الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رحيل الاخ الصديق ابراهيم الحريري

لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)

2023 / 3 / 30
سيرة ذاتية


ينتمي الاستاذ ابراهيم الحريري ،ابو فادي، لجيل الوطنيين العراقيين الذين كونت الحياة ثقافتهم ، واثرت تجاربها في تكوين مفاهيمهم فيها وانحيازهم لمفاهيم العدالة والحرية والتقدم والتمرد على الرجعية بكل اشكالها الاجتماعية اوالدينية او القومية ،هي دفعتهم للتعرف والقراءة والاطلاع على الثقافة الانسانية وانحازوا للتحرر وللماركسية تحديدا كونهم وجدوا الغليل فيها وامنوا بها كونهم يؤمنون انه فيها سبيلا لضرب الرجعية وسبيلا لتحقيق الحرية والعدالة ونصرة القضية الوطنية العراقية. وفي حياتي تعرفت على العديد مثل ابو فادي ، صنعتهم الحياة نفسها وليست المعاهد الاكاديمية.
تعرفت على ابراهيم في شهر شباط عام 1991 ومن خلال مكالمة هاتفية لابداء التضامن معه في الاضراب عن الطعام ضد قصف قوات التحالف للمدن العراقية ،ثم تحول الاضراب للمطالبة بحماية المنتفضين خلال انتفاضة اذار عام 1991 وكنا نتهاتف يوميا تقريبا، وانا اعمل في غابة غرب اوتاوا اسمها جوك ريفر في مركز بحوث تابع لوكالة الطاقة الذرية الكندية ، ومن هذه الغابة اتصل معه واخرين في تورنتو واوتاوا نتداول الاخبار وكيف لنا برفع صوت جاليتنا في كندا لنصرة الانتفاضة ودفع التحالف لحمايتهم للقضاء على الجلاد، ولم التق بابراهيم شخصيا الا بعد ثلاثة اشهر بعد قراري بالاستقالة من عملي والانتقال الى تورونتو في حزيران عام 1991، حيث تكونت مجموعة جيدة من مثقفي جاليتنا وبدأنا العمل في مركز الجمعية العراقية الكندية في تجميع طاقاتنا وتكوين لوبي وطني عراقي استطاع انجازوخلال سنوات حضور متميز لدى المجتمع والحكومة الكندية واستطعنا الوصول لعشرات النواب الكنديين وحتى العديد من اعضاء مجلس الشيوخ الاميركي موضحين وطالبين حماية شعبنا من انتقام الديكتاتور ونصرة الشعب العراقي للتخلص منهةبدلا من فرض حصار اقتصادي يؤذي الشعب ولا يمس الجلاد، اي بقلب المعادلة، او ما كانوا يدعونه زمن اولبرايت سياسة الاحتواء المتبادل ،اي ابقاء صدام ضعيفا ككلب حراسة امام اية الله واضعاف كليهما، واضعين الشعب العراقي ليكون ضحية ، هو الذي يدفع الثمن من تجويع وتشريد ، ولم نستطع قلب المعادلة ودفعهم لتبني التخلص من الديكتاتور الا بعد سنوات بجهود طائلة .بذلناها نحن الوطنين العراقيين في كندا او في الولايات المتحدة خصوصا بجهود الدكتور احمد الجلبي والدكتور كنعان مكية والسيدة رند الرحيم وغيرهم وتجلى باصدار قانون تحرير العراق من الكونغرس عام 1998وتخفيف الحصار عن الشعب ودفعهم لتبني التخلص من الديكتاتور بدل حصار الشعب العراقي وتجويعه.
كان ابو فادي خلال التسعينات مثل الدينامو يدفع الجميع ويتابع الجميع لمتابعة قضية لاجئي رفحا وتمكنا اخيرا بدفع وزارة الهجرة الكندية والامريكية لزيارتهم وتبني جلب اغلبهم، قرابة 25 الف منهم لكندا واميركا من مجموعى ثلاثين الفا، واستصدرنا منهم ايضا قرار القبول الفوري لطلبات اللجوء من العراقيين في حالة تبنينا لاستقبالهم. وفي مرات عديدة يتصل بي ابو فادي الساعة الثانية او الثالثة بعد منتصف الليل ان عائلة عراقية وصلت ودبر لهم شقة فارغة ويطلب بطانيات ومخاديد وادوات منزل ، ويحضر بسيارة مع اي من الدكتور حسن العطار اوالدكتور هيثم الحسني اوالاخ حسن مشكور واخرين من ناشطي جليتنا يجمعون ما يستطيعون. " ، وحتى استجرنا شقة واثثناها فيما بعد لاستقبال اللاجئين،و كنا في كل عدة ايام نجمع من كل منا 100 دولار ونعطيها لابو فادي لتغطية احتياجات العوائل او الافراد من قدموا للجوء لكندا لمدة يومين او ثلاثة ليتسنى للسلطات اكما معاملتهم والتكفل بمصروفهم، وكان ابو فادي هو المنظم الفعلي على الارض للقيام بامورهم خلال هذه الايام القليلة ونحن نساعده . ولكن اذكر قبل استئجار شقة خاصة، اتصل ابو فادي ليلا وكانت اخر عائلة وصلت مساء ذلك اليوم وزارني بشبحهه الليلي يجمع مايتمكن لوصول عائلة مع طفلين . ذهب اليهم معه محملين ببطانيات وملابس وجمعنا 300 دولار مصرف ورجعنا للنوم . وكالعادة قام ابو فادي باعانتهم خلال الايام الاولى بما فيها توفير الوجبات لهم والقيام بالمراجعات ، ولم نسمعه يشتكي يوما . فاجئنا يومها ورأيناه زعلانا ومشتكيا " بالله شايفين هيج ناس؟ سالناه مالموضوع ابو فادي ؟ اجاب انه جلب لهذه العائلة ثلاثة وجبات في اليوم الاول وملأ الثلاجة بالمواد الغذائية ، وفي اليوم التالي لم يحضر الغداء كون في الثلاجة كل مايريدون للطبخ ، وعندما جلب لهم وجبة حارة للعشاء اخذ ابو العائلة يوجه له اتهامات " اي، تاخذون فلوس من الحكومة الكندية وتبلعوها " ورفض توضيح ابو فادي "هاي كلها من تبرعات وجهود جماعتنا العراقيين حتى يدعموكم، ليش تنكرون الجميل " . "ابو فادي انت مو تقول ان المناضل لا ينتظر شكرا من احد؟ واجاب بروحهه الفكاهية الحاضرة دوما داخله ومعه " لا أخي هاي المقولة غلط " ، " ومالصحيحة ؟، "المناضل حتى لو ينضرب بالقندرة يبقى مناضل " ، شلون يصير ابو فادي ؟، ويجيب " لعد مدا تشوف امامك " مشيرا الى نفسه . نضحك معه وكلنا يعلم ان الامر فعلا مسألة داخلية وقرار داخلي وموقف رغم القمع من السلطات ونكران الجميل من الحثالات.
في المجال الثقافي كان ابو فادي دينامو ايضا. كنا ننظم في جمعيتنا اسبوعيا امسيات ثقافية واجتماعية ونجمع منها بنفس الوقت مبلغ يصل الى قرابة الف او الفي دولار شهريا، وكان ابوفادي يستخدمها لدعوة شخصيات ثقافية عراقية وعربية جمعت كل الجاليات العربية حولنا وكسبنا مؤازرتها ضد النظام الصدامي. قام بالاتصال ونظم دعوات وزيارة لتورونتو لشخصيات ثقافية بارزة واقام الندوات للشاعر مظفر النواب، بلند الحيدري، عبد المعطي حجازي وغيرهم الكثيرين ومنه اصبحت الجالية العراقية مركز الثقل الثقافي والسياسي لكل الجالية العربية ويحضرون بالمئات لفعالياتنا في التسعينيات.
استطعنا كمستقلين تكوين هيئة التنسيق بين الفعاليات العراقية وجمعنا الجميع من لايجتمع الشيوعيين والدعوة الاسلامية ، البارتي والاتحاد الوطني مع التركمان ، الاشوريين والكلدان ، لتكوين لوبي ضاغط على الحكومتين الكندية والامريكية لصالح قضية شعبنا للتخلص من الديكتاتورية ، وكان ابو فادي دوما نشيطا في جمعيتنا المستقلة التي تقود هذه الهيئة وتنظم اعمالها وفعالياتها. والامر الذي فاجئني اول مرة التقيه بعد كندا عام 2014 في بغداد انه دعاني للقاءه في جريدة الحزب الشيوعي طريق الشعب في مقرها على ابو نؤاس ، قلت له " ابو فادي طوال سنوات كندا كنت اعتقد انت مثلنا مستقل ، اثاري طلعت شيوعي ؟ اجابني " مولانا يمكنك اعتباري هم شيوعي وهم مستقل ، شنو رأيك" فضحكت وقلت له " فعلا ، والا كيف افسر عشر سنوات نعمل معا في كندا ولم يخطر في ذهني يوما غير انه مستقل حقا في طرح افكاره ومشاريعه، انه ذو ثقافة حياتية جعلت منه متفتحا ومنه اللقاء وطنيا مع المستقلين الوطنيين الكثر من امثالي في تورونتو.
كنت التقيت امثال ابو فادي من كونت الحياة منهم مثقفين ووطنيين وغيورين، ليس اخرهم الصديق العزيز صباح بطناية في سان دياكو عندما انتقلت لها عام 1997 للعمل في جامعتها. كان صباح قد عمل صحفيا لجريدة الملاعب ثم الجمهورية في بغداد ، وهرب من النظام الصدامي لاميركا، وفتح مطعم بيتزا ، وكان يصرف ارباحه على اصدار مجلة ثقافية " المنبر الثقافي" ، يدفع بنا للكتابة فيها ويطبع خمسمائة نسخة كل شهرين يوزعها علينا وعلى الجالية مجانا . " دكتور بلكي تحجي وية صباح هالشهر ما دفعنا قسط العقاري لان الاخ طبع المجلة بدل العقاري ؟ قالت لي مرة زوجته " ما ينفع ، صباح مو من النوع المنفعي ، ومع هذا ساتكلم معه" ، وكان هو نفسه صباح من اكبر الممولين لنشاطات وندوات "منظمة المجتمع المدني العراقي " التي اسسناها في سان دياكوعام 1999، ومنها ندوات تكلف الاف الدولارات لاعضاء في مجلس الشيوخ الاميركي او لدعوة سياسيين وطنيين عراقيين مثل الدكتور الجلبي او كنعان مكية ومفكرين وسياسيين عراقيين من اوربا كنا نمولها بطاقاتنا الداخلية. وتوفي صباح قبل خمسة سنوات ودفناه بدموع حارة ، واليوم ابو فادي، تماما مثله نجوما وطنية صنعت ثقافتها الحياة وفهم معناها والموقف منها ، وكلاهما صاغ ثقافته من ثقافة الحياة وانحيازه لقضاياها الضميرية العالية.
التقيت بامثالهم وانا في مطلع شبابي كان منهم ، ابو عدنان، الذي كان يدرب فريقنا لكرة القدم ونحن بسن 16 عاما او اقل واوصلنا لنيل لبطولة بغداد للفرق الناشة في ساحة العوينة وانتصرنا على فريق النجاح الذي كان يقوده اللاعب المحترف صاحب خزعل . كان ابو عدنان كردي فويلي واضح من لهجته وهو بالاصل من خانقين ، ويعمل اسطة براتب سخي في معمل احذية الشرق المشهور بتصدير احذيته الراقية الى انكلترا في الستينات، وتعلم القراءة والكتابة كما اخبرنا يوما في دورة لمحو الامية عام 1959 ، ثم تابع المسائية وحتى بدأ بقراءة الكتب والروايات، وكان يفتخر انه قرأ رواية الام لمكسيم غوركي ، وحتى سمى ابنه " بافل " حينما تزوج بعد اعوام من معلمة مثقفة تيمنا باسم بطل رواية الام. كان يتبرع باغلب مرتبه لتغطية كل مايحتاجه فريقنا من اناقة كانت تبهر الجميع ووكأننا فريق انكليزي وليس عراقي، وجعلنا شبه محترفين صغار ، يجبرنا ان نركض يوميا ساعتين في حر تموز " تغلبوهم بالفيتنس ، هم اكثر تجربة منكم ولكنكم اقوى منهم لانكم لاتتعبون مثلهم " .كان يستخدم علب الشخاط لتوضيح خططه ، وكان يأتي واحدا من المنطقة يداعبه " ابو عدنان احنا من منطقة برجوازية وكل هذولة الولد من عوائل برجوازية ، وفريق النجاح من مدينة الحرية ، يعني بروليتاريا ، شلون اتريد ننتصر عليهم؟ يجيبه ابو عدنان " لا احنا كلنا وطنيين ". بعد مجيئ البعثيين عام 1968 هاجم الامن مقر فريقنا وهددوا صاحب المقهى باغلاقه ، وفعلا توقف الفريق بتهمة ان ابو عدنان شيوعي . في عام 1973 كتب لي صديقي رسالة وانا ادرس في الخارج ان الامن قد اغتال ابو عدنان في ساحة الميدان وادعوا انها مسالة عشائرية عندما تجمع الناس دون ان يعرفه احد . يومها بكيت بحرارة لم ابكيها طول حياتي ، وهي نفس تلك الدموع الحارة التي خرجت على هؤلاء النجوم الناس البسطاء الذين صنعتهم الثقافة الضميرية للحياة ، وهم في العراق بالمئات وحتى الالوف من دمرهم واغتالهم رجال الامن الصدامي البعثي ، كل منا يعرف بعضا منهم ، ولهم جميعا محبتنا الابدية ، انهم ابطال ونجوم مدرسة الحياة .
د. لبيب سلطان
29/03/2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قرر #الجولاني الظهور على CNN للحديث عما يجري في سوريا؟


.. قيادي في فصائل المعارضة يدعو كبار ضباط الجيش السوري إلى الان




.. مع ارتفاع وتيرة التنكيل .. معسكرات إسرائيلية جديدة لاحتجاز م


.. عبر الخريطة التفاعلية.. الجزيرة تحصل على صور أقمار صناعية تظ




.. الاتجاه المعاكس | ما الذي يحدث في سوريا؟