الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (11) --- الفصل التاسع --- القصة التاسعة: رجاء اليائسين

توماس برنابا

2023 / 3 / 24
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


- فَلتَصُب يا كريم! لن نأخذ منها شيء.. وليس معنا منها أي شيء!

صَب كريم لعماد، وأيضًا له، من الزجاجة الرابعة من الشراب الكحولي الفاخر عالي التركيز.. وكان قد دخنا معًا سيجارتي حشيش..

- أَتعلم يا كريم.. الدنيا تدور بنا دائمًا وأبدًا في نفس الطرق والإتجاهات.. الأمور كماهي كل يوم.. كل ليلة.. كل أسبوع.. كل شهر.. وكل سنة إلى أن نموت!

نحن نجتمع كل أسبوع هنا في هذه الكافيتريا لنشرب وندخن لصالح "الكيف".. لا أعلم كيف كنا سنعيش بدون "كيف"؟ هل يمكن أن يكون للدنيا أي طعم يُستساغ بلا "كيف"؛ بلا خمر، بلا حشيش، بلا هروين! وكيف ننسى حينئذ مصابنا ومصائبنا بلا "كيف"؟

أسحب "تذكرتك" لأنني "سُطلت"! لماذا لا تتحدث؟ هل "سُطلت" مثلي؟!

أشار إليه كريم بالإبهام بما يُعني؛ أنت "مائة بالمائة"! ثم غادرا الكافيتريا وسارا في طريقهما إلى منزلهما. ووصل كريم إلى بيته أولًا، ثم واصل عماد طريقه إلى منزله ليطرق الباب عند وصوله إليه بقوة..


- من بالباب؟

- أفتحي يا امرأة!

- إنه أنت يا عماد! أين كنت يا رجل؟ ماذا؟ أَأنت سكران؟ إلى متى ستظل على هذا الحال؟ لن أمكث معك في البيت طويلًا على هذا الحال، فأنت تنفق نقودك على هذه السموم وتتركني أنا والأولاد بلا نقود وبلا طعام.. الأولاد يا عماد ناموا بلا أي عشاء! يا رجل، أين نخوتك؟ أين رجولتك؟ أولادك جوعىّ، وأنت سكران!

- كيف تجرؤين أيتها المرأة؟

وطفق عماد يضربها ضربًا مُبرحًا وتركها على هذا الحال.. ثم دخل غرفته ليسقط مَغشيًا عليه على السرير. استيقظ عماد صباحًا يوم الجمعة ليجد البيت يخلو من زوجته وطفليه.. كان رأسه يدور من جراء ما تناوله أمس من خمر وحشيش وهروين.. ولا يعلم إلى أين ذهبت زوجته مع طفليه؟ ولا يذكر شيئًا مما حدث البارحة..

أتصل تليفونيًا بزوجته التي أخبرته أنه لن يعرف طريقها أبدًا، ولن ترجع إليه إلا وقد أقلع عن الإدمان!

جلس عماد يتذكر حياته بمآسيها التي تتوالى عليه كل يوم.. فهو قد فُصل من عمله يوم أمس، واليوم قد تركته زوجته، وهو الآن لا يملك حتى ثمن طعام الإفطار.. وكيف سيتمكن بعدئذ من شراء المُكيفات والكحوليات؟!

وجد نفسه يبكي وينتحب ويضرب رأسه في الحائط.. ثم خرج إلى خارج البيت هائمًا مترنحًا، بلا هدف، ولا هُدىّ، ولا حتى عقل، في إتجاه النيل..

*****
أثرت هذه القصة في مدحت أبلغ الأثر، حينما قرأها في عصر يوم الأحد.. هذه السموم تقتل الشباب ببطء، ويتعاطوها وهم موقنون أنهم إنما يقتلون أنفسهم. فكيف يُمكن إنقاذ هؤلاء من براثن وحش هذا الإدمان الكاسر..

أتصل به الأستاذ نشأت في تمام الساعة السابعة مساءً في نفس اليوم، ودار بينهم الحوار التالي..



حوار الليلة العاشرة


- مساء الخير يا أستاذ نشأت

- مساء النور يا مدحت.. كيف حالك اليوم يا رجل؟

- بخير! لكنني أتوجس خيفةً بأني قد أكون مُدمنًا للأدوية التي أتناولها.. أو قد تقودني هذه الأدوية يومًا ما لاستساغة المواد المُخدرة..

- أرى أنك قد قرأت القصة يا مدحت.. لكن يا صديقي شتان بين المُدمن والمريض النفسي المُتعاطي للأدوية!

- يا نشأت تقريبًا لا فرق! فالطبيب الذي يقوم بعلاج المُدمن هو نفسه من يُعالج المريض النفسي والعقلي!

- هذا صحيح يا مدحت، لأن أعراض الأدمان تشبه بقدر كبير أعراض المرض النفسي والعقلي.. فهناك الأرق والهذيان والهلاوس السمعية والبصرية وإضطرابات المزاج والإدراك... وغيرها من الأعراض، فالمواد المُخدرة والكحولية التي يتعاطاها المُدمن قد تُؤثر سلبيًا على الأداء الوظيفي للمخ والغدد المختلفة في الجسم في إفرازاتهم للمواد الكيميائية في الدم، والمسئولة عن توازن المزاج والإدراك.

أما المريض النفسي أو العقلي، فإختلال أو اضطراب المزاج أو الإدراك يكون لأسباب نفسية أخرى غير الإدمان.. وكما قلت لك سابقًا أن العلاج يكمن في التوصل بطريقة طبية إلى التوازن في كيمياء الدم، وهذا ليس بالشيء الهين أو المباشر. ذلك العلاج قد يستغرق وقتًا، والانقطاع الفجائي عنه قد يُنتج عنه إنتكاسة شديدة..

- ألذلك تُحذرني من الانقطاع عن الدواء؟

- نعم يا مدحت.. هناك بروتوكول مُتبع عند التوقف عن الأدوية التي تُعالج الأمراض النفسية والعقلية.. فيجب أن يكون ذلك بصورة تدريجية خلال فترة انسحاب مناسبة يُحددها الطبيب المُعالج لحالتك..

- لقد ذكرت يا نشأت أن المدمنين يائسين، فكيف يكون ذلك؟

- أغلب المدمنون، وخاصة مُدمني المُكيفات والكحوليات مثل عماد يكونوا يائسين من الحياة عمومًا من كثرة الضربات الموجعة التي يتلقونها من الدنيا، وهؤلاء في أمس الحاجة لشفاء نفوسهم من هذه الجروح قبل علاج إدمانهم حتى لا يؤذوا أنفسهم. ويجب على المجتمع مُتمثلًا في كافة أفراده أن يكونوا مُتنبهين حتى لا يَسقط البعض منه في متاهة الأدمان، وإن وجد البعض وقد سقطوا بالفعل فيها، فليحاولوا بكافة الطرق أن ينتشلونهم برحمة وتراحم من يأسهم في البداية، ثم من إدمانهم! فالعلاج من الأدمان قد يستغرق وقتًا ولكنه صعب! أما العلاج من اليأس فشيء في مُنتهى الصعوبة ويحتاج إلى دعم منا جميعًا بعون الله تعالىَّ!

- شكرًا لك يا "دكتور" نشأت.. أفادك الله وزادك علمًا.. والآن يمكنني أن أسألك؛ عن ماذا ستكون قصة الغد؟

- ستكون عن أم ثكلىّ قد فقدت ابنها الوحيد..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على