الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (12) --- الفصل العاشر --- القصة العاشرة: رجاء الثكالىّ

توماس برنابا

2023 / 3 / 26
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


وحيد ابن شادية الوحيد الذي أنجبته بعد انتظار دام عشرون عامًا إلى أن بلغت من العمر أربعون عامًا. وقد أكد الطبيب أنها لن تُنجب أي طفل أخر بسبب عملية الولادة المُتعثرة التي خاضتها أثناء ولادة وحيد.

كانت شادية سعيدة ومُكتفية بابنها وحيد، وقد كان يُقر عينيها ذهابًا وإيابًا من المدرسة الابتدائية إذ كان في الصف الرابع الابتدائي.

في صباح يوم من أيام الأحد، كانت شادية تُهندم من ملابس ابنها وحيد ليذهب للمدرسة في أول يوم دراسي في الأسبوع، فخاطبته قائلةً:

- أُريدك أن تنتبه إلى ما يقوله المدرسين والمدرسات. فأنا أريدك أن تُصبح طبيبًا مَشهورًا!

- حاضر يا أمي.. ولكني أُريد أن أكون مثل أبي تاجرًا!

- أيّ كان ما تود أن تكونه.. فلا بد أن تجتهد في دراستك، ولتكن مشيئة الله في حياتك فيما بعد.. يا أجمل وحيد في كل الدنيا!

ضمته شادية إلى صدرها.. ثم خرجت به إلى أول الشارع لتنتظر معه حافلة المدرسة التي أتت بعد خمس دقائق.. فودعت شادية ابنها قائلة:

- كُن فتى مُطيع ومؤدب يا وحيد! وليحفظك الله..

استمرت شادية تُلوح بيديها لابنها وحيد الذي كان ينظر إليها من نافذة الحافلة إلى أن اختفت الحافلة عن الأنظار مُخلفةً ورائها غبارٍ شديدٍ حجب الرؤية قليلًا ثم اضمحل!

بعد ساعتين أثناء إعدادها للطعام في المطبخ، لزوجها هاني، رن جرس الهاتف وردت عليه ليأتيها صوت المُتحدث قائلًا:

- السيدة أم الطفل؛ وحيد هاني الجمل؟

- نعم أنا هي.. ماذا حدث؟ أحدث شيء للولد؟

- أتأسف أن أخبرك أن ابنك سقط صريعًا بسكتة قلبية أثناء وقوفه في أرض الطابور المدرسي منذ قليل.. وهو الآن يرقد في مستشفى الأمل التي بجانب المدرسة.

سقط الهاتف من يد شادية وراحت تصرخ قائلة:

- لا! لا! هذا كذب.. هذا غير ممكن.. مستحيل! مستحيل! ابني! ابني الوحيد!

وصدح صراخها بشدة في الأرجاء مما تسبب في إيقاظ كل الجيران، فأسرع إليها هاني زوجها ليعلم الخبر ويسقط هو أيضًا غير قادر على الحركة أو الكلام من جراء الصدمة.. فلقد مات ابنهما الوحيد! مات من كان يملأ عليهما البيت بل الدنيا وما فيها!

*****
انهمرت دموع مدحت وهو يقرأ هذه القصة في نهار اليوم الحادي عشر.. وأخذ يتصور نفسه مكان هذا الآب المكلوم.. كيف يمكنه أن يعيش إذا حدث سوءًا ما لابنه باسم؟

بكى مدحت لبعض الوقت.. ثم قام مُسرعًا لابنه باسم وضمه إلى صدره طويلًا.. واستمر يلعب معه إلى أن حل المساء..

وفي تمام الساعة السابعة كان له الحوار التالي مع الأستاذ نشأت:


حوار الليلة الحادية عشر


- عُمتَ مساءً يا مدحت.. أرى أن وجهك مُشرق في هذا المساء.. أتمنى أن تكون بخير..

- إني بخير يا صديقي ولكن قصة هذا اليوم كانت مؤلمة لقلبي جدًا!

- لكن من الواضح أن المخاوف والأحزان والأحمال والأثقال التي كانت تجثو فوق قلبك قد وجدت طريقها إلى التحرر الآن.. وجهك يَنم على أنك مُرتاح الآن..

- بالفعل أنا أشعر الآن براحة غريبة بالرغم من أني قد بكيت كثيرًا عند قراءتي لهذه القصة..

- هذا هو هدفي من هذه السلسلة من القصص يا مدحت.. فأنا أهدف من خلالهم أن تتحطم قيود الكبت الجاسم بين ثنايا نفسك.. وأن تجد الأحزان المكبوتة بداخلك منفذًا في الدموع، لأن هذه الأحزان الراضخة داخلك، إن لم تجد ما يُحررها لتخرج خارجًا على هيئة دموع أو بكاء أو صراخ لتعي أنت ماهيتها وكنهها، ستجد طريقها إلى أعضاء أو غدد أخرى بالجسم لتسبب بهم خللًا وظيفيًا في أدائها لعملها..

فمع علاج أعراض المرض، يَنبغي استئصال مُسبباته بعد الكشف عنها وتعريتها أمام العقل.. عقل المريض نفسه!

- أشكرك يا صديقي جدًا.. فأنت على حق وأنا مُختلف تمامًا عما كنت عليه قبل أن تكون لنا مثل هذه الحوارات..

ولكن لنعد إلى القصة.. أين يكمن الرجاء لمثل هذه المرأة الثكلى وزوجها المكلوم بعد فقدهما لابنهما الوحيد؟

- كان يُمكن لهذا الطفل أن لا يُولد.. وأراد الله أن ينعما بنعمة الإنجاب، ويكون لهما طفل لمدة عشرة سنوات لينعما من نعيم الأبوة والأمومة طوال هذه المُدة..

ويا صديقي، وحده من سبق له الإحساس بمُنتهى اليأس هو القادر أن يشعر بعمق السعادة والطريق إليها. وأنا متأكد يا صديقي أن هذين الزوجين، حينما يلقيا بحملهما على الله، سيجدا الطريق والطريقة إلى هذه السعادة.. ولا يمكنني أبدًا التنبؤ بكيف سيكون هذا؟ لأن هذا الأمر منوط بهما، وبحياتهما الخاصة المُميزة عن الآخرين..

- شكرًا يا صديقي على تعبك معي.. إني أكن لك بصدق عرفان أعجز أن أرده لك أو حتى أن أعبر عنه التعبير الكافي..

- يا مدحت أنت صديقي وتستحق مني كل خير..

- ويا تُرىّ عن ماذا ستكون القصة التالية..

- ستكون بمشيئة الله عن ساعٍ فقير قد سُرح من عمله في شركة كان يعمل بها، كانت قد اضطرت لتخفيض عدد العمالة بسبب ظروف اقتصادية ألمت بها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب


.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة




.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز


.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام




.. الشرطة الإسرائيلية تقمع مظاهرات تطالب بوقف الحرب على غزة