الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وين طالوعك يا وطن ؟.

رعد الخاشع

2023 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


السذاجة في أكل الباچة

وين طالوعك يا وطن ؟ .

من أكثر الأشياء التي تبقى عالقةً في الأذهان هي الألعاب الشعبية التي كنا نلعبها ونحن أطفال صغار لا تتجاوز أعمارنا العشرة أعوام حينها كنا لا ندرك الأمور بشكلٍ جيد ولا نفقه من الحياة شيئا ، بل كان مجمل تصورنا لها بأننا خُلقنا لنعلب فيها ، معتقدين زورًا بأننا هزمناها ومن ثم نعود عندما تغيب الشمس إلى منازلنا لنحدث أهالينا عن روعة انتصاراتنا ونستعرض لهم بطولاتنا ومكاسبنا وخططنا لليوم التالي من اللعب في هذه الحياة التي سنكتشف فيما بعد بأنها هي من ستلعب بنا وترد لنا الصاع صاعين ..
ورغم بأننا كنّا أطفالًا صغارًا لم نكن نعرف معنى المبادئ والقيم والضوابط والشروط والقوانين والاتفاقات والتحالفات والصراعات لكن هناك شيء ما كنا نمارسه بالفطرة وكأنه قانون سحري ينبع من أجواء دستورية ديموقراطية تتحكم فينا وبتصرفاتنا وتُلزمنا جميعًا باتباعها والمثول أمامها دون الاعتراض عليها أو الانتقاص منها ..
فمثلاً عندما كنا نتجمع كي نلعب لعبة (الدعبل) كان هناك شخص من ضمننا يصيح بأعلى صوته (طالوع) وهو بهذه اللفظة يعلن للجميع بأنه سيكون أخر شخص يرمي الدعبلة على خط الشروع في توزيع الترتيب (الأول والثاني والثالث إلى الأخير ) ، وكان الجميع وبدون استثناء يحترم حصول هذا الشخص على هذه الميزة بمجرد أنه لفظ كلمة (طالوع) أولاً وقبل الجميع ، والعجيب أيضًا أن هذا الاحترام في اختيار هذه الميزة يستمر إلى نهاية اللعبة دون وجود مساومات أو تهديدات أو اتفاقات (مسبقة أو لاحقة) أو توقيع على أوراق أو اعطاء مغريات للتنازل عن هذه الميزة مقابل صفقة أو مجموعة صفقات ..
بالمقابل كانت تقتضي لعبة (السطوب) هو أن تنطق كلمة (أسطوب) فقط قبل أن يتكمن الشخص الذي وقعت عليه القرعة بأن يكون الضحية في هذه اللعبة ويحاول إنقاذ نفسه من خلال الركض وراء الجميع كي يخرج من دائرة السطوب ، هذه الكلمة الوحيدة وأقصد بها لفظة (سطوب) كانت كفيلة بأن تشعرك بالأمان والطمأنينة مع من حولك من رفاق يلعبون معك نفس اللعبة حتى وإن كانوا من غير منطقة أو من غير طرف دون خوف أو هلع وإنها تعطيك ضمانًا بأنك قادر على إكمال اللعبة بكل عنفوان وتألق والعجيب بأن هذه اللعبة أيضًا لا تقبل المساومة بين الاطراف المشاركة فيها فلكل لاعب مبدأ لا يتنازل عنه مهما بلغت المواقف وتصاعدت حدة اللعبة فكلمة (سطوب) باتت تشكل مبدأ ثابتًا لا يتغير ولا يتبدل ..
أما لعبة (الختيلان) فهي كانت بمثابة جهد جماعي يشارك فيه جميع الأطفال في المنطقة التي كنا نعتبرها الوطن الكبير لنا، فالغاية من هذه اللعبة ليس المتعة فقط بل تعطينا درسًا عظيمًا هو أننا مهما اختفينا عن الانظار لابد في نهاية المطاف أن يكون الجميع ظاهرًا وفائزًا وبجدارة من خلال فوزنا بلقائنا من جديد بعد اختباء دام ساعة أو ساعتين بعدما نحس باشتياق وفقدان لمن اختبأ منا وهذا أصل لعبة (الختيلان) لنعود كلنا في صفٍ وطني واحد داخل قبة وطننا الكبير (منطقتنا الصغيرة) ..
بالمقابل كانت هناك لعبة أخرى عبارة عن أربعة أوراق فقط بيضاء اللون وفي كل ورقة منها مكتوب كلمة واحدة فقط وهي (حاكم ، جلاد ، مفتش ، حرامي) ، ومن خلال أسهل عملية اقتراع انتخابي يتم اختيار ورقة واحدة لكل لاعب مشترك في اللعبة بعيدًا عن (السانت ليغو) وغيرها من القوانين ، فقانون الضمير هو من سيتحكم في تنفيذ اللعبة فمن ستقع في يده الورقة المكتوب عليها (حاكم) سينفذ جميع قرارته دون تأثير أو تخدير بعيدًا عن ضغوطات الأحزاب والكتل والشخصيات الموجودة من الأقارب والأصدقاء الحاضرين بالقرب من اللعبة فقانون هذا الحاكم متجرد من كل الميول والانتماءات ، ليأتي دور من وقعت في يده اختيار كلمة (الجلاد) لينفذ أحكام الحاكم بالتساوي والقسطاس المستقيم ولا يكون تنفيذ الاحكام على (ناس وناس) ، أما ورقة المفتش فمن تقع في اختيار يده فإنه سيمارس أعظم دور رقابي وتفتيشي وهو الوحيد الذي سيكون في مأمن بعيدًا عن جميع الشبهات ، أما من تقع في يده الورقة المكتوب عليها (حرامي) فسوف يسلم نفسه تلقائيًا إلى الحاكم لينال جزاءه العادل من الجلاد بشهادة المفتش فالورقة وحيدة ولا تحتاج إلى أوراق ثبوتية أخرى تغير مجرى القضية لتحول السارق إلى بريء يتغنى بحب الوطن …
هذه هي ألعاب شعبية بسيطة كان أبطالها أطفالًا صغارًا وأدواتها كلمات لفظية بسيطة إضافة إلى وجود (دعبلة) وهي صغيرة في حجمها الذي لا يتعدى السنتمتر الواحد يتخللهن حركات تتفاوت سرعتها بين المشي والركض والهرولة لكن ما يميز كل ما ذكرناه من الألعاب واللاعبين والأدوات هو المبدأ الثابت من الجميع واحترام الرأي والرأي الآخر على رغم صغر العمر وبساطة الأدوات وفطرية الممارسة بعيدًا عن استوديوهات الأعلام والفديوهات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي والتسريبات الصوتية الحقيقية ، فأبطال هذه الاشياء الاخيرة المتقلبة الذين أفرزتهم الآونة الاخيرة كبار في العمر ويمتلكون أدوات وجماهير واسعة وعريضة بل البعض منهم يعيش ويتعايش في وجوه عدة وجلود عدة وقلوب عدة وجيوب عدة وعيون عدة ويمتلكون مئة لسان ينساقون وراءها كلما تأثرت من حولهم (جيف) مصالحهم الشخصية ويتناسون زورًا وبهتانًا مواقفهم السابقة التي قالوا عنها سابقًا بأنها ستبقى ثابتة للتغير تبعًا وكأنهم ممثلون كوبارس يؤدون أدوارًا فنية بائسة بحسب توجهات المخرج وتبعًا لإملاءات المؤلف ليقدموا مسرحياتهم البليدة إلى جمهورٍ غشيمٍ يصدق ويضحك على نفسه في كل فصل من فصول هذه المسرحية البلهاء ليعاود تصديقهم من جديد ليضحك عليهم مرة أخرى في مسرحية أخرى وهكذا تستمر مسرحية الضحك في اللعب مع الكبار على عكس اللعب مع الصغار ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات