الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاجرُ والجنيّ

دلور ميقري

2023 / 3 / 23
الادب والفن


كان رجلاً صالحاً، يكدّ بجدّ سحابةَ النهار في سوق السمّارين بمراكش. لما بلغَ الأربعين، فكّرَ بشيءٍ من الغم: " إنها السنّ، التي نزل فيها الوحي على النبيّ لأول مرة؛ فيما هيَ توحي لي بترك العزوبية ". ما لبثَ أن خطبَ فتاةً جميلة من أسرةٍ كريمة، وكان ينتظرُ الصيفَ كي يحتفل بعرس لائق. لكن اللصوص، الذين سطوا على بيته ذات ظهيرة وكان عندئذٍ في المتجر، بددوا حلمه وتركوه شبْهَ مُفلسٍ.
آبَ التاجرُ إلى عزوبيته، واقتربَ فصلُ الصيف. في الأثناء حلّ شهرُ رمضان، فقرر أن يقضي بعضَ أيامه الحارة في مدينة الصويرة، المعروفة بطقسها المعتدل فضلاً عن تمتعها بشاطئ لطيف. سافرَ إلى تلك المدينة البحرية، وبمجرد وصوله لمحطة الحافلات، تلقفه دليلٌ شاب. قال لهذا الأخير دونَ مواربة: " أنا رجلٌ غير مُقتدر، أبحث عن سكن إيجار رَخِص "
" ومن أخبرك أن المقتدرين لا يريدون سكناً رخيصاً؟ "، قال له الدليلُ متفكّهاً. ثم استطردَ بنبرة عملية، لكنها خالية من الحماس: " أعرفُ سكناً زهيدَ الإيجار، يقع في الدور الثاني من منزل لا يبعد كثيراً عن القصبة القديمة. المشكلة، هيَ في إقناع صاحبته بتأجيرك المسكن. ذلك لأن ابنها الوحيدَ مسافرٌ، وكان عادةً يهتم بهذا الأمر. على أية حال، نسمع منها رأيها لو شئتَ؟ ". هز التاجرُ رأسه موافقاً، وكان بدَوره قد فترَ حماسه لدى علمه بأصل المشكلة.
ما لم يكن يعرفه الدليلُ، وصلَ لعلم التاجر حينَ بقيَ منفرداً بصاحبة المُلك عقبَ موافقتها على تأجير الدور العلويّ. قالت له بحذر، رافعة رأسها إلى ناحية ذلك المكان: " حتى وقتٍ قريب، كان ابني يُقيم هناك في الحجرة المجاورة للحمّام. ولا أخفيك، أنه مقتنعٌ بأن المكانَ مسكونٌ.. وأعني تلك الحجرة، أينَ ظهرَ له الجنيّ أكثر من مرة "
" عجباً، الجنيّ لا يقيم سوى في الحمّام؟ "، قال المستأجرُ ثم استدرك بسرعة: " الإنسانُ المؤمن، في وسعه إبعاد الجنيّ ما لو التزمَ بحديث الرسول في هذا الشأن ". غمغمت المرأة العجوزُ بالصلاة على النبيّ، بيدَ أنها لم تعلّق على ما سمعته. بعدئذٍ صعدت معه إلى حجرة الإيجار، والتي حازت من ثم على رضاه. قالت له فيما كانت تهم بمغادرة المكان: " ٍسأزيد قيمة الإيجار اليوميّ عشرينَ درهماً، ما لو أردتني أن أحضّر لك الفطور؟ "
" وهوَ كذلك "، ردَ عليها بارتياح. لقد سرّه الانفراد بالسكنى في الدور العلويّ، لقاءَ إيجار معقول، وكذلك وقوع المنزل في قلب المدينة القديمة. موضوعُ الجنيّ، لم يشعره بالقلق، بل بشيءٍ من الاستغراب: " لم تكن مُجبرة على البوح به، اللهم إلا لو كانت امرأة شديدة التقوى أو لعلها مجرد ثرثارة ".
تعشى في السوق، ثم عادَ باكراً نوعاً إلى المنزل. المدينة هادئة للغاية، على عكس مراكش في مثل هذه الساعة من الليل. سرعانَ ما استلقى على سرير النوم، ووجده مريحاً. غبَّ اغفائه، ولجَ الجنيّ إلى الحجرة. أيقظ التاجرَ بهذه الكلمات، قبل أن يذوبَ مرةً أخرى في العتمة: " اللص، الذي سرقك، أخبأ المالَ في الحجرة المجاورة للحمّام ".
بعد عودته إلى مراكش، زار التاجرُ منزلَ خطيبته السابقة وأبدى مجدداً رغبته في الاقتران بها. كان الصيفُ قد انتصفَ، لما جرى حفلُ العرس في صالةٍ باذخة. سألته امرأته، حينَ أغلِقَ عليهما بابُ المخدع، عن سرّ تحولات حياته من الغنى إلى الفقر ومن ثم إلى الغنى مجدداً. فأجابَ متنهداً: " ابتليتُ أولاً بجنيّ كافر، سلبني مالي، وبعد ذلك أعاده إليّ جنيّ مؤمن ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب