الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية سيد المنزل

رياض ممدوح جمال

2023 / 3 / 24
الادب والفن


تأليف: ستانلي هيوغتون
ترجمة: رياض ممدوح جمال

(ستانلي هيوغتون حصل على شهرة كبيرة في مسرحيته "يقظة
الهند"، وهو واحد من اساتذة تكنيك مسرحيات ذات الفصل الواحد.
مسرحيته هذه ظهرت في السلسلة الثانية من مجلة "مسرحيات
الفصل الواحد اليوم" مقتبسة من المسرحية الكوميدية "الراحل
العزيز" لستانلي هوغتون. (سبق لنا وان قمنا بترجمتها. المترجم) المسرحية الحالية في نفس
معنى الاصل، لك خاتمة البطل في هذه المسرحية يكون حيا، اما
في مسرحية الاصل فان خاتمتها يكون البطل فيها ميتا. فتكون
الاحاسيس مأساوية كئيبة. وكلا المسرحيتان تتوقفان على مفارقة
الالتباس والخطأ).
الشخصيات :
السيد اوفنز
فريد اوفنز : ابنه.
السيدة اوفنز : زوجته الثانية.
اداي : شقيقة السيدة اوفنز
الدكتور جيلايكو
السيد سكرمشر : محامي.

الزمان : مساء خريفي. النار في الموقد منخفضة، والمكان مضاء بنار الموقد.

المنظر : (في صالة بيت السيد اوفنز.
المسرح على شكل مثلث؛ جدارين فقط تظهر صالة السيد اوفنز.
على جهة اليسار جدار طويل. شبّاك عليه ستارة غامقة اللون في
الاتجاه القريب من المشاهد وفي الجهة البعيدة يوجد موقد النار.
الجدار الذي على اليمين فيه باب، يؤدي الى ممر او صالة. وقريب
من الموقد يوجد كرسي بمساند يسلط عليه ضوء النافذة حين تفتح
الستارة او حين تشرق الشمس على الغرفة. في وسط الغرفة منضدة
دائرية كبيرة حولها كراسي. بوفية ومكتبة محاذية الباب الذي
على جدار اليمين واريكة وكراسي اخرى موجودة في الغرفة.
المكان مريح؛ تبدو الغرفة انها لمزارع عصامي قدم من المدينة ونجح
كثيرا هنا؛ رجل اعتيادي لا يميزه شيء ولم يحض بدعم اصدقاء في
منطقة مقطوعة الصلات لمائتي او ثلاثمائة سنة مضت؛ اقتصادها
يعتمد على التبادل التجاري البسيط في الاشياء الصغيرة. السيد اوفنز
جالس على كرسي ذي مساند يظهر من الخلف شعره الابيض وظهره
المحدودب. اداي والسيدة اوفنز جالستان على الجانب الاخر من
المنضدة، انتهت توا من تناول العشاء من خبز وجبن وقهوة. السيدة
اوفنز شخصية قوية ونشيطة ومقتدرة وهي في الخامسة والثلاثين من
العمر. اداي فتاة لطيفة في الثالثة والعشرين).


اداي : الم يأكل أي شيء على العشاء؟ (تشير براسها الى السيد اوفنز).
السيدة اوفنز : هو؟ (تشير برأسها نحو السيد اوفنز) كلا؛ لقد تناول خبزه والحليب
عند الساعة السادسة. لن اعطيه أي شيء قبل ذهابه الى النوم.
اداي : (تصرخ باتجاه الساعة) انها الثامنة والنصف الان.
السيدة اوفنز : انه لا يأكل كثيراً. انا اطعمه بنفسي كالأطفال؛ ان لم افعل ذلك
ستتسخ كل ملابسه. ولهذا ملابسه هي من النوع الرخيص. (تنظر
الى دورق القهوة) هل تريدين المزيد من القهوة؟ هناك ما يكفي
لشخص واحد.
اداي : كلا، ليست لي رغبة فيها.
السيدة اوفنز : اذن سأنهيها انا. (تسكب لنفسها القهوة) لقد اكلتُ الكثير من البصل
مع الاجبان الليلة، لكن المحامي سكرمشر قادم ليراهُ (تشير برأسها
نحو السيد اوفنز)، وستكون رائحة انفاسي رديئة.
اداي : سكرمشر؛ محامي البنك؟
السيدة اوفنز : نعم، انه (تشير برأسها نحو السيد اوفنز) يأخذ كل تعاملاته الى مكتب
سالشتر؛ ومنذ ان اشتد عليه المرض لم يستطع ان يذهب الى المدينة،
فيأتي اليه السيد سالشتر، واليوم قال انه سياتي لرؤيته الليلة.
اداي : ولماذا يريد السيد سالشتر رؤيتهُ؟
السيدة اوفنز : (تبتسم بغموض). آه، آها.
اداي : هل بإمكانه ان يسمعنا؟
السيدة اوفنز : يسمعنا؟ لا تخشي. انه اصم جداً بحيث يجلس هنا هكذا هادئاً
كالفأرة حتى لو ان كل ابواق العالم جاءت ودقت عنده.
اداي : (بتودد) اذن اخبريني.
السيدة اوفنز : (مع اشارة الى الوراء) انه سيغيّر وصيته، اخيراً.
اداي : يا الهي! هل سيحرم فريد من الميراث؟
السيدة اوفنز : (تضغط على شفتيها) هذا ما لا يمكنني قوله.
اداي : وهل سيترك كل شيء لكِ؟
السيدة اوفنز : حتى لو فعل ذلك، الا استحق ذلك؟
اداي : انه كان عبئا كبيراً عليكِ في هذه السنوات الخمس.
السيدة اوفنز : عبئاً! من السهل عليكِ ان تقولي ذلك. وماذا عني وقد تزوجته وانا في
سن الثلاثين، كان من السهل ان اجد الكثير من الشباب الذين يسعدهم
ان يطلبوا يدي.
اداي : هذا غباء منكِ؛ بالإضافة الى انه كان ارملاً ولديه ولد اكبر منكِ.
السيدة اوفنز : كان في السادسة والستين حينما تزوجته؛ وهو الان في الواحدة
والسبعين. لم يبق لديه الكثير، وانا ما زلت في الخامسة والثلاثين
فقط.
اداي : لا افهم كيف ستكون النهاية. اعتقد انه يتمنى ان لا تطول نهايته.
السيدة اوفنز : كلا، سيكون ممتنّاً لو انه رحل سريعاً. اعني، انها راحة له هو.
اداي : ولكِ انتِ ايضاً، لو حصل ذلك.
السيدة اوفنز : لن تصدقي ما الذي افعلهُ له. البسهُ ملابسهُ، واخلعها عنهُ، ايقظه من
نومهِ واجعله ينام عند المساء. انه لا يستقر في فراشهِ في غرفته
بالأعلى بل يريد ان ينام هنا على الكرسي المتحرك. ولا يعلم اني لا
استطيع زحزحته.
(طرقات على الباب الخلفي)
السيدة اوفنز : اذهبي واعرفي مَن الطارق، يا اداي. بالتأكيد الوقت مبكراً الآن
على مجيء السيد سكرمشر. لربما يكون الطبيب؛ لم يحضر هذا اليوم.
(تخرج اداي. تنهض السيدة اوفنز وتذهب الى موقد النار) (بصوت
عال. الى السيد اوفنز) هل انت متدفئ جيداً؟ (لا يجيب السيد اوفنز):
يجب ان تكون يقظاً لحين مجيء السيد سكرمشر. (بتذمر مع نفسها)
لا اعرف لماذا لا تستطيع البقاء في فراشك؛ فانت لا تفعل شيئاً هنا
سوى النوم على الكرسي.
(تعود اداي وهي بالأحرى مذعورة)
اداي : انه فريد، يا آنّا!
السيدة اوفنز : فريد؟
اداي : فريد اوفنز. ابنه!
السيدة اوفنز : ماذا يريد؟
(يتبع فريد اداي الى داخل الغرفة. انه طويل القامة و صحيح البنية
وخفيف الظل وهو في السادسة والثلاثين من العمر. وهو محرج
ومتجهّم وشرس تقريباً؛ لكن متوتر بالأحرى ووسيم بشكل غير منظّم.
لديه شوارب؛ يرتدي ملابس رثة بعض الشيء يرتدي قبعة ولفاف
حول رقبته فاقع اللون).
فريد : هذه طريقة جيدة في الترحيب بمن يأتي الى هذا البيت.
السيدة اوفنز : هذا ليس بيتك.
فريد : عندي حديث معكِ، يا آنّا. ستعذرينني ان اناديكِ آنّا؛ لا استطيع ان
اناديكِ "يا امي".
السيدة اوفنز : انه لا يريد رؤيتك.
فريد : اعلم ذلك، انا لا اريد رؤيته ايضاً. في المرة الاخيرة حين جئتُ اليهِ
اَثارَ ضجّة واغلق الباب في وجهي.
السيدة اوفنز : أتساءل فيما اذا كنت قد اتيت مباشرة من السجن، دون حتى ان
تنتظر ان يطول شعرك. انت قلت له سوف لن تريه وجهك ثانيةَ.
فريد : وها انا كما تجدينني دائماً، يا آنّا.
السيدة اوفنز : والآن انظر اليّ، يا فريد اوفنز. انا المسؤولة هنا. ان لم تخرج من
هذا البيت خلال دقيقتين سأرسل اداي الى رجال الشرطة.
فريد : اللعنة؛ عليكِ ان تعطيني شيئاً لآكلهُ.
السيدة اوفنز : لن اعطيك.
فريد : انا جائع. لم آكل شيئاً منذ البارحة.
السيدة اوفنز : هذا ليس شأني.
اداي : اعطيه شيئاً ما ليأكله يا آنّا.
السيدة اوفنز : كلا.
اداي : انه جائع. سيأكل ويذهب بعد ذلك. (السيدة اوفنز بتردد) يوجد هناك
بعض الخبز والاجبان.
السيدة اوفنز : (تلين) بإمكانك ان تعطيه قطعة من الخبز مع الجبن.
فريد : (بسخرية مؤدبة) شكراَ لكِ يا آنّا.
اداي : هل يمكن ان اعطيهِ قليلاً من البيرة؟
السيدة اوفنز : (بتذمر) ان اردتِ انتِ ذلك.
فريد : شيء جميل منكِ يا اداي. انا اعلم دائماً ان واحدة من خيارات والدي
العجوز هي عندما تزوج آنّا.
(تُخرج اداي البيرة له. يجلس فريد على الكرسي في الجهة اليمنى
للمنضدة).
السيدة اوفنز : (تجلس على الجهة اليسرى للمنضدة) ليكن في علمك، عليك ان
تخرج خارج هذا المنزل حالما تنتهي.
فريد : (يأكل) تتكلمين معي كما يتكلم ابي واعتقد انه عليّ في المستقبل ان
اناديكِ "امي".
السيدة اوفنز : لا اريد ان اسمع أي كلمة منك. وكن هادئاً والا ستوقظ والدك،
ويجدك هنا. ولن يغفر لي اني سمحتُ لك بالدخول الى هنا.
(تعود اداي مع قنينة بيرة وقدح)
فريد : شكراً، يا عزيزتي (يسكب له من البيرة) بصحتك يا ابي (يشرب).
سمعتُ انه ليس على ما يرام في الفترة الاخيرة.
السيدة اوفنز : ساءت حالته منذ ان اتيت انت واخبرته بانك ستدخل السجن،
وطردك خارج المنزل. فأصابته سكتة دماغية.
فريد : آه!
السيدة اوفنز : وعرفنا انه قد فقد الذاكرة، ومنذ ذلك الوقت وهو لا يستطيع الكلام
بشكل مفهوم، ولا يعي بما يقوم به من تصرفات. وفي الحقيقة، بدأت
عليه حالة من التحسن البسيط تواً الان.
فريد : من حسن الحظ ان تتحسن حالته، وهكذا زوجة تصاحبه.
السيدة اوفنز : كن واضحاً في كلامك ولا تلمّح، وتفضل اخرج.
(تنهض السيدة اوفنز).
فريد : قبل ان اخرج، هناك شيء اخير اريدهُ منكِ.
السيدة اوفنز : ما هو؟ (يبتسم فريد) لن تحصل على أي شيء آخر، كما قلتُ لك.
فريد : عليكِ ان تعطيني مبلغاً صغيراً، هل بإمكانك ذلك؟
السيدة اوفنز : ولا قرش واحد.
فريد : تلطّفي بي ... يا امي.
السيدة اوفنز : قلتُ، ولا قرش. وليس لدينا المال لنبعثره هكذا.
فريد : اقرضيني، اذن.
السيدة اوفنز : اقرضك!
فريد : سأعيده لكِ.
السيدة اوفنز : ليس بمقدورك سداد أي قرض.
فريد : في وقت ما. حين يرحل (يشير نحو السيد اوفنز).
السيدة اوفنز : (تبتسم بتجهم) لا اعتقد ذلك.
(ينظر فريد اليها مصدوماً، ويبعد صحن الطعام جانباً)
فريد : ماذا؟ هل سيحرمني من الميراث، اذن؟
السيدة اوفنز : وما الذي تستحقه انت؟
فريد : ألن يترك لي أي شيء؟
السيدة اوفنز : لا ادري ما الذي سيفعله.
فريد : (بغضب) هل غيّر شيئاً في وصيتهِ؟
(ينهض فريد)
السيدة اوفنز : (بقلق) كلا، اجلس. لم يغيّر شيئاً في وصيتهِ.
فريد : (يهدأ، ويجلس ثانيةً) آه! اذن سيكون هناك شيء ما. سيقسم كل شيء
بينكِ وبيني؛ الاموال والعقارات.
السيدة اوفنز : اعتقد انه سيفعل ذلك.
فريد : والان انظري اليّ. (يتكئ بظهرهِ الى الوراء على الكرسي ويخرج
جيبي بنطلونه الفارغتين) هذا هو كل ما املكه في هذا العالم. وان
اقرضتني عشر جنيهات فلن ازعجكِ ثانيةً لزمن طويل.
السيدة اوفنز : لماذا لا تعمل في حياتك ابداً؟
فريد : لقد حاولتُ.
السيدة اوفنز : حقيقةً حاولت! انك لا تريد ان تعمل.
فريد : ليس من السهل الحصول على عمل كما تتصورين انتِ.
السيدة اوفنز : اين حاولت؟
فريد : في سالشتر.
السيدة اوفنز : هل ذهبت الي مكاتب تشغيل العاطلين؟
فريد : نعم، ولدي استمارة عندهم.
السيدة اوفنز : اعتقد ذلك؛ وهذا هو كل ما تقدر على فعلهِ. الا تعمل شيئاً الان؟
فريد : (يسند ظهره على الكرسي) آه، هذا كل ما استطيع عمله.
السيدة اوفنز : اذن من الافضل لك ان تذهب الان.
فريد : تعطين لنفسكِ حرية كبيرة في التهجّم عليّ في الكلام، يا امي. اعتقد
قلتُ لكِ اني لن اذهب؟
السيدة اوفنز : يجب عليّ ان اطردك خارجاً. انا سيدة هذا المنزل.
فريد : (يشير الى السيد اوفنز) وماذا بشأنهِ؟ اعتقد انه كان هو سيد المنزل.
السيدة اوفنز : انت مخطئ في اعتقادك هذا اذن. لكن يمكنك ايقاظه ان احببت
وستسمع ما الذي سيقوله.
فريد : كلا، اعلم ما الذي سيقوله. (ينهض فريد ويستدير حول السيدة
اوفنز) نعم؛ جعلت منه اباً جيداً لي.
السيدة اوفنز : وانت كنت ابناً صالحاً لهُ، أليس كذلك؟
فريد : (بدون ان يصغي لها) انت تطردينني في الوقت الذي انا فيه بحاجة
للمساعدة؛ انكِ تكرهينني. حسناً، وكذلك انا لا احبك.
السيدة اوفنز : هل ستذهب؟
فريد : سأذهب. (يتجه نحو الباب) اعطيني مبلغاً صغيراً.
السيدة اوفنز : ولا ربع قرش.
(طرقات على الباب الامامي. تخرج اداي الى الباب)
السيدة اوفنز : اعوذ بالله، انه السيد سكرمشر، ولم أتهيأ له. هذا بسببك انت.
فريد : حسناً، عليّ ان أذهب، أليس كذلك؟ من هو القادم؟
السيدة اوفنز : شخصا ما يريد رؤية والدك بخصوص بعض الاعمال.
(تظهر اداي)
اداي : السيد سكرمشر قادم، يا آنّا.
(السيد سكرمشر، هو شاب انيق جدا في ملبسه وهو في حوالي
السابعة والعشرين من عمره، يدخل مسرعا.
وهو ابن وشريك مبتدئ للسيد سكرمشر. وهو محامي السيد اوفنز).
سكرمشر : مساء الخير، يا سيدة اوفنز.
السيدة اوفنز : مساء الخير يا سيد سكرمشر.
سكرمشر : كما تعلمين، ان ابي تقدم في العمر. ولا يحب ان يخرج ثانية بعد ان
يصل الى البيت قادما من المدينة. وما دام السيد اوفنز مريضا جدا
وغير قادر على المجيء الى المكتب، ارتأى والدي ان اقوم انا
بالمهمة عنه.
السيدة اوفنز : اوه، بالتأكيد. يا سيد سكرمشر. سأفسح لك مكانا هنا.
(تزيح الاشياء من زاوية المنضدة وتضع كرسي للسيد سكرمشر
وتجلس مواجهة له).
سكرمشر : (ينظر الى السيد اوفنز) ارى ان السيد اوفنز يغفوا ومن المؤسف ان
نوقظه. (يجلس) شكرا.
السيدة اوفنز : سيكون على ما يرام. انه يغفوا طوال اليوم. (الى فريد، والذي هو
قريب من الباب). ما الذي تنتظره؟
سكرمشر : (يلتفت حوله) اهلا، انك فريد اوفنز، اليس كذلك؟
فريد : نعم، يا سيد.
سكر مشر : لم يسبق لي ان رايتك في القرية منذ مدة طويلة، هل كنت بعيدا
عنها؟
فريد : نعم.
سكرمشر : ما الذي تفعله الآن؟
فريد : انا لا افعل شيئا لحد الان، يا سيد.
سكرمشر : آه، عاطل عن العمل، ها؟ انا آسف.
فريد : هل اتيت لتثبيت حرماني من الميراث في وصيته؟
(يشير الى السيد اوفنز)
سكر مشر : اتيت الى هنا ... يا عزيزي، ما الذي تقوله؟
فريد : لقد اتيت لتغيير وصيته.
سكر مشر : (يستهجن ذلك بهز كتفيه، ويرفع نظره وحاجبيه الى السيدة اوفنز).
يا سيدة اوفنز، زوجك يريد ان يراني على انفراد، اليس كذلك؟
فريد : (الى السيدة اوفنز) اخبريني ان كان هو قادما لتغيير وصية ابي.
السيدة اوفنز: نعم، انه قادم لهذا الغرض.
سكرمشر : (يحتجّ) أحقا ذلك!
فريد : هل سيحرمني من الميراث؟ (الى السيد سكرمشر) هل ستحرمني من
الميراث؟
سكرمشر : لا تجعل من نفسك مجنونا، منذ ان قالت لك السيدة اوفنز ذلك، انا لم
اصدّق ذلك، لأني جئت الى هنا بناء على توجيهات والدك لتجديد
الوصية. لربما هو يريد في وصيته ان يحرمك من الميراث، انا لا علم
لي بذلك حتى الآن. ومن جهة اخرى، لربما هو سيترك كل شيء
لأسقفية كانتربيري. ليس لدي ايّة فكرة عمّا سيفعله، وحتّى لو اني
عرفت فلن اخبرك بذلك.
فريد : (ينهض ويذهب الى السيدة اوفنز) انت شيطان كبير؛ ستسعَين الى
حرماني من الميراث، أليس كذلك؟ (يهز قبضته نحوها) اللعنة عليكِ!!
السيدة اوفنز: (تحدّق الى فريد) دعه لوحده.
سكرمشر : (ينهض) ايتها السيدة اوفنز، مادام لا يمكنني ان ارى زوجك على
انفراد فلا فائدة حقّا من اضيّع وقتي هنا.
(يعيد بعض الاوراق الى حقيبته)
(هناك طرقات على الباب الامامي. تهرع اداي خارجا)
فريد : (يلتفت الى السيد سكرمشر) حسنا، يا سيد سكرمشر، لا داعي ان
تزعج نفسك، فانا ذاهب.
سكرمشر : هذا جيّد، يا سيد فريد. يسعدني ان لا تتهوّر. انظر اليّ؛ تعال وستراني
في المكتب في أي يوم من الاسبوع القادم، وسأرى ان كان بإمكاني
ايجاد عمل لك.
فريد : هذا عمل جيّد منك. لماذا تعرض عليّ هذا الشيء؟
سكرمشر : لعلك تكون زبونا لنا في يوم ما.
(تظهر اداي بصحبة الدكتور جيلايكو، شخصية مرحة وقوية البنية، في
حوالي الاربعين من العمر)
د. جيلايكو: مساء الخير، يا سيدة اوفنز. (ينظر الى فريد، لكنه لا يعرفه. يتحدّث
الى السيد سكرمشر) اهلا، سكرمشر. ما الذي تفعله هنا؟ (دون ان
ينتظر أي جواب) من المؤسف ان اتأخر، أليس كذلك؟ كنت قد استُدعيتُ
بخصوص الشاب ابن السيدة آموري. في حالة طارئة. لكنه اصبح في
حالة افضل، يسعدني ان اقول ذلك. انه شاب لطيف. لهذا السبب تأخرت
كثيرا. لم يكن بإمكاني التخلي عنه. هذه الاشياء تحدث في افضل
العوائل، اليس كذلك؟
السيدة اوفنز : حسنا، يا دكتور، وماذا كنّا سنفعل لو لم تأتِ؟
د. جيلايكو : لذا اطمئني، اطمئني. وكيف حال المريض؟
السيدة اوفنز : لم يتحسّن هذا اليوم يا دكتور.
د. جيلايكو : لحظة سأرى، سألقي نظرة عليه. سأؤخرك لدقائق، يا سكرمشر.
سكرمشر : انا لست على عجلة من امري، فخذ الوقت الكافي.
(يسير الدكتور جيلايكو من امام المنضدة تتبعه السيدة اوفنز)
د. جيلايكو : (بصوت عال) مساء الخير. يا سيد اوفنز.
(ينقر على كتفه بلطف) استيقظ، يا سيد، ودعني القي نظرة عليك.
(يخطوا الدكتور جيلايكو خطوة اخرى ويستدير بمواجهة المشاهد،
لينظر الى وجه السيد اوفنز. حالما نظر الى السيد اوفنز تغيّر وجهه
في لحظات، معبرا عن رعب ومفاجأة. يبدا بالتراجع).
د. جيلايكو : (بنبرة صوت مختلفة جدا) كم من الوقت مضى عليه وهو في هذه
الحالة؟ (يتفاجأ الجميع بنبرة صوت الدكتور).
السيدة اوفنز: حالة ... أي حالة، يا دكتور؟
(بلا اجابة، يأخذ الدكتور جيلايكو رسغ السيد اوفنز، يتحسس
النبضات، ثم يترك يده تسقط ثانية على ركبته.
يضع يده على قلب السيد اوفنز ثم يرفع نظره وينظر الى الاخرين).
فريد : ماذا يوجد يا دكتور؟
د. جيلايكو : (بهدوء) انه ميت يا فريد.
(يحدّق الجميع بالدكتور، مصدومين)
فريد : (بصوت واطئ وعميق) ميت!
سكرمشر : (بهمس) الى رحمة الله!
(فترة صمت، تتحرك السيدة اوفنز ببطء شديد، تنهار على الكرسي
الموجود على يسار المنضدة، تنتابها عاصفة من التنهدات المؤلمة.
تبكي بعاطفة محزونة، وتدفن رأسها بين يديها. تواسيها اداي. يجلس
فريد على الكرسي القريب من الباب منذهلا. السيد سكرمشر يعبر
بلطف وينظر الى السيد اوفنز، ويقف بجانب الدكتور).
سكرمشر : حقا هذا شيء فظيع، يا جيلايكو.
د. جيلايكو : انه ميت منذ ساعتين أو ثلاثة.
سكرمشر : حقا! انه شيء غريب، هل يمكن استيعاب ذلك؟
د. جيلايكو : كلا، اني على اطلاع بحالته، وكنت متوقعا ان شيئا من هذا القبيل
ممكن ان يحدث.
سكرمشر : في كل الاحوال، هي صدمة. جعلتني اشعر بالإحباط تماما.
د. جيلايكو : اعتقد انه لا عمل لك هنا بعد الآن؟
سكرمشر : كلا؛ على الأقل، من الافضل ان اقول كلاما للشاب فريد، وارى ان
كان هناك شيء يمكنني القيام به.
د. جيلايكو : لدي عمل اخر علي القيام به (ينظر الى ساعته) تفضل عندي لتناول
العشاء ولعب البليارد حينما تنتهي من هنا.
سكرمشر : سأفعل ذلك. شكرا جزيلا لك.
(يعود السيد سكرمشر الى المنضدة ويقرأ في بعض الاوراق).
د. جيلايكو : (يلمس كتف السيدة اوفنز) تعالي، تعالي، لا يجب ان تتصرّفي هكذا،
نحن كنا نتوقع ذلك، انت تعرفين ذلك، اننا كنّا متوقعين ذلك.
السيدة اوفنز : (بدموع غزيرة) نعم.
د. جيلايكو : يجب ان اضعه على اريكة، او على فراش او شيئا مثل هذا القبيل،
واجري كل الترتيبات الضرورية التي بإمكاني القيام بها. ساترك
عنوانا يليق بسيدة محترمة.
(يكتب عنوانا على ظهر مظروف ويضعه على المنضدة).
السيدة اوفنز : (تلتفت وتنظر الى شكل السيد اوفنز ومظهره) اجلبي شيئا ما،
يا اداي... غطاء لنضعه فوقه.
(تخرج اداي الى الخارج)
د. جيلايكو : حسنا الآن، انت هنا. قبل كل شيء، سأتصل غدا صباحا وسأراكِ.
مع السلامة، يا عزيزتي السيدة اوفنز؛ مع السلامة. انا آسف
جداَ.(عندما يجتاز السيد سكرمشر) لا تتأخر.
(يخرج الدكتور جيلايكو)
سكرمشر : (بلطف الى فريد) آه... سيد فريد.
فريد : (ينهض) يا سيد؟ (يأتي الى المنضدة ويجلس على الكرسي اليمين)
هل اختلف الامر الآن، يا سيد؟
سكرمشر : الوصية القديمة سارية المفعول، بالطبع؛
(تجلس السيدة اوفنز وتصغي الى المحادثة)
كلاكما يعرفان بنود الوصية. اليس كذلك؟
فريد : اعتقد انه قسّم كل شيء بيني وبينها.
سكرمشر : هذا الذي كان، تقريبا. ومن وجهة نظري، لا يمكن التغيير أو التعديل
فيها.
(تأتي اداي بشرشف ابيض. تضع بلطف الشرشف على جسم السيد
اوفنز، وبدا الشرشف على جسمه وكانه كفن. الاخرون يراقبونها
بصمت، وبعد ذلك يستمر السيد سكرمشر؛ وهو يشير الى اوراق)
انه ترك هذا المنزل والمنزل المجاور اليكَ، يا سيد فريد؛ والمنزلين
على ساحل هاوثورن لكِ، يا سيدة اوفنز.
والمال المستثمَر مقسّم بينكما بالتساوي. وبالطبع يا سيدة اوفنز،
حصتكِ هي في حياتك فقط. وعند موتك... أو زواجك ... تنتقل الى
السيد فريد.
السيدة اوفنز : (مع تنهدات) نعم.
سكرمشر : مصادفة اني جلبت معي اوراق البنود الخاصة بالوصية، في الوقت
الذي لم يكن هناك مناسبة لذلك.
(ينهض السيد سكرمشر، يضع اوراقه جانبا) اعتقد هذا هو كل ما
لدي قوله، ولا اريد ان اتطفّل عليكم اكثر.
انا آسف، انه عمل مرهق. (يذهب الى الباب) يا سيد فريد، ربما عليكَ
المجيء الى المكتب غدا أو بعد الغد. علينا تقديم خدمة لوالدك الذي
تعاملنا معه لسنين طويلة ولطيفة، ويسعدنا جدا التعامل معك ايضا،
ان ترغب انت في ذلك.
فريد : شكرا لك، يا سيد. اتجرا ان اقول اني سأفعل.
(تظهر اداي، ويخرج سكر مشر)
(فترة صمت، تنظر السيدة اوفنز الى فريد)
السيدة اوفنز : والآن، ربما عليك الذهاب، وتركي وحدي مع احزاني.
فريد : لن اتحرك من هنا.
السيدة اوفنز : كانت رغبته ان لا تخطو انت خطوة واحدة في هذا البيت.
وانا ارى عليك تحقيق رغبته هذه، بأي ثمن.
فريد : لقد نسيتِ شيئا واحدا، يا أمي.
السيدة اوفنز : وما هو؟
(تعود اداي)
فريد : هذا هو منزلي الآن. تركه لي في وصيته.
(تجلس السيدة اوفنز وتحدّق اليه) لن تعودي السيدة هنا بعد الآن.
ولا حتّى هو. انا هو سيد المنزل. (تقف السيدة اوفنز على قدميها)
وليس انا من عليه المغادرة، بل انتِ.
السيدة اوفنز : انا!
اداي : فريد، هل ستطردها خارجا في هذا الليل؟
فريد : حقا سأفعل ذلك.
السيدة اوفنز : لن اذهب.
فريد : اِن لم تخرجي سأرميكِ انا خارجا.
السيدة اوفنز : لن تتجرّأ.
فريد : لا شيء احبّ اِليّ من ذلك.
(تُصدم السيدة اوفنز للحظة ومن ثم تهبط على الكرسي)
السيدة اوفنز : أوه! لا يمكنني الذهاب في هذه الليلة. اعتقد كنت قبل قليل
اقول لاداي عن الذي كان يقلقه، ولم يكن يتصور اني سأمر
بظروف مقلقة مرة ثانية.(تناشد فريد) يا فريد.
فريد : (بتعنّت) خذي قبعتكِ ومعطفكِ واخرجي الى الخارج.
السيدة اوفنز : ماذا افعل، يا اداي؟
اداي : من الافضل لكِ ان تأتي الى البيت معي الليلة، ان كان هو جادا فيما
يقول.
فريد : انا جاد في قولي. (تمسح السيدة اوفنز عينيها وتنهض ثانية)
السيدة اوفنز : انك فرح بموته. (تخرج الى الخارج)
فريد : لست كذلك، اعتقد انه كان رجلا صلبا وعاملني بقسوة. وكانت
معاملتي له معاملة جيدة ماعدا الفترة الاخيرة نوعا ما.
اداي : (تستدير نحوه) يجب ان تكون خجلا من نفسك. يا فريد اوفنز. لم
اسمع بمثل هذا الشيء ابدا. ما هذا، تطرد الزوجة من البيت وزوجها
قد مات توا!
فريد : (بشكل متجهم) انها كادت تطردني تواً.
اداي : انك تعلم كيف كان هو مزاجها. اعتقد انه من الافضل لكَ ان لا تفعل
ذلك. ان الله لا يرضى على ذلك.
(تعود السيدة اوفنز مرتدية قبعتها ومعطفها) ما الذي تفعلينه. يا فريد
دعها تبق لهذه الليلة. تذكّر، انها زوجة ابيك.
فريد : لهذا السبب بالذات انا اطردها. (يتمشى متجاوزا السيد اوفنز وموجها
الحديث اليهِ) سأريكَ من هو سيد هذا المنزل الآن.
السيدة اوفنز : لا داعي لإضاعة الكلام معه، يا اداي. لن ابقى في هذا البيت الان
حتى لو ركع على ركبتيه. تعالي نخرج.
(تخرج اداي) طاب مساءك، يا فريد اوفنز. انت سيد المنزل، واقضِ
ليلة سعيدة في المنزل مع الرجل الذي لعنته وهو جالس على كرسيه
ميتا. (تخرج السيدة اوفنز).
(الباب الامامي يصفق، يرتعش فريد ويتحرك الى امام المنضدة
ويجلس على الحافة. يضحك بهدوء)
فريد : ليلة سعيدة. ولما لا اكون سعيدا؟ (الى السيد اوفنز) عليك ان لا
تتدخل في شؤوني. انا لا اخشى منك. وما الذي يجعلني اخشاك؟
(يلتفت حواليه بخوف وتعود عينيه ثانية الى هيئة السيد اوفنز) لا
يمكنك ان تطردني خارج الابواب. انا السيد هنا الآن .(لا يظهر أي
ردة فعل من قبل السيد اوفنز. يرتعش فريد مرة ثانية) سأقوم بجولة
الى "أحضان الملكة" وسأشرب كثيرا، ثم سأعود الى هنا وسنكون
شريكين. (يتحدث الى السيد اوفنز بسرعة) لكن ليكن في علمك، اني
سأعود الليلة. ولن تقصيني بعيدا عن هنا. (يذهب الى مصباح
الانارة الغازي ويرميه خارجا، ويترك الغرفة غارقة في ظلام دامس.
يتحسس طريقه الى الباب. يتوقف هنا) لا املك مالاً. (يفكر) اعتادوا
على الاحتفاظ ببعض المال في مجر البوفيه. (يتحسس طريقه نحو
البوفيه من جهة اقصى اليمين ويتعثّر بالكرسي) لا ارى شيئا، وليس
لديّ علبة كبريت. اِنتظر لحظة. (يعبر الى الشباك ويفتح الستارة.
يلمع شعاع القمر خلال الشباك. يعبر هو الى البوفيه وبسهولة يجد
المجر، يفتحه ويفتش فيه. لا وجود للمال فيه. يأخذ صندوقا للعملات
الصغيرة ويستدير به نحو الشباك وهو يبحث فيه بتأني. وبينما هو
يستدير يصبح وجها لوجه مع السيد اوفنز في هيئته، جالسا متصلبا
في كرسيه متكفنا في الابيض، شبح مرعب في ضوء القمر. يبدأ فريد
بالتراجع مرعوبا فيسقط الصندوق من يده) لا تستطيع اِخافتي. لن
تطردني خارجا، قلت لكَ اني سيد المنزل. (يجلس على حافة المنضدة
ينظر نحو الشبح من مسافة بعيدة. ثم يتحدث بصوت واطئ ومرتعش)
لا تنظر اليّ هكذا. لم اكن اعلم انك كنت ميتا حينما لعنتك. (فترة
توقف اخرى) : يقشعر بدنه ويغطي وجهه بيديه) يا اِلهي! لا استطيع
ان امنع نفسي من ان اخاف.
(يسرق نفسه بصمت الى خارج الغرفة. يجلس السيد اوفنز في كفنه
في ضوء القمر، سيدا للمنزل. يُسمَع الباب الامامي يُغلق).

تنزل الستارة ببطء شديد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا