الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لؤلؤة راشيل 4

وليد الأسطل

2023 / 3 / 29
الادب والفن


10

الفتاة التي دخلت نظرت إلي بخجل. شرحت لي أنها لم تكن تعلم أن أيمي كانت حبلى، لكنها على علم بأن لديها عشيقا، فأيمي قد أخبرتها بذلك، حتى أنها تعرف من يكون.
غمرت الدموع عينيها. تساءلت في سري: هل هذه دموع حزن أم دموع الشعور بالذنب؟ لم أقل شيئا وانتظرت.
- قالت: لم تكن العلاقة بينهما مجرد نزوة. لقد أراد الزواج منها بمجرد انتهاء إجراءات الطلاق.
- طلاق؟
- نعم، لأنه متزوج، إنه الأستاذ موريتي.
- ريكاردو موريتي؟ تقصدين الكاتب؟
- نعم، أجابت عايدة.
أكاد لا أصدّق! ريكاردو موريتي يدرّس القانون في فلورنسا لطلاب السنة الثانية! إنه أصغر عمداء كلية الحقوق في ميلانو، ومؤلف الكتاب المثير للجدل "القاضي والمحامي والمرأة". أتذكر الفضيحة التي أثارها بشجاعة في كتابه هذا! لقد كلفته هذه الفضيحة مكانته كعميد، وسمحت لنا، نحن طلاب علم الجريمة، باكتشاف الفضائح التي تحدث في دنيا القضاء! كان دون جوان ولاعب غولف متمرسا، عاش الكثير من المغامرات العاطفية، تزوج من فتاة شقراء جميلة كان والداها يمتلكان عقارا معروفا في ميلانو. لم أره منذ التحاقي بأكاديمية الشرطة في روما. أعتقد أنه من الممكن أن يعيش مغامرة عاطفية مع فتاة مثل أيمي، أما أن يتخذها زوجة، فإني أشك في ذلك. أما بالنسبة لإنجاب طفل منها، فهذا أمر يصعب علي أن أصدقه! لكنه يظل ضمن نطاق الممكن.
- منذ متى بدأت هذه العلاقة؟ سألتُ عايدة.
- منذ ما يقرب من عامين، على ما أعتقد. التقيا خلال مؤتمر في ميلانو عندما كانت آيمي تقوم بفترة تدريب، قبل بداية العام الدراسي بقليل، عند محام تعرفه عائلتها. أعتقد أنه وقع في حبها على الفور. لقد كانت قصة حب رائعة. قدم لها الهدايا، وصحبها معه في رحلات، وكان يدفع عن والدتها إيجار البيت. لابد أنه حزين الآن.
لقد أعجبت ببراءة هذه الفتاة التي آمنت بوجود حب قوي بين زير نساء شهير وطالبة شابة، جعلته والدتها يدفع أجرة علاقته بابنتها.
- شكرا لك عايدة. سوف تنتظرين في المكتب المجاور. سأرسل شخصا ليأخذ شهادتك.
عند مغادرتها التفتت إلي وقالت:
- سوف تتمكن من إعتقال الشخص الذي فعل هذا، هاه! لقد كانت آيمي فتاة لطيفة. أرادت أن تكون محامية لتدافع عن من هم مثلنا.
عندما رن هاتف مكتبي وتعرفت على صوت الطبيب الشرعي، عرفت الجواب قبل أن أسمعه: لؤلؤة، لؤلؤة. خلعت قلادتي بمجرد خروجي من الباب:
- أنظروا إذا كان هناك وجه شبه بينهما، وإذا كان بإمكاننا الربط بين الإثنين.
نظر الرجال إلي بغرابة.
نزلت، إستقليت سيارتي وهرعت إلى المنزل. نباح كلبي المبتهج، مواء قططي، وقرقرة دجاجتيّ، هذا ما خفف من ألمي على مدى هذه الفترة الطويلة. جلست على المنضدة الحجرية، بدأت أفكر وأنا أداعب فراء قططي الناعم، استسلمت لصوت خرخرتهما، ولنعومة رأس كلبي المستقر بثقة على فخذي.
اهتز هاتفي المحمول في جيبي، وأذهل كلبي.
- إنه لوكا. سيدي، هناك دكتورة ينبغي أن تستجوبها. يتعلق الأمر بقضية فيراري. نحن ننتظرك. وأخيرا، أود أن أخبرك أنها برفقة محاميها السيد جيوردانو. لو كنت مكانك، لما تأخرت في المجيء مخافة أن يقاضيني.
- أنا قادم، لوكا، أنا قادم.
11

عندما دخلت غرفة الاستجواب، استقبلني السيد أوجاوستينو جيوردانو بالاعتراض والصياح.
- لكن أخبرني يا صديقي، هل تعلم أنك تدفع بموكلتي إلى الإفلاس بهذه الطريقة؟
هل تعرف كم تكلف ساعة المحامي؟
- مرحبا سيدي، أجبته. إجلس.
- دكتورة دال، أنا الرائد برونو حنا. يجب أن أسألك عن ظروف وفاة السيدة روسي، التي تبين أنها السيدة سيسيليا فيراري. هل كنت تعرفين هذه السيدة قبل أن تستقبليها في عيادتك يوم الخميس على الساعة 19:30؟
- لا! لم أرها من قبل. لقد سجلت باسم روسي ولم يكن لدي ملف خاص بها.
- أخبريني بما حدث. خذي وقتك. يجب أن تعلمي أن هذا الاستجواب يتم الآن تسجيله وتصويره.
جلست أستمع إليها. كانت نحيلة، سمراء، شعرها مشدود إلى الوراء على شكل كعكة. كانت لديها بشرة شاحبة وعينان خضراوين كبيرتين.
- قلت إنك كنت بمفردك إلى غاية وصول الإسعاف، فمن يمكنه أن يؤيد زعمك؟
- ليس هذا زعما! قالت جوليانا. إنها الحقيقة! ربما رأى أحدهم شيئا ما في الشارع، لا أعلم، ثم إن هناك كاميرا في زاوية الشارع، ربما يمكنك رؤية النساء قادمات! الأمر متروك لك للتحقق.
بقي جيوردانو صامتا. كان يستمع ويراقب دون أن يسجل أي ملاحظات.
- كيف تفسرين المحقنة التي تم العثور عليها في غرفة الفحص الخاصة بك؟
- اسمع، قالت جوليانا، أنا لا أستخدم الأتروبين أبدا. إذا عانت المريضة من صدمة في المهبل أثناء إدخال اللولب: أولا: أقوم بتدريب ذاتي التولد. ثانيا: أضع لها قناع أكسجين. ثالثا: عندما يكون الأمر أفضل، أعطيها سكرا مع قطرة من الروم(نوع من الخمور). رابعا: إذا لم ينجح الأمر، أتصل بالإسعاف. لكنني لا أستخدم الأتروبين.
دعمت جوليانا كلماتها الأخيرة من خلال النظر مباشرة في عيني، ثم تابعت:
- لذا، لا ينبغي أن أُسأل عن المحقنة، لكن بما أن إحدى المرأتين اصطدمت بسلة المهملات، فإني أرجح أنها من وضعتها بداخلها. أنا، أضع حقني في الحاوية الصلبة على الطبق، وليس في سلة المهملات البلاستيكية. أنا متأكدة من عدم وجود بصمات أصابعي على هذه المحقنة!
طلبت منها أن تصف لي مرة أخرى الشقراوتين اللتين تضعان المكياج. لقد دافعت عن نفسها جيدا، وأعتقد أنها كانت تقول الحقيقة. كانت الغالبية الساحقة من زبائنها الكثيرات يشدن بكفاءتها.
- استأنفت جوليانا كلامها:"وأخيرا، هناك شيء أدهشني، لم تكن أي من المرأتين تضع عطرا، بالرغم من أنهما كانتا تضعان مكياجا بشكل ملفت للنظر! وبصراحة، لم يسبق لي أن صادفت نساء تضعن مكياجا كهذا دون إضافة قطرة من عطر ساحر!".
- هل لديك لؤلؤ في عيادتك يا دكتورة دال؟
- لؤلؤ؟ لا! قالت بدهشة.
- هل لديك أي أعداء يا دكتورة؟
- لدي القليل من الأصدقاء! من خلال عملي هنا لم أستول على مكان أي شخص. اكتسبت زبائني من خلال حسن معاملتي لهن، بخلاف زميلين عديمي الضمير كان يعملان معي، انفصلت عنهما عندما اشتريت منزلي. ومن يومها خاصماني، وانقطع التواصل بيننا. لا! لست أعرف من يمكنه أن يكرهني إلى هذا الحد المتطرف، وإن وجد فلا شك أنه مجنون.
شعرت الدكتورة بالدوار فأمسكت بحافة الطاولة. كانت الساعة 13:30 ولم تأكل شيئا منذ الصباح.
ولكنها استجمعت قواها بينما كان محاميها الذي أعاد ارتداء نظارته، ينظر إليها بقلق.
- أخبرتك موكلتي بما حدث في مكتبها وكيف حاولت مساعدة هذه السيدة. من الواضح أن المؤامرة قد تم تشكيلها لسبب يبدو غامضا بالنسبة لي ولك، لكننا مضطران إلى الإعتراف بوجوده. حان الوقت لتعود موكلتي إلى منزلها، لأن هذه القصة أثرت فيها كثيرا، خاصة الضغط الإضافي الذي مارسته عليها الصحافة، التي سنقوم بتقديم شكوى ضدها بتهمة التشهير.
- أعتقد، يا حضرة المحامي، أنني سأحتفظ بالدكتورة دال لفترة أطول قليلا، لأنني بحاجة إلى مراجعة تفاصيل السيدتين الشريرتين مرة أخرى.
- اسمع أيها الرائد. موكلتي متعبة ويمكنها العودة إذا كنت تريد سماعها مرة أخرى، ولأنه لم يتم اتهامها بأي شيء، فهي حرة في العودة إلى المنزل.
- لا تقلق يا أوجاوستينو، قالت جوليانا. إذا كان بإمكاني المساعدة في القبض على هاتين الشريرتين، فإني أفضل أن أبقى هنا. يمكنك الذهاب. يبدو أنني معتقلة، فما رأيك أيها العقيد؟
- أجبتها: لنذهب إلى مكتبي، سنكون أفضل حالا هناك، وسيحضرون لنا سندويشات وكوكا كولا.
- شكرا لك، قالت لي.
لكنها فقدت الوعي لحظة نهوضها. اندفع السيد جيوردانو نحوها، وأنا كذلك، وقبل أن ندركها، ارتطم رأسها بزاوية الطاولة. سال الدم من جبهتها.
- أنظر إلى ما قادك إليه عدم تصديقك للأبرياء!
اتصل بطبيب وبسرعة.
- قلت: أنا طبيب، فلا تخف.
- دكتور؟
- الطبيب الشرعي، طبيب كذلك.
- أتهزأ بي؟ صرخ جيوردانو في وجهي.
- لا يا حضرة المحامي. صدقني من فضلك! أعطني منديلا وخذ سترتي، كوّرها وضعها تحت رأسها.
بينما كنت أضع جوليانا على جانبها وأضغط على جرحها بالمنديل، وصل رجال الإسعاف. كانت نسبة السكر في دمها منخفضة، لكن بشرتها أصبحت وردية بعد فترة وجيزة من حقنها بحقنة مغذية في الوريد. فتحت عينيها وقالت لي:
- أنت مجددا؟
شعرت أنني سأتفاهم معها بشكل جيد!
كان جيوردانو يعد شكوى لسوء المعاملة، ولعدم رعاية شخص ضعيف تم استجوابه، لم يتم توجيه الإتهام إليه، وطالب بنقل موكلته إلى المصحة التي كانت إحدى المساهمين فيها. تبعها ثم نظر إلي وقال لي:
- ما كان ينبغي عليك أن تتجاوز الحدود يا صديقي. ستترك موكلتي وشأنها وتبحث في مكان آخر إذا كنت لا تريدني أن أركل مؤخرتك. تفضل بطاقتي. وداعا أيها الرائد.
وقفت أنظر إليه وهو يغادر، قامته المنتصبة الطويلة، الملفات تحت ذراعه، والسيجار الذي لا يزال مطفأً بين شفتيه. لم يستدر، وركب سيارة الإسعاف التي كانت جوليانا داخلها. تساءلت لماذا أصيبت بهذا التوعك؟ هل بسبب أنها لم تأكل فقط؟ أم بسبب التوتر؟ أم الحمل؟ أم ماذا؟
دعوت لوكا:
- لوكا، هل لديك ما طلبته منك؟
أبلغني بكل ما يمكنك أن تعرفه عن الدكتورة دال: النسب، إلخ. وعن محاميها العزيز.
- سيدي، أعتقد أننا نسينا شخصا أساسيا سيستفيد من الجريمة ... تأمين على الحياة بقيمة مليون وثمانمائة ألف يورو سيحصل عليه زوج القتيلة، بالإضافة إلى حقل الكروم الذي يخصها وأسهمها في الشركة، إلخ.
لا أطفال لديها، كما أنها كانت وحيدة والديها. إن موتها بالنسبة لزوجها يشبه الفوز بالجائزة الكبرى.
- هل أنت متأكد من ذلك؟
لكن، إذا كان الأمر هكذا، فما هي المنفعة التي سيجنيها القاتل بتوريطه الدكتورة دال؟ هل تقصّد إيذائها؟ أم هذا عائد لفقر خياله الإجرامي.
- لوكا، ضع شرطيا لحماية جوليانا.

12

عندما استعادت جوليانا وعيها تماما بعد لحظة من التشوش تساءلت خلالها عن مكان وجودها، رأت عيني برونو الرماديتين تحدقان فيها. كانت لديه نظرة شفافة ومشرقة. ابتسم لها بخجل واستدار.
- منذ متى وأنت هنا؟ سألت جوليانا.
- منذ ساعة، أجاب برونو باقتضاب. أنا آسف، أعلم أنك لست مذنبة، لكن ينبغي علي أن أستجوبك، هذا هو الإجراء. أقنعت المدعية العامة برفع تحفظاتها. ولأنها امرأة، لذا فقد كان الأمر سهلا.
- ماذا! صاحت جوليانا. هل أغويتها؟
- لا، قال هوغو. كل ما هنالك أن المرأة أكثر تفهما، كما أنها إحدى زبائنك. لقد أنقذت حياتها أثناء معاناتها من حمل خارج الرحم! هذا ما أخبرتني به. أعتقد أن الصورة قد اتضحت لك الآن.
جوليانا مبتسمة:
- نعم، هكذا أصبحت الأمور أكثر وضوحا! سمعت أنك كنت طبيبا.
- قال برونو: إنها قصة طويلة، لكن إذا كنت هنا، فذلك لأنني أعتقد أنك في خطر ولا أريدك أن تتركي بمفردك. هل لديك أصدقاء يمكنك الإقامة عندهم؟
- سكرتيرتي. ليس لدي عائلة هنا أو في أي مكان آخر. لدي صديق لكنه عميل سري ودائما ما يكون في مهمة. لا، أنا أمزح، إنه محامي، لديه أربعة أطفال كلهم ​​ثرثارون مثله!
همت جوليانا بالجلوس، فاقترب منها برونو ليساعدها.
- شكرا، يمكنني فعل ذلك دون مساعدة، قالت جوليانا. لست مريضة، أنا فقط جائعة وخائفة.
سألها برونو:
- أود أن أسألك: سيد فيراري، هل يعني لك هذا أي شيء؟
- لا شيء بصراحة، قالت جوليانا. رأيت صورته، لكن لا، هذا لا يعني شيئا بالنسبة لي. لا أعتقد أنني قابلته.
- هل تعرفين آيمي ديالو؟
- آيمي؟ قالت جوليانا متفاجئة، فتاة سوداء جميلة جدا؟
- أجل، قال برونو وهو يعرض لها صورتها. تم العثور عليها مقتولة في حديقة بارتولينو.
- هذا لا يصدق! أتت أيمي إلى عيادتي منذ وقت ليس ببعيد من أجل استشارة طبية. لكن أي وحش فعل هذا؟ إنها فتاة رائعة ، لطيفة، كان تفكر في الكثير من المشاريع. إنه أمر فظيع. ولكن لماذا؟ لابد أن عمتها حزينة!
- هل تعرفين عمتها؟
- بالطبع! إنها تعيش في إيطاليا، أما والدتها فتعيش في داكار. والدها شخصية رفيعة للغاية، إنه زعيم قبيلة في داكار، على ما أعتقد. كما تعلم، في مثل هذه العائلات، ينتمي الطفل إلى الجميع تقريبا، خاصة من جهة الأب، والسيدة ديالو التي تعيش هنا، هي عمة أيمي.
- قاطعها برونو: كيف تعرفين عنها كل هذا؟
- لأنني أتحاور مع مرضاي! كما أنني أعرف السنغال جيدا. كنت أعمل طبيبة متطوعة هناك. العمل الإنساني هو الشيء الوحيد الذي يمكن فعله في إفريقيا، لأنها تعاني من نقص في كل شيء.
نظر إليها برونو بإعجاب، لقد ذكرته بشبابه، براشيل حين قالت له ذات يوم: "ما رأيك يا برونو أن نذهب ونعتني بالمهق في توغو؟ إنهم يفتقرون إلى كل شيء ولا أحد يحبهم".
أمسك برونو هاتفه واتصل بلوكا:
- استدع أسرة أيمي، استدع عمتها وأخاها.
قالت جوليانا: - ليس لأيمي أخ، إنها البنت الوحيدة لأبيها وأمها.
- جيد! لا بد لي أن أذهب الآن. شكرا على المعلومات. لقد وضعت شرطيا أمام بابك، وسيرافقك عندما تذهبين عند سكرتيرتك. بعدها سأرسل دورية لحراستك، فلست مطمئنا للوضع. هذا ما قاله برونو، وختمه بابتسامة.
- شكرا لك سيدي.
حين غادر برونو، قال لنفسه:"هذا هو الشيء الذي جعلني أشعر أنني لست على ما يرام في المرة السابقة! إنه الشعور الغريب بالخداع! لم يكونا الأم والأخ. ومع ذلك لم يصححا سوء الفهم. لماذا؟"
كانت سيارة إسعاف في طريق سيارة برونو. ذهب إلى مكتب الإستقبال، وأخرج بطاقته، ووضعها بعنف على المنضدة.
- إن لم تبعدوا سيارة الإسعاف خلال ثلاثين ثانية، سأرفع ضدكم دعوى بتهمة عرقلة تحقيق الشرطة. وصل المسعف ساخرا حاملا فنجانا في يده، وأراد الإدلاء بتعليق، لكنه امتنع عن التعليق عندما قابل نظرة برونو.
قرقرت سيارة الشوفروليه كامارو، وصرخت، ثم انطلقت وسط سحابة خافتة من الدخان.
اتصل برونو بالمدعية العامة:
- أريد أمر تفتيش على الفور لمقر سكن عائلة ديالو.
وأوضح للمدعية العامة أسبابه. قال لنفسه إن النساء أسرع من الرجال! عند وصوله إلى مكتبه، وجد لوكا ينتظره.
- هل من جديد؟ قال برونو.
- خذ كرواسون وسأعد لك كابتشينو. نحن بحاجة إلى القوة في مهنتنا. قال لوكا وهو يبتسم ابتسامة عريضة.
- شكرا لك، رد برونو، وهو جالس. هل تواصلت مع عائلة ديالو؟
- نعم! أجاب لوكا. إنهم ينتظرون في القاعة 6.

13

تمكنت ريتا من دخول السيرفر الخاص بالمستشفى. كانت تبحث بين العاملين في المستشفى عن الشخص الذي اتصل. الغرفة 20 كانت تشغلها النساء الوالدات وأطفالهن الرضع كل يوم.
قامت بتحرير قائمة المرضى وبحثت عن أسماء الأطباء الموجودين في ذلك اليوم. ثم سجلت كل البريد الصادر لذلك الأسبوع والأسبوعين التاليين.
في هذه الأثناء، كان باولو يطبخ صدر بطة بالكونياك ويحمّر الطحال الصغير في دهن البط، يراقب فرنه بعين واحدة أو يحضّر فطيرة التفاح. من وقت لآخر، كان ينظر إلى ريتا وهي تستخدم جهاز الكمبيوتر الخاص به، وتساءل لماذا لم يتزوجها؟ كانا سيشكلان ثنائيا رائعا.
حملت ريتا الملفات والأوراق التي كانت قد طبعتها للتو، وكومتها على أحد جانبي الطاولة، وجلست أمام حاسوب آخر. قرصنت المحضر الخاص بالدكتورة فابيا عندما ضبطت بالكوكايين في الملهى الليلي، وكذلك أرقام بطاقات الائتمان المرسلة من الملهى الليلي. أدخلت اسمي بحث وأطلقت جهازها، ثم استدارت:
- رائحة طعامك تسيل لعابي.
- وظفت كل مهارتي في الطبخ لإعداد الطعام، فلسنا نتعشى كل يوم معا! هل حققت شيئا من التقدم يا قرصانتي؟
- ليس كثيرا. قرصنتي لسيرفر المستشفى لم تأت بجديد. أنا في انتظار نتائج قرصنتي للملهى الليلي. الليلة يا باولو، سنذهب لنبحث في الملفات.
- أنا رهن إشارتك سيدتي!
قالت ريتا لنفسها إنها تحبه، هذا المحتال الكبير، لكن كم كان أحمق عندما لم يعرض عليها الزواج منه!
- لقد اتصلت بجوليانا ثلاث مرات، ولكنها لم تجبني. ليست عادتها. هل تعتقد أنهم قد اعتقلوها؟ سألته ريتا قلقة.
- لا أعرف! قد تكون في بيت أحد أصدقائها.
- عند محاميها السمين، ربما. إنه أفضل صديق لها، لكن هذا لا يمنعها من الرد على الهاتف. جيد! سأرسل لها رسالة.
- هذا ما كنت سأفعله في مكانها! أثناء وجودي مع أعز صديقة لي، قال باولو بصوت عالٍ وهو ينظر إلى ريتا.
أدارت ريتا رأسها بعيدا وشعرت أنها تحمر خجلا مثل فتاة صغيرة. وفجأة رن هاتفها أخيرا.
- إنها جوليانا، قالت مسرورة لباولو.
أخبرتها جوليانا بما جرى لها، وطلبت منها المجيء لأخذها من المصحة، لأنها لا تشعر بالرغبة في العودة إلى المنزل بمفردها، كما أنها أوامر الرائد حنا.
- قالت ريتا أنا في الريف مع باولو، نحن نعمل من أجلك. سأرسل باولو ليأخذك. سيأتي ليصطحبك بسيارتي التوينغو. لا تقلقي، سوف تتعرفين عليه بسهولة.
- شكرا. أنا في انتظاره.
كان باولو جالسا على كرسي بجوار نار الموقد، يفحص الأوراق التي بصقتها الطابعة، مرتديا نظارات ذات حواف سوداء، وقد أنزلها إلى أرنبة أنفه. لقد أعطته هيئة إنجليزية تتناقض بشدة مع الوشوم الموجودة على ذراعيه ورقبته. نظرت إليه ريتا باستمتاع.
- ماذا؟ سأل باولو الذي شعر بنظراتها.
- عليك الذهاب لإحضار جوليانا من المصحة، واصطحابها إلى هنا.
- أوكي سيادة القائد، قال باولو مبتسما.
- احترس من الخنازير، فهناك الكثير منها في هذه المنطقة.
- هل أنت قلقة عليّ يا صغيرتي القرصانة؟
- لا، أنا قلقة على سيارتي!
- توقعت ذلك. ومضى ضاحكا.
تعرفت جوليانا فورا على سيارة ريتا، وتفاجأت برؤية السيارة في يد هذا السائق الذي بدا وكأنه يملأ نصفها من فرط ضخامته.
نزل وقال بعد أن مد إليها يده ليصافحها: مرحبا دكتورة، أنا باولو صديق ريتا.
- أنا سعيدة بمعرفتك، كثيرا ما حدثتني ريتا عنك، وأضافت مداعبة إياه، وعن ما يمكنك القيام به من خلال الكمبيوتر.
ضحك باولو بصوت عال، الأمر الذي طمأن جوليانا أكثر. صعدت إلى السيارة وأقلع باولو بأقصى سرعة. في الطريق، ألقت نظرة سريعة على باولو وحاولت تحديد سنّه. كانت لديه تجاعيد الضحك والقليل من الشيب. كانت يداه كبيرتين وجميلتين، وقويتين. لقد جعلها تشعر بالأمان.
شرح لها باختصار عن البحث الذي قام به وريتا، ثم صمت فجأة، ووضع يده على المناول واستدار بحدة سالكا طريقا ترابية موغلة في الغابة.
- ماذا دهاك؟ قالت جوليانا وجسمها يتأرجح يمنة ويسرة.
- أجاب باولو، هناك من يتبعنا.
- يا إلهي، صرخت جوليانا. نسيت أن أخبرك: وضع لي الرائد حنا مرافقا، إنه يعتقد أنني في خطر!
- هكذا إذن، قال باولو، وقلل من سرعة السيارة باحثا عن مكان للالتفاف. في طريق العودة، وجد نفسه وجها لوجه مع سيارة الشرطي. توقف بجانبها خفض زجاج النافذة وقال له:
- آسف. لم يتم تحذيري.
ثم انطلق في اتجاه المنزل.
كان عليه أن يسلك الطريق الصغير سان جيمينيانو والعثور على المدخل المؤدي إلى المنزل المدفون في سياج من العليق والزعرور. ركن السيارة خلف الخيزران، في حين ركن الشرطي سيارته على جانب الطريق.
- أنتما هنا منذ مدة؟ سألت جوليانا.
- منذ يومين، أجاب باولو. ستندهشين من الفوضى التي أحدثناها في البيت.
ابتسمت جوليانا. لقد توقعت كل شيء من سكرتيرتها الهاكر التي أوكلت إليها مفاتيح جنتها الصغيرة، في الريف.
- حاولت ريتا الإتصال بك لتخبرك أننا هنا، لكن يبدو أنك كنت في مقر الشرطة.
- لا تهتم لهذا، قالت جوليانا. يمكن لريتا أن تأتي إلى هنا متى شاءت. سبق لها أن أمضت بعض الوقت هنا بعد إطلاق سراحها من السجن. لم تكن ترغب في رؤية زوجها. ظننت أنها ستتركه، ولكنها سامحته، عندما أتى وشرع ينتحب في مكتبي. وهكذا عادت إلى منزلها. هل تعرفه؟
- كنا صديقين قبل زواجهما، بعدها، فكرت في أن أضربه، لذا توقفت عن رؤيتهما.
- واو، قالت جوليانا. هل كنت غيورا؟
احمر وجه باولو خجلا.
- لا، على الإطلاق، لكني لم أحب سلوكه مع ريتا. إنها لطيفة للغاية.
- علقت جوليانا ضاحكة: كان ينبغي أن تكون زوجها بدلا منه.
- هذا ما أقوله لنفسي في بعض الأحيان، لكن الوقت قد فات.
وصلا إلى المنزل، وانتاب جوليانا شعوران متباينان: السعادة والحزن، في نفس الوقت الذي شعرت فيه بإرهاق شديد كذلك. رحبت بها ريتا وأخذتها بين ذراعيها.
- اجلسي. ما زلت شديدة الشحوب! ستسترجعين قواك بعد أن تأكلي من فطيرة التفاح. ثم سنقدم لك تقريرا عن كل ما اكتشفناه.
اندهشت جوليانا، حين رأت الغرفة مليئة بأجهزة الكمبيوتر، والطابعات، والكابلات، وأجهزة التوجيه، والأوراق. بعد أن رأت ريتا انزعاجها، قامت بجمع الأوراق ووضعتها على مقعد كبير بجانب المدفأة. جلست جوليانا دون أن تنبس ببنت شفة، مثل شخص طلب منه القيام بمهمة مستحيلة، ولكن عند وصول الكعكة الذهبية والمكرملة، شعرت وكأنها فتاة صغيرة مدللة مرة أخرى.
بعد العشاء، غادرت ريتا وباولو بحجة شراء السجائر. مر باولو بشارع باردي ثم توقف، وأخرج من حقيبة صغيرة جهازا تمكن بواسطته من فتح البوابة الكهربائية لموقف السيارات المجاور لمنزل جوليانا. بمجرد أن فتح الباب، دخل وريتا، وركن السيارة على طول الجدار الخلفي للمنزل. وبعد نظرة إلى اليمين وأخرى إلى اليسار، ارتقيا سطح السيارة وتسلقا الحائط، متشبثين بالويستارية التي كانت تنمو هناك بطريقة غزيرة والتي لم ترغب جوليانا في قطعها.
نزل باولو أولا واستقبل ريتا بين ذراعيه. بعد فترة وجيزة، دخل كلاهما إلى الجانب الخاص من المنزل ونزلا إلى القبو، في الخزنة.
أعجب باولو بالجو الجاف والمتحكم فيه لهذه الغرفة الصغيرة. كان باقي القبو ينفث الرطوبة والنبيذ منذ أن كسرت فيه جوليانا زجاجة من النبيذ الأحمر.
باشرت ريتا البحث. قبل أن تتم حوسبت الملفات، كانت الملفات مصنوعة من الورق وتم تخزينها في صناديق معدنية مثل الأدراج الصغيرة. تم ترتيبها حسب التسلسل الأبجدي. بحثت عن فيراري، ولم تجد ملفا بهذا الإسم.
- ما كان لقب السيدة فيراري قبل زواجها؟ سألت باولو.
- انتظري، سوف أرى.
فتح جهاز الآي باد الخاص به، وأدخل بعض البيانات، شتم مرة أو مرتين، ثم همس لها:
- ريزو.
- نعم! قالت ريتا، أنظر، لقد وجدتها. كانت آخر استشارة طبية منذ أكثر من ثلاثة عشر عاما. أطفأت مصباح الغرفة، وأغلقت الباب، وصعد كلاهما من القبو. بدا تسلق الجدار من داخل حديقة جوليانا أسهل بسبب السلم الخشبي الموجود هناك،
صعداه، ثم تسلقا جزءا يسيرا من الجدار، وقفزا على سطح السيارة، ثم انطلقا بها دون أن يرهم أحد.
- أحسنت يا قرصانتي، قال لها باولو. وغني عن القول، أنه برفقتك لا يشعر المرء بالملل!
- هناك أمر غريب يا باولو! إن الإستشارة الطبية لسيسيليا، كانت في عام 2000 بلقبها قبل الزواج: كانت حاملا، لكنها لم ترغب في الإستمرار في الحمل! رغم أنه لم يكن لديها أطفال. ومع هذا، فإن زوجها يلعب دور الثكلى: ألا تجد هذا غريبا؟ لقد أتت مرة واحدة إلى عيادة جوليانا.
- أنت تعلمين، أنني لست على دراية بطريقة تفكير النساء وسلوكهن.
- لم تكن علاقتها بزوجها على ما يرام، أنا متأكدة من هذا، قالت ريتا. اسمح لي أن أفكر عني وعنك. لابد أنها حملت من شخص آخر، هذا كل شيء. لم تكن تريد أن تؤذي زوجها الحنون والعقيم. لا أرى سببا غير هذا، فليس لديها تاريخ طبي يمكن أن يجعل الحمل خطيرا.
- هل تعتقدين أن الزوج علم بذلك؟
- لا علم لي بهذا. لم تتم الإشارة إليه في الملف!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال