الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم العربي موجود بغيره لا بذاته

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2023 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


هذا العنوان يقود إلى مصطلحات سادت في وسط مثقفي العرب والمسلمين، منذ منتصف القرن الماضي إلى الآن، ومن هذه المصطلحات، التبعية للغرب، المركز والأطراف، الإثنية المركزية، الاستشراق، العالمية، الخطاب العالمي، النظام العالمي، حقوق الانسان، القانون الدولي، حقوق الطفل والمرأة، الديمقراطية وحقوق الانسان، صراع الحضارات، الأقلية، الإرهاب، التطرف، الأصولية، الظلامية ..الخ
هذا المقال المتواضع يعالج بهدوء وكذلك بشيء من التقصير، لأن مثل هذه الإشكالات لا يمكن معالجتها في مقال قصير بل تحتاج إلى مراكز بحث ودراسات تحت اشراف خبراء ومراكز دراسات تملك الكثير من الإمكانات المادية والمعرفية، لتتمكن من تحليل ورصد ظاهرة تبعيتنا للغرب وعجزنا عن مواجهته في جميع المجالات دون استثناء، طرح عليٌ يوم أحد السؤال التالي: كيف يكون حال العالم العربي في حالة مقاطعة الغرب لنا او مقاطعته نهائيا وتقوقعنا على أنفسنا؟
من الصعوبة الإجابة عن هذا السؤال دون استحضار التاريخ والذاكرة واهداف المنظمات الدولية من هيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها وصندوق النقد الدولي والنظام العالمي ومنظمة التجارة الدولية ...الخ
قد تكون الإجابة التي تختصر كل ذلك في جملة قصيرة وواضحة والتي تقودنا مباشرة الى فكرة:
" سلطة العلم وجبروته " .
أي كيف يستطيع العالم العربي الاسلامي أن يجد له مكانا تحت الشمس ويكون صوته مسموعا وينتصر على فكرة مالك بن نبي " القابلية للاستعمار " او بمفهوم آخر القابلية للاستحمار عن طواعية وذل وخضوع للأقوى الذي بيده العلم والسلاح والمال .وذلك عبر شبكة واسعة من المعارف التاريخية والجيوسياسية وايديولوجية وغيرهم لتكريس ثقافة الأقوى من اجل الهيمنة والسيطرة على ثروات الانسان العربي أو انسان ما وراء البحار أو ذلك الانسان المسلم المتعصب الإرهابي البربري الكسول الذي لا ينتج سوى الإرهاب والتطرف والتخلف تلك المصطلحات التي ينتجها المركز .
لقد طانت السيطرة على الاخر تتم بواسطة العسكر منذ عصور ما قبل التاريخ والامثلة على ذلك كثيرة من يملك جيشا قويا يفرض نفسه على الاخر، وواصل ذلك الأسلوب هيمنته إلى نهاية الحرب العالمية الثانية ، حيث تحولت السيطرة على الآخر بواسطة المنظمات العالمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ووسائل الاعلام والاتصال بمختلف أنواعها التي تحولت إلى وسائل السيطرة والهيمنة وأصبحت جزءا من ثقافة المركز ، مع التأكيد أنها تحت حماية القوة العسكرية .
والسؤال الذي يفرض نفسه علينا بقوة، هو كيف ينظر العالم العربي والإسلامي للمعرفة والعلم والحاضر والمستقبل؟ وما المكانة التي يحتلها علماء العرب في نظر السلطة والمجتمع؟ لماذا حصلت قطيعة كبرى مع الفكر العقلاني الذي تبناه العرب المسلمون في القرن الرابع الهجري؟ كيف استطاع المفكرون العقلانيون العرب والمسلمون التوافق مع الفكر الديني في القرن الرابع الهجري؟ .
الإجابة على هذه الإشكالية التي يطرحها هذا المقال المتواضع تقودنا بالضرورة الى إشكالية أخرى، لماذا العرب لا ينتجون شيئا لهذا العالم بل ولأنفسهم؟ بل الحقيقة التي لا مجاملة فيها أن العرب يعيشون في شيء من التخلف والرجعية، في الوقت الذي يعيش العالم كله في مُستويات مميزة من التقدم، فلماذا العرب متخلفون عن العالم؟
قد تكون الاجابة المباشرة على هذا السؤال أننا في العالم العربي لم نجرؤ حتى يومنا هذا الاجابة على الكثير من القضايا والمسائل والاسئلة الجوهرية ، بل ان الكثير من هذه القضايا والمسائل والاسئلة اصبحت سبباً في نزاعاتنا وصراعاتنا الظاهرة والمستترة ، حكاماً ومحكومين ، نخباً وعواماً ، فنحن نكاد نكون الأمة الوحيدة في هذا العالم التي لا زال تاريخها محط خلاف وتفرقة ، بل هو سبب للفرقة لا للوحدة بين الدويلات العربية ، فمنا يرى بهذا التاريخ سبباً في تخلفنا وتراجعنا ، بل ويعتبره البعض السبب الرئيسي في هذا التخلف التي تعاني منه الأمة العربية ، والحل من وجهة نظرهم قطع صلتنا بهذا التاريخ والاستفادة من التجارب الحديثة في الغرب واليابان ، بينما البعض الأخر يرى بهذا التاريخ كنزاً وبلسماً وترياقاً لكل مشاكل الأمة ومصدراً لتطورها وتقدمها ، فهو الشيء الوحيد الذي يحق للامة ان تفتخر وتعتز ، ولطالما ردد انصار هذا الرأي عبارة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – : “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله” ، او قول الامام مالك – رحمه الله – :”لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.
وليس هذا فحسب بل نجد الخلاف على علماء الأمة ومفكريها قديماً وحديثاً ، فالبعض يرى بهؤلاء العلماء ابعد ما يكونوا للعلم ، فهم كفرة وزنادقة واخرجوهم من الملة ، كابن رشد وابن سينا والفارابي والسهروردي “المقتول” – قتل بأمر من صلاح الدين الأيوبي- ….الخ قديماً ، وفرج فودة وحسين مروة ومحمد اركون وغيرهم الذين ضاقت جغرافية العرب رغم اتساعها فأخذوا علمهم وفروا من اوطانهم خوفا من الفقر والجهل وسوط الحاكم الذي لا يفرق بين عالم وأمي فكلهم في نظره خطرا على وجوده فالسيف والقمع اصلح لهم ، فالحرية الموجودة كلها في العالم العربي لا تكفي انسانا حرا واحدا ، بينما يرى انصار هؤلاء انهم علماء مستنيرين حملوا مشروعاً تنويرياً حداثياً يتعامل مع تاريخ الأمة على انه تاريخ من صنع البشر قابل للمراجعة والنقد ، مشروعاً سينقل الأمة من حالة التخلف الى حالة التقدم ومواكبة الأمم الحديثة.
ثم دخلت نخب الأمة بسجال عنيف طيلة ما عرف بالربيع العربي حول زعمائها، فمنهم من يضع هؤلاء الزعماء بمرتبة الخالدين والملهمين وولاة الأمر التي ارسلتهم العناية الالهية لإنقاذ الأمة ، ومخالفتهم رجس من عمل الشيطان ، ومدعاة للفتنة وشق لصف الأمة ، بينما البعض الأخر يرى بهم العكس تماماً ، عملاء ومستبدين ، معظمهم جاءوا بانقلابات عسكرية غير شرعية ، او على ظهور دبابات اعداء الأمة ، او بانتخابات مزورة ، كما يروا بهؤلاء الزعماء سبباً في هزائم الأمة ، وسداً منيعاً في سبيل تقدمها وازدهارها.
هذا الانقسام الأفقي والعمودي والذي اخذ يتجذر في جسد الأمة العربية كل يوم في كثير من المسائل الجوهرية ، اصبح عائقاً ومثبطاً في تقدمها ونهضتها ، وفي صراعها مع التخلف والجهل والفقر والمرض والاستبداد ، بل ان هذا الانقسام اذا ما استمر سيولد في المستقبل القريب بيئة مثالية لحروب أهلية وصراعات عنيفة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى عودة ظهور ملوك الطوائف أي تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ ، ولتجنب الانزلاق في وادي الصراعات الدموية السحيق ، يجب على النخب الاجتماعية والثقافية والاكاديمية والسياسية اخذ دورها بكل شجاعة ، من خلال عقد حوارات مفتوحة بين هذه النخب ، تتبناها مؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمراكز البحثية ووسائل الاعلام بمختلف أنواعها ، وتنطلق هذه الحوارات من ارضية الثقة المتبادلة ، والابتعاد عن لغة التخوين والتخابر ، والحكم على النوايا ، وان ليس هناك جهة محددة تحتكر الحقيقة مهما كانت قوتها وسيطرتها ، وان كل شيء قابل للبحث والحوار والنقاش ، اليس في تراثنا مقولة احد الأئمة الكبار وهو الامام مالك – رحمه الله – “كل يؤخذ عليه ويرد الا صاحب هذا القبر” وأشار الى قبر الرسول – صل الله عليه وسلم – ، فليس من المعقول ان كل كتب التراث في تفاسير القرآن والحديث كتب لا يأتيها الباطل من خلفها ولا من بين يديها ، واصبحت او تكاد بمنزلة القرآن الكريم والصحيح من احاديث الرسول، مصيبتنا الحالية أن الأنظمة العربية الحاكمة كلها لا تقبل النقد وترى الحقيقة وتعمى عليها ، فلا رأي فوق رأيها ، ماذا جنينا من هذا التعنت والتفرعن والتسلط سوى التخلف والفقر والضياع والخوف من المستقبل .
بربكم هل يوجد عربي واحد صاحب عقل وعلم وبصيرة يشعر بالأمن والاطمئنان في عالمنا العربي؟ عامتنا إن سألتهم عن احوالهم يجيبونك مباشرة بقولهم: " المهم الصحة والهناء " لا صحة ولا هناء وانت تخاف ان مرضت أو مرض أحد افراد عائلتك ففي مستشفياتنا ترى الموت أمامك مباشرة، واي هناء وأنت أيها العربي تعيش وكأنك لا جيء في وطن الأخر ..
قد تكون هذه الكلمات بعيدة نوعا عن عنوان المقال، وتعمدت ذلك، متخفيا وراء مقولة جحا: " الفم المغلوق ما يدخله ذبان "
نحن موجودون بغيرنا ولو سحب الاخرون منتجاتهم من أسلحة وادوية والبسة وغذاء ودواء لعدنا الى عصور ما قبل التاريخ.
هكذا يريد الآخر لنا أن نكون اصفارا في الأطراف على هامش الحضارة والعصر لنبقى تبعا له في كل شيء .
نالت الدول العربية استقلالها في منتصف القرن الماضي، وما زالت تعاني التخلف والفقر والجهل والاستبداد والديكتاتورية، لم يتغير الوضع كثيرا عما كان عليه في عهد الاستعمار الأوروبي، بل نجد من يقول إننا في حالة الاستعمار كان وضعنا أحسن مما هو عليه الان، طبعا هذا الراي لا يصدر إلا عن انسان ضائع تائه مظلوم.
من الواضح أن الاستعمار الغربي لم يعد عنف وعسكر ودبابة وسجون واعتقالات، وإنما أصبح عنفا علميا عقلانيا بواسطة المنظمات الدولية أي استعمار تحت حماية القانون الدولي وهيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها.
وإذا كان لا بد عن القانون الدولي ومنظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية الأخرى بلغة الأنثروبولوجيا المعاصرة، فلا يمكن إلا أن تكون هذه المنظمات الدولية ممثلة لمصالح الغرب وقوانينه لكي تبقى مستعمراته القديمة موجودة به لا بذاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز