الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دول كبرى محتلة !!

أحمد فاروق عباس

2023 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


ربما أهم ما كشفت عنه الحرب الأمريكية الروسية على أرض أوكرانيا هي الحقيقة التى تمت تعريتها مؤخرا ، فظهرت سافرة مثل شمس منتصف النهار ..
هذه الحقيقة هى أن أمريكا تحتل - وبالمعنى الدقيق للكلمة - دول أوربا كلها تقريبا ، كبيرها قبل صغيرها ، ودول كثيرة وكبيرة في آسيا !!
أولا .. ما هو الاحتلال ؟
وكيف تقع دولة ما تحت الإحتلال ؟
والجواب أن احتلال دولة لأخرى يتم بطريقتين هما :
١ - وجود جيوش دولة على أرض دولة أخرى ، بما يمثله وجود جيش أجنبى من أثر هائل على القرار الاستراتيجى والسياسى والاقتصادى ..
٢ - احتلال إرادة بلد ما دون وجود جيوش للدولة المحتلة على أرضها ..
وبالنسبة للنوع الأول فهو النوع التقليدى والمشهور في تاريخ الإحتلال حول العالم ..
بينما يمثل النوع الثاني المساهمة الأمريكية الخالصة في علوم السياسة والإستراتيجية وتطبيقاتها ..
وقد جمعت الإمبراطورية الأمريكية والتى تسيطر على العالم منذ عقود بين نمطى الإحتلال ..
فهى تحتل الأرض وتنشر الجيوش والقواعد العسكرية فى دول معينة .. ألمانيا واليابان وايطاليا وكوريا مثلا ..
وفى نفس الوقت تسيطر على إرادة وقرار دول أخرى ، بدون وجود جيوش أو قواعد عسكرية ، مثل استراليا وبولندا واغلب دول شرق أوربا ، وبعض دول أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط ..
واذا كان وجود جيوش أجنبية على أرض دولة ما وبالتالى التأثير على قرارها الاستراتيجى والسياسي والعسكرى مفهوما ، لكن كيف تتمكن دولة ما من التأثير على إرادة وقرار دولة أخرى بدون وجود جيوش أو قواعد عسكرية لها ؟!
وهنا تأتى المساهمة الأمريكية الجديدة فى علوم السياسة والإستراتيجية وتطبيقاتها ..
وكلمة السر هى .. الديموقراطية !!!
تقدم الديموقراطية لأمريكا ما تعجز الجيوش عن فعله ، فبإنشاء أحزاب وتيارات سياسية فى بلد معين ، ووضع المال بلا حساب في يدها ، وخلق طبقة سياسية وفكرية تسير على الهدى الأمريكى ، وإيصال تلك القوى إلى السلطة بقوة المال وقوة الدعاية وقوة الفكر تحقق أمريكا ما تعجز الجيوش عن فعله ..
ولنأخذ أوكرانيا نموذجا ..
لقد تم تخليق تيار سياسي اوكراني متعصب ضد روسيا ويسير وفق الأوامر الأمريكية ، وهم القوميون الأوكران ..
ومعهم تم خلق تيار فكرى وثقافى وصحفى وفنى ينشر - بالفكر والثقافة والفن والصحافة - ما تريد أمريكا إيصاله إلى عقول الناس وعواطفهم ..
ثم .. إيصال ذلك التيار إلى السلطة !!
ووصلت البراعة الأمريكية أن المعارضة أيضا تم تخليقها أمريكيا ، أى أن السلطة ومن يعارضها تم خلقها في المعامل - السياسية والأيديولوجية - الأمريكية !!
مثل ذلك حدث فى كل البلاد الواقعة تحت النفوذ الأمريكى .. تركيا ، كوريا الجنوبية ، وحتى دول كبرى مثل المانيا واليابان وفرنسا !!
وحدث شئ من ذلك عندنا هنا فى مصر بعد ٢٠١١ ..
فقد كان الإخوان المسلمين - وهو تنظيم نشأ فكرة وممارسة في محاضن الغرب وتحت رعاية أجهزة العمل السرى فيه - عندما وصلوا إلى السلطة فى منتصف عام ٢٠١٢ كانوا يدورون في الفلك الأمريكى ، وكان من قام لمعارضتهم - فكريا وايديولوجيا - لا يختلف عنهم فى شئ !!
سواء حزب الدستور بقيادة محمد البرادعي .
أو حزب المصريين الأحرار بقيادة نجيب ساويرس .
أو أحزاب السلفيين التى وضعت تحت الرعاية السعودية والموضوعة هى بالطبيعة تحت الرعاية الأمريكية !!
وعندما تظهر شخصيات مستقلة - حقيقة - عن المظلة والنفوذ الأمريكى ، وفى نفس الوقت لها رصيد من الشعبية ممكن أن يصل بها إلى السلطة يتم تشويهها فورا وبقوة ونعتها مرة بالفساد ومرة بالتطرف ، مثل لولا دى سيلفا فى البرازيل ، أو مارى لوبن فى فرنسا ، وفى حالات معينة يتم قتلها ، مثلما حدث مع شينزو أبى العام الماضي في اليابان ..
وشينزو ابى رئيس وزراء يابانى سابق كان يدعو إلى توازن اليابان فى علاقتها مع روسيا وأمريكا ، وبمجرد أن أعلن نيته الترشح للانتخابات .. تم اغتياله !!
وألقيت الحادثة على رجل مجنون مختل العقل ، لم يجد من كل رجال السياسة فى اليابان سوى الرجل الذى ينادى بالتقارب مع روسيا !!
وهنا السؤال يطرح نفسه ..
الأمر يمكن أن يكون معقولا وممكن توقعه في دولة مثل مصر أو تركيا أو حتى كوريا الجنوبية أو بولندا ، ولكن هل هناك من يصدق أن أمريكا هى من تهندس الحياة السياسية فى بلدان عريقة ومن قوى العالم الكبرى مثل فرنسا وألمانيا واليابان ؟!
وقد كان التفكير في ذلك قديما من قبيل الظنون ، ومجموعة من الشكوك عليها مجرد شواهد أو قرائن ، ثم جاءت الحرب الأوكرانية ورفعت الشواهد والقرائن إلى مرتبة الحقائق ..
وكان الطرف الخفى - أو الذى تم إخفاءه بمهارة - هو رأس المال الأمريكى أو الرأسمالية الأمريكية ..
ولنأخذ فرنسا على سبيل المثال نموذجا ..
فطبقا للدبلوماسى والسفير الفرنسى ميشيل رامبو في كتابه المهم عاصفة على الشرق الأوسط الكبير ( الصادر عام ٢٠١٥ ) فإن أمريكا أنشأت جيلا من السياسيين الفرنسيين يتفهم الضرورات الأمريكية ويتماشى معها ..
فمثلا هناك شبكة أمريكية فى فرنسا تسمى " القادة الشباب " تعمل بتمويل بنك لازار - وجهات أخرى - وهذا البرنامج أطلقته مؤسسة أمريكية فرنسية مشتركة ( الفاف ) أسست عام ١٩٧٦ ، بمبادرة من جيرالد فورد وجيسكار ديستان ( رئيسا البلدين ) وقد بدأ ذلك البرنامج عام ١٩٨١ ( وذلك حتى لا يصل إلى السلطة في فرنسا رجال بوزن شارل ديجول ، الذى كان مناهضا بقوة للسياسة الأمريكية ) ، وفى كتاب الدبلوماسي الفرنسي تفاصيل مهمة جدا بخصوص ذلك ( صفحة ٢٢١ - ٢٢٢ ) ...
ولتلك الشبكة صلة قوية بالمخابرات الأمريكية ، ورؤساء مثل ساركوزي وماكرون ووصولهم إلى قصر الإليزيه لم يكن بعيدا عن تلك الشبكات ، وقد كان أحد العاملين بمؤسسة الفاف هو من وقف وراء فرانسوا هولاند عند ترشحه عن الاشتراكيين وحتى وصوله إلى منصب الرئاسة الفرنسية !!
وما تم صنعه في فرنسا تم عمله فى بلاد أخرى كثيرة ..
والنتيجة أن القرار السياسى والإستراتيجي لدول كبرى أصبح رهنا بالمشيئة الأمريكية !!
لذا فإن أهم أسلحة أمريكا - قبل وأهم مما يمتلكه الجيش الأمريكى - هو سلاح رأس المال الأمريكى وسلاح الديموقراطية !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟