الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحلام حائرة

محمد جاسم الهاشمي

2023 / 3 / 26
الادب والفن


كان على الخط في الجانب الآخر صديقي الذي يقيم في كندا منذ عشرون عاماً ، وكان معتاداً ان يتصل بي بين حينٍ وآخر ، يحدثني عن همومه ، عن احلامه التي كلما تحقق شيئاً منها ، شعر أن هناك حلماً آخر يصبو اليه ، وكلما تحقق له من تلك الاحلام - حسب قوله - لم يجد ان هذا هو الهدف الذي يحقق له السعادة التي يهنأ بها …

هذا الصديق طالما يستشيرني ويستأنس برأيي فيما يتعلق بأموره الحياتية لثقته بما اقدم له من النصح وصدق المشاعر الاخوية …

بعد ان قدم التحيايا والسؤال عن الصحة والاحوال - كما هي العادة - وعبر عن اشتياقه ، حدثني بألم وقال :

عندما كنت بالكويت كان حلم حياتي أن تكون عندي شهادة قيادة ، لان امتلاكها كان بالنسبة لنا نحن " البدون "حلم صعب المنال ، بعد أن حصلت علي شهادة القيادة أكتشفت أنني كنت مخطئاً فهذا ليس حلم حياتي .

بعدها راودتني فكرة الهجرة ، واصبح هذا هو حلم حياتي …
بعد الهجرة أكتشفت أن هذا ليس كل ما اتمناه ، قلت في نفسي لأنتظر الحصول علي الجنسية الكندية باعتباري مقيم في تلك الدولة وان حصولي على الجنسية سيفتح لي الأبواب على العالم ، عندها سأكون قد حققت هذا الحلم الكبير …

وبالفعل بعد انتظار طويل حصلت على الجنسية ، وكذلك اكتشفت ان هذا ايضاً ليس هدفاً كبيراً ، فالجنسية تحصيل حاصل وليست هي كل ما اتمناه واني لم احقق حلم حياتي بعد !!

قلت إذًا سيتحقق الحلم بالزواج والأبناء ، وهذا ما كان لي ، ولكن أكتشفت بعد ذلك ان حلم حياتي لم يتحقق ايضاً ، بل تحقق الشقاء والعناء ، كلما حصلت علئ شئ أريده …

الغريب بالموضوع بأنني لازلت أنتظر تحقيق حلم حياتي بأشياء وافكار جديدة ، لم تأتي ولن تأتي ، وحتى إن آتت ستكون المفاجأة دائما بان هذا ليس حلم حياتي …

الآن ما هو حلم حياتي لا اعرف !
أعرف شيء واحد فقط ، بأن العمر يتقدم بي ، وأنا أحلم وأحلم وأحلم ، بأوهام حقيقية او خيالية لا يهم ، ربما الذي أبحث عنه غير موجود في هذا العالم ، ربما يكون في عالم أخر …

أجبته أنا …
صديقي العزيز : قد لا يدرك اغلب الناس ماهي السعادة الحقيقية ، ويبقون طوال حياتهم ينتظرونها ولا يدركونها ، ويضيع العمر بين سعادة زائفة ، وأحلام واهمة …

نعم لأن هذه الاحلام غير حقيقية لانها لا تتصل بالذات ، مجرد احلام تتعلق بالمتع الجسدية ، او تتعلق بالواقع المعيشي .

يجب ان يسعى الإنسان لتحقيق ذاته فقط ، وان يسعى لان يعيش هو كما هو ، عندئذ سيجد كل ما يصبو اليه . لا ان يعيش شخصية مجتمعه وبيئته ، وتنصهر ذاته بمحيطه الذي لا يشبهه ، فيغترب ايما اغتراب ، ويعيش في بؤس دائم ، وان يكون راضيا عن نفسه مقتنعاً بما يفعله ، ولا يجبر نفسه على ان يرضى عنه غيره فيزهقها وجعاً …

كذلك العقل كلما اتسعت مداركه فاضت فضائله ، وكبرت مغانمه ، وصغر بعينه ما كان كبيراً ، وقل انسياقه لغرائزه ، فالغرائز تقيد العقل وتثقل الجسد …
سمو الروح مع سمو التفكير والأدراك … وهذه هي السعادة …

صديقي العزيز : واحدة من تحقيق الذات هو الابداع ، ان تبدع بما يجعل لك بصمة في سجل المبدعين ، فالكاتب يجد نفسه بالكتابة ، والموسيقي يجد نفسه بالموسيقى ، والرسام كذالك يجد نفسه بالرسم ، وهكذا …

يقولون "القناعة كنز لا يفنى "
كذلك القناعة سعادة لا تفنى …
يقول الواعظ البريطاني سبورجون : السعادة الحقيقية ليست بمقدار ما نملك من الأشياء، بل بمقدار ما نستمتع به في حياتنا بما نملكه.

وأخيراً ، حلق بروحك في فضاءات هذا العالم وابحث عما تقرُّ اليه روحك وتطمئن به ، فالطمأنينة سعادة .

الاحلام الحائرة محطاتها الإبداع ، والرضا عن النفس ، والقناعة ، وأولها ان تكون انت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال