الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر التونسي القدير د. طاهر مشي..والناقد محمد المحسن وجهًا لوجه

محمد المحسن
كاتب

2023 / 3 / 31
الادب والفن


-الشّعر هي حالة روحيّةصوفيّة انصهاريّة، نعبر عنها بالطريقة التي تفرض نفسها علينا
– الشعر في مجمله يجمعنا؛ وإن فرقتنا الحدود.
– الشِّعرُ يحاولُ المرورَ بينَ مُتعاركاتِ الشَّيءِ وضدِّهِ مُنتصرًا للحريَّةِ والجمالِ والحبِّ وإِنسانيَّةِ الإِنسانِ.
-الشاعر النّاجح هو الذي يكون الشّعر من صميم دمه وخلاياه،فهو يتنفّس الشّعر،ويخلص له من خلال تطويره أساليبه من لغة وصورة وحدس.
يقود هذا الحوارُ اللغة إلى سفر شيّق يَهَبُ خصوبته للمتلقي بوصفه شهادة حسن النية في مصاحبة القصيدة لأسرارها الخبيئة بطيبوبةٍ نادرةٍ، كما تحكمه الشساعة في طرح قضايا إبداعية وجمالية وتخيّلية متعلقة بالإبداع والترجمة، وزمن الكتابة، والذكريات العتيقة مع طفولة أول قصيدة طريّة في بهو الذاكرة محكومة بدهشة الحنين والفرح الصغير الذي يتساقط من فردوس الغبطة مبتهجًا بمحبته الأنيقة.
في كل مرة كنت أظن أني أربكه أو أسيّجه بأسئلة عصيّة، فيخرج منتصرًا بأناقة لغته من شقوق سرية يعرف أبوابها وحده فقط، وكأنه يُضاعف اختراق متخيّله بفاعلية متوهجة بحنين لا يضل طريقه نحو الينابيع ارتواءً للمجهول واللايقين، وخصوبة ضد المحو والنسيان المكثف. لا هدنة مع الحوار عندما تكون الأسئلة فِخَاخًا والأجوبة مكائد.
غنى في المتخيل والرؤية والحدس والذاكرة التي تتسم بها إجابات الشاعر والكاتب التونسي د-طاهر مشي.
في هذا الحوار العميق،الشيق،الثري،الذي ينفتح على أسئلة القصيدة بممكناتها التخيّلية وخياراتها الإبداعية والجمالية لتأسيس شروط وجودها في الذات كما في الكون،وهاجس انتسابها لحركية الإبداع أفقًا لتخصيب ملامح اللغة. إنه الذهاب إلى ضفاف القلب بيُتم المعنى، وتخوم الجسد بلغة تهيّجها الذاكرة الاسترجاعية من رحم زمن فَر سريعًا كبرق خاطفٍ.
هو حوار في اللغة وبها مع شاعر خبر أهوال المخاطرة في جُب القصيدة، متشردًا بأناقة هنا وهناك في فلوات المعنى، صَاحَبَ فتنة اللغة الشعرية منذ عقود منتشيًا بالكلمة العميقة، منقبًا، جوالاً،منعزلاً،مندهشًا،منفجرًا،هادئًا،وديعًا،صاخبًا،ضاجًّا بالحياة،مشاكسًا،مستسلمًا لنداء الشعر وأقاصيه الرحبة والرحيبة المتيمة بسؤال المحبة والإنصات والتواضع.
حوار يتجسس بعمق على المناطق الخفية للشاعر، لا يُقدم أسئلة بقدر ما يثير أسئلة في الوجود والكتابة والشعر واللغة مبتهجًا بعينٍ لاقطةٍ في تجذير سؤال الإبداع بما هو دخول طري، ندي، طازج،عذب،نيئ،في المجهول واللايقين واللامفكر فيه، حيث البحث عن مواطن الجمال في خرائط المتخيل قضية أساسية يستعذبها أفق جمالية التلقي ويستلذها.
ملزم أنت باستثمار غني وذكي وعميق للأسئلة استعدادًا لِمَكْرِ الأجوبة، وخِبرتها في ترويض الألغام المدسوسة في خيمة اللغة. المُحَاوِرُ يشحذ ذخيرته باستمرار للحرب القادمة، والمُحَاوَرُ يسترد أنفاسه كاملة تحسبًا لهجوم مبكر على مواقعه الآمنة دائمًا، بين الكرّ والفرّ تؤسس لغة الحوار خصوبتها غير عابئة بحروب تدور هنا، أوهناك، في غفلة من دهشة حلمها بتجديد علائقها بالوجود والذات والكون، وكأنها المنذورة لاستقطاب حدس الاستشراف المشرق بابتهاج المعنى العاري،النقي،الدافئ كحضن امرأة لا تأتي في الموعد المحدد لاستكمال ألق أنوثتها.
هي مقدمة لا تريد توجيهًا مسبقًا للقراءة بقدر ما هي تحريض العين لقراءة الكتاب بضوء القلب،فالقلب دليل الإنسان بقوة بصره وبصيرته في ارتياد المجهول،واكتشاف الألغاز والأسرار، وهو حوار له غبطة التجسس على مغارة آهلة بالعجائب والغرائب،ومتعة التلصص على كهف تأوي إليه الجميلات خوفًا من حزم ودهاء شهريار.
لحظاتٌ شرسةٌ ومحبَّبةٌ في آنٍ
* درجة الوعي عند الشاعر بخطورة الانتساب بصدق للقصيدة،يجعله يتهيب للسفر في مجهولها.كيف يستطيع الشاعر أن يتّق شراسة المصافحة الأولى مع النص لحظة الكتابة؟
– كلُّ وَقتِ/ أَوقاتِ كتابةِ القصيدةِ لحظاتٌ شرِسةٌ تنهشُ في الشَّاعرِ كلَّ شيءٍ. إِنَّها تحمِلُه إِلى أَراضٍ جديدةٍ، ومُناخٍ مُغايرٍ كلَّ مرَّةٍ. هيَ لا تشبَعُ من إِنهاكِ شاعرِها كلَّما مارَستْهُ بَدءًا منَ اسْتلقائِها ورقةً بيضاءَ مُغوِيةً، وحتَّى امتلائِها بما يشبِهُ التَّخطيطَ الأَوَّليَّ للَوحةٍ سِرياليَّةٍ.
هيَ، أَيضًا، وقتُ/ أَوقاتُ حبٍّ بينَها وبينَهُ حينَ يُوافِقُهما اللِّقاءُ، ويختلِفانِ فيهِ على بعضهِما، في بعضِهِما،حدَّ الامتزاجِ الذي لا يُمَكِّنكَ من مَعرفةِ الشِّعرِ منَ الشَّاعرِ.
نوافذُ عاليةٌ من ضبابٍ يابسٍ
*ما هو الباب الذي تفتحه القصيدة لك سريعًا عند لقائك بها في مُنحدر اللغة؛ باب الطفولة، باب الحنين،باب الحب،باب النسيان،باب المرأة،باب المكان،باب الأم،باب الدهشة،باب الذكرى،باب الوجع،باب الأمل...وللشاعر في أبوابه أسرار وألغاز؟
– أَوَّلاً : ليتَهُ منحدَرٌ،بل هوَ صعودٌ ("كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ"- القرآنُ الكريمُ).
ثانيًا : ما من بابٍ محدَّدٍ،لأَنَّ القصيدةَ لا أَبوابَ لها، بل توجَدُ نوافذُ عاليةٌ ذاتُ إِطاراتٍ من ضبابٍ يابسٍ،والشَّاعرُ في غُرفةٍ محاطًا بجُدرانِ الوَحدةِ، والعزلةِ،واليأْسِ.
إِنَّهُ يُريدُ أَن يطيرَ خارجَها،تحملُه جوانحُ قصيدتِه نحوَ آفاقِ الحبِّ والفرحِ والدَّهشةِ والمتعةِ و...،التي يجبُ أَن تحقِّقَها القصيدةُ، وصولاً إِلى إِحساسِكَ بالشِّعرِ أَنَّهُ "مثلُ الوقوفِ على حافَّةِ بحيرةٍ يغمرُكَ عندَها نورُ القمرِ طوالَ الوقتِ"، كما أَحسَّهُ (كولينز).
القصيدةُ الضَّيفُ
* من المحو نكتشف مجهول الكتابة،وعمق المخاطرة مع ضيافة القصيدة،من الذي يكون ضيفًا على الآخر القصيدة أم الشاعر؟ أم كلاهما في ضيافة متعة تفتك بتكهنات عرّافة؟
– هيَ مَن تأْتِي لِتحلَّ ضيفةً على الشَّاعرِ، وعليهِ أَن يكونَ حاضرًا وجاهزًا لها، لأَنَّها لا تحبُّ أَن تحضرَ دونَ أَن يكونَ شاعرُها في اسْتقبالِها،وعليهِ أَن يُحسنَ اسْتقبالَها، ويُتقِنَ ضيافتَها كي تقبلَ المكوثَ. بعدَ هذَا، يتماهيانِ معًا في حالةٍ منَ اللاَّشعورِ/ واللاَّوعي، حتَّى يَصِلا إِلى سؤالِ الشَّاعرِ (وليم بتلر ييتس) المُدهشِ/ المُذهلِ: "كيفَ نعرِفُ الرَّقصَ منَ الرَّاقصِ؟!"
*هل تعتقد أنّ الساحة الأدبيّة حاليًّا تحتوي على نقّاد على قدر من المسؤوليّة؟ ومن هذا المنطلق كيف ترى مستقبل الشعر من حيث القيمة والجودة والمتانة ؟
-النقد البنّاء الجاد قليل في حياتنا الأدبيّة،إذا ما قارناه بمرحلة بداية القرن العشرين حتى منتصفه،لكنّه تراجع في العقود الأخيرة،وصار نقدا صحفيًّا شلليًّا يرفع الوضيع،ويبقي الرفيع مهمّشا،بعيدا عن الأضواء،ولا أدلّ على ذلك من شهادات التقدير لكتّاب لا يمتّون للكتابة الإبداعية بصلة. وهذه الدعوات التي فقدت معناها وبريقها في عالم غير سويّ،اختلط فيه الحابل بالنابل،وضاعت فيه"البوصلة"
مثل هذا الكتابات ونقدها ليس لها قيمة فنّيّة،وسوف تزول بزوال الأسباب التي أوجدتها،والزّمن طال أو قصر كفيل بالغربلة.
*من هو الشّاعر النّاجح من وجهة نظرك؟
-الشّاعر النّاجح هو الذي يذهب إليه الشّعر لا الذي يذهب إلى الشّعر مستجديًا بنات الخيال ، وهو الذي يكون على اطّلاع واسع على الشّعر العربيّ قديما وحديثا، وكذلك على الشّعر العالميّ،فشاعر اليوم غير شاعر الأمس،إنّه يحتاج إلى تنمية ثقافته،ليكون قادرًا أن يصبح ناقد نفسه،فالشّاعر الناجح ناقد عليم بشعره وشعر غيره.
الشاعر النّاجح هو الذي يكون الشّعر من صميم دمه وخلاياه،فهو يتنفّس الشّعر،ويخلص له من خلال تطويره أساليبه من لغة وصورة وحدس.
*ما هي مقاييس القصيدة الناجحة ؟ ومن برأيك الحكم الحقيقيّ لنجاح القصيدة؟
-المقاييس هي أن تكون قصيدة شعريّة لا خواطر مبعثرة أو نظمًا فارغًا ممجوجًا،وهي التي تخلو من ضعف اللغة وفقرها،ومن أخطاء النحو والإملاء والتقليد.
والحكم الحقيقيّ هم الشّعراء والنقّاد المشهود لهم بالذائقة العميقة"وأنتَ واحد منهم (قالها بإبتسامة نابعة-في تقديري-من القلب)،والرّوح النقديّة المتمرّسة بالحياة وفنون الكلام.
وقد أعدّل جوابي السابق،وأقول : ليس للشعر مقاييس ثابتة،وإن وجدت فستكون ناقصة أو متناقضة مع نفسها ،فلكلّ شاعر مقياسه الخاصّ،وعالمه الخاصّ،وحياته الخاصّة،وحبّه الخاصّ،و"موته"الخاصّ.فلا عموميّة في الشّعر،لأنّه حديث الرّوح،والرّوح من أخصّ خصوصيّات الإنسان.
*نعيش في عصر الرواية،هل توافق على هذه المقولة؟ وهل تعتقد أنّ الشّعر قد فقد بريقه أم أنّه منافس قويّ يقف بصلابة أمام أنواع الأدب الأخرى؟
-الرواية العربيّة في تطور مستمرّ،والمتطفّلون عليها أقلّ من الشّعر، لذلك حافظت على احترامها لنفسها ، غير أنّي لا أعترف بالمصطلحات والموازنات هنا،فهناك عشّاق الرواية، وهناك عشّاق الشّعر،واذا كان الناس يميلون إلى قراءة الرواية فلأن النفس الإنسانيّة تميل إلى سماع القصص التي ليس لها مجال واسع في المناهج المدرسيّة.
الرواية في تطوّر،ولكنّها لا تسبق الشّعر بل ربما هما فرسا رهان في مضمار لا يرتاده إلّا القليل من الجمهور الذوّاق لهذا أو ذاك.
*مامدى التطور والتحولات التي طرأت على بناء القصيدة العربية الجديدة؟
-حققت القصيدة العربية المعاصرة بالفعل تطورا من ناحية المضمون ويرجع السبب في ذلك الى المخاضات السياسية والآيديولوجية التي يعيشها الشعب العربي الآن.وهي مخاضات فرضت على الشعراء الآن أن يتصلوا اتصالا مباشرا أو غير مباشر بالحركة الشعرية العالمية،الشي ء الذي جعل هذا التطور ملموسا إذا نحن قارنا بينها وبين الإرهاصات الأولى، وبينها وبين البدايات بالفعل. ولكنها من حيث الشكل لازالت تجتر تلك الايقاعات الصافية-بتعبير نازك الملائكة-وقد كان من المنتظر أن تبحث لنفسها عن آفاق إيقاعية جديدة مستوحاة من الفولكلور العربي الخصيب،والى أن تفعل ذلك،أتمنى أن تخرج من هذا الخندق الإيقاعي الذي لم تستطع تجاوزه (أغلب ما ينشر من الشعر،إيقاعه من الحبب أو المتقارب أو الرجز) وقد كان من المنطقي أن تكتشف هذه القصيدة إيقاعا داخليا يتجلى في عملية التركيب بين الألفاظ،كما هو الشأن في القصيدة العربية المعاصرة،أي أن تتحول الى قصيدة نثر تكتسب قيمتها الايقاعية من تجانس التركيب اللغوي،ومن قدرتها على الاغتصاب والتنكر لسكونية القوالب المألوفة.
*هَلاَّ أتحفتنـا بنموذج من شعرك ومن حكمك في هذه الفسحة الحوارية ؟
-
في حضرة عينيك
قد بات قلبي في مداها واستقرْ
يهمى دروبي في روابيها انتشرْ
في مقلتي قد صابني سهم النوى
إذ ثار بركاني وبالنار استعَرْ
فتردد الأوصال من عزفي شذا
والشوق تؤويه الضلوع لمستقَرْ
يا بسمة الثغر الذي نطق الهوى
في حضنك الأيام تلهو والقدرْ
ومسافرٌ شوقي على طول المدى
أذروه دمعًا من عيوني ما انهمَرْ
في وصلك المشتاق ما رام الجفا
والنبض مبتور وأشقاه السهرْ
يا موطني فالزهر يسقيه الندى
تعلوه أشواق الغرام فما انكسَرْ
جئت المجير لحبنا أبغي الرضا
جئت السلام لعشقنا طول السفَرْ
ردي إلى قلبي السلام وصافحي
يكفي جفاءً فالهوى نبضي بترْ
*آلاف وآلاف من الشباب يودون أن يكونوا شعراء وفلاسفة في نفس الوقت،ماهي وصيتك لهم؟
-كُنْ تَنويرياً بالرؤية المُجردة مِن الإنتماء..وَبعدها ستحمل مشكاة النور،لِترىٰ وَ تُنير
*كلمة اخيرة تريد ان تقولها..؟
-اريد للشعر ان يكون اكثر قوة في وجه هذا الزمن الرديء،وأشكرك على ما تقوم به من جهود اعلامية مشرقة واتمنى دائما ان تقدم الاسماء الابداعية الجديدة الى عالم الاعلام التونسي والعربي سواء كان صحافيا او -انترنيتيا- .؟
*دمتَ لامعَ الحرف..وذائقا لمعانيه العميقة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل


.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة




.. مخرجا فيلم -رفعت عينى للسما- المشارك في -كان- يكشفان كواليس


.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا




.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ