مدار سنوات. وأنا واحد من الذين تعلم من صبرها، مع أن الصحافيين بلا صبر، كنت أنتهز اللحظة التي أكون معها، فأمارس “لعبتي الصحافية” وأطلق أسئلتي عليها، وهي تقبل بود قل نظيره بالدخول في شراك تلك اللعبة.
لطالما تأسيت معها على التنسيق الأبله لتلفزيون بغداد آنذاك عندما بث واحدا من أروع حواراتها في برنامجها الشهير “سيرة وذكريات” مع الشاعر محمود درويش في نفس توقيت نقل مباراة مصيرية للمنتخب العراقي بكرة القدم، فضاع الحوار الشعري المثير تحت أقدام الكرة. كانت قناتان تبث برامجهما آنذاك، لكن من يملك من العراقيين في منزله جهازين للتلفزيون، ومن في الأسرة من يفضل حوارا مع شاعر على كرة القدم!
امتلكت الروائية والصحافية ابتسام عبدالله التي اختطفها الموت هذا الأسبوع، خزينا صحافيا عبر تجربة الحوارات التي كانت تقدمها على الشاشة، وتجربة عمل في الصحافة المكتوبة، وقراءة وترجمة باللغة الإنجليزية، جعلها تستثمر كل ذلك في الكتابة.
من يستمع إلى ذكرياتها عندما رافقت فيروز في زيارتها الأولى والأخيرة للعراق منتصف سبعينات القرن الماضي، يكتشف الانبهار بفيروز الفنانة والإنسانة معا، فيما ربطتها صداقة نادرة بالروائية غادة السمان، وكانت أم خالد أشبه بعين الكاتبة السورية على العراق كلما أرادت أن تعرف شيئا عن تلك البلاد التي لم تكفكف دموعها.
عندما سألتها عن غادة الإنسانة أكثر من الكاتبة التي كنا نقرأها كل بطريقته، قالت “كنت الوحيدة القادرة على كبح جماحها كلما زارت العراق”! فغادة السمان كانت تعيش التمرد.
عندما اصطحبت أم خالد غادة مرة إلى مدينة الكاظمية لتتجول في أسواقها الأثرية، اقتربتا من المرقد، فقالت لها لندخل من دون ارتداء العباءة العراقية ونكسر كل تلك التقاليد!
ضحكت ابتسام على تهور صديقتها الكاتبة السورية وسحبتها جانبا، فحتى التسامح المجتمعي آنذاك لم يكن يسمح بتلك اللعبة التي تريد غادة السمان ممارستها في مدينة الكاظمية.
في يوم شتائي، من الطابق الرابع في جريدة الجمهورية بداية تسعينات القرن الماضي، كانت أم خالد تحمل ما يشبه المفاجأة لي، في زمن شح علينا الكتاب الجديد تحت وطأة طوق الحصار الأعمى. قالت “خذ النسخة الوحيدة التي وصلت العراق، كتاب رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان”.
قرأت الكتاب الصغير بلهفة الفاقد للكتب الجديدة، وكتبت عنه بعد أيام عرضا مليئا بالتساؤلات. بعد ذلك بسنوات عندما حملتنا الأيام إلى شمال أفريقيا وأنا أتجول أمام بسطات بيع الكتب في العاصمة تونس، وجدت الطبعة الثانية من كتاب “رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان” وقد وضعت على غلافه الثاني فقرات من مقالي المنشور آنذاك في جريدة الجمهورية.
كانت أم خالد كعادتها تتراسل مع صديقتها غادة وتبعث لها قصاصات الصحف والمجلات العراقية التي تكتب عنها، في زمن الورقة والقلم.
فأي قسوة للموت وهو يصدم ذاكرتنا ويرفض أن يبقي لنا الذكريات لتبقى حية. رحلت ابتسام عبدالله التي أحبها، بعد ثلاثين عاما على تلويحتها الأخيرة لي بالوداع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف