الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا نعيش؟

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2023 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لنعيش أكثر، وأفضل.
درس قد تعلمه الإنسان منذ انتصب واقفاً على قدمين فوق الأرض، وحتى قبل ذلك بملايين السنين. شأن كل الكائنات الحية، الإنسان أيضاً مزود بجينات بيولوجية (غرائز) تجعله دائماً وأبداً متشبثاً بالحياة حتى آخر نفس، وطامعاً في المزيد والأفضل منها إلى ما لا نهاية. وفي ذلك ربما أحد الأسباب التي دفعته ولا تزال إلى تمديد حياته المحدودة والمقيدة على الأرض إلى أخرى ممتدة ومفتوحة إلى ما لا نهاية في عوالم أخرى فيما وراء الدنيوية.

غير أن اتفاق البشر جميعهم، ولو لا شعورياً بدافع الغريزة الفطرية، على غاية الحياة الأكثر والأفضل لم يمنعهم من الاختلاف حول الوسائل الملائمة والمقبولة لبلوغ هذه الغاية المتفق عليها. على هذا الدرب، قد وفرت الزراعة والاستقرار وتدجين وتربية الحيوانات حلولاً ثورية لسد العجز الناتج عن منهج الصيد والرعي كوسيلة أساسية لإعالة حياة التجمعات البشرية، لكي يعيشوا أكثر وبشكل أفضل. وكان المستقبل من نصيب الشعوب التي تبنت هذا التغيير الثوري في طريقة حياة ربما قد بقيت تقليداً متوارثاً منذ ملايين السنين ولم يتم التخلي عنها بسهولة أو دون مقاومة، بدليل أنها لا تزال مستمرة كمصدر العيش الرئيسي في أماكن كثيرة حول العالم حتى يومنا هذا؛ وأخفقت، أو على الأقل تقهقرت إلى مؤخرة موكب التقدم ولا تزال، تلك الشعوب التي أبت هجر أسلوب الرعي والتحول إلى الزراعة.

بمرور الزمان، نسي الإنسان بدعة الزراعة وثوريتها وألفها واعتاد عليها لتصبح في نظره تقليداً متوارثاً عن الآباء والأجداد مثلما كان ينظر إلى الرعي من قبل. ومن ثم أصبحت منهجاً للعيش شبه متفق عليه من الجميع من أجل حياة أكثر وأفضل. غير أن سعي الإنسان الحثيث والدائم إلى حياة أكثر وأفضل باطراد لم ولا يعرف التوقف عند نقطة محدده، لكونه في الأصل غريزة فطرية بلا حد وبلا نهاية. وهكذا تمخضت حيله عن تغييراً ثورياً جديداً لا يقل جوهرية عن الزراعة. الصناعة والميكنة ضاعفت المحاصيل الزراعية التقليدية مرات عدة، واختلقت حتى محاصيل مبتكرة تعجز الأخيرة عن الإتيان بمثلها. ومثل الزراعة، قطعت الصناعة شوطاً بعيداً في جعل الإنسان يعيش أكثر وينعم بحياة أفضل من قبل.

بمرور الزمان، سَلَّمَ كل البشر في كل أرجاء الأرض بجدوى الصناعة لحياة الإنسان، وأخذوا بها وتحولت إلى تقليد متفق ومتعارف عليه. مثل الزراعة من قبل، لم تعد تثير دهشة أو استغراباً أو تكبراً، أو تستدعي الاستهجان والشجب والمقاومة مثل أي بدعة أو شيء مستحدث في مراحله البكر. غير أن رغبة الإنسان في حياة أكثر وأفضل، المغروسة فيه حتى من خارج وعيه، ما كان ليشبعها أو يحدها شيء على الإطلاق، لا زراعة ولا صناعة ولا ما لا يحصى من مناهج الحياة المبتكرة والثورية، حتى لو زادت متوسط العمر ومستوى المعيشة مئات المرات. هناك دائماً وأبداً سعي وطلب على المزيد. وكل تغيير ثوري جديد لا يسقط من السماء، أو يولد على الأرض ناضجاً مكتملاً. بل هو دائماً وأبداً بحاجة إلى التجريب، والمحاولة والخطأ، والفشل الذريع في أغلب المرات. والأهم من كل ذلك، بحاجة إلى من يحميه ويرعاه، مثل الجنين في بطن أمه، حتى يولد ويشب واقفاً على قدمين ثابتتين ويبرهن على جدواه في تلبية غاية العيش أكثر وأفضل في أعين الجميع، ليحتضنوه عندئذ ويمضي إلى التحول كتقليد مألوف في حياتهم الاعتيادية، التي بفضله أصبحت أطول وأفضل.

لكننا، في سعينا وراء حياة أكثر وأفضل، كثيراً ما نختلف حول المناهج والوسائل؛ وكثيراً ما نخطئ ونختار- وأحياناً نُصِّر على اختياراتنا- ما يُنقص من حياتنا لا ما يكثِّرها، ما لا يُحَسِّنها بل يزيدها سوءاً وفقراً وتعاسة. وفي اختلافاتنا حول مناهج الحياة الأفضل، قد نتحارب ويقتل بعضنا بعضاً وننهي حياتنا بأيدينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انطباع شخصى
على سالم ( 2023 / 3 / 29 - 05:30 )
السيد الكاتب اعذرنى , احيانا اراك تكتب مقالاتك بشكل غير واضح ولولبى ومشتت ودائما الهدف ضائع والمعنى غير كامل وتجعل القارئ يحاول ان يكون فكره عن هدف المقال ولكنه اكيد لايعرف مالذى يدور حقيقه فى عقلك او الفكره التى تريد ايصالها للقراء


2 - شكراً لهذا التعقيب الذكي
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي ( 2023 / 3 / 29 - 09:01 )
عزيزي الأستاذ علي سالم، التناقض وعدم الاكتمال في كل شيء هو الحياة نفسها: منه الميلاد والموت، الصحة والمرض، الليل والنهار، انتظام حركة الكون نفسه. بل حتى يمكن القول أنه لولا النقصان النسبي الموزون بين مكوناته ما وجدت الحياة. كأنه دائماً في رحلة بحث لا تنتهي عن الاكتمال. لكنه إذا ما اكتمل، ستتوقف عجلة دورانه وستتوقف معها الحياة ذاتها. وأنا هنا أسألك: هل ملكت يوماً الفكرة مكتملة دون نقصان؟ ألا يعكرها دائماً ظلال من الشك والضبابية والتناقض؟ ألا تقدم على شيء ثم تنجزه ناقصاً، أو تنجز بعضاً منه مع بعض من نقيضه، أو تتراجع عنه كليتاً مخافة النتيجة التي هي في كل الأحوال ضبابية وغير مؤكدة الجدوى؟
ولأننا بهذا النقصان، نضطر دائماً إلى أن نفكر. وفكرنا دائماً ناقص، لذا نفكر أكثر وأكثر، في محاولاتنا للخروج من ظلمات الحيرة والضبابية. وكلما تقدم بنا الفكر أكثر وأنار مساحات شاسعة كانت مجهولة أمامنا في السابق، اكتشفنا أن هناك مساحات أكثر ضخامة لا تزال مظلمة تقع خارج نطاق كشاف أفكارنا، وتشتد حاجتنا لمزيد من التفكير.
أشكرك لمرورك وتعقيبك الثمين الذي أصاب الهدف مباشرة. وأتمنى مثلك أن أشفى يوماً من التشتت.

اخر الافلام

.. حسام زملط لشبكتنا عن هجوم رفح: نتنياهو تعلّم أن بإمكانه تجاو


.. من غزة إلى رفح إلى دير البلح.. نازحون ينصبون خيامهم الممزقة




.. -الحمدلله عالسلامة-.. مواساة لمراسل الجزيرة أنس الشريف بعد ق


.. حرب غزة.. استقالة المسؤول عن رسم الشؤون الاستراتيجية في مجلس




.. دكتور كويتي يحكي عن منشورات للاحتلال يهدد عبرها بتوسيع العدو