الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقولة وتعليق / 24 / مكارم الاخلاق

رياض سعد

2023 / 3 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


ان الاخلاق ركن وثيق في حياة الافراد والشعوب والامم ؛ وضرورة وجدانية ونفسية واجتماعية لابد منها ؛ وصدق من قال :

وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَت ××ْفَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا

وكانت الاخلاق ولا تزال هوية الامة العراقية العظيمة ؛ بل هي من أعظم مقومات وجودها وتاريخها وحضارتها، ولا غرو في ذلك ففي هذه البلاد الطيبة نشأت الحضارات والاديان وشرعت القوانين ... ؛ فالأخلاق الكريمة والقيم النبيلة تشكل عند العراقيين الاصلاء جزءًا لا يتجزأ من ثقافتهم و حياتهم اليومية ... ؛ اذ في العراق : يشبع الجائع ويرتوي العطشان ويكرم الضيف , ويأمن الدخيل والطريد , ويكسى العريان , ويرحم الضعيف , ويردع الظالم , ويرتاح المكروب , ويأنس الغريب , وتصان الاعراض ... الخ ؛ و من شذ عن هذه الاخلاق العراقية الاصيلة لا تخلو حقيقته من أمرين لا ثالث لهما : اما ان يكون منكوسا رذيلا او هجينا دخيلا ... .

وفي هذه المقالة سنعرج على ذكر ابيات من الشعر الاخلاقي لرمز من رموز الامة العراقية الكريمة ؛ الا وهو الشاعر الحسين بن مطير الاسدي ... ؛ وهو شاعر مخضرم عاصر الدولة الاموية والعباسية ؛ والاخبار التي وردت عنه قليلة - حاله حال اقرانه من العراقيين الاصلاء وعلى طول الخط – الا انها وبمعية القرائن والسياقات التاريخية تؤكد عراقيته ؛ فقد كان الحسين مولى لرجلٍ من بني أسد، ويُقال أنَّ مولاه أعتقه، وتذكر روايات أخرى أنَّه كاتب مولاه حتى أُعتِقَ ... وهو من منطقة الابواء التابعة للكوفة وقتذاك ؛ وقد سكنَ الحسين بن مطر في بلدة زُبَالة ، مدينة من التغلبية ، في الطريق الواصل بين الكوفة ومكة ، وكانت المدينة عامرة بالأسواق والتُجَّار ... ؛ وقد تطبَّع الحسين بطباع أهل البادية ، فكان يلبس ملابسهم، ويتحدَّث مثل حديثهم ... ؛ و تُوفِّي الحسين الأسدي في عام 170هـ وفقا لما ذكره البعض .

واليكم بعضا من شعره :

أحب مكارم الأخلاق جهدي ××× وأكره أن أعيب وأن أعابا

وأصفح عن سباب الناس حلماً ××× وشر الناس من يهوى السبابا

وأترك قائل العوراء عمداً××× لأهلكه وما أعيى الجوابا

ومن هاب الرجال تهيبوه ××× ومن حقر الرجال فلن يهابا

فشاعرنا كأهله وقومه من سكان بلاد الرافدين يحب مكارم الاخلاق ؛ ولا يحبها حبا عاديا بل يبذل قصارى جهده في التحلي بها والتخلي عن اضدادها ؛ فهو يكره ان يعيب الناس وكذلك يبغض من يعيره و يلصق به العيب ؛ وكأن لسان حاله ما قاله حكيم العراق الامام علي في هذا المضمار ؛ فقد نسب اليه : (( من أشرف أفعال الكريم غفلته عما يعلم ؛ و قال : من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ؛ وقال : يا أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ...)) ؛ هذه هي الاخلاق والقيم الكريمة التي غرسها الامام علي في نفوس اتباعه وشيعته ورعيته من ابناء الامة الاسلامية والعربية والعراقية ... ؛ وعلى نهجه سار العراقيون الاصلاء الى هذا اليوم ؛فهكذا ربى الامام علي حاكم العراق والعالم الاسلامي اتباعه ورعيته ومحبيه و مريديه ... ؛ اذ كان هدفه - وهدف من على شاكلته من العراقيين المتحضرين الاصلاء – ومراده ان يبنى مجتمعًا راقيًا متحضرا ، بعيدًا كل البعدِ عن مساوئ الاخلاق , والموبقات , والجرائم , والظواهر السلبية كالتطفل والفضول, والتجسس وتتبع عيوب وعثرات الاخرين , وتعييرهم بالعيوب والاخطاء , والسباب والشتم والكلام الفاحش والجارح , واحتقار الاخرين ... الخ .

وهو يعرض – يصفح – عن سب وشتم الناس ويبتعد عن هذا الخلق السيء ؛ و عندما يعرض عن رد السب والشتم على الساب ولا يبادر الى دفع الشتم بالشتم ؛ ليس ضعفا وجبنا او خوفا من الشاتم ؛ وانما عفة وحياء وحلما ؛ فكل اناء بالذي فيه ينضح ؛ ومن الواضح ان شر الناس واسفلهم وارذلهم من يهوى الشتم والسباب والطعن بالناس والتعيير بهم ... ؛ لذلك لا تتعجب عندما تراجع سيرة حكام الفئة الهجينة وزبانية الطغمة التكريتية والعصابة الصدامية وتراها مليئة بالألفاظ الفاحشة والكلمات السوقية والمفردات الجارحة ؛ ولعل اغلبكم شاهد كيف تعامل هؤلاء الاوباش مع الجنوبيين والفراتيين العراقيين في انتفاضة عام 1991 – فقد وثقت تلك الحالات ب تسجيلات متلفزة ؛ واظهرت رجال الطغمة وهم يتفوهون بأقذر الألفاظ بحق الاصلاء من ابناء الرافدين - ... ؛ لانهم ليسوا عراقيين اصلاء ؛ بل عبارة عن : شرذمة منكوسة منحطة وهجينة .

ويستطرد شاعرنا قائلا : واترك الشخص سيء الخلق والمتفوه بالقبح – قائل العوراء – والالفاظ السيئة عمدا ؛ والشاعر هنا يواجه قائل العوراء بالتجاهل والتغافل وهذا الامر يهلك المقابل ؛ لان تجاهل الشاتم والمريض نفسيا يزيده ألما ومرضا وحسرة ؛ فلا شيء اضر بالعدو من تجاهله ؛ ولعل لسان حال شاعرنا في هذه الحالة ؛ كما قال حكيم العراق الامام علي :

وَذي سَفهٍ يُخاطِبُني بِجَهلٍ ××× فَأَكرَهُ أَن أَكونَ لَهُ مُجيبا

يَزيدُ سَفاهَةً وَأَزيدُ حُلماً ××× كَعودٍ زادَ بِالإِحراقِ طِيبا

فعندما يترك شاعرنا الرد على ( قائل العوراء ) لا يعني ذلك انه عي اللسان او ضعيف البيان او يحجم عن الرد خوفا ؛ بل انه يريد ان يميت الباطل بالسكوت عنه ؛ ويهلك الشاتم بالترفع وعدم النزول الى مستواه الهابط واخلاقه الدنيئة ... .

ثم يكمل قائلا : ( من هاب الرجال ... ) ؛ اي من اجلهم واحترمهم وعظمهم ؛ اجلوه واحترموه ؛ ولكن من ( حقر الرجال ) اي من استهان واستخف بهم ونظر لهم باستهزاء واستصغار واحتقار ... ؛ فلن يحترم من قبل الرجال او يقدر ويكرم من قبلهم ؛ وصدق العراقي الحسن البصري عندما قال : ((اِصْحَب الناس بأي خلق شئت يصحبوك بمثله )) ... .

وقد جاءت هذه الابيات الشعرية منسجمة مع تراثنا العراقي والعربي والاسلامي ؛ فقد جاء في الاثر عن النبي محمد : (( انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق )) وكذلك اثنى كتاب القران الكريم على النبي محمد بقوله : (( وانك لعلى خلق عظيم )) ؛ وقد حث فلاسفة وعلماء ومفكري ورموز الامة العراقية على التمسك بمكارم الاخلاق والتحلي بالفضائل والابتعاد عن موبقات الاعمال والرذائل والتخلي عن الاخلاق السيئة ... ؛ و نحن اليوم بأمس الحاجة الى السير على طريق الحضارات العراقية العظيمة والاقتداء برموز الامة العراقية ؛ وذلك من خلال التمسك بكل ما هو جيد وايجابي ومثمر ؛ وتجنب كل ما هو سيء وسلبي وضار ... .

فالأمة العراقية ظلت طيلة سيرتها الطويلة، وتاريخها المجيد - تحتل قصب السبق بين الأمم الأخرى، وتنال أوسمة أمة الأخلاق والكرم والكبرياء بلا منازع، ولا مقارع ؛ بل إن بعض الشعوب والاقوام تقف مذهولة إزاء الكرم والطيبة والشجاعة العراقية ، مبهورة تجاهها، عاجزة دون بلوغ مكانتها الاخلاقية بالكرم وحسن الضيافة ... الخ ، وفاشلة أمام نزع ألقاب ريادتها في كافة ميادين الحياة والحضارة والاخلاق .

وعليه يجب على احرار وغيارى ومثقفي ومفكري الامة العراقية و النخب الواعية، وأصحاب الأقلام الصادقة والضمائر الحية والشخصيات الوطنية الحرة ، تعزيز الأخلاق الايجابية والروح الوطنية في نفوس أبناء بلاد الرافدين ؛ وذلك بسبب هجمات الاعداء وقوى الخط المنكوس المستمرة والتي تستهدف بلادنا واخلاقنا وحضارتنا وتاريخنا ورجالنا وثرواتنا وشبابنا ونسائنا ... الخ ؛ وبالتالي باتت هذه القضية مسألة مهمة ومصيرية ، وغير قابلة لأي تملص أو تكاسل، ولا تحتمل أدنى تأخير ... ؛ ولقد أحسن من قال :

وإذا أصيب القومُ في أخلاقهم ××× فأقم عليهم مأتمًا وعويلاَ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا