الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آيات سينمائية..تلاوة امرأة

نور فهمي
كاتبة

(Noor Fahmy)

2023 / 3 / 28
الادب والفن


احتفظ  منذ عام ٢٠٠٤ وحتى الآن، بتذكرة كل فيلم أشاهده فى السينما؛
اوثق الأحداث المقترنة بمشاهدته؛ رأيى الانطباعى عنه والتفاصيل المتعلقة بدخولى القاعة:
مع من ذهبت، ماذا ابتعت ولماذا ابتهجت؟!
أدير ظهر التذكرة، وأكتب عليها  كلمات مختصرة ومقتصدة،  حتى يبقى أثرها ممتدا، كعادتى مع الكتب، بل وأى  مكان أذهب إليه.
اجلس على هذا المقعد السحرى بالقاعة الماسية؛
اتوحد مع البطلة تماما؛ لتصبح قصتها قصتى..اعانى مثلها..أحب.. أكره..أكذب..أخون..ألعنها فى سرى..امتعض من تصرفاتها..أمدح أو أصفق تصفيقا حارا داخلى، اشتاق اشتياقها..ثم ازداد حماسا ليحاكى خيالى واقعها!
دقات قلبى تتسارع عدوا حينما يحيط بها الخطر،
ثم أعود لأشفق على سوء التقدير وسذاجة التصرف!
يقول الكاتب الراحل(أحمد خالد توفيق):
السينما هي التزاوج بين الموسيقى والتصوير والمسرح والشعر والرقص.. إنها الزواج النهائي بين الفنون جميعاً وبشكل يرغمك على أن تغوص فيه .
من ضمن  الأفلام التى توحدت معها  ونسيت نفسى تماما وقتها؛
فيلم(ديكور)؛
فيلما شاهدته إلى الآن أكثر من الثلاثين مرة!  ولا أدرى لما كل هذا التعلق الممزوج بالنشوة؟!
البطلة فيه تحيا حياتين، وتتشكك فى واقعها، فتتساءل معها :
هل هى مدرسة الرسم، أم مهندسة الديكور؟! هل تزوجت حقا من تحب..أم  من أحبها ولم تبادله ذات الشعور؟!
هل تعمل فى المهنة التى شغفت بها، أم اضطرت لأن تتنازل عنها فى مقابل وظيفة روتينية مملة؟!
هل لديها طفلة بالفعل اسمتها(هايا) أم انها مازالت
(لا انجابية)؟!
تأخذنا فى رحلة تعلو وتهبط كأمواج البحر..يزداد الأدرينالين فى الدم مع التشويق المصاحب للذة فك الشفرات والطلاسم.
الممتع فى هذه الرحلة هو انغماسى التام دون احتياج ملح لأن أعرف أي الحياتين واقعها.. متعة خالصة تتكرر فى كل مرة أختار فيها أن أعيد مشاهدته!
ربما التنقل بين شخصيتين وحياتين مختلفتين تماما هو ما أثار اهتمامى، ربما أداء (حورية فرغلى) المبهر للدور؛
شخصية غنية بكم هائل من التعقيد والتفاصيل الدقيقة.
كان الصراع قائما بين عقلها وقلبها..بين الحياة الهادئة  المتزنة خارجيا، وبين ولعها وشغفها بمهنتها رغم تحدياتها وظروفها القاسية.
أسعد أيما سعادة  حينما تحتل (امرأة دور البطولة،
لأنى  أتعرى حينها  بعيوبى وهواجسى وأحلامى، فأراها واضحة جلية تتجسد  على شاشة بحجم الحياة!
وكما وصف(يحيى حقى) هذه التجربة قبلى قائلا :
"أين نرى وجوهنا وعواطفنا بالميكروسكوب إلا فى (صالة السينما) ".
وأضيف أنا؛ أين نرى أحلاما  لن تتحقق أبدا إلا من خلال شاشة السينما؟! أين نرى هشاشتنا الفكرية والنفسية إلا من خلال عيون مخرج جرئ يجسد ما نخجل نحن من رؤياه؟!  أين نرى تشوهاتنا العقلية وعمق خلجاتنا إلا من خلال كاتب صادق لا يخشى لومة لائم، ولا هجوم سطحى عابر؟!

فيلم (ديكور) لم ينل التقدير الذى يستحق، مثله فى ذلك   فيلم (دنيا)، والذى لم أشاهد حتى الآن فيلما  بهذه الجرأة الاستثنائية فى العرض على مستوى الوطن العربى كله.
تتعرض بطلته(دنيا) لصعوبات كثيرة وتحديات بسبب محاولة امتهانها الرقص؛
فتتهمها عيون الناس قبل ألسنتهم، فى شرفها وأخلاقها وسلوكها، يقيدونها  بنظراتهم وسطحية أفكارهم،
استهل الفيلم بمشهد عبقرى يجسد فيه البطلة وهى تستعد لامتحان الرقص أمام لجنة التحكيم؛ فيلاحظون جمودها وخجلها الشديد، ثم ترتمى جالسة على سطح الأرض مضمومة الساقين والذراعين لتعلن أنها لم ترى فى حياتها جسدا عاريا إلا فى فيلم لبطلة فرنسية، وقد تعودت منذ ذاك الحين؛ أن تجلس هكذا طوال الوقت حتى لا يكشف أحد من جسدها سنتيمترا واحدا!
فالتربية على أن جسد المرأة يجلب العار والمذلة، يمحى شرفها وشرف من تتعلق أسماءهم بإسمها، هو ما نشأنا عليه صغارا، وبات فى خلفية أذهاننا كبارا نتعامل بناءا عليه!
تكتب البطلة فى مذكراتها :
"مشطوب فى بطاقتى على صفتى ..على نوع الجنس.. على كونى بحس! "
  تريد أن تحيا حرة رغم زواجها، ورغم العادات المجتمعية التى تحدها وتغتال هويتها. تبحث عن ذاتها وشغفها بالرغم من قائمة القيود التى لا تنتهى أبدا،
وسط كلمات مستهلكة عن العيب والحرام والمفروض والواجب!
أيضا تجسد المخرجة(جوسلين صعب) قضية مهمة فى الفيلم من خلال فتاة صغيرة تعشق الرقص، فتراقبها جدتها لأبيها مستاءة،  وتحاول مرارا إقناع والدتها بعملية (الختان)،
لماذا؟!
لأنها تلاحظ الفتاة وهى ترقص فى معظم الأوقات وتستمتع بجسدها ميلا مع أنغام الموسيقى!
لقد أرعبها هذا الإدراك؛ إدراك  الطفلة لفكرة الاستمتاع بجسدها!
فالجدة  لم تعتد فى بيئتها  إلا (الوصم الاجتماعى) على أى تصرف جسدى يجلب المتعة للأنثى سواء أثناء علاقتها الجنسية، أو حتى (رقصها)!
فتتساءل باستنكار:
لماذا تستمتع ولماذا تشعر من الاساس؟! يجب أن نبتر هذا الإحساس كليا حتى  لو  عاشت عمرها كله فاقدة لعلاقة سوية مع جسدها قبل زوجها.
(الجنس) الذى يخشى ذكره أغلبنا، وينطوى على ذاته ويمصمص شفاهه رغبة فى إبراز أنه الأكثر خلقا وتحفظا. يشتهى امرأة سرا ثم يسبها علنا، كل هذا وأكثر يناقشه فيلم(دنيا)، بل ويتناول أيضا زوايا جديدة للطرح تتعلق بمدى حرية المرأة فى امتلاك (جسدها) بعد الزواج، لتعلن بطلة الفيلم ببساطة وبراعة فى إحدى المشاهد، وهى  تشير إلى منطقة الرأس بفخر، مدعية بأن هذا العضو لن يمتلكه أحد إطلاقا ولو" بقبلة "_حتى زوجها_
الفيلم جرئ جدا، ليس فقط فى أفكاره وقضاياه المطروحة ولكن  أيضا من خلال أداء الممثلين المشاركين المبهر لأدوارهم؛ فبجانب ذروة( النضوج الفنى) لحنان ترك فى هذا الفيلم،  تميز كل من (سوسن بدر..عايدة رياض..فتحى عبد الوهاب..محمد منير وحتى الطفلة الصغيرة التى شاركت فى الدور)
هى رحلة البحث عن الحرية وإعادة اكتشاف المرأة لجسدها واحتياجاته، بل والمطالبة بسلطتها الكاملة عليه!
يؤسفنى حقا أنه لم ينل من الاهتمام والتقدير ما يستحق فى الوطن العربى،
• ولكنه ورغم ذلك  شارك في مهرجان( ساندنز) في الولايات المتحدة ويعتبر أول فيلم عربى يشارك في تاريخه،  كما أن بطلته حصلت على جائزة الشاشة الفضية كأفضل ممثلة من مهرجان سنغافورة السينمائى الدولى.
وفى المقابل أعربت الفنانة (حنان ترك) عن حزنها الشديد  فى إحدى المؤتمرات بعد  عرض الفيلم وهجوم الكثير من الصحفيين والحضور،
لتصرح باكية:
"ختنتوا فرحتى"
فبدلا من مناقشة أفكار الفيلم وقضاياه تراشق الحاضرين، صناع العمل باتهامات "الإساءة لسمعة مصر" وإبراز مساوئها؛ كإظهار العشوائيات وانتشار الختان على أرضها، فى حين أن الفيلم ناقش أهم القضايا التى تخص المرأة المصرية وعلاقتها بجسدها ومجتمعها وسعيها الدؤوب لأن تحصل على حرية التعبير عن هواجسها وأفكارها وأحلامها..عن حريتها فى اختيار مهنتها..
عن الحق الأصيل فى أن تظل وتبقى كما ولدت
حرة !


 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكايتي على العربية | ألمانية تعزف العود وتغني لأم كلثوم وفير


.. نشرة الرابعة | ترقب لتشكيل الحكومة في الكويت.. وفنان العرب ي




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيب: أول قصيدة غنتها أم كل


.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: أول من أطلق إسم سوما




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: أغنية ياليلة العيد ال