الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدبية الكتابة في -بعيدا عن استعراض المنصة، شاهد إثبات- محمد جابر

رائد الحواري

2023 / 3 / 29
الادب والفن


هذا الكتاب له ميزة لا نجدها في بقية الكتب، فهو يقدم الحالة الفلسطينية، التاريخية والسياسية بطريقة جديدة، فلا يجد القارئ تواريخ متسلسلة أو واضحة ولا حتى أسماء شخصيات، لكن الفكرة والمرحلة والشخصية والموقف السياسي يصل إلى القارئ، والجميل في التقديم أن الكاتب يستخدم أكثر من شكل أدبي، فهناك السخرية، التهكم، الرمزية، الواقعية، والفانتازيا، وحتى نجد نبوءة/استشرف الكاتب بما سيؤول عليه الحال الفلسطيني من انقسام، كل هذا يجعلنا نتوقف عند ما جاء فيه.
في بداية كل موضوع كانت هناك مقدمة مكتوبة بخط صغير، يتميز عما يُراد تقديمه، وهذا (المقدمات/الفاتحات تعد بحد ذاتها إبداعا وتألقا للطريقة الأدبية التي قدمت بها: "لا تطيعوا أستاذ الجغرافيا، كسروا أقلام الألوان خاصتكم كلما عجزتم أن تعيدوا خطوط قزح العتيق.
لا تغادروا الدرس، ولكن لا تلتزموا بتقاليد الحديثة الساكنة، فلم يعد لكم من أرض تبنون عليها أحلامكم" ص11، بهذا الشكل الأدبي جاءت فاتحة كل باب في الكتاب، وإذا علمنا أن هناك ثلاثة وعشرون بابا في الكتاب نعلم حجم الجمال الكامن فيه، فالمقطع السابق يحمل الفكرة العميق والتي تصل إلى الحكمة، وبما أنها جاءت بشكل رمزي فهذا منحها جمالا استثنائيا.
يتحدث الكاتب عن تقسيم فلسطين وكيف أن هذا التقسيم ظلم الفلسطيني بعد أن سحبت أرضه منه: "لم تكن هناك مستعمرات، أو أماكن كثيرة أصبحت ممنوعة علينا، وأصبحت هناك تقطيعات تعيق انطلاقنا في هذا الحيز أو ذلك" ص12، بهذا الشكل أوصل الكاتب كيف أن أرض الفلسطيني تقتطع وتتقلص وتصغر حتى أنه لم يجد تلك الأماكن/الأرض التي كانت يعبرها/يعمرها/يراها.
وعن الجيش العربية وحالها يقول: "... وهو نفسه الذي احتج على تحريك ألف بندقية خاوية في استعراض أحمق من دون ذخيرة في مواجهة مع الآخر" ص13، وبعد إقامة دولة الاحتلال نجد حال الفلسطيني بهذه الصورة: "غاب الوالد إلى جغرافيا أخرى، وبقى الجد عوضا لنا، لنكتشف لعبة الضفاف وأن هناك ضفة شرقية وأخرى غربية، وأن الحد الفاصل جسر خشبي اكتظ بهموم العائلات المشتتة والمنشغلة بالتقليد الجديد.. تصريح سفر" ص13، من خلال هذه المشهد يمكن للتلقي أن يعرف ما جرى في أرض فلسطين وما تعرض له الفلسطيني من ويلات بعد أن أجبر على ترك وطنه.
من المقدمات اللافتة هذا المقطع: "ما فيش سجناء سياسيين، في شرا.. سياسيين" ص15، فالكاتب هنا يتجاوز المرحلة/الزمن الذي كتب به الفقرة، ليمتد إلى المستقبل وليصل إلى هذه الساعة، فهذا حالنا في الماضي وما زلنا نعيشه حتى الآن.
وعما عاناه ويعانيه الفلسطيني منذ أيام الأتراك مرورا بالاستعمار الإنجليزي ووصولا إلى دولة الاحتلال وحتى اللحظة يقول: "لكننا لم نتقن بعد فكرة الاجتماع الآمن من دون فراق أو سفر أو اعتقال مشمول بالتعسف والإجبار على تبني خيارنا القاسي" ص15، ويصف حال أطفالنا وحالنا في ظل الاحتلال بقوله: "من حق أطفالنا أن يحلموا بمدرسة غير مستهدفة للقصف والرصاص الدمدم، ...وأننا كبرنا لنرى هذا الاحتلال البغيض ما زال جاثما بالغصب على صدورنا وأرزاقنا وأحلامنا التي تحولت إلى كوابيس امتدت بارقها.. وبارق أربعين عاما من الحياة الحافلة ب.. فواتير الوجع وقد نكتشف أن الاحتلال قد سرق منا الكثير وتسلل إلى زوايا فكرتنا في المواجهة" ص16.
وفي مقدمة أخرى يختزل التجربة النضالية الفلسطينية بهذه التفاصيل: "رفضنا أن نكون خرافا... القائد الجهبذ، وسائق الحافلة، وبائع الخضار، والجزار... وكل أغنياء الحرب الذين قيمونا بالمنفعة الرقمية المحضة لتصب في رصيدهم المزيف.... لكن عقابنا سيجث بضمير الغائب عندما بنينا مؤسسة الشخص الواحد، والرصيد الواحد.. وأن لا رقم يعلو إلى مستوى نباهة وسطوة صاحب الصولجان" ص18، هذا الكلام كان ومازال يمثل واقعنا، من أيام المفتي وحتى محمود عباس، وطبعا ينطبق على بقية الفصائل والتنظيمات، الكل يتعامل بهذا المنطق.
وبعد احتلال كامل فلسطين أصبح حال الفلسطيني مشتت، فابن الضفة الشرقية لا يستطيع التلاقي بأهله في الضفة الغربية، وهذا ما زاد الوجع عليه: "شهود العيان لم يجزموا وقتها مصير الأسرة الموزعة على ضفتين، وحلما واحدا هو الوطن.... وقد ثبت بالدليل القاطع أنه ليس لنا غير هذا الوطن" ص20، فهنا يشير إلى الكاتب إلى معاناة الفلسطيني في الشتات، وكيف تم التعامل معه في الأقطار العربية، الأردن، لبنان، وبقية الدول العربية التي اعتبرت الفلسطيني كائن زائد عن الحاجة ولا مكان له فيها.
وعن طريقة تأبين الشهداء وكيف يتم التعامل مع أهله يطرح هذا السؤال: "... والثائر يسأل لماذا لا يتم الإعلان عن تدريب عشرة أفراد من ذوي الشهيد على استخدام السلاح حتى يكون هناك رادع للآخر من المضي في إجرامه الدموي...أن الثورة بحاجة إلى مراجعة مكونات شبابها ودفقها حتى تكون عنوان كل المريدين" ص24، هذا السؤال والاقتراح يعد حكمة لكل ثورة في العالم، لكن "الجهبذ الوحيد" يلغي السؤال ويحظر/يمنع الاقتراح!.
الملاحقة الأمنة التي تعرض لها الفلسطيني يقدمها بهذا الشكل: "أستذكر الجريدة، يذكر أن أسمها (المنار) كان المد الناصري يؤثر في المناخ العام وينتشر كأنه الهواء بعيد بهجة الشراع وتظاهرات البحر، لم ينس تلك (اللطمة) الحادة التي صوبها لوجهة مسؤول المخابرات العامة في ذلك الحين، كانت تهمته أنه يسوق الجريدة ويمتلك صوت بائع يصيح: أول صورة لعبد الناصر، أول خطاب لعبد الناصر، كان ذلك في عام 1957، ...الوالد ينجو من أول حكم بالإعدام بتهمة التسلل إلى بيته لإحضار بعض الغذاء، خاصة أنهمم كانوا يتوقعون عودة سريعة إلى فناء دارهم الواسع" ص31، في هذه المقطع نجد صورة القمع التي تعرض لها الفلسطيني وكل من أيد عبد الناصر، وأيضا صورة الخداع التي مارسها النظام الرسمي العربي عندما قال للفلسطيني أن خروجه من بيته سيكون لأيام فقط.
ويصف حالنا بعد أوسلو قائلا: " إن الاحتلال ظل ماثلا في مرمي بصرنا ولم يغادرنا قط.. فخدعنا أنفسننا في تفاصيل هامشية تداعب بتقلبات الأسماء والرتب وألوان العلم دسناها بعهر الولاء لتجار الغنائم" ص42، ويؤكد فشل أوسلو وعقمه علينا بهذه الصورة: "الأسماء والمفاهيم والقيم تبقى كلها مجرد تشكيلات حروف جوفاء عندما تكتبها بالطباشير من دون مواد مثبتة أو حافظة" ص44، نلاحظ أن الرمزية حاضرة في هذا المقطع، والفكرة ممتدة منذ أن التعامل (قادتنا) مع الاحتلال الإنجليزي وحتى أوسلو وما جرى بعده من لقاءات وتفاهمات.
أما الواقع الرسمي العربي وطريقة تعامله مع الضحية الفلسطيني فيقدمها بهذا الشكل: "اكتظاظ فوق العادة في غرف الإنعاش، وتوجيه رسالة عاجلة إلى مجلس الجامعة العربية الموقر، الذي ربما يتبرع ب.. طن واحد فقط من القطن الأبيض دعم لجراح فلسطين" ص50، بهذه السخرية والرمزية استطاع الكاتب تقديم صورة الألم/الوجع الفلسطيني، ومبينا عقم الحالة الرسمية العربية.
وعندما يقيم أوسلو يتحدث عنه بلغة أستاذ اللغة العربية: "أعتبر الأملاء ليست أزمتنا الوحيدة، لكن المصيبة أن تصير للكلمات مدلولات جديد" ص61، "أخفقنا في الإملاء وفي الصرف.. وفعل المضارع ومستمرين في إسقاطنا لهذه الجزئية أو تلك" ص62، وهذا ما يعطي الكتاب جمالية أدبية وفكرية، فالكاتب استطاع أن يجمع ما بين جمالية الأدب وما بين عمق الفكرة التي قدمها بعيدا عن المباشرة والصوت العالي، فأوصل فكرته المؤلمة وأقنعنا بها بعد أن فكرنا بها واستيقظنا من غفوتنا/سكرتنا.
وعن استشراق المستقبل يقول في أحدى مقدمات: "انقسمت القبيلة إلى فريقين فريق المتعاطفين والمتورطين، وانبثق فريق المعارضين" ص94، رغم أن الكتاب صدار في عام 2003، إلا أن الكاتب استطاع أن يستكشف ما سيكون عليه حالنا بعد عام 2006 والذي ما زلنا نعاني منه، فها هو الانقسام الفلسطيني يقترب من العشرين عاما وما زال كل طرف يدعي أنه صاحب مشروع وحدوي/وطني/قومي/إسلامي، لكن على أرض الواقع لا نرى إلا مزيدا من الانعزال والتفرقة والابتعاد، والمواطن في النهاية هو من يدفع الثمن وليست (القيادة) التي تعيش في فلل وفي فنادق خمس نجوم.
الكتاب من منشورات مؤسسة باب الواد للإعلام، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2003.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع