الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (10) --- الفصل الثامن --- القصة الثامنة: رجاء المحرومين

توماس برنابا

2023 / 3 / 24
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


- تُرىّ يا نعيمة، هل ستنجح العملية؟ إني خائفة جدًا، وقلبي غير مُطمئن!

- توكلي على الله يا مَودة، فالله قادر على كل شيء، وهو يخلق ما يشاء من عدم أو من طين..

- لقد تعبت يا أختي طوال العام السابق من العمليات الجراحية.. لقد أجريت إلى الآن أربع عمليات؛ عمليتان في المبايض، وثالثة في الرحم، ثم عملية حقن مجهري منذ أسبوعين.. وها أنا الآن انتظر أن يُسحب مني عينة من الدم لإجراء اختبار الحمل..

كانت مَودة قد أنفقت كل ما لها وما لزوجها من مال على هذه العمليات الأربعة! وقد كان زوجها غير مُعاب في مسألة الإنجاب، ومحبةً منه لزوجته، أنفق كا ماله على الأطباء والعمليات الجراحية حتى يتحقق حلمها في الإنجاب..

جاء دور مودة لأخذ العينة.. وكانت قد أصرت على عدم إجراء إختبار حمل سريع عن طريق البول حتى يكون الأمر أكيدًا باختبار دم لتتأكد يقينًا من الحمل أو عدمه.. وها قد مر أسبوعان على زرع جنين في رحمها..

دخلت مودة مع أختها نعيمة إلى غرفة سحب العينات في المركز الطبي المشهور بهذه العمليات، والذي كانت مودة تتردد عليه منذ عام إلى الآن!

كانت نعيمة قلقة جدًا على أختها مودة. تولت نعيمة مسئولية تربية أختها مودة منذ ولادتها، خاصة بعد موت أمها ومودة تبلغ من العمر خمس سنوات.. وأغدقت عليها بالحب والحنان إلى أن تزوجت موظف بسيط يعمل في شركة الإتصالات ومر الآن على زواجها خمس سنوات..

سحب اختصاصي المعمل العينة، وطلب منهما الإنتظار في الخارج.. وخرجت مودة، لكن نعيمة ظلت بغرفة المعمل وأغلقت الباب، وطلبت من الاختصاصي أن يخبر مودة أن نتيجة التحليل ستظهر في صباح الغد! ثم أخذت منه رقم هاتفه لتتصل به ليخبرها بنتيجة التحليل عند رجوعهما إلى المنزل.. وقد كان!

ثم اصطحبت نعيمة مودة إلى بيتها، وطلبت منها أن تصلي وتدعو الله أن يرزقها بمُشتهىّ قلبها، ولتكن مشيئته الصالحة من نحوها..

وتركت نعيمة بيت أختها لتذهب إلى بيتها وإلى ولديَّها.. وفي طريقها للبيت اتصلت باختصاصي المعمل الذي أخبرها بأن اختبار الحمل سالب، ولم يحدث أي حمل! صُدمت نعيمة وخافت على أختها من هول هذه الصدمة عليها.. فظلت تفكر طوال الطريق إلى بيتها، كيف ستخبر أختها في الصباح بهذه النتيجة.. لقد عانت مودة كثيرًا إلى الآن، ولعل هذه الصدمة تؤثر عليها كثيرًا..

وصلت نعيمة منزلها، وأعدت العشاء لزوجها ولأبنيها، شادي وهادي، وتركته على المائدة.. ثم دخلت إلى غرفتها لتدعو الله أن يرشدها كيف تخبر أختها، وأن يسندها حينما تعلم ذلك الخبر المؤلم..

ثم نامت لتستيقظ باكرًا، وأديت كل واجباتها المنزلية من تنظيف وترتيب وإعداد الإفطار الذي تركته على المائدة وخرجت ذاهبة مسرعة إلى أختها. وحينما وصلت إلى بيت أختها، طرقت على الباب لتأتي أختها مودة إليها وتقابلها بوجه متعب من الأرق والسهاد طوال الليل.. فضمتها نعيمة إلى صدرها وهي تبكي، فبكت مودة وقالت لإختها:

- هل فشل الحمل؟

- الله يعوضك.. الله كريم..

- لكنني لن أقدر على الاستمرار في مثل هذه العمليات مرة أخرى.. وحتى لو أردت.. لم يَعد معي ولا مع زوجي أي نقود أو ممتلكات!

- يمكنك الانتظار عام أو عامين.. وربما يستجيب الله بقدرته دون أي عمليات جراحية..

- هل يمكن أن يحدث هذا؟ هل يمكن أن أصبح أُمًا!

- أنت الآن في الثلاثين من عمرك.. وما زال أمامك العمر طويل.. وهناك من رزقها الله بعد أن تعدت حاجز الخمسين.. فلا تيأسي أبدًا!

- يا أختي مللت الوحدة بين أربع جدران.. اشتقت لطفل يملأ عليَّ هذا البيت ويناديني "أمي".. هل يمكن أن يأتي ذلك اليوم؟!

- ضمتها إليها نعيمة طويلًا دون أن تنبس ببنت شفة..

*****

تأثر مدحت كثيرًا من جراء قراءته لهذه القصة المرفقة بالبريد الألكتروني الذي وصله في تمام الساعة الرابعة.. وتوجه بالشكر نحو الله إذ رزقه ابنًا.. فكيف كان سيكون حاله الآن إذا لم يكن قد أنجب أطفالًا بعد؟

وفي تمام الساعة السابعة مساءً، أتصل الأستاذ نشأت بمدحت عبر الأنترنت عن طريق تطبيق Skype الشهير.. وكان بينهما الحوار التالي:


حوار الليلة التاسعة


- مساء الخير يا مدحت..

- مساء النور يا أستاذ نشأت..

- تبدو سعيدًا اليوم.. لا بد أن هناك ما يُسعدك..

- نعم! لقد بدأت السعادة تملأ نفسي في اليومين السابقين.. وها أنا أفيض حَمدًا وسُبحًا لله لأنه رزقني طفلًا مثل باسم يُقر عيني ويملأ عليَّ حياتي..

- نعم، حياة الشكر سواء لله أو للناس تملأ القلب الشكور بالسعادة والفرح والرضا.. أرى أنك قد قرأت القصة، وكان أثرها إيجابي على نفسك..

ولكن تذكر أن القصة مآساوية تثير الأسىَّ، وليس الرضىَّ، نحو هؤلاء المحرومين.. فجيد أن نشكر الله على ما عندنا حينما نرى محرومًا! لكن الأجدىَّ أن نشاركه أحزانه ونعمل على إسعاده وتقديم العون والدعم الملائمين له من جميع الجوانب، لا أن نفكر في أنفسنا!

- عندك كل الحق يا أستاذ نشأت.. لكن كيف يمكن أن أُساعد من حُرم نعمة ثمرة البطن خاصة النساء!

- أن لا تُذكره بهذا الحرمان دائمًا.. فحينما تتفاخر بأولادك أمامه، أو أن تدعو له أمامه أن يرزقه الله أطفالًا، ذلك يَحزُ في نفسه ويبعث عليه شعورًا بالحرمان والآلم..

يجب أن نُشعر ذلك الإنسان أن الأطفال أو الإنجاب ليس هدف الوجود والبقاء في هذه الحياة! ويُمكن للإنسان أن يحقق ذاته ويرضىّ عنها بشتى الطرق..

فالإنجاب نعمة من نِعَم الله.. وقد يرزق الله البعض أطفالًا أم لا.. إن مشيئة الله فوق الجميع ويجب أن نتقبلها ونعيش حياتنا في هناء واكتفاء ورضى!

- لكن يا نشأت، مُجتمعنا يرى في المحروم من ثمرة البطن إنسان غير كامل ينقصه الكثير..

- هذا أمر لا بُد أن يتغير.. بل يجب توعية الناس بأهمية رعاية وتربية الأطفال بصورة كافية وافية، وإلا فمن الأولىّ أن لا يُنجبوا! فكم من أطفال مُشردين لعدم إهتمام الوالدين وإهمالهم..

وفي حالة مودة.. مودة نشأت في مجتمع يرى أن الإنجاب هو هدف وجود المرأة المتزوجة.. ويرى في العاقر عبئًا وعالةً على المجتمع وعلى الزوج الذي يُمكن أن يُطلقها أو يتزوج عليها من غيرها..

هذه الأمور قد تجعل المرأة تسقط في هوة من اليأس والكآبة قد تودي بحياتها الخاوية من كل هدف قد ترنو إليه في الحياة.. إن أهداف الحياة لا حصر لها أبدًا! ويُمكن لأي امرأة أن تجد المعنى لحياتها في أمور شتىّ وليس فقط في الإنجاب وتربية الأولاد!

وتساميًا بفطرة وغريزة الأمومة التي قد تفيض من وجدان البعض منهن، يُمكنهم العمل أو التطوع في رعاية وتربية الأطفال الصغار في دور العبادة والجمعيات الأهلية الخيرية والحضانات المختلفة أو دور رعاية الأيتام والملاجىء... وغيرها من مُجتمعات الأطفال الذين هم في أمس الحاجة لعاطفة مثل العاطفة التي تجتاح نفوس وقلوب أمثال هؤلاء النساء المحرومات!

- كلامك مضبوط يا أستاذ نشأت.. ينبغي علينا أن لا نُثقل على أنفس هؤلاء المحرومات بجهلنا، ولكن أن نقدم لهن الدعم الكافي حتى ينتصرن على ضعفهن، ويَجدن الهدف والمعنى من حياتهم..


هل لك يا أستاذ نشأت أن تُخبرني عن ماذا ستكون القصة التالية؟!

- ستكون عن يائس وجد في الإدمان وسيلة للهروب من يأسه المستفيض.. أراك غدًا يا صديقي..

- عمت مساءً يا أستاذ نشأت..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام